الباحث القرآني
﴿وقالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ وقالَتِ النَّصارى المَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهم بِأفْواهِهِمْ يُضاهُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أنّى يُؤْفَكُونَ﴾
عُطِفَ عَلى جُمْلَةِ ﴿ولا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ﴾ [التوبة: ٢٩] والتَّقْدِيرُ: ويَقُولُ اليَهُودُ مِنهم عُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ، ويَقُولُ النَّصارى مِنهُمُ المَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، تَشْنِيعًا عَلى قائِلِيهِما مِن أهْلِ الكِتابِ بِأنَّهم بَلَغُوا في الكُفْرِ غايَتَهُ حَتّى ساوَوُا المُشْرِكِينَ.
وعُزَيْرُ: اسْمُ حَبْرٍ كَبِيرٍ مِن أحْبارِ اليَهُودِ الَّذِينَ كانُوا في الأسْرِ البابِلِيِّ، واسْمُهُ في العِبْرانِيَّةِ (عِزْرا) بِكَسْرِ العَيْنِ المُهْمَلَةِ بْنُ (سَرايا) مِن سِبْطٍ اللّاوِيِّينَ، كانَ (p-١٦٨)حافِظًا لِلتَّوْراةِ. وقَدْ تَفَضَّلَ عَلَيْهِ (كُورَشُ) مَلِكُ فارِسَ فَأطْلَقَهُ مِنَ الأسْرِ، وأطْلَقَ مَعَهُ بَنِي إسْرائِيلَ مِنَ الأسْرِ الَّذِي كانَ عَلَيْهِمْ في بابِلَ، وأذِنَهم بِالرُّجُوعِ إلى أُورْشَلِيمَ وبِناءُ هَيْكَلِهِمْ فِيهِ، وذَلِكَ في سَنَةِ ٤٥١ قَبْلَ المَسِيحِ، فَكانَ عِزْرا زَعِيمَ أحْبارِ اليَهُودِ الَّذِينَ رَجَعُوا بِقَوْمِهِمْ إلى أُورْشَلِيمَ وجَدَّدُوا الهَيْكَلَ وأعادَ شَرِيعَةَ التَّوْراةِ مِن حِفْظِهِ، فَكانَ اليَهُودُ يُعَظِّمُونَ عِزْرا إلى حَدِّ أنِ ادَّعى عامَّتُهم أنَّ عِزْرا ابْنُ اللَّهِ، غُلُوًّا مِنهم في تَقْدِيسِهِ، والَّذِينَ وصَفُوهُ بِذَلِكَ جَماعَةٌ مِن أحْبارِ اليَهُودِ في المَدِينَةِ، وتَبِعَهم كَثِيرٌ مِن عامَّتِهِمْ. وأحْسَبُ أنَّ الدّاعِيَ لَهم إلى هَذا القَوْلِ أنْ لا يَكُونُوا أخْلِياءَ مِن نِسْبَةِ أحَدِ عُظَمائِهِمْ إلى بُنُوَّةِ اللَّهِ - تَعالى - مِثْلَ قَوْلِ النَّصارى في المَسِيحِ كَما قالَ مُتَقَدِّمُوهُمُ ﴿اجْعَلْ لَنا إلَهًا كَما لَهم آلِهَةٌ﴾ [الأعراف: ١٣٨]
قالَ بِهَذا القَوْلِ فِرْقَةٌ مِنَ اليَهُودِ فَأُلْصِقَ القَوْلُ بِهِمْ جَمِيعًا لِأنَّ سُكُوتَ الباقِينَ عَلَيْهِ وعَدَمَ تَغْيِيرِهِ يُلْزِمُهُمُ المُوافَقَةَ عَلَيْهِ والرِّضا بِهِ، وقَدْ ذُكِرَ اسْمُ عِزْرا في الآيَةِ بِصِيغَةِ التَّصْغِيرِ، فَيُحْتَمَلُ أنَّهُ لَمّا عُرِّبَ عُرِّبَ بِصِيغَةٍ تُشْبِهُ صِيغَةَ التَّصْغِيرِ، فَيَكُونُ كَذَلِكَ اسْمُهُ عِنْدَ يَهُودِ المَدِينَةِ ويُحْتَمَلُ أنَّ تَصْغِيرَهُ جَرى عَلى لِسانِ يَهُودِ المَدِينَةِ تَحْبِيبًا فِيهِ.
قَرَأ الجُمْهُورُ عُزَيْرُ - مَمْنُوعًا مِنَ التَّنْوِينِ لِلْعُجْمَةِ - وهو ما جَزَمَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ وقَرَأهُ عاصِمٌ والكِسائِيُّ ويَعْقُوبُ: بِالتَّنْوِينِ عَلى اعْتِبارِهِ عَرَبِيًّا بِسَبَبِ التَّصْغِيرِ الَّذِي أُدْخِلَ عَلَيْهِ لِأنَّ التَّصْغِيرَ لا يَدْخُلُ في الأعْلامِ العَجَمِيَّةِ، وهو ما جَزَمَ بِهِ عَبْدُ القاهِرِ في فَصْلِ النَّظْمِ مِن دَلائِلِ الإعْجازِ، وتَأوُّلُ قِراءَةِ تَرْكِ التَّنْوِينِ بِوَجْهَيْنِ لَمْ يَرْتَضِهِما الزَّمَخْشَرِيُّ.
وأمّا قَوْلُ النَّصارى بِبُنُوَّةِ المَسِيحِ فَهو مَعْلُومٌ مَشْهُورٌ. وقَدْ مَضى الكَلامُ عَلى المَسِيحِ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿وآتَيْنا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّناتِ﴾ [البقرة: ٨٧] في سُورَةِ البَقَرَةِ. وعِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿اسْمُهُ المَسِيحُ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [آل عمران: ٤٥] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ.
والإشارَةُ بِـ ”ذَلِكَ“ إلى القَوْلِ المُسْتَفادِ مِن ”قالَتِ اليَهُودُ“ - ”وقالَتِ النَّصارى“ . والمَقْصُودُ مِنَ الإشارَةِ تَشْهِيرُ القَوْلِ وتَمْيِيزُهُ، زِيادَةً في تَشْنِيعِهِ عِنْدَ المُسْلِمِينَ.
و”بِأفْواهِهِمْ“ حالٌ مِنَ القَوْلِ، والمُرادُ أنَّهُ قَوْلٌ لا يَعْدُو الوُجُودَ في اللِّسانِ ولَيْسَ لَهُ ما يُحَقِّقُهُ في الواقِعِ، وهَذا كِنايَةٌ عَنْ كَوْنِهِ كاذِبًا كَقَوْلِهِ - تَعالى: (p-١٦٩)﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِن أفْواهِهِمْ إنْ يَقُولُونَ إلّا كَذِبًا﴾ [الكهف: ٥] . وفي هَذا أيْضًا إلْزامٌ لَهم بِهَذا القَوْلِ، وسَدُّ بابِ تَنَصُّلِهِمْ مِنهُ إذْ هو إقْرارُهم بِأفْواهِهِمْ وصَرِيحِ كَلامِهِمْ.
والمُضاهاةُ: المُشابَهَةُ، وإسْنادُها إلى القائِلِينَ: عَلى تَقْدِيرِ مُضافٍ ظاهِرٍ مِنَ الكَلامِ، أيْ يُضاهِي قَوْلَهم.
و﴿الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ﴾ هُمُ المُشْرِكُونَ: مِنَ العَرَبِ، ومِنَ اليُونانِ، وغَيْرِهِمْ، وكَوْنِهِمْ مِن قَبْلِ النَّصارى ظاهَرٌ، وأمّا كَوْنُهم مِن قَبْلِ اليَهُودِ: فَلِأنَّ اعْتِقادَ بُنُوَّةِ عُزَيْرَ طارِئٌ في اليَهُودِ ولَيْسَ مِن عَقِيدَةِ قُدَمائِهِمْ.
وجُمْلَةُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ دُعاءٌ مُسْتَعْمَلٌ في التَّعْجِيبِ، وهو مُرَكَّبٌ يُسْتَعْمَلُ في التَّعَجُّبِ مِن عَمَلٍ شَنِيعٍ، والمُفاعَلَةُ فِيهِ لِلْمُبالَغَةِ في الدُّعاءِ: أيْ قَتَلَهُمُ اللَّهُ قَتْلًا شَدِيدًا. وجُمْلَةُ التَّعْجِيبِ مُسْتَأْنَفَةٌ كَشَأْنِ التَّعَجُّبِ.
وجُمْلَةُ أنّى يُؤْفَكُونَ مُسْتَأْنَفَةٌ. والِاسْتِفْهامُ فِيها مُسْتَعْمَلٌ في التَّعْجِيبِ مِن حالِهِمْ في الِاتِّباعِ الباطِلِ، حَتّى شُبِّهَ المَكانُ الَّذِي يُصْرَفُونَ إلَيْهِ بِاعْتِقادِهِمْ بِمَكانٍ مَجْهُولٍ مِن شَأْنِهِ أنْ يُسْألَ عَنْهُ بِاسْمِ الِاسْتِفْهامِ عَنِ المَكانِ، ومَعْنى ”يُؤْفَكُونَ“ يُصْرَفُونَ. يُقالُ: أفَكَهُ يَأْفِكُهُ إذا صَرَفَهُ، قالَ - تَعالى: ﴿يُؤْفَكُ عَنْهُ مَن أُفِكَ﴾ [الذاريات: ٩] والإفْكُ بِمَعْنى الكَذِبِ قَدْ جاءَ مِن هَذِهِ المادَّةِ لِأنَّ الكاذِبَ يَصْرِفُ السّامِعَ عَنِ الصِّدْقِ، وقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ.
{"ayah":"وَقَالَتِ ٱلۡیَهُودُ عُزَیۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَى ٱلۡمَسِیحُ ٱبۡنُ ٱللَّهِۖ ذَ ٰلِكَ قَوۡلُهُم بِأَفۡوَ ٰهِهِمۡۖ یُضَـٰهِـُٔونَ قَوۡلَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِن قَبۡلُۚ قَـٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ یُؤۡفَكُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق