﴿لا يَرْقُبُونَ في مُؤْمِنٍ إلًّا ولا ذِمَّةً﴾ يَجُوزُ أنَّ تَكُونَ هَذِهِ الجُمْلَةُ بَدَلَ اشْتِمالٍ مِن جُمْلَةِ ﴿إنَّهم ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: ٩] لِأنَّ انْتِفاءَ مُراعاةِ الإلِّ والذِّمَّةِ مَعَ المُؤْمِنِينَ مِمّا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ سُوءُ عَمَلِهِمْ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ اسْتِئْنافًا ابْتُدِئَ بِهِ لِلِالتِمامِ بِمَضْمُونِ الجُمْلَةِ. وقَدْ أفادَتْ مَعْنًى أعَمَّ وأوْسَعَ مِمّا أفادَهُ قَوْلُهُ: ﴿وإنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكم لا يَرْقُبُوا فِيكم إلًّا ولا ذِمَّةً﴾ [التوبة: ٨] لِأنَّ إطْلاقَ الحُكْمِ عَنِ التَّقْيِيدِ بِشَرْطِ ﴿إنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ﴾ [الكهف: ٢٠] يُفِيدُ أنَّ عَدَمَ مُراعاتِهِمْ حَقَّ الحِلْفِ والعَهْدِ خُلُقٌ مُتَأصِّلٌ، سَواءً كانُوا أقْوِياءَ أمْ مُسْتَضْعَفِينَ، وإنَّ ذَلِكَ لِسُوءِ طَوِيَّتِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ لِأجْلِ إيمانِهِمْ. والإلُّ والذِّمَّةُ تَقَدَّما قَرِيبًا.
* * *
(p-١٢٧)﴿وأُولَئِكَ هُمُ المُعْتَدُونَ﴾
عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿لا يَرْقُبُونَ في مُؤْمِنٍ إلًّا ولا ذِمَّةً﴾ لِمُناسَبَةِ أنَّ إثْباتَ الِاعْتِداءِ العَظِيمِ لَهم نَشَأ عَنِ الحِقْدِ، الشَّيْءِ الَّذِي أضْمَرُوهُ لِلْمُؤْمِنِينَ، لا لِشَيْءٍ إلّا لِأنَّهم مُؤْمِنُونَ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما نَقَمُوا مِنهم إلّا أنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ﴾ [البروج: ٨]
والقَصْرُ إمّا أنْ يَكُونَ لِلْمُبالَغَةِ في اعْتِدائِهِمْ؛ لِأنَّهُ اعْتِداءٌ عَظِيمٌ باطِنِيٌّ عَلى قَوْمٍ حالَفُوهم وعاهَدُوهم، ولَمْ يُلْحِقُوا بِهِمْ ضُرًّا مَعَ تَمَكُّنِهِمْ مِنهُ، وإمّا أنْ يَكُونَ قَصْرَ قَلْبٍ، أيْ: هُمُ المُعْتَدُونَ لا أنْتُمْ لِأنَّهم بَدَءُوكم بِنَقْضِ العَهْدِ في قَضِيَّةِ خُزاعَةَ وبَنِي الدِّيلِ مِن بَكْرِ بْنِ وائِلٍ مِمّا كانَ سَبَبًا في غَزْوَةِ الفَتْحِ.
{"ayah":"لَا یَرۡقُبُونَ فِی مُؤۡمِنٍ إِلࣰّا وَلَا ذِمَّةࣰۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُعۡتَدُونَ"}