الباحث القرآني
﴿إنَّ الأبْرارَ لَفي نَعِيمٍ﴾ ﴿عَلى الأرائِكِ يَنْظُرُونَ﴾ ﴿تَعْرِفُ في وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾ ﴿يُسْقَوْنَ مِن رَحِيقٍ مَخْتُومٍ﴾ ﴿خِتامُهُ مِسْكٌ وفي ذَلِكَ فَلْيَتَنافَسِ المُتَنافِسُونَ﴾ ﴿ومِزاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ﴾ ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِها المُقَرَّبُونَ﴾ .
مَضْمُونُ هَذِهِ الجُمْلَةِ قَسِيمٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ ﴿إنَّهم عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين: ١٥] إلى آخِرِها. ولِذَلِكَ جاءَتْ عَلى نَسِيجِ نَظْمِ قَسِيمَتِها افْتِتاحًا وتَوْصِيفًا وفَصْلًا، وهي مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ ﴿إنَّ كِتابَ الأبْرارِ لَفي عِلِّيِّينَ﴾ [المطففين: ١٨] فَمَوْقِعُها مَوْقِعُ البَيانِ أوْ مَوْقِعُ بَدَلِ الِاشْتِمالِ عَلى كِلا الوَجْهَيْنِ في مَوْقِعِ الَّتِي قَبْلَها عَلى أنَّهُ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ مِنَ الكَلامِ الَّذِي يُقالُ لَهم ﴿ثُمَّ يُقالُ هَذا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ [المطففين: ١٧] فَيَكُونُ قَوْلُ ذَلِكَ لَهم، تَحْسِيرًا وتَنْدِيمًا عَلى تَفْرِيطِهِمْ في الإيمانِ.
وأحَدُ الوَجْهَيْنِ لا يُناكِدُ الوَجْهَ الآخَرَ فِيما قُرِّرَ لِلْجُمْلَةِ مِنَ الخُصُوصِيّاتِ.
وذُكِرَ الأبْرارُ بِالِاسْمِ الظّاهِرِ دُونَ ضَمِيرِهِمْ، خِلافًا لِما جاءَ في جُمْلَةِ ﴿إنَّهم عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين: ١٥] تَنْوِيهًا بِوَصْفِ الأبْرارِ.
وقَوْلُهُ: ﴿عَلى الأرائِكِ﴾ [المطففين: ٣٥] خَبَرٌ ثانٍ عَنِ الأبْرارِ، أيْ: هم عَلى الأرائِكِ، أيْ: مُتَّكِئُونَ عَلَيْها.
والأرائِكُ: جَمْعُ أرِيكَةٍ بِوَزْنِ سَفِينَةٍ، والأرِيكَةُ: اسْمٌ لِمَجْمُوعِ سَرِيرٍ ووِسادَتِهِ وحَجَلَةٍ مَنصُوبَةٍ عَلَيْهِما، فَلا يُقالُ: أرِيكَةٌ إلّا لِمَجْمُوعِ هَذِهِ الثَّلاثَةِ، وقِيلَ: إنَّها حَبَشِيَّةٌ وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مُتَّكِئِينَ فِيها عَلى الأرائِكِ﴾ [الإنسان: ١٣] في سُورَةِ الإنْسانِ.
(p-٢٠٥)ويَنْظُرُونَ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ الأبْرارِ. وحُذِفَ مَفْعُولُ يَنْظُرُونَ إمّا لِدَلالَةِ ما تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مِن قَوْلِهِ في ضِدِّهِمْ ﴿إنَّهم عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين: ١٥] والتَّقْدِيرُ: يَنْظُرُونَ إلى رَبِّهِمْ وإمّا لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ، أيْ: يَنْظُرُونَ كُلَّ ما يُبْهِجُ نُفُوسَهم ويَسُرُّهم بِقَرِينَةِ مَقاعِدِ الوَعْدِ والتَّكْرِيمِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ تَعْرِفُ بِصِيغَةِ الخِطابِ ونَصْبِ (نَضْرَةَ) وهو خِطابٌ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ. أيْ: تَعْرِفُ يا مَن يَراهم. وقَرَأهُ أبُو جَعْفَرٍ ويَعْقُوبُ تُعْرَفُ بِصِيغَةِ البِناءِ لِلْمَجْهُولِ ورَفْعِ (نَضْرَةُ) .
ومَآلُ المَعْنَيَيْنِ واحِدٌ إلّا أنَّ قِراءَةَ الجُمْهُورِ جَرَتْ عَلى الطَّرِيقَةِ الخاصَّةِ في اسْتِعْمالِهِ. وجَرَتْ قِراءَةُ أبِي جَعْفَرٍ ويَعْقُوبَ عَلى الطَّرِيقَةِ الَّتِي لا تَخْتَصُّ بِهِ.
والخِطابُ بِمِثْلِهِ في مَقامِ وصْفِ الأُمُورِ العَظِيمَةِ طَرِيقَةٌ عَرَبِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ خَبَرٌ ثالِثٌ عَنِ الأبْرارِ أوْ حالٌ ثانِيَةٌ لَهُ.
والنَّضْرَةُ: البَهْجَةُ والحُسْنُ، وإضافَةُ (نَضْرَةَ) إلى (النَعِيمِ) مِن إضافَةِ المُسَبَّبِ إلى السَّبَبِ، أيِ: النَّضْرَةُ والبَهْجَةُ الَّتِي تَكُونُ لِوَجْهِ المَسْرُورِ الرّاضِي إذْ تَبْدُو عَلى وجْهِهِ مَلامِحُ السُّرُورِ.
وجُمْلَةُ ﴿يُسْقَوْنَ مِن رَحِيقٍ﴾ خَبَرٌ رابِعٌ عَنِ الأبْرارِ أوْ حالٌ ثالِثَةٌ مِنهُ. وعَبَّرَ بِـ يُسْقَوْنَ دُونَ: يَشْرَبُونَ، لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّهم مَخْدُومُونَ يَخْدِمُهم مَخْلُوقاتٌ لِأجْلِ ذَلِكَ في الجَنَّةِ. وذَلِكَ مِن تَمامِ التَّرَفُّهِ ولَذَّةِ الرّاحَةِ.
والرَّحِيقُ: اسْمٌ لِلْخَمْرِ الصّافِيَةِ الطَّيِّبَةِ.
والمَخْتُومُ: المَسْدُودُ إناؤُهُ، أيْ: باطِيَتُهُ، وهو اسْمُ مَفْعُولٍ مِن خَتَمَهُ إذا شَدَّ بِصِنْفٍ مِنَ الطِّينِ مَعْرُوفٍ بِالصَّلابَةِ إذا يَبِسَ فَيَعْسُرُ قَلْعُهُ، وإذا قُلِعَ ظَهَرَ أنَّهُ مَقْلُوعٌ كانُوا يَجْعَلُونَهُ لِلْخَتْمِ عَلى الرَّسائِلِ لِئَلّا يَقْرَأ حامِلُها ما فِيها، ولِذَلِكَ يَقُولُونَ مِن كَرَمِ الكِتابِ خَتْمُهُ ويَجْعَلُونَ عَلامَةً عَلَيْهِ، تُطْبَعُ فِيهِ وهو رَطْبٌ، فَإذا يَبِسَ تَعَذَّرَ فَسْخُها، ويُسَمّى ما تُطْبَعُ بِهِ خاتَمًا بِفَتْحِ الفَوْقِيَّةِ، وكانَ المُلُوكُ والأُمَراءُ والسّادَةُ يَجْعَلُونَ لِأنْفُسِهِمْ خَواتِيمَ يَضَعُونَها في أحَدِ الخِنْصَرَيْنِ لِيَجِدُوها عِنْدَ إصْدارِ الرَّسائِلِ عَنْهم، قالَ جَرِيرٌ:(p-٢٠٦)
؎يَكْفِي الخَلِيفَةَ أنَّ اللَّهَ سَـرْبَـلَـهُ سِرْبالَ مُلْكٍ بِهِ تُزْجى الخَواتِيمُ
والخِتامُ بِوَزْنِ كِتابٍ: اسْمٌ لِلطِّينِ الَّذِي يُخْتَمُ بِهِ كانُوا يَجْعَلُونَ طِينَ الخِتامِ عَلى مَحَلِّ السِّدادِ مِنَ القارُورَةِ أوِ الباطِيَةِ أوِ الدَّنِّ لِلْخَمْرِ لِمَنعِ تَخَلُّلِ الهَواءِ إلَيْها، وذَلِكَ أصْلَحُ لِاخْتِمارِها وزِيادَةِ صَفائِها وحِفْظِ رائِحَتِها. وجُعِلَ خِتامُ خَمْرِ الجَنَّةِ بِعَجِينِ المِسْكِ عِوَضًا عَنْ طِينِ الخَتْمِ.
والمِسْكُ مادَّةٌ حَيَوانِيَّةٌ ذاتُ عَرْفٍ طَيِّبٍ مَشْهُورٍ طِيبُهُ وقُوَّةُ رائِحَتِهِ مُنْذُ العُصُورِ القَدِيمَةِ، وهَذِهِ المادَّةُ تَتَكَوَّنُ في غُدَّةٍ مَمْلُوءَةٍ دَمًا تَخْرُجُ في عُنُقِ صِنْفٍ مِنَ الغَزالِ في بِلادِ التِّيبِيتِ مِن أرْضِ الصِّينِ فَتَبْقى مُتَّصِلَةً بِعُنُقِهِ إلى أنْ تَيْبَسَ فَتَسْقُطُ فَيَلْتَقِطُها طُلّابُها ويَتَّجِرُونَ فِيها، وهي جِلْدَةٌ في شَكْلِ فَأْرٍ صَغِيرٍ ولِذَلِكَ يَقُولُونَ: فَأْرَةُ المِسْكِ.
وفُسِّرَ ﴿خِتامُهُ مِسْكٌ﴾ بِأنَّ المَعْنى خِتامُ شُرْبِهِ، أيْ: آخِرُ شُرْبِهِ مِسْكٌ، أيْ: طَعْمُ المِسْكِ بِمَعْنى نَكْهَتِهِ، وأنْشَدَ ابْنُ عَطِيَّةَ قَوْلَ ابْنِ مُقْبِلٍ:
؎مِمّا يُعَتِّقُ في الحانُوتِ قاطِفُها ∗∗∗ بِالفُلْفُلِ الجَوْنِ والرُّمّانِ مَخْتُومُ
أيْ: يَنْتَهِي بِلَذْعِ الفُلْفُلِ وطَعْمِ الرُّمّانِ.
وجُمْلَةُ ﴿خِتامُهُ مِسْكٌ﴾ نَعْتٌ لِـ رَحِيقٍ. أوْ بَدَلٌ مُفَصَّلٌ مِن مُجْمَلٍ، أوِ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ ناشِئٌ عَنْ وصْفِ الرَّحِيقِ بِأنَّهُ مَخْتُومٌ أنْ يَسْألَ سائِلٌ عَنْ خِتامِها أيُّ شَيْءٍ هو مِن أصْنافِ الخِتامِ؛ لِأنَّ غالِبَ الخِتامِ أنْ يَكُونَ بِطِينٍ أوْ سِدادٍ.
وجُمْلَةُ ﴿وفي ذَلِكَ فَلْيَتَنافَسِ المُتَنافِسُونَ﴾ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ ﴿خِتامُهُ مِسْكٌ﴾ .
وجُمْلَةِ ﴿ومِزاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ﴾ .
واعْلَمْ أنَّ نَظْمَ التَّرْكِيبِ في هَذِهِ الجُمْلَةِ دَقِيقٌ يَحْتاجُ إلى بَيانٍ، وذَلِكَ أنْ نَجْعَلَ الواوَ اعْتِراضِيَّةً فَقَوْلُهُ: (وفي ذَلِكَ) هو مَبْدَأُ الجُمْلَةِ. وتَقْدِيمُ المَجْرُورِ لِإفادَةِ الحَصْرِ أيْ: وفي ذَلِكَ الرَّحِيقِ فَلْيَتَنافَسِ النّاسُ لا في رَحِيقِ الدُّنْيا الَّذِي يَتَنافَسُ فِيهِ أهْلُ (p-٢٠٧)البَذَخِ ويَجْلِبُونَهُ مِن أقاصِي البِلادِ ويُنْفِقُونَ فِيهِ الأمْوالَ. ولَمّا كانَتِ الواوُ اعْتِراضِيَّةً لَمْ يَكُنْ إشْكالٌ في وُقُوعِ فاءِ الجَوابِ بَعْدَها. والفاءُ إمّا أنْ تَكُونَ فَصِيحَةً، والتَّقْدِيرُ: إذا عَلِمْتُمُ الأوْصافَ لِهَذا الرَّحِيقِ فَلْيَتَنافَسْ فِيهِ المُتَنافِسُونَ، أوِ التَّقْدِيرُ: وفي ذَلِكَ فَلْتَتَنافَسُوا فَلْيَتَنافَسْ فِيهِ المُتَنافِسُونَ فَتَكُونُ الجُمْلَةُ في قُوَّةِ التَّذْيِيلِ؛ لِأنَّ المُقَدَّرَ هو تَنافُسُ المُخاطَبِينَ، والمُصَرَّحُ بِهِ تَنافُسُ جَمِيعِ المُتَنافِسِينَ فَهو تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ، وإمّا أنْ تَكُونَ الفاءُ فاءَ جَوابٍ لِشَرْطٍ مُقَدَّرٍ في الكَلامِ يُؤْذِنُ بِهِ تَقْدِيمُ المَجْرُورِ؛ لِأنَّ تَقْدِيمَ المَجْرُورِ كَثِيرًا ما يُعامَلُ مُعامَلَةَ الشَّرْطِ، كَما رُوِيَ قَوْلُ النَّبِيءِ ﷺ: «كَما تَكُونُوا يُوَلَّ عَلَيْكم» بِجَزْمِ ”تَكُونُوا“ و”يُولَّ“، فالتَّقْدِيرُ: إنْ عَلِمْتُمْ ذَلِكَ فَلْيَتَنافَسْ فِيهِ المُتَنافِسُونَ. وإمّا أنْ تَكُونَ الفاءُ تَفْرِيعًا عَلى مَحْذُوفٍ عَلى طَرِيقَةِ الحَذْفِ عَلى شَرِيطَةِ التَّفْسِيرِ، والتَّقْدِيرُ: وتَنافَسُوا صِيغَةَ أمْرٍ في ذَلِكَ، فَلْيَتَنافَسِ المُتَنافِسُونَ فِيهِ، ويَكُونُ الكَلامُ مُؤَذِنًا بِتَوْكِيدِ فِعْلِ التَّنافُسِ لِأنَّهُ بِمَنزِلَةِ المَذْكُورِ مَرَّتَيْنِ، مَعَ إفادَةِ التَّخَصُّصِ بِتَقْدِيمِ المَجْرُورِ.
وجُمْلَةُ ﴿وفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنافَسِ المُتَنافِسُونَ﴾ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ ﴿يُسْقَوْنَ مِن رَحِيقٍ﴾ إلَخْ وجُمْلَةِ ﴿ومِزاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ﴾ .
والتَّنافُسُ: تَفاعُلٌ مِن نَفِسَ عَلَيْهِ بِكَذا إذا شَحَّ بِهِ عَلَيْهِ ولَمْ يَرَهُ أهْلًا لَهُ وهو مِن قَبِيلِ الِاشْتِقاقِ مِنَ الشَّيْءِ النَّفِيسِ، وهو الرَّفِيعُ في نَوْعِهِ المَرْغُوبُ في تَحْصِيلِهِ. وقَدْ قِيلَ: إنَّ الأصْلَ في هَذِهِ المادَّةِ هو النَّفْسُ. فالتَّنافُسُ حُصُولُ النَّفاسَةِ بَيْنَ مُتَعَدِّدَةٍ.
ولامُ الأمْرِ في (فَلْيَتَنافَسِ) مُسْتَعْمَلَةٌ في التَّحْرِيضِ والحَثِّ.
ومِزاجُهُ: ما يُمْزَجُ بِهِ. وأصْلُهُ مَصْدَرُ مازَجَ بِمَعْنى مَزَجَ، وأُطْلِقَ عَلى المَمْزُوجِ بِهِ فَهو مِن إطْلاقِ المَصْدَرِ عَلى المَفْعُولِ، وكانُوا يَمْزُجُونَ الخَمْرَ لِئَلّا تَغْلِبَهم سَوْرَتُها فَيُسْرِعُ إلَيْهِمْ مَغِيبُ العُقُولِ؛ لِأنَّهم يَقْصِدُونَ تَطْوِيلَ حِصَّةِ النَّشْوَةِ لِلِالتِذاذِ بِدَبِيبِ السُّكْرِ في العَقْلِ دُونَ أنْ يَغُتَّهُ غَتًّا، فَلِذَلِكَ أكْثَرُ ما تُشْرَبُ الخَمْرُ المُعَتَّقَةُ الخالِصَةُ تُشْرَبُ مَمْزُوجَةً بِالماءِ. قالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
؎شُجَّتْ بِذِي شَبَمٍ مِن ماءٍ مُحْقِبَةٍ ∗∗∗ صافٍ بِأبْطَحَ أضْحى وهو مَشْمُولُ
(p-٢٠٨)وقالَ حَسّانُ:
؎يَسْقُونَ مَن ورَدَ البَرِيضَ عَلَيْهِمُ ∗∗∗ بَرَدى يُصَفِّقُ بِالرَّحِيقِ السَّلْسَلِ
وتَنافُسُهم في الخَمْرِ مَشْهُورٌ مِن عَوائِدِهِمْ وطَفَحَتْ بِهِ أشْعارُهم، كَقَوْلِ لَبِيَدٍ:
؎أغْلِي السِّباءَ بِكُلَّ أدْكَنِ عاتِـقٍ ∗∗∗ أوْ جَوْنَةٍ قُدِحَتْ وفُضَّ خِتامُها
وتَسْنِيمٍ عَلَمٌ لَعَيْنٍ في الجَنَّةِ مَنقُولٌ مِن مَصْدَرِ سَنَمَ الشَّيْءُ إذا جَعَلَهُ كَهَيْئَةِ السَّنامِ. وُوَجَّهُوا هَذِهِ التَّسْمِيَةَ بِأنَّ هَذِهِ العَيْنَ تَصُبُّ عَلى جِنانِهِمْ مِن عُلُوٍّ فَكَأنَّها سَنامٌ. وهَذا العَلَمُ عَرَبِيُّ المادَّةِ والصِّيغَةِ، ولَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا عِنْدَ العَرَبِ فَهو مِمّا أخْبَرَ بِهِ القُرْآنُ، ولِذا قالَ ابْنُ عَبّاسٍ لَمّا سُئِلَ عَنْهُ: هَذا مِمّا قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهم مِن قُرَّةِ أعْيُنٍ﴾ [السجدة: ١٧] يُرِيدُ لا يَعْلَمُونَ الأشْياءَ ولا أسْماءَها إلّا ما أخْبَرَ اللَّهُ بِهِ. ولِغَرابَةِ ذَلِكَ احْتِيجَ إلى تَبْيِينِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِها المُقَرَّبُونَ﴾، أيْ: حالُ كَوْنِ التَّسْنِيمِ عَيْنًا يَشْرَبُ بِها المُقَرَّبُونَ.
والمُقَرَّبُونَ: هُمُ الأبْرارُ، أيْ: فالشّارِبُونَ مِن هَذا الماءِ مُقَرَّبُونَ.
وباءُ ﴿يَشْرَبُ بِها﴾ إمّا سَبَبِيَّةٌ، وعُدِّيَ فِعْلُ يَشْرَبُ إلى ضَمِيرِ العَيْنِ بِتَضْمِينِ يَشْرَبُ مَعْنى: يَمْزُجُ، لِقَوْلِهِ: ﴿ومِزاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ﴾ أيْ: يَمْزُجُونَ الرَّحِيقَ بِالتَّسْنِيمِ. وإمّا باءُ المُلابَسَةِ وفِعْلُ يَشْرَبُ مُعَدًّى إلى مَفْعُولٍ مَحْذُوفٍ وهو الرَّحِيقُ أيْ: يَشْرَبُونَ الرَّحِيقَ مُلابِسِينَ لِلْعَيْنِ، أيْ: مُحِيطِينَ بِها وجالِسِينَ حَوْلَها. أوِ الباءُ بِمَعْنى مِنَ التَّبْعِيضِيَّةِ وقَدْ عَدَّهُ الأصْمَعِيُّ والفارِسِيُّ وابْنُ قُتَيْبَةَ وابْنُ مالِكٍ في مَعانِي الباءِ، ويُنْسَبُ إلى الكُوفِيِّينَ. واسْتَشْهَدُوا لَهُ بِهَذِهِ الآيَةِ ولَيْسَ ذَلِكَ بِبَيِّنٍ، فَإنَّ الِاسْتِعْمالَ العَرَبِيَّ يَكْثُرُ فِيهِ تَعْدِيَةُ فِعْلِ الشُّرْبِ بِالباءِ دُونَ مِن، ولَعَلَّهم أرادُوا بِهِ مَعْنى المُلابَسَةِ، أوْ كانَتِ الباءُ زائِدَةً كَقَوْلِ أبِي ذُؤَيْبٍ يَصِفُ السَّحابَ:
؎شَرِبْنَ بِماءِ البَحْرِ ثُمَّ تَرَفَّعَتْ ∗∗∗ مَتى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نَئِيجُ
{"ayahs_start":22,"ayahs":["إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِی نَعِیمٍ","عَلَى ٱلۡأَرَاۤىِٕكِ یَنظُرُونَ","تَعۡرِفُ فِی وُجُوهِهِمۡ نَضۡرَةَ ٱلنَّعِیمِ","یُسۡقَوۡنَ مِن رَّحِیقࣲ مَّخۡتُومٍ","خِتَـٰمُهُۥ مِسۡكࣱۚ وَفِی ذَ ٰلِكَ فَلۡیَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَـٰفِسُونَ","وَمِزَاجُهُۥ مِن تَسۡنِیمٍ","عَیۡنࣰا یَشۡرَبُ بِهَا ٱلۡمُقَرَّبُونَ"],"ayah":"إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِی نَعِیمٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق