الباحث القرآني
﴿كَلّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ ﴿كَلّا﴾ [المطففين: ١٥] .
اعْتِراضٌ بِالرَّدْعِ وبَيانٌ لَهُ؛ لِأنَّ كَلّا رَدْعٌ لِقَوْلِهِمْ أساطِيرُ الأوَّلِينَ، أيْ أنَّ قَوْلَهم (p-١٩٩)باطِلٌ. وحَرْفُ بَلْ لِلْإبْطالِ تَأْكِيدًا لِمَضْمُونٍ كَلّا وبَيانًا وكَشْفًا لِما حَمَلَهم عَلى أنْ يَقُولُوا في القُرْآنِ ما قالُوا وأنَّهُ ما أعْمى بَصائِرَهم مِنَ الرَّيْنِ.
والرَّيْنُ: الصَّدَأُ الَّذِي يَعْلُو حَدِيدَ السَّيْفِ والمِرْآةِ، ويُقالُ في مَصْدَرِ الرَّيْنِ الرّانُ مِثْلَ العَيْبِ والعابِ، والذَّيْمِ والذّامِ.
وأصْلُ فِعْلِهِ أنْ يُسْنَدَ إلى الشَّيْءِ الَّذِي أصابَهُ الرَّيْنُ، فَيُقالُ: رانَ السَّيْفُ ورانَ الثَّوْبُ، إذا أصابَهُ الرَّيْنُ، أيْ: صارَ ذا رَيْنٍ، ولِما فِيهِ مِن مَعْنى التَّغْطِئَةِ أُطْلِقَ عَلى التَّغْطِيَةِ، فَجاءَ مِنهُ فِعْلُ رانَ بِمَعْنى غَشِيَ، فَقالُوا: رانَ النُّعاسُ عَلى فُلانٍ، ورانَتِ الخَمْرُ، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ هو مِن بابِ رانَ الرَّيْنُ عَلى السَّيْفِ، ومِنِ اسْتِعْمالِ القُرْآنِ هَذا الفِعْلَ صارَ النّاسُ يَقُولُونَ: رِينَ عَلى قَلْبِ فُلانٍ وفُلانٌ مَرِينٌ عَلى قَلْبِهِ.
والمَعْنى: غَطَّتْ عَلى قُلُوبِهِمْ أعْمالُهم أنْ يَدْخُلَها فَهْمُ القُرْآنِ، والبَوْنُ الشّاسِعُ بَيْنَهُ وبَيْنَ أساطِيرِ الأوَّلِينَ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ بِإدْغامِ اللّامِ في الرّاءِ بَعْدَ قَلْبِها راءً لِتَقارُبِ مَخْرَجَيْها.
وقَرَأهُ عاصِمٌ بِالوَقْفِ عَلى لامِ بَلْ والِابْتِداءِ بِكَلِمَةِ رانَ تَجَنُّبًا لِلْإدْغامِ.
وقَرَأهُ حَفْصٌ بِسَكْتَةٍ خَفِيفَةٍ عَلى لامِ بَلْ لِيُبَيِّنَ أنَّها لامٌ. قالَ في اللِّسانِ: إظْهارُ اللّامِ لُغَةً لِأهْلِ الحِجازِ. قالَ سِيبَوَيْهِ: هُما حَسَنانِ، وقالَ الزَّجّاجُ: الإدْغامُ أرْجَحُ.
والقُلُوبُ العُقُولُ ومَحالُّ الإدْراكِ، وهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ [البقرة: ٧] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
ومِن كَلامِ رُعاةِ الأعْرابِ يُخاطِبُونَ إبِلَهم في زَمَنِ شِدَّةِ البَرْدِ إذا أوْرَدُوها الماءَ فاشْمَأزَّتْ مِنهُ لِبَرْدِهِ ”بَرِّدِيهِ تَجِدِيهِ سَخِينًا“ أيْ: بَلْ رُدِّيهِ وذَلِكَ مِنَ المُلَحِ الشَّبِيهَةِ بِالمُعاياةِ إذْ في ظاهِرِهِ طَلَبُ تَبْرِيدِهِ وأنَّهُ بِالتَّبْرِيدِ يُوجَدُ سَخِينًا.
و﴿ما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ ما عَمِلُوهُ سالِفًا مِن سَيِّئاتِ أعْمالِهِمْ وجِماحِهِمْ عَنْ (p-٢٠٠)التَّدَبُّرِ في الآياتِ حَتّى صارَ الإعْراضُ والعِنادُ خُلُقًا مُتَأصِّلًا فِيهِمْ فَلا تَفْهَمُ عُقُولُهم دَلالَةَ الأدِلَّةِ عَلى مَدْلُولاتِها.
رَوى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ قالَ: «إنَّ العَبْدَ إذا أخْطَأ خَطِيئَةً نُكِتَتْ في قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْداءُ، فَإذا هو نَزَعَ واسْتَغْفَرَ اللَّهَ وتابَ صُقِلَ قَلْبُهُ، فَإنَّ عادَ زِيِدَ فِيها حَتّى تَعْلُوَ عَلى قَلْبِهِ، وهو الرّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ في كِتابِهِ ﴿كَلّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ»﴾ . قالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ومَجِيءُ يَكْسِبُونَ بِصِيغَةِ المُضارِعِ دُونَ الماضِي لِإفادَةِ تَكَرُّرِ ذَلِكَ الكَسْبِ وتَعَدُّدِهِ في الماضِي.
وفِي ذِكْرِ فِعْلِ كانُوا دُونَ أنْ يُقالَ: ما يَكْسِبُونَ، إشارَةٌ إلى أنَّ المُرادَ: ما كَسَبُوهُ في أعْمارِهِمْ مِنَ الإشْراكِ قَبْلَ مَجِيءِ الإسْلامِ، فَإنَّهم وإنْ لَمْ يَكُونُوا مَناطَ تَكْلِيفٍ أيّامَئِذٍ. فَهم مُخالِفُونَ لِما جاءَتْ بِهِ الشَّرائِعُ السّالِفَةُ وتَواتَرَ وشاعَ في الأُمَمِ مِنَ الدَّعْوَةِ إلى تَوْحِيدِ اللَّهِ بِالإلَهِيَّةِ عَلى قَوْلِ الأشْعَرِيِّ وأهْلِ السُّنَّةِ في تَوْجِيهِ مُؤاخَذَةِ أهْلِ الفَتْرَةِ بِذَنْبِ الإشْراكِ بِاللَّهِ حَسْبَما اقْتَضَتْهُ الأدِلَّةُ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ أوْ مُخالِفُونَ لِمُقْتَضى دَلالَةِ العَقْلِ الواضِحَةِ عَلى قَوْلِ الماتْرِيدِيِّ والمُعْتَزِلَةِ ولَحِقَ بِذَلِكَ ما اكْتَسَبُوهُ مِن وقْتِ مَجِيءِ الإسْلامِ إلى أنْ نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ فَهي مُدَّةٌ لَيْسَتْ بِالقَصِيرَةِ.
وكَلّا الثّانِيَةُ تَأْكِيدٌ لِـ كَلّا الأُولى زِيادَةً في الرَّدْعِ لِيَصِيرَ تَوْبِيخًا.
{"ayah":"كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق