الباحث القرآني
(p-١٥٢)﴿فَلا أُقْسِمُ بِالخُنَّسِ﴾ ﴿الجِوارِ الكُنَّسِ﴾ ﴿واللَّيْلِ إذا عَسْعَسَ﴾ ﴿والصُّبْحِ إذا تَنَفَّسَ﴾ ﴿إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ ﴿ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي العَرْشِ مَكِينٍ﴾ ﴿مُطاعٍ ثَمَّ أمِينٍ﴾ .
الفاءُ لِتَفْرِيعِ القَسَمِ وجَوابُهُ عَلى الكَلامِ السّابِقِ لِلْإشارَةِ إلى ما تَقَدَّمَ مِنَ الكَلامِ هو بِمَنزِلَةِ التَّمْهِيدِ لِما بَعْدَ الفاءِ، فَإنَّ الكَلامَ السّابِقَ أفادَ تَحْقِيقَ وُقُوعِ البَعْثِ والجَزاءِ وهم قَدْ أنْكَرُوهُ وكَذَّبُوا القُرْآنَ الَّذِي أنْذَرَهم بِهِ، فَلَمّا قُضِيَ حَقُّ الإنْذارِ بِهِ وذُكِرَ أشْراطُهُ فُرِّعَ عَنْهُ تَصْدِيقُ القُرْآنِ الَّذِي أنْذَرَهم بِهِ وأنَّهُ مُوحًى بِهِ مِن عِنْدِ اللَّهِ.
فالتَّفْرِيعُ هُنا تَفْرِيعُ مَعْنًى وتَفْرِيعُ ذِكْرٍ مَعًا، وقَدْ جاءَ تَفْرِيعُ القَسَمِ لِمُجَرَّدِ تَفْرِيعِ ذِكْرِ كَلامٍ عَلى كَلامٍ آخَرَ كَقَوْلِ زُهَيْرٍ:
فَأقْسَمْتُ بِالبَيْتِ الَّذِي طافَ حَوْلَهُ رِجالٌ بَنَوْهُ مِن قُرَيْشٍ وجُرْهُمِ
عَقِبَ نَسِيبِ مُعَلَّقَتِهِ الَّذِي لا يَتَفَرَّعُ عَنْ مَعانِيهِ ما بَعْدَ القَسَمِ، وإنَّما قَصَدَ بِهِ أنَّ ما تَقَدَّمَ مِنَ الكَلامِ إنَّما هو لِلْإقْبالِ عَلى ما بَعْدَ الفاءِ، وبِذَلِكَ يَظْهَرُ تَفَوُّقُ التَّفْرِيعِ الَّذِي في هَذِهِ الآيَةِ عَلى تَفْرِيعِ بَيْتِ زُهَيْرٍ: ومَعْنى لا أُقْسِمُ: إيقاعُ القَسَمِ، وقَدْ عُدَّتْ (لا) زائِدَةً، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ﴾ [الواقعة: ٧٥] في سُورَةِ الواقِعَةِ.
والقَسَمُ مُرادٌ بِهِ تَأْكِيدُ الخَبَرِ وتَحْقِيقُهُ، وأُدْمِجَ فِيهِ أوْصافُ الأشْياءِ المُقْسَمِ بِها لِلدِّلالَةِ عَلى تَمامِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى.
والخُنَّسِ: جَمْعُ خانِسَةٍ، وهي الَّتِي تَخْنِسُ، أيْ: تَخْتَفِي، يُقالُ: خَنِسَتِ البَقَرَةُ والظَّبْيَةُ، إذا اخْتَفَتْ في الكِناسِ.
والجَوارِي: جَمْعُ جارِيَةٍ، وهي الَّتِي تَجْرِي، أيْ: تَسِيرُ سَيْرًا حَثِيثًا.
والكُنَّسِ: جَمْعُ كانِسَةٍ، يُقالُ: كَنَسَ الظَّبْيُّ، إذا دَخَلَ كِناسَهُ - بِكَسْرِ الكافِ - وهو البَيْتُ الَّذِي يَتَّخِذُهُ لِلْمَبِيتِ.
وهَذِهِ الصِّفاتُ أُرِيدَ بِها صِفاتٌ مَجازِيَّةٌ؛ لِأنَّ الجُمْهُورَ عَلى أنَّ المُرادَ بِمَوْصُوفاتِها (p-١٥٣)الكَواكِبُ، وُصِفْنَ بِذَلِكَ لِأنَّها تَكُونُ في النَّهارِ مُخْتَفِيَةً عَنِ الأنْظارِ، فَشُبِّهَتْ بِالوَحْشِيَّةِ المُخْتَفِيَةِ في شَجَرٍ ونَحْوِهِ، فَقِيلَ: الخُنَّسُ وهو مِن بَدِيعِ التَّشْبِيهِ؛ لِأنَّ الخُنُوسَ اخْتِفاءُ الوَحْشِ عَنْ أنْظارِ الصَّيّادِينَ ونَحْوِهِمْ دُونَ السُّكُونِ في كِناسٍ، وكَذَلِكَ الكَواكِبُ لِأنَّها لا تُرى في النَّهارِ لِغَلَبَةِ شُعاعِ الشَّمْسِ عَلى أُفُقِها وهي مَعَ ذَلِكَ مَوْجُودَةٌ في مَطالِعِها.
فَشُبِّهَ طُلُوعُ الكَوْكَبِ بِخُرُوجِ الوَحْشِيَّةِ مِن كِناسِها، وشُبِّهَ تَنَقُّلُ مَرْآها لِلنّاظِرِ بِجَرْيِ الوَحْشِيَّةِ عِنْدَ خُرُوجِها مِن كِناسِها صَباحًا، قالَ لَبِيدٌ:
حَتّى إذا انْحَسَرَ الظَّلامُ وأسْفَرَتْ بَكَرَتْ تَزِلُّ عَنِ الثَّرى أزْلامُها
وشُبِّهَ غُرُوبُها بَعْدَ سَيْرِها بِكُنُوسِ الوَحْشِيَّةِ في كِناسِها وهو تَشْبِيهُ بَدِيعٌ، فَكانَ قَوْلُهُ: بِالخُنَّسِ اسْتِعارَةً وكانَ ﴿الجَوارِي الكُنَّسِ﴾ تَرْشِيحَيْنِ لِلِاسْتِعارَةِ.
وقَدْ حَصَلَ مِن مَجْمُوعِ الأوْصافِ الثَّلاثِ ما يُشْبِهُ اللُّغْزَ يُحْسَبُ بِهِ أنَّ المَوْصُوفاتِ ظِباءٌ أوْ وُحُوشٌ؛ لِأنَّ تِلْكَ الصِّفاتِ حَقائِقُها مِن أحْوالِ الوُحُوشِ، والألْغازُ طَرِيقَةٌ مُسْتَمْلَحَةٌ عِنْدَ بُلَغاءِ العَرَبِ وهي عَزِيزَةٌ في كَلامِهِمْ، قالَ بَعْضُ شُعَرائِهِمْ وهو مِن شَواهِدِ العَرَبِيَّةِ:
؎فَقُلْتُ أعِيرانِي القُدُومَ لَعَلَّنِي ∗∗∗ أخُطُّ بِها قَبْرًا لِأبْيَضَ ماجِدِ
أرادَ أنَّهُ يَصْنَعُ بِها غِمْدًا لِسَيْفٍ صَقِيلٍ مُهَنَّدٍ.
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وجابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وابْنِ عَبّاسٍ: حَمْلُ هَذِهِ الأوْصافِ عَلى حَقائِقِها المَشْهُورَةِ، وإنَّ اللَّهَ أقْسَمَ بِالظِّباءِ وبَقَرِ الوَحْشِ.
(p-١٥٤)والمَعْرُوفُ في أقْسامِ القُرْآنِ أنْ تَكُونَ بِالأشْياءِ العَظِيمَةِ الدّالَّةِ عَلى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى أوِ الأشْياءِ المُبارَكَةِ.
ثُمَّ عُطِفَ القَسَمُ بِ اللَّيْلِ عَلى القَسَمِ بِ (الكَواكِبِ) لِمُناسَبَةِ جَرَيانِ الكَواكِبِ في اللَّيْلِ، ولِأنَّ تَعاقُبَ اللَّيْلِ والنَّهارِ مِن أجَلِّ مَظاهِرِ الحِكْمَةِ الإلَهِيَّةِ في هَذا العالَمِ.
وعَسْعَسَ اللَّيْلُ عَسْعاسًا وعَسْعَسَةً، قالَ مُجاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أقْبَلَ بِظَلامِهِ، وقالَ مُجاهِدٌ أيْضًا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ مَعْناهُ: أدْبَرَ ظَلامُهُ، وقالَهُ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ وجَزَمَ بِهِ الفَرّاءُ وحَكى عَلَيْهِ الإجْماعَ. وقالَ المُبَرِّدُ، والخَلِيلُ: هو مِنَ الأضْدادِ، يُقالُ: عَسْعَسَ، إذا أقْبَلَ ظَلامُهُ، وعَسْعَسَ، إذا أدْبَرَ ظَلامُهُ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: قالَ المُبَرِّدُ: أقْسَمَ اللَّهُ بِإقْبالِ اللَّيْلِ وإدْبارِهِ مَعًا اهـ.
وبِذَلِكَ يَكُونُ إيثارُ هَذا الفِعْلِ لِإفادَتِهِ كِلا حالَيْنِ صالِحَيْنِ لِلْقَسَمِ بِهِ فِيهِما؛ لِأنَّهُما مِن مَظاهِرِ القُدْرَةِ إذْ يَعْقُبُ الظَّلامَ الضِّياءُ، ثُمَّ يَعْقُبُ الضِّياءَ الظَّلامُ، وهَذا إيجازٌ.
وعُطِفَ عَلَيْهِ القَسَمُ بِالصُّبْحِ حِينَ تَنَفُّسِهِ، أيِ: انْشِقاقِ ضَوْئِهِ لِمُناسَبَةِ ذِكْرِ اللَّيْلِ، ولِأنَّ تَنَفُّسَ الصُّبْحِ مِن مَظاهِرِ بَدِيعِ النِّظامِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ في هَذا العالَمِ.
والتَّنَفُّسُ: حَقِيقَتُهُ خُرُوجُ النَّفَسِ مِنَ الحَيَوانِ، اسْتُعِيرَ لِظُهُورِ الضِّياءِ مَعَ بَقايا الظَّلامِ عَلى تَشْبِيهِ خُرُوجِ الضِّياءِ بِخُرُوجِ النَّفَسِ عَلى طَرِيقَةِ الِاسْتِعارَةِ المُصَرِّحَةِ، أوْ لِأنَّهُ إذا بَدا الصَّباحُ أقَبَلَ مَعَهُ نَسِيمٌ فَجُعِلَ ذَلِكَ كالتَّنَفُّسِ لَهُ عَلى طَرِيقَةِ المَكْنِيَّةِ بِتَشْبِيهِ الصُّبْحِ بِذِي نَفَسٍ مَعَ تَشْبِيهِ النَّسِيمِ بِالأنْفاسِ.
وضَمِيرُ إنَّهُ عائِدٌ إلى القُرْآنِ ولَمْ يَسْبِقْ لَهُ ذِكْرٌ، ولَكِنَّهُ مَعْلُومٌ مِنَ المَقامِ في سِياقِ الإخْبارِ بِوُقُوعِ البَعْثِ، فَإنَّهُ مِمّا أخْبَرَهم بِهِ القُرْآنُ وكَذَّبُوا بِالقُرْآنِ لِأجْلِ ذَلِكَ.
والرَّسُولُ الكَرِيمُ يَجُوزُ أنْ يُرادَ بِهِ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وُصِفَ جِبْرِيلُ بِرَسُولٍ لِأنَّهُ مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ إلى النَّبِيءِ ﷺ بِالقُرْآنِ.
(p-١٥٥)وإضافَةُ قَوْلُ إلى رَسُولٍ إمّا لِأدْنى مُلابَسَةٍ بِأنَّ جِبْرِيلَ يُبَلِّغُ ألْفاظَ القُرْآنِ إلى النَّبِيءِ ﷺ فَيَحْكِيها كَما أمَرَهُ اللَّهُ تَعالى فَهو قائِلُها، أيْ: صادِرَةٌ مِنهُ ألْفاظُها.
وفِي التَّعْبِيرِ عَنْ جِبْرِيلَ بِوَصْفِ رَسُولٍ إيماءٌ إلى أنَّ القَوْلَ الَّذِي يُبَلِّغُهُ هو رِسالَةٌ مِنَ اللَّهِ مَأْمُورٌ بِإبْلاغِها كَما هي.
قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وقالَ آخَرُونَ الرَّسُولُ هو مُحَمَّدٌ ﷺ في الآيَةِ كُلِّها اهـ. ولَمْ يُعَيِّنِ اسْمَ أحَدٍ مِمَّنْ قالُوا هَذا مِنَ المُفَسِّرِينَ.
واسْتُطْرِدَ في خِلالِ الثَّناءِ عَلى القُرْآنِ الثَّناءُ عَلى المَلَكِ المُرْسَلِ بِهِ تَنْوِيهًا بِالقُرْآنِ، فَإجْراءُ أوْصافِ الثَّناءِ عَلى رَسُولٍ لِلتَّنْوِيهِ بِهِ أيْضًا، ولِلْكِنايَةِ عَلى أنَّ ما نَزَلَ بِهِ صِدْقٌ؛ لِأنَّ كَمالَ القائِلِ يَدُلُّ عَلى صِدْقِ القَوْلِ.
ووُصِفَ رَسُولٍ بِخَمْسَةِ أوْصافٍ: الأوَّلُ: كَرِيمٍ وهو النَّفِيسُ في نَوْعِهِ.
والوَصْفانِ الثّانِي والثّالِثُ: ﴿ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي العَرْشِ مَكِينٍ﴾ . فالقُوَّةُ حَقِيقَتُها مَقْدِرَةُ الذّاتِ عَلى الأعْمالِ العَظِيمَةِ الَّتِي لا يُقْدَرُ عَلَيْها غالِبًا. ومِن أوْصافِهِ تَعالى (القَوِيُّ)، ومِنها مَقْدِرَةُ الذّاتِ مِن إنْسانٍ أوْ حَيَوانٍ عَلى كَثِيرٍ مِنَ الأعْمالِ الَّتِي لا يَقْدِرُ عَلَيْها أبْناءُ نَوْعِهِ.
وضِدُّها الضَّعْفُ قالَ تَعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكم مِن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وشَيْبَةً﴾ [الروم: ٥٤] .
وتُطْلَقُ القُوَّةُ مَجازًا عَلى ثَباتِ النَّفْسِ عَلى مُرادِها والإقْدامِ ورِباطَةِ الجَأْشِ. قالَ تَعالى: ﴿يا يَحْيى خُذِ الكِتابَ بِقُوَّةٍ﴾ [مريم: ١٢] وقالَ: ﴿خُذُوا ما آتَيْناكم بِقُوَّةٍ﴾ [البقرة: ٦٣]، فَوَصْفُ جِبْرِيلَ بِ ذِي قُوَّةٍ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ شِدَّةَ المَقْدِرَةِ كَما وُصِفَ بِذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ذُو مِرَّةٍ﴾ [النجم: ٦]، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِنَ القُوَّةِ المَجازِيَّةِ وهي الثَّباتُ في أداءِ ما أُرْسِلَ بِهِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوى﴾ [النجم: ٥]؛ لِأنَّ المُناسِبَ لِلتَّعْلِيمِ هو قُوَّةُ النَّفْسِ، وأمّا إذا كانَ المُرادُ مُحَمَّدًا ﷺ فَوَصْفُهُ بِ ﴿ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي العَرْشِ﴾ يُرادُ بِها المَعْنى المَجازِيُّ وهو الكَرامَةُ والِاسْتِجابَةُ لَهُ.
(p-١٥٦)والمَكِينُ: فَعِيلٌ، صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِن مَكُنَ بِضَمِّ الكافِ مَكانَةً، إذا عَلَتْ رُتْبَتُهُ عِنْدَ غَيْرِهِ، قالَ تَعالى في قِصَّةِ يُوسُفَ مَعَ المَلِكِ ﴿فَلَمّا كَلَّمَهُ قالَ إنَّكَ اليَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أمِينٌ﴾ [يوسف: ٥٤] .
وتَوْسِيطُ قَوْلِهِ: ﴿عِنْدَ ذِي العَرْشِ﴾ بَيْنَ ذِي قُوَّةٍ ومَكِينٍ لِيَتَنازَعَهُ كِلا الوَصْفَيْنِ عَلى وجْهِ الإيجازِ، أيْ: هو ذُو قُوَّةٍ عِنْدَ اللَّهِ، أيْ: جَعَلَ اللَّهُ مَقْدِرَةَ جِبْرِيلَ تُخَوِّلُهُ أنْ يَقُومَ بِعَظِيمِ ما يُوَكِّلُهُ اللَّهُ بِهِ مِمّا يَحْتاجُ إلى قُوَّةِ القُدْرَةِ وقُوَّةِ التَّدْبِيرِ، وهو ذُو مَكانَةٍ عِنْدَ اللَّهِ وزُلْفى.
ووُصِفَ النَّبِيءُ ﷺ بِذَلِكَ عَلى نَحْوِ ما تَقَدَّمَ.
والعِنْدِيَّةُ عِنْدِيَّةُ تَعْظِيمٍ وعِنايَةٍ، فَ عِنْدَ لِلْمَكانِ المَجازِيِّ الَّذِي هو بِمَعْنى الِاخْتِصاصِ والزُّلْفى.
وعُدِلَ عَلى اسْمِ الجَلالَةِ إلى ذِي العَرْشِ بِالنِّسْبَةِ إلى جِبْرِيلَ لِتَمْثِيلِ حالِ جِبْرِيلَ ومَكانَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ بِحالَةِ الأمِيرِ الماضِي في تَنْفِيذِ أمْرِ المَلِكِ وهو بِمَحَلِّ الكَرامَةِ لَدَيْهِ.
وأمّا بِالنِّسْبَةِ إلى النَّبِيءِ ﷺ فَلِلْإشارَةِ إلى عَظِيمِ شَأْنِهِ إذْ كانَ ذا قُوَّةٍ عِنْدَ أعْظَمِ مَوْجُودٍ شَأْنًا.
الوَصْفُ الرّابِعُ مُطاعٍ أنْ يُطِيعَهُ مَن مَعَهُ مِنَ المَلائِكَةِ كَما يُطِيعُ الجَيْشُ قائِدَهم، أوِ النَّبِيءُ ﷺ مُطاعٌ: أيْ: مَأْمُورٌ النّاسُ بِطاعَةِ ما يَأْمُرُهم بِهِ.
وثَمَّ بِفَتْحِ الثّاءِ اسْمُ إشارَةٍ إلى المَكانِ، والمُشارُ إلَيْهِ هو المَكانُ المُجازِيُّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿عِنْدَ ذِي العَرْشِ﴾ فَيَجُوزُ تَعَلُّقُ الظَّرْفِ بِ مُطاعٍ وهو أنْسَبُ لِإجْراءِ الوَصْفِ عَلى جِبْرِيلَ، أيْ: مُطاعٌ في المَلَأِ الأعْلى فِيما يَأْمُرُ بِهِ المَلائِكَةَ والنَّبِيءُ ﷺ مُطاعٌ في العالَمِ العُلْوِيِّ، أيْ: مُقَرَّرٌ عِنْدَ اللَّهِ أنْ يُطاعَ فِيما يَأْمُرُ بِهِ.
ويَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِ أمِينٍ، وتَقْدِيمُهُ عَلى مُتَعَلَّقِهِ لِلِاهْتِمامِ بِذَلِكَ المَكانِ، فَوَصْفُ جِبْرِيلَ بِهِ ظاهِرٌ أيْضًا، ووَصْفُ النَّبِيءِ ﷺ بِهِ لِأنَّهُ مُقَرَّرَةٌ أمانَتُهُ في المَلَأِ الأعْلى.
(p-١٥٧)والأمِينُ: الَّذِي يَحْفَظُ ما عُهِدَ لَهُ بِهِ حَتّى يُؤَدِّيَهُ دُونَ نَقْصٍ ولا تَغْيِيرٍ، وهو فَعِيلٌ إمّا بِمَعْنى مَفْعُولٍ، أيْ: مَأْمُونٌ مِن أمِنَهُ عَلى كَذا. وعَلى هَذا يُقالُ: امْرَأةٌ أمِينٌ، ولا يُقالُ: أمِينَةٌ، وإمّا صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِن: أمُنَ بِضَمِّ المِيمِ إذا صارَتِ الأمانَةُ سَجِيَّتَهُ، وعَلى هَذا الوَجْهِ يُقالُ: امْرَأةٌ أمِينَةٌ، ومِنهُ قَوْلُ الفُقَهاءِ في المَرْأةِ المُشْتَكِيَةِ أضْرارَ زَوْجِها: يُجْعَلانِ عِنْدَ أمِينَةٍ وأمِينٍ.
{"ayahs_start":15,"ayahs":["فَلَاۤ أُقۡسِمُ بِٱلۡخُنَّسِ","ٱلۡجَوَارِ ٱلۡكُنَّسِ","وَٱلَّیۡلِ إِذَا عَسۡعَسَ","وَٱلصُّبۡحِ إِذَا تَنَفَّسَ","إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولࣲ كَرِیمࣲ","ذِی قُوَّةٍ عِندَ ذِی ٱلۡعَرۡشِ مَكِینࣲ","مُّطَاعࣲ ثَمَّ أَمِینࣲ"],"ayah":"مُّطَاعࣲ ثَمَّ أَمِینࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق