الباحث القرآني
﴿وإنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأمْكَنَ مِنهم واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ الضَّمِيرُ في ”يُرِيدُوا“ عائِدٌ إلى مَن في أيْدِيكم مِنَ الأسْرى. وهَذا كَلامٌ خاطَبَ بِهِ اللَّهُ رَسُولَهُ ﷺ اطْمِئْنانًا لِنَفْسِهِ، ولِيُبَلِّغَ مَضْمُونَهُ إلى الأسْرى، لِيَعْلَمُوا أنَّهم لا يَغْلِبُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ. وفِيهِ تَقْرِيرٌ لِلْمِنَّةِ عَلى المُسْلِمِينَ الَّتِي أفادَها قَوْلُهُ: ﴿فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّبًا﴾ [الأنفال: ٦٩]، فَكَمُلَ ذَلِكَ الإذْنُ والتَّطْيِيبُ بِالتَّهْنِئَةِ والطَّمْأنَةِ بِأنْ ضُمِنَ لَهم، إنْ خانَهُمُ الأسْرى بَعْدَ رُجُوعِهِمْ إلى قَوْمِهِمْ ونَكَثُوا عَهْدَهم وعادُوا إلى القِتالِ، بِأنَّ اللَّهَ يُمَكِّنُ المُسْلِمِينَ مِنهم مَرَّةً أُخْرى، كَما أمْكَنَهم مِنهم في هَذِهِ المَرَّةِ، أيْ: أنْ يَنْوُوا مِنَ العَهْدِ بِعَدَمِ العَوْدِ إلى الغَزْوِ خِيانَتَكَ، وإنَّما وعَدُوا بِذَلِكَ لِيَنْجُوا مِنَ القَتْلِ والرِّقِّ، فَلا يَضُرُّكم ذَلِكَ لِأنَّ اللَّهَ يَنْصُرُكم عَلَيْهِمْ ثانِيَ مَرَّةٍ. والخِيانَةُ نَقْضُ العَهْدِ وما في مَعْنى العَهْدِ كالأمانَةِ.
(p-٨٢)فالعَهْدُ، الَّذِي أعْطَوْهُ، هو العَهْدُ بِأنْ لا يَعُودُوا إلى قِتالِ المُسْلِمِينَ، وهَذِهِ عادَةٌ مَعْرُوفَةٌ في أسْرى الحَرْبِ إذا أطْلَقُوهم فَمِنَ الأسْرى مَن يَخُونُ العَهْدَ ويَرْجِعُ إلى قِتالِ مَن أطْلَقُوهُ.
وخِيانَتُهُمَ اللَّهَ، الَّتِي ذُكِرَتْ في الآيَةِ، يَجُوزُ أنْ يُرادَ بِها الشِّرْكُ؛ فَإنَّهُ خِيانَةٌ لِلْعَهْدِ الفِطْرِيِّ الَّذِي أخَذَهُ اللَّهُ عَلى بَنِي آدَمَ فِيما حَكاهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وإذْ أخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيّاتِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] الآيَةَ. فَإنَّ ذَلِكَ اسْتَقَرَّ في الفِطْرَةِ، وما مِن نَفْسٍ إلّا وهي تَشْعُرُ بِهِ، ولَكِنَّها تُغالِبُها ضَلالاتُ العاداتِ واتِّباعُ الكُبَراءِ مِن أهْلِ الشِّرْكِ كَما تَقَدَّمَ.
وأنْ يُرادَ بِها العَهْدُ المُجْمَلُ المَحْكِيُّ في قَوْلِهِ: ﴿دَعَوا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ فَلَمّا آتاهُما صالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما﴾ [الأعراف: ١٨٩] ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالعَهْدِ ما نَكَثُوا مِنَ التِزامِهِمْ لِلنَّبِيءِ ﷺ حِينَ دَعاهم إلى الإسْلامِ مِن تَصْدِيقِهِ إذا جاءَهم بِبَيِّنَةٍ، فَلَمّا تَحَدّاهم بِالقُرْآنِ كَفَرُوا بِهِ وكابَرُوا.
وجَوابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأمْكَنَ مِنهُمْ﴾ . وتَقْدِيرُهُ: فَلا تَضُرُّكَ خِيانَتُهم، أوْ لا تَهْتَمَّ بِها، فَإنَّهم إنْ فَعَلُوا أعادَهُمُ اللَّهُ إلى يَدِكَ كَما أمْكَنَكَ مِنهم مِن قَبْلُ.
قَوْلُهُ: ﴿فَأمْكَنَ مِنهُمْ﴾ سَكَتَ مُعْظَمُ التَّفاسِيرِ وكُتُبُ اللُّغَةِ عَنْ تَبْيِينِ حَقِيقَةِ هَذا التَّرْكِيبِ وبَيانِ اشْتِقاقِهِ وألَمَّ بِهِ بَعْضُهم إلْمامًا خَفِيفًا بِأنْ فَسَّرُوا أمْكَنَ بِـ ”أقْدَرَ“ فَهَلْ هو مُشْتَقٌّ مِنَ المَكانِ أوْ مِنَ الإمْكانِ بِمَعْنى الِاسْتِطاعَةِ أوْ مِنَ المَكانَةِ بِمَعْنى الظَّفَرِ. ووَقَعَ في الأساسِ: أمْكَنَنِي الأمْرُ، مَعْناهُ: أمْكَنَنِي مِن نَفْسِهِ وفي المِصْباحِ: مَكَّنْتُهُ مِنَ الشَّيْءِ تَمْكِينًا وأمْكَنْتُهُ: جَعَلْتُ لَهُ عَلَيْهِ قُدْرَةً.
والَّذِي أفْهَمُهُ مِن تَصارِيفِ كَلامِهِمْ أنَّ هَذا الفِعْلَ مُشْتَقٌّ مِنَ المَكانِ وأنَّ الهَمْزَةَ فِيهِ لِلْجَعْلِ وأنَّ مَعْنى أمْكَنَهُ مِن كَذا: جَعَلَ لَهُ مِنهُ مَكانًا أيْ مَقَرًّا وأنَّ المَكانَ مَجازٌ أوْ كِنايَةٌ عَنْ كَوْنِهِ في تَصَرُّفِهِ كَما يَكُونُ المَكانُ مَجالًا لِلْكائِنِ فِيهِ.
(p-٨٣)و(مِن) الَّتِي يَتَعَدّى بِها فِعْلُ ”أمْكَنَ“ اتِّصالِيَّةٌ مِثْلُ الَّتِي في قَوْلِهِمْ: لَسْتُ مِنكَ ولَسْتَ مِنِّي. فَقَوْلُهُ - تَعالى: ﴿فَأمْكَنَ مِنهُمْ﴾ حُذِفَ مَفْعُولُهُ لِدَلالَةِ السِّياقِ عَلَيْهِ، أيْ أمْكَنَكَ مِنهم يَوْمَ بَدْرٍ، أيْ لَمْ يَنْفَلِتُوا مِنكَ.
والمَعْنى أنَّهُ أتاكم بِهِمْ إلى بَدْرٍ عَلى غَيْرِ تَرَقُّبٍ مِنكم فَسَلَّطَكم عَلَيْهِمْ.
واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ تَذْيِيلٌ، أيْ عَلِيمٌ بِما في قُلُوبِهِمْ حَكِيمٌ في مُعامَلَتِهِمْ عَلى حَسَبِ ما يَعْلَمُ مِنهم.
{"ayah":"وَإِن یُرِیدُوا۟ خِیَانَتَكَ فَقَدۡ خَانُوا۟ ٱللَّهَ مِن قَبۡلُ فَأَمۡكَنَ مِنۡهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق