الباحث القرآني
﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأنْفُسِهِمْ وأنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ .
اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ. والإشارَةُ إلى مَضْمُونِ قَوْلِهِ: ﴿فَأخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ العِقابِ﴾ [الأنفال: ٥٢] أيْ ذَلِكَ المَذْكُورُ بِسَبَبِ أنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا إلَخْ. أيْ ذَلِكَ الأخْذُ بِسَبَبِ أعْمالِهِمُ الَّتِي تَسَبَّبُوا بِها في زَوالِ نِعْمَتِهِمْ.
(p-٤٥)والإشارَةُ تُفِيدُ العِنايَةَ بِالمُخْبَرِ عَنْهُ، وبِالخَبَرِ. والتَّسْبِيبُ يَقْتَضِي أنَّ آلَ فِرْعَوْنَ والَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كانُوا في نِعْمَةٍ فَغَيَّرَها اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالنِّقْمَةِ، وأنَّ ذَلِكَ جَرى عَلى سُنَّةِ اللَّهِ أنَّهُ لا يَسْلُبُ نِعْمَةً أنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ذَلِكَ بِأنْفُسِهِمْ، وأنَّ قَوْمَ فِرْعَوْنَ والَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كانُوا مِن جُمْلَةِ الأقْوامِ الَّذِينَ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَتَسَبَّبُوا بِأنْفُسِهِمْ في زَوالِ النِّعْمَةِ كَما قالَ تَعالى: ﴿وكَمْ أهْلَكْنا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها﴾ [القصص: ٥٨]
وهَذا إنْذارٌ لِقُرَيْشٍ أنْ يَحِلُّ بِهِمْ مِثْلُ ما حَلَّ بِغَيْرِهِمْ مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ بَطِرُوا النِّعْمَةَ. فَقَوْلُهُ: ﴿لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا﴾ مُؤْذِنٌ بِأنَّهُ سُنَّةُ اللَّهِ ومُقْتَضى حِكْمَتِهِ؛ لِأنَّ نَفْيَ الكَوْنِ بِصِيغَةِ المُضارِعِ يَقْتَضِي تَجَدُّدَ النَّفْيِ ومَنفِيِّهِ.
والتَّغْيِيرُ تَبْدِيلُ شَيْءٍ بِما يُضادُّهُ فَقَدْ يَكُونُ تَبْدِيلَ صُورَةِ جِسْمٍ كَما يُقالُ: غَيَّرْتُ دارِي، ويَكُونُ تَغْيِيرَ حالٍ وصِفَةٍ ومِنهُ تَغْيِيرُ الشَّيْبِ أيْ صِباغُهُ وكَأنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الغَيْرِ وهو المُخالِفُ، فَتَغْيِيرُ النِّعْمَةِ إبْدالُها بِضِدِّها وهو النِّقْمَةُ وسُوءُ الحالِ، أيْ تَبْدِيلُ حالَةٍ حَسَنَةٍ بِحالَةٍ سَيِّئَةٍ.
ووَصْفُ النِّعْمَةِ بِـ ﴿أنْعَمَها عَلى قَوْمٍ﴾ لِلتَّذْكِيرِ بِأنَّ أصْلَ النِّعْمَةِ مِنَ اللَّهِ.
و”ما بِأنْفُسِهِمْ“ مَوْصُولٌ وصِلَةٌ، والباءُ لِلْمُلابَسَةِ، أيْ ما اسْتَقَرَّ وعَلِقَ بِهِمْ. وماصَدَقُ (ما) النِّعْمَةُ الَّتِي أنْعَمَ عَلَيْهِمْ كَما يُؤْذِنُ بِهِ قَوْلُهُ: ﴿مُغَيِّرًا نِعْمَةً أنْعَمَها عَلى قَوْمٍ﴾ والمُرادُ بِهَذا التَّغْيِيرِ تَغْيِيرُ سَبَبِهِ وهو الشُّكْرُ بِأنْ يُبَدِّلُوهُ بِالكُفْرانِ.
ذَلِكَ أنَّ الأُمَمَ تَكُونُ صالِحَةً ثُمَّ تَتَغَيَّرُ أحْوالُها بِبَطَرِ النِّعْمَةِ فَيَعْظُمُ فَسادُها، فَذَلِكَ تَغْيِيرُ ما كانُوا عَلَيْهِ؛ فَإذا أرادَ اللَّهُ إصْلاحَهم أرْسَلَ إلَيْهِمْ هُداةً لَهم فَإذا أصْلَحُوا اسْتَمَرَّتْ عَلَيْهِمُ النِّعَمُ مِثْلَ قَوْمِ يُونُسَ وهم أهْلُ نِينَوى، وإذا كَذَّبُوا وبَطِرُوا النِّعْمَةَ غَيَّرَ اللَّهُ ما بِهِمْ مِنَ النِّعْمَةِ إلى عَذابٍ ونِقْمَةٍ. فالغايَةُ المُسْتَفادَةُ مِن ”حَتّى“ لِانْتِفاءِ تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلى الأقْوامِ، هي غايَةٌ مُتَّسِعَةٌ لِأنَّ الأقْوامَ إذا غَيَّرُوا ما بِأنْفُسِهِمْ مِن هُدًى أمْهَلَهُمُ اللَّهُ زَمَنًا ثُمَّ أرْسَلَ إلَيْهِمُ الرُّسُلَ فَإذا أرْسَلَ إلَيْهِمُ الرُّسُلَ فَقَدْ نَبَّهَهم إلى اقْتِرابِ المُؤاخَذَةِ ثُمَّ أمْهَلَهم مُدَّةً لِتَبْلِيغِ الدَّعْوَةِ والنَّظَرِ فَإذا أصَرُّوا عَلى الكُفْرِ غَيَّرَ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ بِإبْدالِها بِالعَذابِ أوِ الذُّلِّ أوِ الأسْرِ كَما فَعَلَ بِبَنِي إسْرائِيلَ حِينَ أفْسَدُوا في الأرْضِ فَسَلَّطَ عَلَيْهِمُ الأشُورِيِّينَ.
(p-٤٦)﴿وأنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ عَطْفٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿بِأنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا﴾ أيْ ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُضْمِرُهُ النّاسُ وما يَعْمَلُونَهُ ويَعْلَمُ ما يَنْطِقُونَ بِهِ فَهو يُعامِلُهم بِما يَعْلَمُ مِنهم. وذِكْرُ صِفَةِ ”سَمِيعٌ“ قَبْلَ صِفَةِ ”عَلِيمٌ“ يُومِئُ إلى أنَّ التَّغْيِيرَ الَّذِي أحْدَثَهُ المُعَرَّضُ بِهِمْ مُتَعَلِّقٌ بِأقْوالِهِمْ وهو دَعْوَتُهم آلِهَةً غَيْرَ اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"ذَ ٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ یَكُ مُغَیِّرࣰا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











