الباحث القرآني
﴿وإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ ويَمْكُرُونَ ويَمْكُرُ اللَّهُ واللَّهُ خَيْرُ الماكِرِينَ﴾
يَجُوزُ أنْ يَكُونَ عَطْفَ قِصَّةٍ عَلى قِصَّةٍ مِن قَصَصِ تَأْيِيدِ اللَّهِ رَسُولَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - والمُؤْمِنِينَ، فَيَكُونَ إذْ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: واذْكُرْ إذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا، عَلى طَرِيقَةِ نَظائِرِهِ الكَثِيرَةِ في القُرْآنِ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلى قَوْلِهِ ﴿إذْ أنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ في الأرْضِ﴾ [الأنفال: ٢٦] فَهو مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ ”اذْكُرُوا“ مِن قَوْلِهِ ”واذْكُرُوا إذْ أنْتُمْ قَلِيلٌ“، فَإنَّ المَكْرَ بِالرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - مَكْرٌ بِالمُسْلِمِينَ ويَكُونُ ما بَيْنَهُما اعْتِراضًا، فَهَذا تَعْدادٌ لِنِعَمِ النَّصْرِ، الَّتِي أنْعَمَ اللَّهُ بِها عَلى رَسُولِهِ ﷺ والمُؤْمِنِينَ، في أحْوالٍ ما كانَ يَظُنُّ النّاسُ أنْ سَيَجِدُوا مِنها مَخْلَصًا، وهَذِهِ نِعْمَةٌ خاصَّةٌ بِالنَّبِيءِ ﷺ . والإنْعامُ بِحَياتِهِ وسَلامَتِهِ نِعْمَةٌ تَشْمَلُ المُسْلِمِينَ كُلَّهم، وهَذا تَذْكِيرٌ بِأيّامِ مُقامِهِمْ بِمَكَّةَ، وما لاقاهُ المُسْلِمُونَ عُمُومًا وما لاقاهُ النَّبِيءُ ﷺ خُصُوصًا وأنَّ سَلامَةَ النَّبِيءِ ﷺ سَلامَةٌ لِأُمَّتِهِ.
والمَكْرُ إيقاعُ الضُّرِّ خُفْيَةً، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿ومَكَرُوا ومَكَرَ اللَّهُ واللَّهُ خَيْرُ الماكِرِينَ﴾ [آل عمران: ٥٤] في آلِ عِمْرانَ. وعِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى - ”﴿أفَأمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ﴾ [الأعراف: ٩٩]“ في سُورَةِ الأعْرافِ.
والإتْيانُ بِالمُضارِعِ في مَوْضِعِ الماضِي الَّذِي هو الغالِبُ مَعَ ”إذْ“ اسْتِحْضارٌ لِلْحالَةِ الَّتِي دَبَّرُوا فِيها المَكْرَ، كَما في قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿واللَّهُ الَّذِي أرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحابًا﴾ [فاطر: ٩]
ومَعْنى لِيُثْبِتُوكَ لِيَحْبِسُوكَ. يُقالُ أثْبَتَهُ إذا حَبَسَهُ ومَنَعَهُ مِنَ الحَرَكَةِ وأوْثَقَهُ، والتَّعْبِيرُ بِالمُضارِعِ في يُثْبِتُوكَ، ويَقْتُلُوكَ، ويُخْرِجُوكَ، لِأنَّ تِلْكَ الأفْعالَ مُسْتَقْبَلَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِفِعْلِ المَكْرِ، إذْ غايَةُ مَكْرِهِمْ تَحْصِيلُ واحِدٍ مِن هَذِهِ الأفْعالِ.
وأشارَتِ الآيَةُ إلى تَرَدُّدِ قُرَيْشٍ في أمْرِ النَّبِيءِ ﷺ حِينَ اجْتَمَعُوا (p-٣٢٨)لِلتَّشاوُرِ في ذَلِكَ بِدارِ النَّدْوَةِ في الأيّامِ الأخِيرَةِ قُبَيْلَ هِجْرَتِهِ، فَقالَ أبُو البَخْتَرِيِّ: إذا أصْبَحَ فَأثْبِتُوهُ بِالوَثائِقِ وسُدُّوا عَلَيْهِ بابَ بَيْتٍ غَيْرَ كُوَّةٍ تُلْقُونَ إلَيْهِ مِنها الطَّعامَ، وقالَ أبُو جَهْلٍ: أرى أنْ نَأْخُذَ مِن كُلِّ بَطْنٍ في قُرَيْشٍ فَتًى جَلْدًا فَيَجْتَمِعُونَ ثُمَّ يَأْخُذُ كُلٌّ واحِدٌ مِنهم سَيْفًا ويَأْتُونَ مُحَمَّدًا في بَيْتِهِ فَيَضْرِبُونَهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ واحِدٍ فَلا تَقْدِرُ بَنُو هاشِمٍ عَلى قِتالِ قُرَيْشٍ بِأسْرِها فَيَأْخُذُونَ العَقْلَ ونَسْتَرِيحُ مِنهُ، وقالَ هِشامُ بْنُ عَمْرٍو: الرَّأْيُ أنْ تَحْمِلُوهُ عَلى جَمَلٍ وتُخْرِجُوهُ مِن بَيْنِ أظْهُرِكم فَلا يَضُرُّكم ما صَنَعَ.
ومَوْقِعُ الواوِ في قَوْلِهِ ”ويَمْكُرُونَ“ لَمْ أرَ أحَدًا مِنَ المُفَسِّرِينَ عَرَّجَ عَلى بَيانِهِ وهي تَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما أنْ تَكُونَ واوَ الحالِ، والجُمْلَةُ حالٌ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وهي حالٌ مُؤَسَّسَةٌ غَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ، بِاعْتِبارِ ما اتَّصَلَ بِها مِنَ الجُمْلَةِ المَعْطُوفَةِ عَلَيْها، وهي جُمْلَةُ ”ويَمْكُرُ اللَّهُ“ فَقَوْلُهُ ”﴿ويَمْكُرُ اللَّهُ﴾“ هو مَناطُ الفائِدَةِ مِنَ الحالِ وما قَبْلَهُ تَمْهِيدٌ لَهُ وتَنْصِيصٌ عَلى أنَّ مَكْرَهم يُقارِنُهُ مَكْرُ اللَّهِ بِهِمْ، والمُضارِعُ في ”﴿ويَمْكُرُونَ ويَمْكُرُ اللَّهُ﴾“ لِاسْتِحْضارِ حالَةِ المَكْرِ.
وثانِيهِما أنْ تَكُونَ واوَ الِاعْتِراضِ أيِ العَطْفِ الصُّورِيِّ، ويَكُونَ المُرادُ بِالفِعْلِ المَعْطُوفِ الدَّوامُ، أيْ هم مَكَرُوا بِكَ لِيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ وهم لا يَزالُونَ يَمْكُرُونَ، كَقَوْلِ كَعْبِ بْنِ الأشْرَفِ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ ”وأيْضًا لَتَمَلَّنَّهُ“ يَعْنِي النَّبِيءَ، فَتَكُونُ جُمْلَةُ ”ويَمْكُرُونَ“ مُعْتَرَضَةً، ويَكُونُ جُمْلَةُ ”ويَمْكُرُ اللَّهُ“ مَعْطُوفَةً عَلى جُمْلَةِ ”وإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا“ والمُضارِعُ في جُمْلَةِ ”ويَمْكُرُونَ“ لِلِاسْتِقْبالِ، والمُضارِعُ في ”ويَمْكُرُ اللَّهُ“ لِاسْتِحْضارِ حالَةِ مَكْرِ اللَّهِ في وقْتِ مَكْرِهِمْ مِثْلَ المُضارِعِ المَعْطُوفِ هو عَلَيْهِ.
وبَيانُ مَعْنى إسْنادِ المَكْرِ إلى اللَّهِ تَقَدَّمَ في آيَةِ سُورَةِ آلِ عِمْرانَ وآيَةِ سُورَةِ الأعْرافِ وكَذَلِكَ قَوْلُهُ ”واللَّهُ خَيْرُ الماكِرِينَ“ .
والَّذِينَ تَوَلَّوُا المَكْرَ هم سادَةُ المُشْرِكِينَ وكُبَراؤُهم وأعْوانُ أُولَئِكَ الَّذِينَ كانَ دَأْبُهُمُ الطَّعْنَ في نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ وفي نُزُولِ القُرْآنِ عَلَيْهِ، وإنَّما أُسْنِدَ إلى جَمِيعِ الكافِرِينَ لِأنَّ البَقِيَّةَ كانُوا أتْباعًا لِلزُّعَماءِ يَأْتَمِرُونَ بِأمْرِهِمْ، ومِن هَؤُلاءِ (p-٣٢٩)أبُو جَهْلٍ، وعُتْبَةُ وشَيْبَةُ ابْنا رَبِيعَةَ، وأُمَّيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وأضْرابُهم.
{"ayah":"وَإِذۡ یَمۡكُرُ بِكَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِیُثۡبِتُوكَ أَوۡ یَقۡتُلُوكَ أَوۡ یُخۡرِجُوكَۚ وَیَمۡكُرُونَ وَیَمۡكُرُ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَیۡرُ ٱلۡمَـٰكِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق