الباحث القرآني
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكم فُرْقانًا ويُكَفِّرْ عَنْكم سَيِّئاتِكم ويَغْفِرْ لَكم واللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ﴾
اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ مُتَّصِلٌ بِالآياتِ السّابِقَةِ ابْتِداءً مِن قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ ولا تَوَلَّوْا عَنْهُ﴾ [الأنفال: ٢٠] الآيَةَ وما بَعْدَهُ مِنَ الآياتِ إلى هُنا.
وافْتُتِحَ بِالنِّداءِ لِلِاهْتِمامِ، كَما تَقَدَّمَ آنِفًا.
وخُوطِبَ المُؤْمِنُونَ بِوَصْفِ الإيمانِ تَذْكِيرًا لَهم بِعَهْدِ الإيمانِ وما يَقْتَضِيهِ كَما تَقَدَّمَ آنِفًا في نَظائِرِهِ، وعَقِبَ التَّحْذِيرِ مِنَ العِصْيانِ والتَّنْبِيهِ عَلى سُوءِ عَواقِبِهِ، بِالتَّرْغِيبِ في التَّقْوى وبَيانِ حُسْنِ عاقِبَتِها وبِالوَعْدِ بِدَوامِ النَّصْرِ واسْتِقامَةِ الأحْوالِ إنْ هم دامُوا عَلى التَّقْوى.
فَفِعْلُ الشَّرْطِ مُرادٌ بِهِ الدَّوامُ، فَإنَّهم كانُوا مُتَّقِينَ، ولَكِنَّهم لَمّا حُذِّرُوا مِنَ المُخالَفَةِ والخِيانَةِ ناسَبَ أنْ تُفْرَضَ لَهُمُ الطّاعَةُ في مُقابِلِ ذَلِكَ.
ولَقَدْ بَدا حُسْنُ المُناسَبَةِ إذْ رُتِّبَتْ عَلى المَنهِيّاتِ تَحْذِيراتٌ مِن شُرُورٍ وأضْرارٍ (p-٣٢٦)مِن قَوْلِهِ ﴿إنَّ شَرَّ الدَّوابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ البُكْمُ﴾ [الأنفال: ٢٢] وقَوْلِهِ ﴿واتَّقُوا فِتْنَةً﴾ [الأنفال: ٢٥] الآيَةَ، ورُتِّبَ عَلى التَّقْوى: الوَعْدُ بِالنَّصْرِ ومَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ وسَعَةُ الفَضْلِ.
والفُرْقانُ أصْلُهُ مَصْدَرٌ كالشُّكْرانِ والغُفْرانِ والبُهْتانِ، وهو ما يُفَرِّقُ أيْ يُمَيِّزُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مُتَشابِهَيْنِ، وقَدْ أُطْلِقَ بِالخُصُوصِ عَلى أنْواعٍ مِنَ التَّفْرِقَةِ فَأُطْلِقَ عَلى النَّصْرِ، لِأنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ حالَيْنِ كانا مُحْتَمَلَيْنِ قَبْلَ ظُهُورِ النَّصْرِ، ولُقِّبَ القُرْآنُ بِالفُرْقانِ لِأنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ، قالَ - تَعالى - ﴿تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ﴾ [الفرقان: ١] ولَعَلَّ اخْتِيارَهُ هُنا لِقَصْدِ شُمُولِهِ ما يَصْلُحُ لِلْمَقامِ مِن مَعانِيهِ، فَقَدْ فُسِّرَ بِالنَّصْرِ، وعَنِ السُّدِّيِّ، والضَّحّاكِ، ومُجاهِدٍ، الفُرْقانُ: المَخْرَجُ، وفي أحْكامِ ابْنِ العَرَبِيِّ، عَنِ ابْنِ وهْبٍ وابْنِ القاسِمِ وأشْهَبَ أنَّهم سَألُوا مالِكًا عَنْ قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿يَجْعَلْ لَكم فُرْقانًا﴾ قالَ: مَخْرَجًا، ثُمَّ قَرَأ ”﴿ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ويَرْزُقْهُ مِن حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: ٢] ﴿ومَن يَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ فَهو حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: ٣]“ . وفُسِّرَ بِالتَّمْيِيزِ بَيْنَهم وبَيْنَ الكُفّارِ في الأحْوالِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيها التَّمايُزُ في أحْوالِ الدُّنْيا، فَيَشْمَلُ ذَلِكَ أحْوالُ النَّفْسِ: مِنَ الهِدايَةِ، والمَعْرِفَةِ، والرِّضى، وانْشِراحِ القَلْبِ، وإزالَةِ الحِقْدِ والغِلِّ والحَسَدِ بَيْنَهم، والمَكْرِ والخِداعِ وذَمِيمِ الخَلائِقِ.
وقَدْ أشْعَرَ قَوْلُهُ ”لَكم“ أنَّ الفُرْقانَ شَيْءٌ نافِعٌ لَهم، فالظّاهِرُ أنَّ المُرادَ مِنهُ كُلُّ ما فِيهِ مَخْرَجٌ لَهم ونَجاةٌ مِنَ التِباسِ الأحْوالِ وارْتِباكِ الأُمُورِ وانْبِهامِ المَقاصِدِ، فَيَئُولُ إلى اسْتِقامَةِ أحْوالِ الحَياةِ، حَتّى يَكُونُوا مُطْمَئِنِّي البالِ مُنْشَرِحِي الخاطِرِ، وذَلِكَ يَسْتَدْعِي أنْ يَكُونُوا مَنصُورِينَ، غالِبِينَ، بُصَراءَ بِالأُمُورِ، كَمَلَةَ الأخْلاقِ، سائِرِينَ في طَرِيقِ الحَقِّ والرُّشْدِ، وذَلِكَ هو مِلاكُ اسْتِقامَةِ الأُمَمِ، فاخْتِيارُ الفُرْقانِ هُنا لِأنَّهُ اللَّفْظُ الَّذِي لا يُؤَدِّي غَيْرُهُ مُؤَدّاهُ في هَذا الغَرَضِ وذَلِكَ مِن تَمامِ الفَصاحَةِ.
والتَّقْوى تَشْمَلُ التَّوْبَةُ، فَتَكْفِيرُ السَّيِّئاتِ يَصِحُّ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِهِ تَكْفِيرُ السَّيِّئاتِ الفارِطَةِ الَّتِي تَعْقُبُها التَّقْوى. ومَفْعُولُ ”يَغْفِرْ لَكم“، مَحْذُوفٌ وهو ما يَسْتَحِقُّ الغُفْرانَ وذَلِكَ هو الذَّنْبُ، ويَتَعَيَّنُ أنْ يُحْمَلَ عَلى نَوْعٍ مِنَ الذُّنُوبِ، وهو الصَّغائِرُ الَّتِي عَبَّرَ عَنْها بِاللَّمَمِ، ويَجُوزُ العَكْسُ بِأنْ يُرادَ بِالسَّيِّئاتِ الصَّغائِرُ وبِالمَغْفِرَةِ مَغْفِرَةُ الكَبائِرِ بِالتَّوْبَةِ المُعْقِبَةِ لَها. وقِيلَ: التَّكْفِيرُ السِّتْرُ في الدُّنْيا، والغُفْرانُ عَدَمُ المُؤاخَذَةِ بِها في (p-٣٢٧)الآخِرَةِ، والحاصِلُ أنَّ الإجْمالَ مَقْصُودٌ لِلْحَثِّ عَلى التَّقْوى وتَحَقُّقِ فائِدَتِها والتَّعْرِيضِ بِالتَّحْذِيرِ مِنَ التَّفْرِيطِ فِيها، فَلا يَحْصُلُ التَّكْفِيرُ ولا المَغْفِرَةُ بِأيِّ احْتِمالٍ.
وقَوْلُهُ واللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ تَذْيِيلٌ وتَكْمِيلٌ وهو كِنايَةٌ عَنْ حُصُولِ مَنافِعَ أُخْرى لَهم مِن جَرّاءِ التَّقْوى.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِن تَتَّقُوا۟ ٱللَّهَ یَجۡعَل لَّكُمۡ فُرۡقَانࣰا وَیُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَیِّـَٔاتِكُمۡ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق