الباحث القرآني
(p-٢٤٨)﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ قُلِ الأنْفالُ لِلَّهِ والرَّسُولِ فاتَّقُوا اللَّهَ وأصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكم وأطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ افْتِتاحُ السُّورَةِ بِ ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ﴾ مُؤْذِنٌ بِأنَّ المُسْلِمِينَ لَمْ يَعْلَمُوا ماذا يَكُونُ في شَأْنِ المُسَمّى عِنْدَهُمُ الأنْفالَ وكانَ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ، وأنَّهم حاوَرُوا رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - في ذَلِكَ، فَمِنهم مَن يَتَكَلَّمُ بِصَرِيحِ السُّؤالِ، ومِنهم مَن يُخاصِمُ أوْ يُجادِلُ غَيْرَهُ بِما يُؤْذِنُ حالُهُ بِأنَّهُ يَتَطَلَّبُ فَهْمًا في هَذا الشَّأْنِ، وقَدْ تَكَرَّرَتِ الحَوادِثُ يَوْمَئِذٍ: فَفي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وجامِعِ التِّرْمِذِيِّ «عَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ قالَ: لَمّا كانَ يَوْمُ بَدْرٍ أصَبْتُ سَيْفًا لِسَعِيدِ بْنِ العاصِي فَأتَيْتُ بِهِ النَّبِيءَ فَقُلْتُ: نَفِّلْنِيهِ فَقالَ: ضَعْهُ في القَبَضِ، ثُمَّ قُلْتُ نَفِّلْنِيهِ فَقالَ: ضَعْهُ حَيْثُ أخَذْتَهُ، ثُمَّ قُلْتُ نَفِّلْنِيهِ فَقالَ ضَعْهُ مِن حَيْثُ أخَذْتَهُ»، فَنَزَلَتْ يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ وفي أسْبابِ النُّزُولِ لِلْواحِدِيِّ، وسِيرَةِ ابْنِ إسْحاقَ «عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ، أنَّهُ سُئِلَ عَنِ الأنْفالِ فَقالَ: فِينا مَعْشَرَ أصْحابِ بَدْرٍ نَزَلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنا في النَّفَلِ يَوْمَ بَدْرٍ فانْتَزَعَهُ اللَّهُ مِن أيْدِينا حِينَ ساءَتْ فِيهِ أخْلاقُنا فَرَدَّهُ عَلى رَسُولِهِ فَقَسَمَهُ بَيْنَنا عَلى بَواءٍ» . يَقُولُ عَلى السَّواءِ، ورَوى أبُو داوُدَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ لَمّا كانَ يَوْمُ بَدْرٍ ذَهَبَ الشُّبّانُ لِلْقِتالِ وجَلَسَ الشُّيُوخُ تَحْتَ الرّاياتِ فَلَمّا كانَتِ الغَنِيمَةُ جاءَ الشُّبّانُ يَطْلُبُونَ نَفَلَهم فَقالَ الشُّيُوخُ: لا تَسْتَأْثِرُونَ عَلَيْنا فَإنّا كُنّا تَحْتَ الرّاياتِ ولَوِ انْهَزَمْتُمْ لَكُنّا رِدْءًا لَكم. واخْتَصَمُوا إلى النَّبِيءِ ﷺ فَأنْزَلَ اللَّهُ - تَعالى - يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ.
والسُّؤالُ حَقِيقَتُهُ الطَّلَبُ، فَإذا عُدِّيَ بِعْنَ فَهو طَلَبُ مَعْرِفَةِ المَجْرُورِ بِعْنَ وإذا عُدِّيَ بِنَفْسِهِ فَهو طَلَبُ إعْطاءِ الشَّيْءِ، فالمَعْنى هُنا: يَسْألُونَكَ مَعْرِفَةَ الأنْفالِ، أيْ مَعْرِفَةَ حَقِّها فَهو مِن تَعْلِيقِ الفِعْلِ بِاسْمِ ذاتٍ والمُرادُ حالُها بِحَسَبِ القَرِينَةِ مِثْلَ ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣] وإنَّما سَألُوا عَنْ حُكْمِها صَراحَةً وضِمْنًا في ضِمْنِ سُؤالِهِمُ الأثَرَةَ بِبَعْضِها.
ومَجِيءُ الفِعْلِ بِصِيغَةِ المُضارِعِ دالٌّ عَلى تَكَرُّرِ السُّؤالِ، إمّا بِإعادَتِهِ المَرَّةَ بَعْدَ الأُخْرى مِن سائِلَيْنِ مُتَعَدِّدَيْنِ، وإمّا بِكَثْرَةِ السّائِلِينَ عَنْ ذَلِكَ حِينَ المُحاوَرَةِ في مَوْقِفٍ واحِدٍ.
ولِذَلِكَ كانَ قَوْلُهُ يَسْألُونَكَ مُؤْذِنًا بِتَنازُعٍ بَيْنَ الجَيْشَيْنِ في اسْتِحْقاقِ الأنْفالِ، وقَدْ كانَتْ لَهم عَوائِدُ مُتَّبَعَةٌ في الجاهِلِيَّةِ في الغَنائِمِ والأنْفالِ أرادُوا العَمَلَ بِها وتَخالَفُوا في شَأْنِها فَسَألُوا (p-٢٤٩)وضَمِيرُ جَمْعِ الغائِبِ إلى مَعْرُوفٍ عِنْدَ النَّبِيءِ وبَيْنَ السّامِعِينَ حِينَ نُزُولِ الآيَةِ.
والأنْفالُ جَمْعُ نَفَلَ - بِالتَّحْرِيكِ - والنَّفَلُ مُشْتَقٌّ مِنَ النّافِلَةِ وهي الزِّيادَةُ في العَطاءِ، وقَدْ أطْلَقَ العَرَبُ في القَدِيمِ الأنْفالَ عَلى الغَنائِمِ في الحَرْبِ كَأنَّهُمُ اعْتَبَرُوها زِيادَةً عَلى المَقْصُودِ مِنَ الحَرْبِ لِأنَّ المَقْصُودَ الأهَمَّ مِنَ الحَرْبِ هو إبادَةُ الأعْداءِ، ولِذَلِكَ رُبَّما كانَ صَنادِيدُهم يَأْبَوْنَ أخْذَ الغَنائِمِ كَما قالَ عَنْتَرَةُ:
؎يُخْبِرُكِ مَن شَهِدَ الوَقِيعَةَ أنَّنِي أغْشى الوَغى وأعِفُّ عِنْدَ المَغْنَمِ
وأقْوالُهم في هَذا كَثِيرَةٌ، فَإطْلاقُ الأنْفالِ في كَلامِهِمْ عَلى الغَنائِمِ مَشْهُورٌ. قالَ عَنْتَرَةُ:
؎إنّا إذا احَمَّرَ الوَغى نَرْوِي القَنا ∗∗∗ ونَعِفُّ عِنْدَ مَقاسِمِ الأنْفَـالِ
وقَدْ قالَ في القَصِيدَةِ الأُخْرى ”وأعِفُّ عِنْدَ المَغْنَمِ“ فَعَلَّمَنا أنَّهُ يُرِيدُ مِنَ الأنْفالِ المَغانِمَ. وقالَ أوْسُ بْنُ حَجَرٍ الأسَدِيُّ وهو جاهِلِيٌّ:
؎نَكَصْتُمْ عَلى أعْقابِكم ثُمَّ جِئْتُمُـو ∗∗∗ تَرْجُونَ أنْفالَ الخَمِيسِ العَرَمْرَمِ
ويَقُولُونَ نَفَّلَنِي كَذا يُرِيدُونَ أغْنَمَنِي، حَتّى صارَ النَّفَلُ يُطْلَقُ عَلى ما يُعْطاهُ المُقاتِلُ مِنَ المَغْنَمِ زِيادَةً عَلى قِسْطِهِ مِنَ المَغْنَمِ لِمَزِيَّةٍ لَهُ في البَلاءِ والغَناءِ أوْ عَلى ما يَعْثُرُ عَلَيْهِ مِن غَيْرِ قَتِيلِهِ وهَذا صِنْفٌ مِنَ المَغانِمِ.
فالمَغانِمُ، إذَنْ، تَنْقَسِمُ إلى: ما قَصَدَ المُقاتِلُ أخْذَهُ مِن مالِ العَدُوِّ مِثْلَ نَعَمِهِمْ ومِثْلَ ما عَلى القَتْلى مِن لِباسٍ وسِلاحٍ بِالنِّسْبَةِ إلى القاتِلِ، وفِيما ما لَمْ يَقْصِدْهُ المُقاتِلُونَ مِمّا عَثَرُوا عَلَيْهِ مِثْلَ لِباسِ قَتِيلٍ لَمْ يُعْرَفْ قاتِلُهُ. فاحْتَمَلَتِ الأنْفالُ في هَذِهِ الآيَةِ أنْ تَكُونَ بِمَعْنى المَغانِمِ مُطْلَقًا، وأنْ تَكُونَ بِمَعْنى ما يُزادُ لِلْمُقاتِلِ عَلى حَقِّهِ مِنَ المَغْنَمِ. فَحَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ كانَ سُؤالًا عَنْ تَنْفِيلٍ بِمَعْنى زِيادَةٍ، وحَدِيثُ ابْنِ عَبّاسٍ حَكى وُقُوعَ اخْتِلافٍ في قِسْمَةِ المَغْنَمِ بَيْنَ مَن قاتَلَ ومَن لَمْ يُقاتِلْ، عَلى أنَّ طَلَبَ مَن لَمْ يُقاتِلُوا المُشارِكَةَ في المَغْنَمِ يَرْجِعُ إلى طَلَبِ تَنْفِيلٍ، فَيَبْقى النَّفَلُ في مَعْنى الزِّيادَةِ، ولِأجْلِ التَّوَسُّعِ في ألْفاظِ أمْوالِ الغَنائِمِ تَرَدَّدَ السَّلَفُ في المَعْنِيِّ مِنَ الأنْفالِ في هَذِهِ الآيَةِ وسُئِلَ ابْنُ عَبّاسٍ عَنِ الأنْفالِ فَلَمْ يَزِدْ عَلى أنْ قالَ: ”الفَرَسُ مِنَ النَّفَلِ والدِّرْعُ مِنَ النَّفَلِ“ كَما في المُوَطَّأِ، ورُوِيَ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: ”والسَّلَبُ مِنَ النَّفَلِ“ كَما في كِتابِ أبِي عُبَيْدٍ وغَيْرِهِ، وقَدْ أطْلَقُوا النَّفَلَ أيْضًا عَلى ما صارَ في أيْدِي المُسْلِمِينَ مِن أمْوالِ المُشْرِكِينَ بِدُونِ انْتِزاعٍ ولا افْتِكاكٍ كَما يُوجَدُ الشَّيْءُ لا يَعْرَفُ مَن (p-٢٥٠)غَنِمَهُ، وكَما يُوجَدُ القَتِيلُ عَلَيْهِ ثِيابُهُ لا يُعْرَفُ قاتِلُهُ، فَيَدْخُلُ بِهَذا الإطْلاقِ تَحْتَ جِنْسِ الفَيْءِ كَما سَمّاهُ اللَّهُ - تَعالى - في سُورَةِ الحَشْرِ بِقَوْلِهِ ﴿وما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنهم فَما أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِن خَيْلٍ ولا رِكابٍ ولَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَن يَشاءُ﴾ [الحشر: ٦] إلى قَوْلِهِ ﴿بَيْنَ الأغْنِياءِ مِنكُمْ﴾ [الحشر: ٧] وذَلِكَ مِثْلُ أمْوالِ بَنِي النَّضِيرِ الَّتِي سَلَّمُوها قَبْلَ القِتالِ وفَرُّوا.
وبِهَذا تَتَحَصَّلُ في أسْماءِ الأمْوالِ المَأْخُوذَةِ مِنَ العَدُوِّ في القِتالِ ثَلاثَةُ أسْماءٍ: المَغْنَمُ، والفَيْءُ وهُما نَوْعانِ، والنَّفَلُ وهو صُورَةٌ مِن صُوَرِ القِسْمَةِ، وكانَتْ مُتَداخِلَةً، فَلَمّا اسْتَقَرَّ أمْرُ الغَزْوِ في المُسْلِمِينَ خُصَّ كُلُّ اسْمٍ بِصِنْفٍ خاصٍّ. قالَ القُرْطُبِيُّ في قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ﴾ [الأنفال: ٤١] الآيَةَ: ولا تَقْتَضِي اللُّغَةُ هَذا التَّخْصِيصَ أيْ تَخْصِيصُ اسْمِ الغَنِيمَةِ بِمالِ الكُفّارِ إذا أخَذَهُ المُسْلِمُونَ عَلى وجْهِ الغَلَبَةِ والقَهْرِ، ولَكِنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ قَيَّدَ اللَّفْظَ بِهَذا النَّوْعِ فَسَمّى الواصِلَ مِنَ الكُفّارِ إلَيْنا مِنَ الأمْوالِ بِاسْمَيْنِ أيْ لِمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ غَنِيمَةً وفَيْئًا يَعْنِي، وأمّا النَّفَلُ فَهو اسْمٌ لِنَوْعٍ مِن مَقْسُومِ الغَنِيمَةِ لا لِنَوْعٍ مِنَ المَغْنَمِ.
والَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ مَذْهَبُ مالِكٍ أنَّ النَّفَلَ ما يُعْطِيهِ الإمامُ مِنَ الخُمُسِ لِمَن يَرى إعْطاءَهُ إيّاهُ، مِمَّنْ لَمْ يَغْنَمْ ذَلِكَ بِقِتالٍ.
فالأنْفالُ في هَذِهِ الآيَةِ قالَ الجُمْهُورُ: المُرادُ بِها ما كانَ زائِدًا عَلى المَغْنَمِ، فَيَكُونُ النَّظَرُ فِيهِ لِأمِيرِ الجَيْشِ يَصْرِفُهُ لِمَصْلَحَةِ المُسْلِمِينَ، أوْ يُعْطِيهِ لِبَعْضِ أهْلِ الجَيْشِ لِإظْهارِ مَزِيَّةِ البَطَلِ، أوْ لِخَصْلَةٍ عَظِيمَةٍ يَأْتِي بِها، أوْ لِلتَّحْرِيضِ عَلى النِّكايَةِ في العَدُوِّ. فَقَدْ «قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ حُنَيْنٍ مَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» وقَدْ جَعَلَها القُرْآنُ لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ، أيْ لِما يَأْمُرُ بِهِ اللَّهُ رَسُولَهُ أوْ لِما يَراهُ الرَّسُولُ ﷺ، قالَ مالِكٌ في المُوَطَّأِ: ”ولَمْ يَبْلُغْنا أنَّ رَسُولَ اللَّهِ قالَ: مَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ إلّا يَوْمَ حُنَيْنٍ، ولا بَلَغَنا عَنِ الخُلَفاءِ مِن بَعْدِهِ“ يَعْنِي مَعَ تَكَرُّرِ ما يَقْتَضِيهِ فَأرادَ ذَلِكَ أنَّ تِلْكَ قَضِيَّةٌ خاصَّةٌ بِيَوْمِ حُنَيْنٍ.
فالآيَةُ مَحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنسُوخَةٍ بِقَوْلِهِ ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ٤١] فَيَكُونُ لِكُلِّ آيَةٍ مِنهُما حُكْمُها إذْ لا تَداخُلَ بَيْنَهُما. قالَ القُرْطُبِيُّ: وهو ما حَكاهُ المازِرِيُّ عَنْ كَثِيرٍ مِن أصْحابِنا.
(p-٢٥١)وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وعِكْرِمَةَ، ومُجاهِدٍ، والضَّحّاكِ، وقَتادَةَ وعَطاءٍ: أنَّ المُرادَ بِالأنْفالِ في هَذِهِ الآيَةِ الغَنائِمُ مُطْلَقًا. وجَعَلُوا حُكْمَها هُنا أنَّها جُعِلَتْ لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ أيْ أنْ يُقَسِّمَها الرَّسُولُ ﷺ بِحَسْبِ ما يَراهُ، بِلا تَحْدِيدٍ ولا اطِّرادٍ، وأنَّ ذَلِكَ كانَ في أوَّلِ قِسْمَةٍ وقَعَتْبِبَدْرٍ كَما في حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ٤١] الآيَةَ إذْ كانَ قَدْ عَيَّنَ أرْبَعَةَ الأخْماسِ لِلْجَيْشِ، فَجَعَلَ لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ الخُمُسَ، وجَعَلَ أرْبَعَةَ أخْماسٍ حَقًّا لِلْمُجاهِدِينَ. يَعْنِي وبَقِيَ حُكْمُ الفَيْءِ المَذْكُورُ في سُورَةِ الحَشْرِ غَيْرَ مَنسُوخٍ ولا ناسِخٍ، فَلِذَلِكَ قالَ مالِكٌ والجُمْهُورُ: لا نَفَلَ إلّا مِنَ الخُمُسِ عَلى الِاجْتِهادِ مِنَ الإمامِ وقالَ مالِكٌ ”وإعْطاءُ السَّلَبِ مِنَ التَّنْفِيلِ“، وقالَ مُجاهِدٌ: الأنْفالُ هي خُمُسُ المَغانِمِ وهو المَجْعُولُ لِلَّهِ والرَّسُولِ ولِذِي القُرْبى.
واللّامُ في قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلى القَوْلِ الأوَّلِ في مَعْنى الأنْفالِ: لامُ المِلْكِ، لِأنَّ النَّفَلَ لا يُحْسَبُ مِنَ الغَنائِمِ، ولَيْسَ هو مِن حَقِّ الغُزاةِ فَهو بِمَنزِلَةِ مالٍ لا يُعْرَفُ مُسْتَحِقُّهُ، فَيُقالُ هو مِلْكٌ لِلَّهِ ولِرَسُولِهِ، فَيُعْطِيهِ الرَّسُولُ لِمَن شاءَ بِأمْرِ اللَّهِ أوْ بِاجْتِهادِهِ، وهَذا ظاهِرُ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ في التِّرْمِذِيِّ إذْ قالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - سَألْتَنِي هَذا السَّيْفَ يَعْنِي السَّيْفَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في حَدِيثِ مُسْلِمٍ ولَمْ يَكُنْ لِي وقَدْ صارَ لِي فَهو لَكَ.
وأمّا عَلى القَوْلِ الثّانِي، الجامِعِ لِجَمِيعِ المَغانِمِ، فاللّامُ لِلِاخْتِصاصِ، أيِ: الأنْفالُ تَخْتَصُّ بِاللَّهِ والرَّسُولِ، أيْ حُكْمُها وصَرْفُها، فَهي بِمَنزِلَةِ (إلى) تَقُولُ: هَذا لَكَ أيْ إلى حُكْمِكَ مَرْدُودٌ، وأنَّ أصْحابَ ذَلِكَ القَوْلِ رَأوْا أنَّ المَغانِمَ لَمْ تَكُنْ في أوَّلِ الأمْرِ مُخَمَّسَةً بَلْ كانَتْ تُقْسَمُ بِاجْتِهادِ النَّبِيءِ ﷺ ثُمَّ خُمِّسَتْ بِآيَةِ ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ٤١] الآيَةَ.
وعُطِفَ ولِلرَّسُولِ عَلى اسْمِ اللَّهِ لِأنَّ المَقْصُودَ: الأنْفالُ لِلرَّسُولِ ﷺ يُقَسِّمُها، فَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ قَبْلَ ذَلِكَ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّها لَيْسَ حَقًّا لِلْغُزاةِ وإنَّما هي لِمَن يُعَيِّنُهُ اللَّهُ بِوَحْيِهِ، فَذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ لِفائِدَتَيْنِ أُولاهُما أنَّ الرَّسُولَ إنَّما يَتَصَرَّفُ في الأنْفالِ بِإذْنِ اللَّهِ تَوْفِيقًا أوْ تَفْوِيضًا. والثّانِيَةُ لِتَشْمَلَ الآيَةُ تَصَرُّفَ أُمَراءِ الجُيُوشِ في غَيْبَةِ الرَّسُولِ أوْ بَعْدَ وفاتِهِ ﷺ لِأنَّ ما كانَ حَقًّا لِلَّهِ كانَ التَّصَرُّفُ فِيهِ لِخُلَفائِهِ.
(p-٢٥٢)واخْتَلَفَ الفُقَهاءُ في حُكْمِ الأنْفالِ اخْتِلافًا ناشِئًا عَنِ اخْتِلافِ اجْتِهادِهِمْ في المُرادِ مِنَ الآيَةِ، وهو اخْتِلافٌ يُعْذَرُونَ عَلَيْهِ لِسِعَةِ الإطْلاقِ في أسْماءِ الأمْوالِ الحاصِلَةِ لِلْغُزاةِ، فَقالَ مالِكٌ والشّافِعِيُّ وأبُو حَنِيفَةَ وسَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ: النَّفَلُ إعْطاءُ بَعْضِ الجَيْشِ أوْ جَمِيعِهِ زِيادَةً عَلى قِسْمَةِ أخْماسِهِمُ الأرْبَعَةِ مِنَ المَغْنَمِ، فَإنَّما يَكُونُ ذَلِكَ مِن خُمُسِ المَغْنَمِ المَجْعُولِ لِلرَّسُولِ ﷺ ولِخُلَفائِهِ وأُمَرائِهِ جَمْعًا بَيْنَ هَذِهِ الآيَةِ وبَيْنَ قَوْلِهِ ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ٤١] الآيَةَ. فَلا نَفَلَ إلّا مِنَ الخُمُسِ المَجْعُولِ لِاجْتِهادِ أمِيرِ الجَيْشِ، وعِلَّةُ ذَلِكَ تَجَنُّبُ إعْطاءِ حَقِّ أحَدٍ لِغَيْرِهِ ولِأنَّهُ يُفْضِي إلى إيقادِ الإحَنِ في نُفُوسِ الجَيْشِ وقَدْ يَبْعَثُ الجَيْشَ عَلى عِصْيانِ الأمِيرِ، ولَكِنْ إذا رَأى الإمامُ مَصْلَحَةً في تَنْفِيلِ بَعْضِ الجَيْشٍ ساغَ لَهُ ذَلِكَ مِنَ الخُمُسِ الَّذِي هو مَوْكُولٌ إلَيْهِ كَما سَيَأْتِي في آيَةِ المَغانِمِ، لِذَلِكَ قالَ مالِكٌ: لا يَكُونُ التَّنْفِيلُ قَبْلَ قِسْمَةِ المَغْنَمِ وجَعَلَ ما صَدَرَ مِنَ النَّبِيءِ ﷺ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِن قَوْلِهِ ”«مَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» “ خُصُوصِيَّةً لِلنَّبِيءِ ﷺ، وهو ظاهِرٌ، لِأنَّ طاعَةَ النّاسِ لِلرَّسُولِ أشَدُّ مِن طاعَتِهِمْ لِمَن سِواهُ لِأنَّهم يُؤْمِنُونَ بِأنَّهُ مَعْصُومٌ عَنِ الجَوْرِ وبِأنَّهُ لا يَتَصَرَّفُ إلّا بِإذْنِ اللَّهِ. قالَ مالِكٌ في المُوَطَّأِ: ولَمْ يَبْلُغْنا أنَّ رَسُولَ اللَّهِ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ يَوْمِ حُنَيْنٍ ولا أنَّ أبا بَكْرٍ وعُمَرَ فَعَلاهُ في فُتُوحِهِما، وإنَّما اخْتَلَفَتِ الفُقَهاءُ: في أنَّ النَّفَلَ هَلْ يَبْلُغُ جَمِيعَ الخُمُسِ أوْ يَخْرُجُ مِن خُمُسِ الخُمُسِ، فَقالَ مالِكٌ: مِنَ الخُمُسِ كُلِّهِ ولَوِ اسْتَغْرَقَهُ، وقالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ، وأبُو حَنِيفَةَ والشّافِعِيُّ: النَّفَلُ مِن خُمُسِ الخُمُسِ. والخِلافُ مَبْنِيٌّ عَلى اخْتِلافِهِمْ في أنَّ خُمُسَ المَغْنَمِ أهْوَ مُقَسَّمٌ عَلى مَن سَمّاهُ القُرْآنُ أمْ مُخْتَلِطٌ، وسَيَجِيءُ ذَلِكَ في آيَةِ المَغانِمِ. والحُجَّةُ لِمالِكٍ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ في المُوَطَّأِ أنَّهم غَزَوْا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إبِلًا كَثِيرَةً فَكانَتْ سُهْمانُهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا ونُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا. فَأُعْطِيَ النَّفَلُ جَمِيعَ أهْلِ الجَيْشِ وذَلِكَ أكْثَرُ مِن خُمُسِ الخُمُسِ، وقالَ جَماعَةٌ: يَجُوزُ التَّنْفِيلُ مِن جَمِيعِ المَغْنَمِ. وهَؤُلاءِ يُخَصِّصُونَ عُمُومَ آيَةِ ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ﴾ [الأنفال: ٤١] بِآيَةِ ﴿قُلِ الأنْفالُ لِلَّهِ والرَّسُولِ﴾ أيْ فالمَغانِمُ المُخَمَّسَةُ ما كانَ دُونَ النَّفَلِ، والقَوْلُ الأوَّلُ أسَدُّ وأجْرى عَلى الأُصُولِ وأوْفَقُ بِالسُّنَّةِ. والمَسْألَةُ تُبْسَطُ في الفِقْهِ ولَيْسَ مِن غَرَضِ المُفَسِّرِ إلّا الإلْمامُ بِمَعاقِدِها مِنَ الآيَةِ.
وتَفْرِيعُ ﴿فاتَّقُوا اللَّهَ﴾ عَلى جُمْلَةِ ﴿الأنْفالُ لِلَّهِ والرَّسُولِ﴾ لِأنَّ في تِلْكَ الجُمْلَةِ (p-٢٥٣)رَفْعًا لِلنِّزاعِ بَيْنَهم في اسْتِحْقاقِ الأنْفالِ، أوْ في طَلَبِ التَّنْفِيلِ، فَلَمّا حَكَمَ بِأنَّها مِلْكٌ لِلَّهِ ورَسُولِهِ أوْ بِأنَّ أمْرَ قِسْمَتِها مَوْكُولٌ لِلَّهِ، فَقَدْ وقَعَ ذَلِكَ عَلى كَراهَةِ كَثِيرٍ مِنهم مِمَّنْ كانُوا يَحْسَبُونَ أنَّهم أحَقُّ بِتِلْكَ الأنْفالِ مِمَّنْ أُعْطِيَها، تَبَعًا لِعَوائِدِهِمُ السّالِفَةِ في الجاهِلِيَّةِ، فَذَكَّرَهُمُ اللَّهُ بِأنْ قَدْ وجَبَ الرِّضى بِما يُقَسِّمُهُ الرَّسُولُ مِنها، وهَذا كُلُّهُ مِنَ المَقُولِ.
وقَدَّمَ الأمْرَ بِالتَّقْوى لِأنَّها جامِعُ الطّاعاتِ.
وعَطَفَ الأمْرَ بِإصْلاحِ ذاتِ البَيْنِ لِأنَّهُمُ اخْتَصَمُوا واشْتَجَرُوا في شَأْنِها كَما قالَ عُبادَةُ بْنُ الصّامِتِ اخْتَلَفْنا في النَّفَلِ وساءَتْ فِيهِ أخْلاقَنا فَأمَرَهُمُ اللَّهُ بِالتَّصافُحِ، وخَتَمَ بِالأمْرِ بِالطّاعَةِ، والمُرادُ بِها هُنا الرِّضى بِما قَسَمَ اللَّهُ ورَسُولُهُ أيِ الطّاعَةُ التّامَّةُ كَما قالَ - تَعالى - ﴿ثُمَّ لا يَجِدُوا في أنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمّا قَضَيْتَ﴾ [النساء: ٦٥] .
والإصْلاحُ: جَعْلُ الشَّيْءِ صالِحًا، وهو مُؤْذِنٌ بِأنَّهُ كانَ غَيْرَ صالِحٍ، فالأمْرُ بِالإصْلاحِ دَلَّ عَلى فَسادِ ذاتِ بَيْنِهِمْ، وهو فَسادُ التَّنازُعِ والتَّظالُمِ.
وذاتَ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ مُؤَنَّثُ ”ذُو“ الَّذِي هو بِمَعْنى صاحِبٍ فَتَكُونُ ألِفُها مُبْدَلَةً مِنَ الواوِ. ووَقَعَ في كَلامِهِمْ مُضافًا إلى الجِهاتِ وإلى الأزْمانِ وإلى غَيْرِهِما، يُجْرُونَهُ مَجْرى الصِّفَةِ لِمَوْصُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّياقُ كَقَوْلِهِ - تَعالى - ﴿ونُقَلِّبُهم ذاتَ اليَمِينِ وذاتَ الشِّمالِ﴾ [الكهف: ١٨] في سُورَةِ الكَهْفِ، عَلى تَأْوِيلِ جِهَةٍ. وتَقُولُ: لَقِيتُهُ ذاتَ لَيْلَةٍ، ولَقِيتُهُ ذاتَ صَباحٍ، عَلى تَأْوِيلِ المُقَدَّرِ ساعَةَ أوْ وقْتَ، وجَرَتْ مَجْرى المَثَلِ في مُلازَمَتِها هَذا الِاسْتِعْمالَ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ ذاتَ أصْلِيَّةُ الألْفِ كَما يُقالُ: أنا أعْرِفُ ذاتَ فُلانٍ، فالمَعْنى حَقِيقَةُ الشَّيْءِ وماهِيَّتُهُ، كَذا فَسَّرَها الزَّجّاجُ والزَّمَخْشَرِيُّ، فَهو كَقَوْلِ ابْنِ رَواحَةَ:
؎وذَلِكَ في ذاتِ الإلَهِ وإنْ يَشَأْ ∗∗∗ يُبارِكْ عَلى أوْصالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
فَتَكُونُ كَلِمَةً مُقْحَمَةً لِتَحْقِيقِ الحَقِيقَةِ، جُعِلَتْ مُقَدَّمَةً، وحَقُّها التَّأْخِيرُ لِأنَّها لِلتَّأْكِيدِ مِثْلَ المَعْنى في قَوْلِهِمْ جاءَنِي بِذاتِهِ. ومِنهُ يَقُولُونَ: ذاتُ اليَمِينِ وذاتُ الشِّمالِ، وقَوْلُهُ - تَعالى - ﴿إنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ [الأنفال: ٤٣] .
فالمَعْنى: أصْلِحُوا بَيْنَكم، ولِذا فَ ذاتَ مَفْعُولٌ بِهِ عَلى أنَّ بَيْنَ في الأصْلِ ظَرْفٌ فَخَرَجَ عَنِ الظَّرْفِيَّةِ، وجُعِلَ اسْمًا مُتَصَرِّفًا، كَما قُرِئَ ”لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنُكم“ بِرَفْعِ ”بَيْنُكم“ في قِراءَةِ جَماعَةٍ. فَأُضِيفَتْ إلَيْهِ ”ذاتَ“ فَصارَ المَعْنى: أصْلِحُوا حَقِيقَةَ بَيْنِكِمْ (p-٢٥٤)أيِ اجْعَلُوا الأمْرَ الَّذِي يَجْمَعُكم صالِحًا غَيْرَ فاسِدٍ، ويَجُوزُ مَعَ هَذا أنْ يُنَزَّلَ فِعْلُ أصْلِحُوا مَنزِلَةَ الفِعْلِ اللّازِمِ فَلا يُقَدَّرُ لَهُ مَفْعُولٌ قَصْدًا لِلْأمْرِ بِإيجادِ الصَّلاحِ لا بِإصْلاحِ شَيْءٍ فاسِدٍ، وتُنْصَبُ ”ذاتَ“ عَلى الظَّرْفِيَّةِ لِإضافَتِها إلى ظَرْفِ المَكانِ، والتَّقْدِيرُ: وأوْجِدُوا الصَّلاحَ بَيْنَكم كَما قَرَأْنا ”لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكم“ بِنَصْبِ ”بَيْنَكم“ أيْ لَقَدْ وقَعَ التَّقْطِيعُ بَيْنَكم.
واعْلَمْ أنِّي لَمْ أقِفْ عَلى اسْتِعْمالِ ”ذاتِ بَيْنِ“ في كَلامِ العَرَبِ فَأحْسَبُ أنَّها مِن مُبْتَكَراتِ القُرْآنِ.
وجَوابُ شَرْطِ ﴿إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ دَلَّتْ عَلَيْهِ الجُمَلُ المُتَقَدِّمَةُ مِن قَوْلِهِ ﴿فاتَّقُوا اللَّهَ﴾ إلى آخِرِها، لِأنَّ الشَّرْطَ لَمّا وقَعَ عَقِبَ تِلْكَ الجُمَلِ كانَ راجِعًا إلى جَمِيعِها عَلى ما هو المُقَرَّرُ في الِاسْتِعْمالِ، فَمَعْنى الشَّرْطِ بَعْدَ تِلْكَ الجُمَلِ الإنْشائِيَّةِ: إنّا أمَرْناكم بِما ذُكِرَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ لِأنّا لا نَأْمُرُ بِذَلِكَ غَيْرَ المُؤْمِنِينَ، وهَذا إلْهابٌ لِنُفُوسِهِمْ عَلى الِامْتِثالِ، لِظُهُورِ أنْ لَيْسَ المُرادُ: فَإنْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ فَلا تَتَّقُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ، ولا تُصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكم، ولا تُطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ، فَإنَّ هَذا مَعْنًى لا يَخْطُرُ بِبالِ أهْلِ اللِّسانِ ولا يَسْمَحُ بِمِثْلِهِ الِاسْتِعْمالُ.
ولَيْسَ الإتْيانُ في الشَّرْطِ بِ إنْ تَعْرِيضًا بِضَعْفِ إيمانِهِمْ ولا بِأنَّهُ مِمّا يَشُكُّ فِيهِ مَن لا يَعْلَمُ ما تُخْفِي صُدُورُهم، بِناءً عَلى أنَّ شَأْنَ ”إنْ“ عَدَمُ الجَزْمِ بِوُقُوعِ الشَّرْطِ بِخِلافِ ”إذا“ عَلى ما تَقَرَّرَ في المَعانِي، ولَكِنَّ اجْتِلابَ ”إنْ“ في هَذا الشَّرْطِ لِلتَّحْرِيضِ عَلى إظْهارِ الخِصالِ الَّتِي يَتَطَلَّبُها الإيمانُ وهي: التَّقْوى الجامِعَةُ لِخِصالِ الدِّينِ، وإصْلاحُ ذاتِ بَيْنِهِمْ، والرِّضى بِما فَعَلَهُ الرَّسُولُ، فالمَقْصُودُ التَّحْرِيضُ عَلى أنْ يَكُونَ إيمانُهم في أحْسَنِ صُوَرِهِ ومَظاهِرِهِ، ولِذَلِكَ عَقَّبَ هَذا الشَّرْطَ بِجُمْلَةِ القَصْرِ في قَوْلِهِ ”﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللَّهُ وجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنفال: ٢]“ كَما سَيَأْتِي.
{"ayah":"یَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَنفَالِۖ قُلِ ٱلۡأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُوا۟ ذَاتَ بَیۡنِكُمۡۖ وَأَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۤ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق