الباحث القرآني
(p-٨٩)﴿فَإذا جاءَتِ الطّامَّةُ الكُبْرى﴾ ﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإنْسانُ ما سَعى﴾ ﴿وبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لِمَن يَرى﴾ ﴿فَأمّا مَن طَغى﴾ ﴿وآثَرَ الحَياةَ الدُّنْيا﴾ ﴿فَإنَّ الجَحِيمَ هي المَأْوى﴾ ﴿وأمّا مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ ونَهى النَّفْسَ عَنِ الهَوى﴾ ﴿فَإنَّ الجَنَّةَ هي المَأْوى﴾ .
يَجُوزُ أنْ يَكُونَ التَّفْرِيعُ عَلى الِاسْتِدْلالِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: ﴿أأنْتُمْ أشَدُّ خَلْقًا أمِ السَّماءُ﴾ [النازعات: ٢٧] الآياتِ، فَإنَّ إثْباتَ البَعْثِ يَقْتَضِي الجَزاءَ إذْ هو حِكْمَتُهُ، وإذا اقْتَضى الجَزاءَ كانَ عَلى العاقِلِ أنْ يَعْمَلَ لِجَزاءِ الحُسْنى ويَجْتَنِبَ ما يُوقِعُ في الشَّقاءِ وأنْ يَهْتَمَّ بِالحَياةِ الدّائِمَةِ فَيُؤْثِرَها ولا يَكْتَرِثَ بِنَعِيمٍ زائِلٍ فَيَتَوَرَّطَ في اتِّباعِهِ، فَلِذَلِكَ فُرِّعَ عَلى دَلِيلِ إثْباتِ البَعْثِ تَذْكِيرٌ بِالجَزاءَيْنِ، وإرْشادٌ إلى النَّجْدَيْنِ.
وإذْ قَدْ قُدِّمَ قَبْلَ الِاسْتِدْلالِ تَحْذِيرٌ إجْمالِيٌّ بِقَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ﴾ [النازعات: ٦] الآيَةَ، كَما يُذْكَرُ المَطْلُوبُ قَبْلَ القِياسِ في الجَدَلِ، جِيءَ عَقِبَ الِاسْتِدْلالِ بِتَفْصِيلِ ذَلِكَ التَّحْذِيرِ مَعَ قَرْنِهِ بِالتَّبْشِيرِ لِمَن تَحَلّى بِضِدِّهِ؛ فَلِذَلِكَ عُبِّرَ عَنِ البَعْثِ ابْتِداءً بِالرّاجِفَةِ لِأنَّها مَبْدَؤُهُ، ثُمَّ بِالزَّجْرَةِ، وأخِيرًا بِالطّامَّةِ الكُبْرى لِما في هَذَيْنِ الوَصْفَيْنِ مِن مَعْنًى يَشْمَلُ الرّاجِفَةَ وما بَعْدَها مِنَ الأهْوالِ إلى أنْ يَسْتَقِرَّ كُلُّ فَرِيقٍ في مَقَرِّهِ.
ومِن تَمامِ المُناسَبَةِ لِلتَّذْكِيرِ بِيَوْمِ الجَزاءِ وُقُوعُهُ عَقِبَ التَّذْكِيرِ بِخَلْقِ الأرْضِ، والِامْتِنانُ بِما هَيَّأ مِنها لِلْإنْسانِ مَتاعًا بِهِ، لِلْإشارَةِ إلى أنَّ ذَلِكَ يَنْتَهِي عِنْدَما يَحِينُ يَوْمُ البَعْثِ والجَزاءِ.
ويَجُوزُ أنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: ﴿فَإذا جاءَتِ الطّامَّةُ الكُبْرى﴾ مُفَرَّعًا عَلى قَوْلِهِ: ﴿فَإنَّما هي زَجْرَةٌ واحِدَةٌ﴾ [النازعات: ١٣] ﴿فَإذا هم بِالسّاهِرَةِ﴾ [النازعات: ١٤] فَإنَّ الطّامَّةَ هي الزَّجْرَةُ.
ومَناطُ التَّفْرِيعِ هو ما عَقَّبَهُ مِنَ التَّفْصِيلِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَأمّا مَن طَغى﴾ إلَخْ؛ إذْ لا يَلْتَئِمُ تَفْرِيعُ الشَّيْءِ عَلى نَفْسِهِ.
و(إذا) ظَرْفٌ لِلْمُسْتَقْبَلِ، فَلِذَلِكَ إذا وقَعَ بَعْدَ الفِعْلِ الماضِي صُرِفَ إلى (p-٩٠)الِاسْتِقْبالِ، وإنَّما يُؤْتى بَعْدَ (إذا) بِفِعْلِ المُضِيِّ لِزِيادَةِ تَحْقِيقِ ما يُفِيدُهُ (إذا) مِن تَحَقُّقِ الوُقُوعِ.
والمَجِيءُ: هُنا مَجازٌ في الحُصُولِ والوُقُوعِ؛ لِأنَّ الشَّيْءَ المُوَقَّتَ المُؤَجَّلَ بِأجَلٍ يُشْبِهُ شَخْصًا سائِرًا إلى غايَةٍ، فَإذا حَصَلَ ذَلِكَ المُؤَجَّلُ عِنْدَ أجَلِهِ، فَكَأنَّهُ السّائِرُ إلى أنْ بَلَغَ المَكانَ المَقْصُودَ.
والطّامَّةُ: الحادِثَةُ، أوِ الوَقْعَةُ الَّتِي تَطِمُّ، أيْ: تَعْلُو وتَغْلِبُ بِمَعْنى تَفُوقُ أمْثالَها مِن نَوْعِها بِحَيْثُ يَقِلُّ مِثْلُها في نَوْعِها، مَأْخُوذٌ مَن طَمَّ الماءُ، إذا غَمَرَ الأشْياءَ وهَذا الوَصْفُ يُؤْذِنُ بِالشِّدَّةِ والهَوْلِ؛ إذْ لا يُقالُ مِثْلُهُ إلّا في الأُمُورِ المَهُولَةِ، ثُمَّ بُولِغَ في تَشْخِيصِ هَوْلِها بِأنْ وُصِفَتْ بِ (الكُبْرى) فَكانَ هَذا أصْرَحَ الكَلِماتِ لِتَصْوِيرِ ما يُقارِنُ الحادِثَةَ مِنَ الأهْوالِ.
والمُرادُ بِالطّامَّةِ الكُبْرى: القِيامَةُ وقَدْ وُصِفَتْ بِأوْصافٍ عَدِيدَةٍ في القُرْآنِ مِثْلَ الصّاخَّةِ، والقارِعَةِ، والرّاجِفَةِ، ووُصِفَتْ بِالكُبْرى.
و﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإنْسانُ ما سَعى﴾ بَدَلٌ مِن جُمْلَةِ ﴿فَإذا جاءَتِ الطّامَّةُ الكُبْرى﴾ بَدَلُ اشْتِمالٍ؛ لِأنَّ ما أُضِيفَ إلَيْهِ يَوْمٌ هو مِنَ الأحْوالِ الَّتِي يَشْتَمِلُ عَلَيْها زَمَنُ مَجِيءِ الطّامَّةِ وهو يَوْمُ القِيامَةِ ويَوْمُ الحِسابِ. وتَذَكُّرُ الإنْسانِ ما سَعاهُ: أنْ يُوقَفَ عَلى أعْمالِهِ في كِتابِهِ؛ لِأنَّ التَّذَكُّرَ مُطاوِعُ ذَكَّرَهُ.
والتَّذَكُّرُ يَقْتَضِي سَبْقَ النِّسْيانِ وهو انْمِحاءُ المَعْلُومِ مِنَ الحافِظَةِ.
والمَعْنى: يَوْمَ يُذَكَّرُ الإنْسانُ فَيَتَذَكَّرُ، أيْ: يُعْرَضُ عَلَيْهِ عَمَلُهُ فَيَعْتَرِفُ بِهِ؛ إذْ لَيْسَ المَقْصُودُ مِنَ التَّذَكُّرِ إلّا أثَرُهُ، وهو الجَزاءُ، فَكُنِّيَ بِالتَّذَكُّرِ عَنِ الجَزاءِ، قالَ تَعالى: ﴿اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء: ١٤] .
وتَبْرِيزُ الجَحِيمِ: إظْهارُها لِأهْلِها. وجِيءَ بِالفِعْلِ المُضاعَفِ لِإفادَةِ إظْهارِ الجَحِيمِ لِأنَّهُ إظْهارٌ لِأجْلِ الإرْهابِ.
والجَحِيمُ: جَهَنَّمُ. ولِذَلِكَ قُرِنَ فِعْلُهُ بِتاءِ التَّأْنِيثِ؛ لِأنَّ جَهَنَّمَ مُؤَنَّثَةٌ في (p-٩١)الِاسْتِعْمالِ، أوْ هو بِتَأْوِيلِ النّارِ، والجَحِيمُ كُلُّ نارٍ عَظِيمَةٍ في حُفْرَةٍ عَمِيقَةٍ.
وبُنِيَ فِعْلُ (بُرِّزَتْ) لِلْمَجْهُولِ لِعَدَمِ الغَرَضِ بِبَيانِ مُبَرِّزِها إذِ المَوْعِظَةُ في الإعْلامِ بِوُقُوعِ إبْرازِها يَوْمَئِذٍ.
و(لِمَن يَرى) أيْ: لِكُلِّ راءٍ، فَفِعْلُ (يَرى) مُنَزَّلٌ مَنزِلَةَ اللّازِمِ؛ لِأنَّ المَقْصُودَ لِمَن لَهُ بَصَرٌ، كَقَوْلِ البُحْتُرِيِّ:
؎أنْ يَرى مُبْصِرٌ ويَسْمَعَ واعٍ
والفاءُ في قَوْلِهِ: ﴿فَأمّا مَن طَغى﴾ رابِطَةٌ لِجَوابِ (إذا) لِأنَّ جُمْلَةَ (مَن طَغى) إلى آخِرِها جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ لَيْسَ فِيها فِعْلٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ (إذا) فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ (إذا) وبَيْنَ جَوابِها ارْتِباطٌ لَفْظِيٌّ؛ فَلِذَلِكَ تُجْلَبُ الفاءُ لِرَبْطِ الجَوابِ في ظاهِرِ اللَّفْظِ، وأمّا في المَعْنى فَيُعْلَمُ أنَّ (إذا) ظَرْفٌ يَتَعَلَّقُ بِمَعْنى الِاسْتِقْرارِ الَّذِي بَيْنَ المُبْتَدَأِ والخَبَرِ.
و(أمّا) حَرْفُ تَفْصِيلٍ وشَرْطٍ؛ لِأنَّها في مَعْنى: مَهْما يَكُنْ شَيْءٌ.
والطُّغْيانُ تَقَدَّمَ مَعْناهُ آنِفًا، والمُرادُ هُنا: طَغى عَلى أمْرِ اللَّهِ، كَما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿وأمّا مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ﴾ .
وقُدِّمَ ذِكْرُ الطُّغْيانِ عَلى إيثارِ الحَياةِ الدُّنْيا؛ لِأنَّ الطُّغْيانَ مِن أكْبَرِ أسْبابِ إيثارِ الحَياةِ الدُّنْيا، فَلَمّا كانَ مُسَبَّبًا عَنْهُ ذُكِرَ عَقِبَهُ مُراعاةً لِلتَّرَتُّبِ الطَّبِيعِيِّ.
والإيثارُ: تَفْضِيلُ شَيْءٍ عَلى شَيْءٍ في حالٍ لا يَتَيَسَّرُ فِيها الجَمْعُ بَيْنَ أحْوالِ كُلٍّ مِنهُما.
ويُعَدّى فِعْلُ الإيثارِ إلى اسْمِ المَأْثُورِ بِتَعْدِيَةِ الفِعْلِ إلى مَفْعُولِهِ، ويُعَدّى إلى المَأْثُورِ عَلَيْهِ بِحَرْفِ (عَلى)، قالَ تَعالى حِكايَةً ﴿لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا﴾ [يوسف: ٩١]، وقَدْ يُتْرَكُ ذِكْرُ المَأْثُورِ عَلَيْهِ إذا كانَ ذِكْرُ المَأْثُورِ يُشِيرُ إلَيْهِ كَما إذا كانَ المَأْثُورُ والمَأْثُورُ عَلَيْهِ ضِدَّيْنِ كَما هُنا لِما هو شائِعٌ مِنَ المُقابَلَةِ بَيْنَ الحَياةِ الدُّنْيا والآخِرَةِ.
وقَدْ يُتْرَكُ ذِكْرُ المَأْثُورِ اكْتِفاءً بِذِكْرِ المَأْثُورِ عَلَيْهِ إذا كانَ هو الأهَمَّ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ويُؤْثِرُونَ عَلى أنْفُسِهِمْ﴾ [الحشر: ٩] لِظُهُورِ أنَّ المُرادَ يُؤْثِرُونَ (الفُقَراءَ) .
(p-٩٢)والمُرادُ بِالحَياةِ الدُّنْيا حُظُوظُها ومَنافِعُها الخاصَّةُ بِها، أيِ: الَّتِي لا تُشارِكُها فِيها حُظُوظُ الآخِرَةِ، فالكَلامُ عَلى حَذْفِ مُضافٍ، تَقْدِيرُهُ: نَعِيمَ الحَياةِ.
ويُفْهَمُ مِن فِعْلِ الإيثارِ أنَّ مَعَهُ نَبْذًا لِنَعِيمِ الآخِرَةِ. ويَرْجِعُ إيثارُ الحَياةِ الدُّنْيا إلى إرْضاءِ هَوى النَّفْسِ، وإنَّما يُعْرَفُ كِلا الحَظَّيْنِ بِالتَّوْقِيفِ الإلَهِيِّ كَما عُرِفَ الشِّرْكُ وتَكْذِيبُ الرُّسُلِ والِاعْتِداءُ عَلى النّاسِ والبَطَرُ والصَّلَفُ وما يَسْتَتْبِعُهُ ذَلِكَ مِنَ الأحْوالِ الذَّمِيمَةِ.
ومِلاكُ هَذا الإيثارِ هو الطُّغْيانُ عَلى أمْرِ اللَّهِ، فَإنَّ سادَتَهم ومُسَيِّرِيهِمْ يَعْلَمُونَ أنَّ ما يَدْعُوهم إلَيْهِ الرَّسُولُ هو الحَقُّ، ولَكِنَّهم يَكْرَهُونَ مُتابَعَتَهُ اسْتِكْبارًا عَلى أنْ يَكُونُوا تَبَعًا لِلْغَيْرِ فَتَضِيعَ سِيادَتُهم، وقَدْ زادَ هَذا المُفادَ بَيانًا قَوْلُهُ بَعْدَهُ ﴿وأمّا مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ﴾ الآيَةَ. وبِهِ يَظْهَرُ أنَّ مَناطَ الذَّمِّ في إيثارِ الحَياةِ الدُّنْيا هو إيثارُها عَلى الآخِرَةِ، فَأمّا الأخْذُ بِحُظُوظِ الحَياةِ الدُّنْيا الَّتِي لا يُفِيتُ الأخْذُ بِها حُظُوظَ الآخِرَةِ فَذَلِكَ غَيْرُ مَذْمُومٍ، وهو مَقامُ كَثِيرٍ مِن عِبادِ اللَّهِ الصّالِحِينَ حَكاهُ اللَّهُ تَعالى عَنْ صالِحِي بَنِي إسْرائِيلَ مِن قَوْلِهِمْ لِقارُونَ ﴿وابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدّارَ الآخِرَةَ ولا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا﴾ [القصص: ٧٧] .
وقَوْلُهُ: ﴿مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ﴾ مُقابِلُ قَوْلِهِ: مَن طَغى؛ لِأنَّ الخَوْفَ ضِدُّ الطُّغْيانِ، وقَوْلُهُ: ﴿ونَهى النَّفْسَ عَنِ الهَوى﴾ مُقابِلُ قَوْلِهِ: ﴿وآثَرَ الحَياةَ الدُّنْيا﴾ .
ونَهْيُ الخائِفِ نَفْسَهُ مُسْتَعارٌ لِلِانْكِفافِ عَنْ تَناوُلِ ما تُحِبُّهُ النَّفْسُ مِنَ المَعاصِي والهَوى، فَجُعِلَتْ نَفْسُ الإنْسانِ بِمَنزِلَةِ شَخْصٍ آخَرَ يَدْعُوهُ إلى السَّيِّئاتِ وهو يَنْهاهُ عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَةِ، وهَذا يُشْبِهُ ما يُسَمّى بِالتَّجْرِيدِ، يَقُولُونَ: قالَتْ لَهُ نَفْسُهُ كَذا فَعَصاها، ويُقالُ: نَهى قَلْبَهُ، ومِن أحْسَنِ ما قِيلَ في ذَلِكَ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ أُذَيْنَةَ:
؎وإذا وجَدْتُ لَها وساوِسَ سَلْوَةً ∗∗∗ شَفَعَ الفُؤادُ إلى الضَّمِيرِ فَسَلَّها
والمُرادُ بِـ (الهَوى) ما تَهْواهُ النَّفْسُ، فَهو مَصْدَرٌ بِمَعْنى المَفْعُولِ مِثْلَ الخَلْقِ بِمَعْنى المَخْلُوقِ، فَهو ما تَرْغَبُ فِيهِ قُوى النَّفْسِ الشَّهَوِيَّةُ والغَضَبِيَّةُ مِمّا يُخالِفُ الحَقَّ والنَّفْعَ الكامِلَ. وشاعَ الهَوى في المَرْغُوبِ الذَّمِيمِ ولِذَلِكَ قِيلَ في قَوْلِهِ تَعالى: (p-٩٣)﴿ومَن أضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾ [القصص: ٥٠] أنَّ (بِغَيْرِ هُدًى) حالٌ مُؤَكِّدَةٌ لَيْسَتْ تَقْيِيدًا؛ إذْ لا يَكُونُ الهَوى إلّا بِغَيْرِ هُدًى.
وتَعْرِيفُ الهَوى تَعْرِيفُ الجِنْسِ.
والتَّعْرِيفُ في (المَأْوى) الأوَّلِ والثّانِي تَعْرِيفُ العَهْدِ، أيْ: مَأْوى مَن طَغى، ومَأْوى مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ، وهو تَعْرِيفٌ مُغْنٍ عَنْ ذِكْرِ ما يُضافُ إلَيْهِ (مَأْوى) ومَثَلُهُ شائِعٌ في الكَلامِ كَما في قَوْلِهِ: غُضَّ الطَّرْفَ، أيِ: الطَّرْفَ المَعْهُودَ مِنَ الأمْرِ، أيْ: غُضَّ طَرْفَكَ، وقَوْلِهِ: وامْلَأِ السَّمْعَ، أيْ: سَمْعَكَ، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وبَيْنَهُما حِجابٌ وعَلى الأعْرافِ رِجالٌ﴾ [الأعراف: ٤٦] أيْ: عَلى أعْرافِ الحِجابِ، ولِذَلِكَ فَتَقْدِيرُ الكَلامِ عِنْدَ نُحاةِ البَصْرَةِ المَأْوى لَهُ أوْ مَأْواهُ عِنْدَ نُحاةِ الكُوفَةِ، ويُسَمِّي نُحاةُ الكُوفَةِ الألِفَ واللّامَ هَذِهِ عِوَضًا عَنِ المُضافِ إلَيْهِ وهي تَسْمِيَةٌ حَسَنَةٌ لِوُضُوحِها واخْتِصارِها، ويَأْبى ذَلِكَ البَصْرِيُّونَ، وهو خِلافٌ ضَئِيلٌ؛ إذِ المَعْنى مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
والمَأْوى: اسْمُ مَكانٍ مِن أوى إذا رَجَعَ، فالمُرادُ بِهِ: المَقَرُّ والمَسْكَنُ؛ لِأنَّ المَرْءَ يَذْهَبُ إلى قَضاءِ شُؤُونِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ إلى مَسْكَنِهِ.
و(مَقامَ رَبِّهِ) مَجازٌ عَنِ الجَلالِ والمَهابَةِ، وأصْلُ المَقامِ مَكانُ القِيامِ فَكانَ أصْلُهُ مَكانَ ما يُضافُ هو إلَيْهِ، ثُمَّ شاعَ إطْلاقُهُ عَلى نَفْسِ ما يُضافُ إلَيْهِ عَلى طَرِيقَةِ الكِنايَةِ بِتَعْظِيمِ المَكانِ عَنْ تَعْظِيمِ صاحِبِهِ، مِثْلُ ألْفاظِ: جَنابٍ، وكَنَفٍ، وذَرًى، قالَ تَعالى: ﴿ولِمَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ﴾ [الرحمن: ٤٦] وقالَ: ﴿ذَلِكَ لِمَن خافَ مَقامِي﴾ [إبراهيم: ١٤] وذَلِكَ مِن قَبِيلِ الكِنايَةِ المَطْلُوبِ بِها نِسْبَةٌ إلى المُكَنّى عَنْهُ فَإنَّ خَوْفَ مَقامِ اللَّهِ مُرادٌ بِهِ خَوْفُ اللَّهِ والمُرادُ بِالنِّسْبَةِ ما يَشْمَلُ التَّعَلُّقَ بِالمَفْعُولِ.
وفِي قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإنْسانُ ما سَعى﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿فَإنَّ الجَنَّةَ هي المَأْوى﴾ مُحَسِّنُ الجَمْعِ مَعَ التَّقْسِيمِ.
(p-٩٤)وتَعْرِيفُ (النَّفْسَ) في قَوْلِهِ: (﴿ونَهى النَّفْسَ﴾) هو مِثْلُ التَّعْرِيفِ في (المَأْوى) .
وفِي تَعْرِيفِ (أصْحابِ الجَحِيمِ) و(أصْحابِ الجَنَّةِ) بِطَرِيقِ المَوْصُولِ إيماءٌ إلى أنَّ الصِّلَتَيْنِ عِلَّتانِ في اسْتِحْقاقِ ذَلِكَ المَأْوى.
{"ayahs_start":34,"ayahs":["فَإِذَا جَاۤءَتِ ٱلطَّاۤمَّةُ ٱلۡكُبۡرَىٰ","یَوۡمَ یَتَذَكَّرُ ٱلۡإِنسَـٰنُ مَا سَعَىٰ","وَبُرِّزَتِ ٱلۡجَحِیمُ لِمَن یَرَىٰ","فَأَمَّا مَن طَغَىٰ","وَءَاثَرَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا","فَإِنَّ ٱلۡجَحِیمَ هِیَ ٱلۡمَأۡوَىٰ","وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ","فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِیَ ٱلۡمَأۡوَىٰ"],"ayah":"وَبُرِّزَتِ ٱلۡجَحِیمُ لِمَن یَرَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق