الباحث القرآني
﴿فَأخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الآخِرَةِ والأُولى﴾ ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَن يَخْشى﴾ .
جُمْلَةُ ﴿فَأخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الآخِرَةِ والأُولى﴾ مُفَرَّعَةٌ عَنِ الجُمَلِ الَّتِي قَبْلَها، أيْ: كانَ ما ذُكِرَ مِن تَكْذِيبِهِ وعِصْيانِهِ وكَيْدِهِ سَبَبًا لِأنْ أخَذَهُ اللَّهُ، وهَذا هو المَقْصُودُ مِن سَوْقِ القِصَّةِ وهو مَناطُ مَوْعِظَةِ المُشْرِكِينَ وإنْذارِهِمْ، مَعَ تَسْلِيَةِ النَّبِيءِ ﷺ وتَثْبِيتِهِ.
وحَقِيقَةُ الأخْذِ: التَّناوُلُ بِاليَدِ، ويُسْتَعارُ كَثِيرًا لِلْمَقْدِرَةِ والغَلَبَةِ كَما قالَ تَعالى: ﴿فَأخَذْناهم أخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [القمر: ٤٢] وقالَ: ﴿فَأخَذَهم أخْذَةً رابِيَةً﴾ [الحاقة: ١٠] . والمَعْنى: فَلَمْ يُفْلِتْ مِن عِقابِ اللَّهِ.
والنَّكالُ: اسْمُ مَصْدَرِ نَكَّلَ بِهِ تَنْكِيلًا وهو مِثْلُ السَّلامِ، بِمَعْنى التَّسْلِيمِ ومَعْنى النَّكالِ: إيقاعُ أذًى شَدِيدٍ عَلى الغَيْرِ مِنَ التَّشْهِيرِ بِذَلِكَ بِحَيْثُ يُنَكِّلُ أيْ: يَرُدُّ ويَصْرِفُ مَن يُشاهِدُهُ عَنْ أنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ ما عُومِلَ بِهِ المُنَكَّلُ بِهِ، فَهو مُشْتَقٌّ مِنَ النُّكُولِ وهو النُّكُوصُ والهُرُوبُ، قالَ تَعالى: ﴿فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وما خَلْفَها﴾ [البقرة: ٦٦] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وانْتَصَبَ (نَكالَ) عَلى المَفْعُولِيَّةِ المُطْلَقَةِ لِفِعْلِ (أخَذَهُ) مُبَيِّنٌ لِنَوْعِ الأخْذِ بِنَوْعَيْنِ مِنهُ؛ لِأنَّ الأخْذَ يَقَعُ بِأحْوالٍ كَثِيرَةٍ.
وإضافَةُ (نَكالَ) إلى (الآخِرَةِ والأُولى) عَلى مَعْنى (في) .
فالنَّكالُ في الأُولى هو الغَرَقُ، والنَّكالُ في الآخِرَةِ هو عَذابُ جَهَنَّمَ.
وقَدِ اسْتُعْمِلَ النَّكالُ في حَقِيقَتِهِ ومَجازِهِ؛ لِأنَّ ما حَصَلَ لِفِرْعَوْنَ في الدُّنْيا هو نَكالٌ حَقِيقِيٌّ وما يُصِيبُهُ في الآخِرَةِ أُطْلِقَ عَلَيْهِ النَّكالُ؛ لِأنَّهُ يُشْبِهُ النَّكالَ في شِدَّةِ التَّعْذِيبِ ولا يَحْصُلُ بِهِ نَكالٌ يَوْمَ القِيامَةِ.
(p-٨٢)ووُرُودُ فِعْلِ (أخَذَهُ) بِصِيغَةِ المُضِيِّ مَعَ أنَّ عَذابَ الآخِرَةِ مُسْتَقْبَلٌ لِيَوْمِ الجَزاءِ مُراعًا فِيهِ أنَّهُ لَمّا ماتَ ابْتَدَأ يَذُوقُ العَذابَ حِينَ يَرى مَنزِلَتَهُ الَّتِي سَيَؤُولُ إلَيْها يَوْمَ الجَزاءِ كَما ورَدَ في الحَدِيثِ.
وتَقْدِيمُ (الآخِرَةِ) عَلى الأُولى في الذِّكْرِ؛ لِأنَّ أمْرَ الآخِرَةِ أعْظَمُ.
وجاءَ في آخِرِ القِصَّةِ بِحَوْصَلَةٍ وفَذْلَكَةٍ لِما تَقَدَّمَ فَقالَ: ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَن يَخْشى﴾ فَهو في مَعْنى البَيانِ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ ﴿هَلْ أتاكَ حَدِيثُ مُوسى﴾ [النازعات: ١٥] الآياتِ.
والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: في ذَلِكَ إلى حَدِيثِ مُوسى.
والعِبْرَةُ: الحالَةُ الَّتِي يَنْتَقِلُ الذِّهْنُ مِن مَعْرِفَتِها إلى مَعْرِفَةِ عاقِبَتِها أوْ عاقِبَةِ أمْثالِها. وهي مُشْتَقَّةٌ مِنَ العَبْرِ، وهو الِانْتِقالُ مِن ضَفَّةِ وادٍ أوْ نَهْرٍ إلى ضَفَّتِهِ الأُخْرى.
والمُرادُ بِالعِبْرَةِ هُنا المَوْعِظَةُ.
وتَنْوِينُ (عِبْرَةً) لِلتَّعْظِيمِ؛ لِأنَّ في هَذِهِ القِصَّةِ مَواعِظَ كَثِيرَةً مِن جِهاتٍ هي مَثُلاتٌ لِلْأعْمالِ وعَواقِبِها، ومُراقَبَةِ اللَّهِ وخَشْيَتِهِ، وما يَتَرَتَّبُ عَلى ذَلِكَ وعَلى ضِدِّهِ مِن خَيْرٍ وشَرٍّ في الدُّنْيا والآخِرَةِ. وجُعِلَ ذَلِكَ عِبْرَةً لِمَن يَخْشى، أيْ: مَن تُخالِطُ نَفْسَهُ خَشْيَةُ اللَّهِ؛ لِأنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ اللَّهَ هم أهْلُ المَعْرِفَةِ الَّذِينَ يَفْهَمُونَ دِلالَةَ الأشْياءِ عَلى لَوازِمِها وخَفاياها، قالَ تَعالى: ﴿إنَّما يَخْشى اللَّهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ﴾ [فاطر: ٢٨] وقالَ: ﴿وتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وما يَعْقِلُها إلّا العالِمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٣] . والخَشْيَةُ تَقَدَّمَتْ قَرِيبًا في قَوْلِهِ: ﴿وأهْدِيَكَ إلى رَبِّكَ فَتَخْشى﴾ [النازعات: ١٩] .
وفِي هَذا تَعْرِيضٌ بِالمُشْرِكِينَ بِأنَّهم لَيْسُوا بِأهْلٍ لِلِانْتِفاعِ بِمِثْلِ هَذا كَما لَمْ يَنْتَفِعْ بِمِثْلِهِ فِرْعَوْنُ وقَوْمُهُ.
وفِي القِصَّةِ كُلِّها تَعْرِيضٌ بِسادَةِ قُرَيْشٍ مِن أهْلِ الكُفْرِ مِثْلَ أبِي جَهْلٍ بِتَنْظِيرِهِمْ بِفِرْعَوْنَ وتَنْظِيرِ الدَّهْماءِ بِالقَوْمِ الَّذِينَ حَشَرَهم فِرْعَوْنُ ونادى فِيهِمْ بِالكُفْرِ، وقَدْ عَلِمَ المُسْلِمُونَ مَضْرِبَ هَذا المَثَلِ فَكانَ أبُو جَهْلٍ يُوصَفُ عِنْدَ المُسْلِمِينَ بِفِرْعَوْنَ هَذِهِ الأُمَّةِ.
(p-٨٣)وتَأْكِيدُ الخَبَرِ بِ (إنَّ) ولامِ الِابْتِداءِ لِتَنْزِيلِ السّامِعِينَ الَّذِينَ سِيقَتْ لَهُمُ القِصَّةُ مَنزِلَةَ مَن يُنْكِرُ ما فِيها مِنَ المَواعِظِ لِعَدَمِ جَرْيِهِمْ عَلى الِاعْتِبارِ والِاتِّعاظِ بِما فِيها مِنَ المَواعِظِ.
{"ayahs_start":25,"ayahs":["فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلۡـَٔاخِرَةِ وَٱلۡأُولَىٰۤ","إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَعِبۡرَةࣰ لِّمَن یَخۡشَىٰۤ"],"ayah":"فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلۡـَٔاخِرَةِ وَٱلۡأُولَىٰۤ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











