الباحث القرآني
﴿وجَعَلْنا نَوْمَكم سُباتًا﴾ .
انْتَقَلَ مِنَ الِاسْتِدْلالِ بِخَلْقِ النّاسِ إلى الِاسْتِدْلالِ بِأحْوالِهِمْ، وخَصَّ مِنها الحالَةَ الَّتِي هي أقْوى أحْوالِهِمُ المَعْرُوفَةِ شَبَهًا بِالمَوْتِ الَّذِي يَعْقُبُهُ البَعْثُ، وهي حالَةٌ مُتَكَرِّرَةٌ لا يَخْلُونَ مِنَ الشُّعُورِ بِما فِيها مِنَ العِبْرَةِ؛ لِأنَّ تَدْبِيرَ نِظامِ النَّوْمِ وما يَطْرَأُ عَلَيْهِ مِنَ اليَقَظَةِ أشْبَهُ حالٍ بِحالِ المَوْتِ وما يَعْقُبُهُ مِنَ البَعْثِ.
وأُوثِرَ فِعْلُ (جَعَلْنا) لِأنَّ النَّوْمَ كَيْفِيَّةٌ يُناسِبُها فِعْلُ الجَعْلِ لا فِعْلُ الخَلْقِ المُناسِبِ لِلذَّواتِ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: ﴿ألَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهادًا﴾ [النبإ: ٦] وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وجَعَلْنا اللَّيْلَ لِباسًا وجَعَلْنا النَّهارَ مَعاشًا﴾ [النبإ: ١٠] .
فَإضافَةُ نَوْمٍ إلى ضَمِيرِ المُخاطَبِينَ لَيْسَتْ لِلتَّقْيِيدِ لِإخْراجِ نَوْمِ غَيْرِ الإنْسانِ، فَإنَّ نَوْمَ الحَيَوانِ كُلَّهُ سُباتٌ، ولَكِنَّ الإضافَةَ لِزِيادَةِ التَّنْبِيهِ لِلِاسْتِدْلالِ، أيْ أنَّ دَلِيلَ البَعْثِ قائِمٌ بَيِّنٌ في النَّوْمِ الَّذِي هو مِن أحْوالِكم، وأيْضًا لِأنَّ في وصْفِهِ بِسُباتٍ امْتِنانًا، والِامْتِنانُ خاصٌّ بِهِمْ، قالَ تَعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ [يونس: ٦٧] .
والسُّباتُ - بِضَمِّ السِّينِ وتَخْفِيفِ الباءِ -: اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنى السَّبْتِ، أيِ: القَطْعِ، أيْ: جَعَلْناهُ لَكم قَطْعًا لِعَمَلِ الجَسَدِ بِحَيْثُ لا بُدَّ لِلْبَدَنِ مِنهُ، وإلى هَذا أشارَ ابْنُ الأعْرابِيِّ، وابْنُ قُتَيْبَةَ؛ إذْ جَعَلا المَعْنى: وجَعَلْنا نَوْمَكم راحَةً، فَهو تَفْسِيرُ مَعْنًى.
(p-١٩)وإنَّما أُوثِرَ لَفْظُ (سُباتٍ) لِما فِيهِ مِنَ الإشْعارِ بِالقَطْعِ عَنِ العَمَلِ لِيُقابِلَهُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ ﴿وجَعَلْنا النَّهارَ مَعاشًا﴾ [النبإ: ١١] كَما سَيَأْتِي.
ويُطْلَقُ السُّباتُ عَلى النَّوْمِ الخَفِيفِ، ولَيْسَ مُرادًا في هَذِهِ الآيَةِ؛ إذْ لا يَسْتَقِيمُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: وجَعَلْنا نَوْمَكم نَوْمًا، ولا نَوْمًا خَفِيفًا.
وفِي تَفْسِيرِ الفَخْرِ: طَعَنَ بَعْضُ المَلاحِدَةِ في هَذِهِ الآيَةِ فَقالُوا: السُّباتُ هو النَّوْمُ، فالمَعْنى: وجَعَلْنا نَوْمَكم نَوْمًا. وأخَذَ في تَأْوِيلِها وُجُوهًا ثَلاثَةً مِن أقْوالِ المُفَسِّرِينَ لا يَسْتَقِيمُ مِنها إلّا ما قالَهُ ابْنُ الأعْرابِيِّ أنَّ السُّباتَ القَطْعُ كَما قالَ تَعالى: ﴿مَن إلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ﴾ [القصص: ٧٢] وهو المَعْنى الأصْلِيُّ لِتَصارِيفِ مادَّةِ سَبَتَ.
وأنْكَرَ ابْنُ الأنْبارِيِّ، وابْنُ سِيدَهْ أنْ يَكُونَ فِعْلُ سَبَتَ بِمَعْنى اسْتَراحَ، أيْ: لَيْسَ مَعْنى اللَّفْظِ، فَمَن فَسَّرَ السُّباتَ بِالرّاحَةِ أرادَ تَفْسِيرَ حاصِلِ المَعْنى.
وفِي هَذا امْتِنانٌ عَلى النّاسِ بِخَلْقِ نِظامِ النَّوْمِ فِيهِمْ لِتَحْصُلَ لَهم راحَةٌ مِن أتْعابِ العَمَلِ الَّذِي يَكْدَحُونَ لَهُ في نَهارِهِمْ، فاللَّهُ تَعالى جَعَلَ النَّوْمَ حاصِلًا لِلْإنْسانِ بِدُونِ اخْتِيارِهِ، فالنَّوْمُ يُلْجِئُ الإنْسانَ إلى قَطْعِ العَمَلِ لِتَحْصُلَ راحَةٌ لِمَجْمُوعِهِ العَصَبِيِّ الَّذِي رُكْنُهُ في الدِّماغِ، فَبِتِلْكَ الرّاحَةِ يَسْتَجِدُّ العَصَبُ قُواهُ الَّتِي أوْهَنَها عَمَلُ الحَواسِّ وحَرَكاتُ الأعْضاءِ وأعْمالُها، بِحَيْثُ لَوْ تَعَلَّقَتْ رَغْبَةُ أحَدٍ بِالسَّهَرِ لا بُدَّ لَهُ مِن أنْ يَغْلِبَهُ النَّوْمُ، وذَلِكَ لُطْفٌ بِالإنْسانِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ لَهُ ما بِهِ مَنفَعَةُ مَدارِكِهِ قَسْرًا عَلَيْهِ لِئَلّا يَتَهاوَنَ بِهِ، ولِذَلِكَ قِيلَ: إنَّ أقَلَّ النّاسِ نَوْمًا أقْصَرُهم عُمْرًا، وكَذَلِكَ الحَيَوانُ.
{"ayah":"وَجَعَلۡنَا نَوۡمَكُمۡ سُبَاتࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق