الباحث القرآني
(p-٣٩)﴿إنَّهم كانُوا لا يَرْجُونَ حِسابًا﴾ ﴿وكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذّابًا﴾ مَوْقِعُ هَذِهِ الجُمْلَةِ مَوْقِعُ التَّعْلِيلِ لِجُمْلَةِ ﴿إنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصادًا﴾ [النبإ: ٢١] إلى قَوْلِهِ: ﴿جَزاءً وِفاقًا﴾ [النبإ: ٢٦] ولِذَلِكَ فُصِلَتْ.
وضَمِيرُ (إنَّهم) عائِدٌ إلى الطّاغِينَ.
وحَرْفُ (إنَّ) لِلِاهْتِمامِ بِالخَبَرِ ولَيْسَتْ لِرَدِّ الإنْكارِ؛ إذْ لا يُنْكِرُ أحَدٌ أنَّهم لا يَرْجُونَ حِسابًا وأنَّهم مُكَذِّبُونَ بِالقُرْآنِ، وشَأْنُ (إنَّ) إذا قُصِدَ بِها مُجَرَّدُ الِاهْتِمامِ أنْ تَكُونَ قائِمَةً مَقامَ فاءِ التَّفْرِيعِ مُفِيدَةً لِلتَّعْلِيلِ، وتَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّكَ أنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ﴾ [البقرة: ٣٢] وقَوْلِهِ: ﴿إنَّ البَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا﴾ [البقرة: ٧٠] في سُورَةِ البَقَرَةِ، فالجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ ما قَبْلَها وبَيْنَ جُمْلَةِ ﴿فَذُوقُوا﴾ [النبإ: ٣٠] .
وقَدْ عَلِمْتَ مُناسَبَةَ جَزاءِهِمْ لِجُرْمِهِمْ عِنْدَ قَوْلِهِ آنِفًا ﴿جَزاءً وِفاقًا﴾ [النبإ: ٢٦] مِمّا يَزِيدُ وجْهَ التَّعْلِيلِ وُضُوحًا.
وقَوْلُهُ: ﴿لا يَرْجُونَ حِسابًا﴾ نَفْيٌ لِرَجائِهِمْ وُقُوعَ الجَزاءِ.
والرَّجاءُ اشْتُهِرَ في تَرَقُّبِ الأمْرِ المَحْبُوبِ، والحِسابُ لَيْسَ خَيْرًا لَهم حَتّى يُجْعَلَ نَفْيُ تَرَقُّبِهِ مِن قَبِيلِ نَفْيِ الرَّجاءِ، فَكانَ الظّاهِرُ أنْ يُعَبَّرَ عَنْ تَرَقُّبِهِ بِمادَّةِ التَّوَقُّعِ الَّذِي هو تَرَقُّبُ الأمْرِ المَكْرُوهِ، فَيَظْهَرُ أنَّ وجْهَ العُدُولِ عَنِ التَّعْبِيرِ بِمادَّةِ التَّوَقُّعِ إلى التَّعْبِيرِ بِمادَّةِ الرَّجاءِ أنَّ اللَّهَ لَمّا أخْبَرَ عَنْ جَزاءِ الطّاغِينَ وعَذابِهِمْ تَلَقّى المُسْلِمُونَ ذَلِكَ بِالمَسَرَّةِ، وعَلِمُوا أنَّهم ناجُونَ مِمّا سَيَلْقاهُ الطّاغُونَ، فَكانُوا مُتَرَقِّبِينَ يَوْمَ الحِسابِ تَرَقُّبَ رَجاءٍ، فَنَفْيُ رَجاءِ يَوْمِ الحِسابِ عَنِ المُشْرِكِينَ جامِعٌ بِصَرِيحِهِ مَعْنى عَدَمِ إيمانِهِمْ بِوُقُوعِهِ، وبِكِنايَتِهِ رَجاءَ المُؤْمِنِينَ وُقُوعَهُ بِطَرِيقَةِ الكِنايَةِ التَّعْرِيضِيَّةِ تَعْرِيضًا بِالمُسْلِمِينَ، وهي أيْضًا تَلْوِيحِيَّةٌ لِما في لازِمِ مَدْلُولِ الكَلامِ مِنَ الخَفاءِ.
ومِنَ المُفَسِّرِينَ مَن فَسَّرَ (يَرْجُونَ) بِمَعْنى: يَخافُونَ، وهو تَفْسِيرٌ بِحاصِلِ المَعْنى، ولَيْسَ تَفْسِيرًا لِلَّفْظِ.
وفَعْلُ (كانُوا) دالٌّ عَلى أنَّ انْتِفاءَ رَجائِهِمُ الحِسابَ وصْفٌ مُتَمَكِّنٌ مِن (p-٤٠)نُفُوسِهِمْ وهم كائِنُونَ عَلَيْهِ، ولَيْسَ المُرادُ بِفِعْلِ (كانُوا) أنَّهم كانُوا كَذَلِكَ فانْقَضى؛ لِأنَّ هَذِهِ الجُمْلَةَ إخْبارٌ عَنْهم في حِينِ نُزُولِ الآيَةِ وهم في الدُّنْيا، ولَيْسَتْ مِمّا يُقالُ لَهم أوْ عَنْهم يَوْمَ القِيامَةِ.
وجِيءَ بِفِعْلِ (يَرْجُونَ) مُضارِعًا لِلدِّلالَةِ عَلى اسْتِمْرارِ انْتِفاءِ ما عُبِّرَ عَنْهُ بِالرَّجاءِ، وذَلِكَ لِأنَّهم كُلَّما أُعِيدَ لَهم ذِكْرُ يَوْمِ الحِسابِ جَدَّدُوا إنْكارَهُ وكَرَّرُوا شُبُهاتِهِمْ عَلى نَفْيِ إمْكانِهِ لِأنَّهم قالُوا ﴿إنْ نَظُنُّ إلّا ظَنًّا وما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾ [الجاثية: ٣٢] .
والحِسابُ: العَدُّ، أيْ: عَدُّ الأعْمالِ والتَّوْقِيفُ عَلى جَزائِها، أيْ: لا يَرْجُونَ وُقُوعَ حِسابٍ عَلى أعْمالِ العِبادِ يَوْمَ الحَشْرِ.
و(كَذَّبُوا) عَطْفٌ عَلى لا يَرْجُونَ، أيْ: وإنَّهم كَذَّبُوا بِآياتِنا، أيْ: بِآياتِ القُرْآنِ.
والمَعْنى: كَذَّبُوا ما اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الآياتُ مِن إثْباتِ الوَحْدانِيَّةِ ورِسالَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ .
ولِكَوْنِ تَكْذِيبِهِمْ بِذَلِكَ قَدِ اسْتَقَرَّ في نُفُوسِهِمْ ولَمْ يَتَرَدَّدُوا فِيهِ جِيءَ في جانِبِهِ بِالفِعْلِ الماضِي لِأنَّهم قالُوا ﴿قُلُوبُنا في أكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إلَيْهِ وفي آذانِنا وقْرٌ ومِن بَيْنِنا وبَيْنِكَ حِجابٌ﴾ [فصلت: ٥] .
وكِذّابٌ: - بِكَسْرِ الكافِ وتَشْدِيدِ الذّالِ - مَصْدَرُ كَذَّبَ. والفِعّالُ - بِكَسْرِ أوَّلِهِ وتَشْدِيدِ عَيْنِهِ - مَصْدَرُ فَعَّلَ مِثْلَ التَّفْعِيلِ، ونَظائِرُهُ: القِصّارُ مَصْدَرُ قَصَّرَ، والقِضّاءُ مَصْدَرُ قَضّى، والخِرّاقُ مَصْدَرُ خَرَّقَ - المُضاعَفِ -، والفِسّارُ مَصْدَرُ فَسَّرَ. وعَنِ الفَرّاءِ أنَّ أصْلَ هَذا المَصْدَرِ مِنَ اللُّغَةِ اليَمَنِيَّةِ، يُرِيدُ: وتَكَلَّمَ بِهِ العَرَبُ، فَقَدْ أنْشَدُوا لِبَعْضِ بَنِي كِلابٍ:
لَقَدْ طالَ ما ثَبَّطْتَنِي عَنْ صَحابَتِي وعَنْ حِوَجَ قِضّاؤُها مِن شِفائِيا
وأُوثِرَ هَذا المَصْدَرُ هُنا دُونَ التَّكْذِيبِ لِمُراعاةِ التَّماثُلِ في فَواصِلِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَإنَّها عَلى نَحْوِ ألِفِ التَّأْسِيسِ في القَوافِي، والفَواصِلُ كالأسْجاعِ ويَحْسُنُ في الأسْجاعِ ما يَحْسُنُ في القَوافِي.
(p-٤١)وفِي الكَشّافِ: وفِعّالُ فَعَّلَ كُلُّهُ فاشٍ في كَلامِ فُصَحاءَ مِنَ العَرَبِ، لا يَقُولُونَ غَيْرَهُ.
وانْتُصِبَ (كِذّابًا) عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مُؤَكِّدٌ لِعامِلِهِ لِإفادَةِ شِدَّةِ تَكْذِيبِهِمْ بِالآياتِ.
{"ayahs_start":27,"ayahs":["إِنَّهُمۡ كَانُوا۟ لَا یَرۡجُونَ حِسَابࣰا","وَكَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا كِذَّابࣰا"],"ayah":"إِنَّهُمۡ كَانُوا۟ لَا یَرۡجُونَ حِسَابࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











