الباحث القرآني
﴿وجَعَلْنا اللَّيْلَ لِباسًا﴾ .
مِن إتْمامِ الِاسْتِدْلالِ الَّذِي قَبْلَهُ وما فِيهِ مِنَ المِنَّةِ؛ لِأنَّ كَوْنَ اللَّيْلِ لِباسًا حالَةٌ مُهَيِّئَةٌ لِتَكَيُّفِ النَّوْمِ ومُعِينَةٌ عَلى هَنائِهِ والِانْتِفاعِ بِهِ؛ لِأنَّ اللَّيْلَ ظُلْمَةٌ عارِضَةٌ في الجَوِّ مِن مُزايَلَةِ ضَوْءِ الشَّمْسِ عَنْ جُزْءٍ مِن كُرَةِ الأرْضِ، وبِتِلْكَ الظُّلْمَةِ تَحْتَجِبُ المَرْئِيّاتِ عَنِ الإبْصارِ فَيَعْسُرُ المَشْيُ والعَمَلُ والشُّغْلُ ويَنْحَطُّ النَّشاطُ، فَتَتَهَيَّأُ الأعْصابُ لِلْخُمُولِ ثُمَّ يَغْشاها النَّوْمُ، فَيَحْصُلُ السُّباتُ بِهَذِهِ المُقَدِّماتِ العَجِيبَةِ، فَلا جَرَمَ كانَ (p-٢٠)نِظامُ اللَّيْلِ آيَةً عَلى انْفِرادِ اللَّهِ تَعالى بِالخَلْقِ وبَدِيعِ تَقْدِيرِهِ.
وكانَ دَلِيلًا عَلى أنَّ إعادَةَ الأجْسامِ بَعْدَ الفَناءِ غَيْرُ مُتَعَذِّرَةٍ عَلَيْهِ تَعالى، فَلَوْ تَأمَّلَ المُنْكِرُونَ فِيها لَعَلِمُوا أنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى البَعْثِ، فَلَمّا كَذَّبُوا خَبَرَ الرَّسُولِ ﷺ بِهِ، وفي ذَلِكَ امْتِنانٌ عَلَيْهِمْ بِهَذا النِّظامِ الَّذِي فِيهِ اللُّطْفُ بِهِمْ وراحَةُ حَياتِهِمْ، لَوْ قَدَّرُوهُ حَقَّ قَدْرِهِ لَشَكَرُوهُ وما أشْرَكُوا، فَكانَ تَذَكُّرُ حالَةِ اللَّيْلِ سَرِيعَ الخُطُورِ بِالأذْهانِ عِنْدَ ذِكْرِ حالَةِ النَّوْمِ، فَكانَ ذِكْرُ النَّوْمِ مُناسَبَةً لِلِانْتِقالِ إلى الِاسْتِدْلالِ بِحالَةِ اللَّيْلِ عَلى حَسَبِ أفْهامِ السّامِعِينَ.
والمَعْنى مِن جَعْلِ اللَّيْلِ لِباسًا يَحُومُ حَوْلَ وصْفِ حالَةٍ خاصَّةٍ بِاللَّيْلِ عُبِّرَ عَنْها بِاللِّباسِ.
فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ اللِّباسُ مَحْمُولًا عَلى مَعْنى الِاسْمِ وهو المَشْهُورُ في إطْلاقِهِ، أيْ: ما يَلْبَسُهُ الإنْسانُ مِنَ الثِّيابِ، فَيَكُونُ وصْفُ اللَّيْلِ بِهِ عَلى تَقْدِيرِ كافِ التَّشْبِيهِ عَلى طَرِيقَةِ التَّشْبِيهِ البَلِيغِ، أيْ: جَعَلْنا اللَّيْلَ لِلْإنْسانِ كاللِّباسِ لَهُ، فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ وجْهُ الشَّبَهِ هو التَّغْشِيَةَ، وتَحْتَهُ ثَلاثَةُ مَعانٍ:
أحَدُها: أنَّ اللَّيْلَ ساتِرٌ لِلْإنْسانِ كَما يَسْتُرُهُ اللِّباسُ، فالإنْسانُ في اللَّيْلِ يَخْتَلِي بِشُؤُونِهِ الَّتِي لا يَرْتَكِبُها في النَّهارِ؛ لِأنَّهُ لا يُحِبُّ أنْ تَراها الأبْصارُ، وفي ذَلِكَ تَعْرِيضٌ بِإبْطالِ أصْلٍ مِن أُصُولِ الدَّهْرِيِّينَ أنَّ اللَّيْلَ رَبُّ الظَّلَمَةِ، وهو مُعْتَقَدُ المَجُوسِ، وهُمُ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أنَّ المَخْلُوقاتِ كُلَّها مَصْنُوعَةٌ مِن أصْلَيْنِ، أيْ إلَهَيْنِ: إلَهُ النُّورِ وهو صانِعُ الخَيْرِ، وإلَهُ الظُّلْمَةِ وهو صانِعُ الشَّرِّ. ويُقالُ لَهُمُ الثَّنَوِيَّةُ لِأنَّهم أثْبَتُوا إلَهَيْنِ اثْنَيْنِ، وهم فِرَقٌ مُخْتَلِفَةُ المَذاهِبِ في تَقْرِيرِ كَيْفِيَّةِ حُدُوثِ العالَمِ عَنْ ذَيْنِكَ الأصْلَيْنِ، وأشْهَرُ هَذِهِ الفِرَقِ فِرْقَةٌ تُسَمّى المانَوِيَّةُ نِسْبَةً إلى رَجُلٍ يُقالُ لَهُ (مانِي) فارِسِيٍّ قَبْلَ الإسْلامِ، وفِرْقَةٌ تُسَمّى مَزْدَكِيَّةٌ نِسْبَةً إلى رَجُلٍ يُقالُ لَهُ (مَزْدَكُ) فارِسِيٍّ قَبْلَ الإسْلامِ. وقَدْ أخَذَ أبُو الطَّيِّبِ مَعْنى هَذا التَّعْرِيضِ بِقَوْلِهِ:
؎وكَمْ لِظَلامِ اللَّيْلِ عِنْدَكَ مِن يَدٍ تُخَبِّرُ أنَّ المانَوِيَّةَ تَكْذِبُ
المَعْنى الثّانِي مِن مَعْنَيَيْ وجْهِ الشَّبَهِ بِاللِّباسِ: أنَّهُ المُشابَهَةُ في الرِّفْقِ بِاللّابِسِ والمُلاءَمَةُ لِراحَتِهِ، فَلَمّا كانَ اللَّيْلُ راحَةً لِلْإنْسانِ وكانَ مُحِيطًا بِجَمِيعِ حَواسِّهِ وأعْصابِهِ (p-٢١)شُبِّهَ بِاللِّباسِ في ذَلِكَ، ونُسِبَ مُجْمَلُ هَذا المَعْنى إلى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، السُّدِّيِّ، وقَتادَةَ إذْ فَسَّرُوا (سُباتًا) سَكَنًا.
المَعْنى الثّالِثُ: أنَّ وجْهَ الشَّبَهِ بِاللِّباسِ هو الوِقايَةُ، فاللَّيْلُ يَقِي الإنْسانَ مِنَ الأخْطارِ والِاعْتِداءِ عَلَيْهِ، فَكانَ العَرَبُ لا يُغِيرُ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ في اللَّيْلِ، وإنَّما تَقَعُ الغارَةُ صَباحًا، ولِذَلِكَ إذا غِيرَ عَلَيْهِمْ يَصْرُخُ الرَّجُلُ بِقَوْمِهِ بِقَوْلِهِ: يا صَباحاهُ. ويُقالُ: صَبَّحَهُمُ العَدُوُّ. وكانُوا إذا أقامُوا حَرَسًا عَلى الرُّبى ناظُورَةَ عَلى ما عَسى أنْ يَطْرُقَهم مِنَ الأعْداءِ يُقِيمُونَهُ نَهارًا فَإذا أظْلَمَ اللَّيْلُ نَزَلَ الحَرَسُ، كَما قالَ لَبِيدٌ يَذْكُرُ ذَلِكَ ويَذْكُرُ فَرَسَهُ:
حَتّى إذا ألْقَتْ يَدًا في كافِرٍ ∗∗∗ وأجَنَّ عَوْراتِ الثُّغُورِ ظَلامُهاأسْهَلْتُ وانْتَصَبَتْ كَجِذْعٍ مُنِيفَةٍ ∗∗∗ جَرْداءَ يَحْصَرُ دُونَها جُرّامُها
{"ayah":"وَجَعَلۡنَا ٱلَّیۡلَ لِبَاسࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











