الباحث القرآني
﴿هَذا يَوْمُ الفَصْلِ جَمَعْناكم والأوَّلِينَ﴾ ﴿فَإنْ كانَ لَكم كَيْدٌ فَكِيدُونِ﴾
تَكْرِيرٌ لِتَوْبِيخِهِمْ بَعْدَ جُمْلَةِ (﴿انْطَلِقُوا إلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ [المرسلات: ٢٩])، شُيِّعَ بِهِ القَوْلُ الصّادِرُ بِطَرْدِهِمْ وتَحْقِيرِهِمْ، فَإنَّ المَطْرُودَ يُشَيَّعُ بِالتَّوْبِيخِ، فَهو مِمّا يُقالُ لَهم يَوْمَئِذٍ، ولَمْ تُعْطَفْ بِالواوِ لِأنَّها وقَعَتْ مَوْقِعَ التَّذْيِيلِ لِلطَّرْدِ، وذَلِكَ مِن مُقْتَضَياتِ الفَصْلِ سَواءٌ كانَ التَّكْرِيرُ بِإعادَةِ اللَّفْظِ والمَعْنى، أمْ كانَ بِإعادَةِ المَعْنى والغَرَضِ.
والإشارَةُ إلى المَشْهَدِ الَّذِي يُشاهِدُونَهُ مِن حُضُورِ النّاسِ ومُعَدّاتِ العَرْضِ والحِسابِ لِفَصْلِ القَضاءِ بِالجَزاءِ.
والإخْبارُ عَنِ اسْمِ الإشارَةِ بِأنَّهُ يَوْمُ الفَصْلِ بِاعْتِبارِ أنَّهم يَتَصَوَّرُونَ ما كانُوا يَسْمَعُونَ في الدُّنْيا مِن مُحاجَّةٍ عَلَيْهِمْ لِإثْباتِ يَوْمٍ يَكُونُ فِيهِ الفَصْلُ وكانُوا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ اليَوْمَ وما يَتَعَذَّرُونَ بِما يَقَعُ فِيهِ، فَصارَتْ صُورَةُ ذَلِكَ اليَوْمِ حاضِرَةً في تَصَوُّرِهِمْ دُونَ إيمانِهِمْ بِهِ فَكانُوا الآنَ مُتَهَيِّئِينَ لِأنْ يُوقِنُوا بِأنَّ هَذا هو اليَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ بِحُلُولِهِ، وقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ اليَوْمُ مِن قَبْلُ بِأنَّهُ يَوْمُ الفَصْلِ، أيِ القَضاءِ وقَدْ رَأوْا أُهْبَةَ القَضاءِ.
(p-٤٤٢)وجُمْلَةُ (﴿جَمَعْناكم والأوَّلِينَ﴾) بَيانٌ لِلْفَصْلِ بِأنَّهُ الفَصْلُ في النّاسِ كُلِّهِمْ لِجَزاءِ المُحْسِنِينَ والمُسِيئِينَ كُلِّهِمْ، فَلا جَرَمَ جُمِعَ في ذَلِكَ اليَوْمِ الأوَّلُونَ والآخَرُونَ قالَ تَعالى (﴿قُلْ إنَّ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ [الواقعة: ٤٩]) .
والمُخاطَبُونَ بِضَمِيرِ جَمَعْناكم: المُشْرِكُونَ الَّذِينَ سَبَقَ الكَلامُ لِتَهْدِيدِهِمْ وهُمُ المُكَذِّبُونَ بِالقُرْآنِ، لِأنَّ عَطْفَ والأوَّلِينَ عَلى الضَّمِيرِ يَمْنَعُ مِن أنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ لِجَمِيعِ المُكَذِّبِينَ مِثْلَ الضَّمائِرِ الَّتِي قَبْلَهُ، لِأنَّ الأوَّلِينَ مِن جُمْلَةِ المُكَذِّبِينَ فَلا يُقالُ لَهم: جَمَعْناكم والأوَّلِينَ، فَتَعَيَّنَ أنْ يَخْتَصَّ بِالمُكَذِّبِينَ بِالقُرْآنِ.
والمَعْنى: جَمَعْناكم والسّابِقِينَ قَبْلَكم مِنَ المُكَذِّبِينَ.
وقَدْ أُنْذِرُوا بِما حَلَّ بِالأوَّلِينَ أمْثالِهِمْ مِن عَذابِ الدُّنْيا في قَوْلِهِ (﴿ألَمْ نُهْلِكِ الأوَّلِينَ﴾ [المرسلات: ١٦]) . فَأُرِيدَ تَوْقِيفُهم يَوْمَئِذٍ عَلى صِدْقِ ما كانُوا يُنْذَرُونَ بِهِ في الحَياةِ الدُّنْيا مِن مَصِيرِهِمْ إلى ما صارَ إلَيْهِ أمْثالُهم، فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَعَلَّقِ الغَرَضُ بِذِكْرِ الأُمَمِ الَّتِي جاءَتْ مِن بَعْدِهِمْ.
وبِاعْتِبارِ هَذا الضَّمِيرِ فُرِّعَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (﴿فَإنْ كانَ لَكم كَيْدٌ فَكِيدُونِ﴾) فَكانَ تَخَلُّصًا إلى تَوْبِيخِ الحاضِرِينَ عَلى ما يَكِيدُونَ بِهِ لِلرَّسُولِ ﷺ ولِلْمُسْلِمِينَ قالَ تَعالى (﴿إنَّهم يَكِيدُونَ كَيْدًا وأكِيدُ كَيْدًا فَمَهِّلِ الكافِرِينَ أمْهِلْهم رُوَيْدًا﴾ [الطارق: ١٥]) وأنَّ كَيْدَهم زائِلٌ وأنَّ سُوءَ العُقْبى عَلَيْهِمْ.
وفُرِّعَ عَلى ذَلِكَ (﴿فَإنْ كانَ لَكم كَيْدٌ فَكِيدُونِ﴾)، أيْ فَإنْ كانَ لَكم كَيْدٌ اليَوْمَ كَما كانَ لَكم في الدُّنْيا، أيْ: كَيْدٌ بِدِينِي ورَسُولِي فافْعَلُوهُ.
والأمْرُ لِلتَّعْجِيزِ، والشَّرْطُ لِلتَّوْبِيخِ والتَّذْكِيرِ بِسُوءِ صَنِيعِهِمْ في الدُّنْيا، والتَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِالعَجْزِ عَنِ الكَيْدِ يَوْمَئِذٍ حَيْثُ مُكِّنُوا مِنَ البَحْثِ عَمّا عَسى أنْ يَكُونَ لَهم مِنَ الكَيْدِ فَإذا لَمْ يَسْتَطِيعُوهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ سُجِّلَ عَلَيْهِمُ العَجْزُ، وهَذا مِنَ العَذابِ الَّذِي يُعَذَّبُونَهُ إذْ هو مِن نَوْعِ العَذابِ النَّفْسانِيِّ وهو أوْقَعُ عَلى العاقِلِ مِنَ العَذابِ الجُسْمانِيِّ.
{"ayahs_start":38,"ayahs":["هَـٰذَا یَوۡمُ ٱلۡفَصۡلِۖ جَمَعۡنَـٰكُمۡ وَٱلۡأَوَّلِینَ","فَإِن كَانَ لَكُمۡ كَیۡدࣱ فَكِیدُونِ"],"ayah":"هَـٰذَا یَوۡمُ ٱلۡفَصۡلِۖ جَمَعۡنَـٰكُمۡ وَٱلۡأَوَّلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق