الباحث القرآني
﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ويَخافُونَ يَوْمًا كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾
اعْتِراضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ (﴿يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ﴾ [الإنسان: ٥]) إلَخْ وبَيْنَ جُمْلَةِ (﴿ويُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِن فِضَّةٍ﴾ [الإنسان: ١٥]) إلَخْ. وهَذا الِاعْتِراضُ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ هو جَوابٌ عَنْ سُؤالٍ مِن شَأْنِ الكَلامِ السّابِقِ أنْ يُثِيرَهُ في نَفْسِ السّامِعِ المُغْتَبِطِ بِأنْ يَنالَ مِثْلَ ما نالُوا مِنَ النَّعِيمِ والكَرامَةِ في الآخِرَةِ. فَيَهْتَمُّ بِأنْ يَفْعَلَ مِثْلَما فَعَلُوا، فَذَكَرَ بَعْضَ أعْمالِهِمُ الصّالِحَةِ الَّتِي هي مِن آثارِ الإيمانِ مَعَ التَّعْرِيضِ لَهم بِالِاسْتِزادَةِ مِنها في الدُّنْيا.
والكَلامُ إخْبارٌ عَنْهم صادِرٌ في وقْتِ نُزُولِ هَذِهِ الآياتِ، بَعْضُهُ وصْفٌ لِحالِهِمْ في الآخِرَةِ وبَعْضُهُ وصْفٌ لِبَعْضِ حالِهِمْ في الدُّنْيا المُوجِبِ لِنَوالِ ما نالُوهُ في الآخِرَةِ، فَلا حاجَةَ إلى قَوْلِ الفَرّاءِ: إنَّ في الكَلامِ إضْمارًا. وتَقْدِيرُهُ: كانُوا يُوفُونَ بِالنَّذْرِ.
ولَيْسَتِ الجُمْلَةُ حالًا مِنَ الأبْرارِ وضَمِيرِهِمْ لِأنَّ الحالَ قَيْدٌ لِعامِلِها فَلَوْ جُعِلَتْ حالًا لَكانَتْ قَيْدًا لِـ (يَشْرَبُونَ)، ولَيْسَ وفاؤُهم بِالنَّذْرِ بِحاصِلٍ في وقْتِ شُرْبِهِمْ مِن خَمْرِ الجَنَّةِ بَلْ هو بِما أسْلَفُوهُ في الحَياةِ الدُّنْيا.
والوَفاءُ: أداءُ ما وجَبَ عَلى المُؤَدِّي وافِيًا دُونَ نَقْصٍ ولا تَقْصِيرٍ فِيهِ.
والنَّذْرُ: ما يَعْتَزِمُهُ المَرْءُ ويَعْقِدُ عَلَيْهِ نِيَّتَهُ، قالَ عَنْتَرَةُ:
؎والنّاذِرَيْنِ إذا لَمْ ألْقَهُما دَمِي
والمُرادُ بِهِ هُنا ما عَقَدُوا عَلَيْهِ عَزْمَهم مِنَ الإيمانِ والِامْتِثالِ وهو ما اسْتَحَقُّوا بِهِ صِفَةَ (الأبْرارِ) .
ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِـ (النَّذْرِ) ما يُنْذِرُونَهُ مِن فِعْلِ الخَيْرِ المُتَقَرَّبِ بِهِ إلى اللَّهِ، أيْ يُنْشِئُونَ النُّذُورَ بِها لِيُوجِبُوها عَلى أنْفُسِهِمْ.
وجِيءَ بِصِيغَةِ المُضارِعِ لِلدَّلالَةِ عَلى تَجَدُّدِ وفائِهِمْ بِما عَقَدُوا عَلَيْهِ ضَمائِرَهم مِن (p-٣٨٣)الإيمانِ والعَمَلِ الصّالِحِ، وذَلِكَ مُشْعِرٌ بِأنَّهم يُكْثِرُونَ نَذْرَ الطّاعاتِ وفِعْلَ القُرُباتِ ولَوْلا ذَلِكَ لَما كانَ الوَفاءُ بِالنَّذْرِ مَوْجِبًا الثَّناءَ عَلَيْهِمْ.
والتَّعْرِيفُ في النَّذْرِ تَعْرِيفُ الجِنْسِ فَهو يَعُمُّ كُلَّ نَذْرٍ.
وعُطِفَ عَلى (﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾) قَوْلُهُ (﴿ويَخافُونَ يَوْمًا كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾) لِأنَّهم لَمّا وُصِفُوا بِالعَمَلِ بِما يُنْذِرُونَهُ أتْبَعَ ذَلِكَ بِذِكْرِ حُسْنِ نِيَّتِهِمْ وتَحَقُّقِ إخْلاصِهِمْ في أعْمالِهِمْ لِأنَّ الأعْمالَ بِالنِّياتِ فَجُمِعَ لَهم بِهَذا صِحَّةُ الِاعْتِقادِ وحُسْنُ الأعْمالِ.
وخَوْفُهُمُ اليَوْمَ مَجازٌ عَقْلِيٌّ جَرى في تَعَلُّقِ اليَوْمِ بِالخَوْفِ لِأنَّهم إنَّما يَخافُونَ ما يَجْرِي في ذَلِكَ اليَوْمِ مِنَ الحِسابِ والجَزاءِ عَلى الأعْمالِ السَّيِئَةِ بِالعِقابِ فَعُلِّقَ فِعْلُ الخَوْفِ بِزَمانِ الأشْياءِ المَخُوفَةِ.
وانْتَصَبَ (يَوْمًا) عَلى المَفْعُولِ بِهِ لِـ (يَخافُونَ) ولا يَصِحُّ نَصْبُهُ عَلى الظَّرْفِيَّةِ لِأنَّ المُرادَ بِالخَوْفِ خَوْفُهم في الدُّنْيا مِن ذُنُوبٍ تَجُرُّ إلَيْهِمُ العِقابَ في ذَلِكَ اليَوْمِ. ولَيْسَ المُرادُ أنَّهم يَخافُونَ في ذَلِكَ اليَوْمِ فَإنَّهم في ذَلِكَ اليَوْمِ آمِنُونَ.
ووُصِفَ اليَوْمُ بِأنَّ لَهُ شَرًّا مُسْتَطِيرًا وصْفًا مُشْعِرًا بِعِلَّةِ خَوْفِهِمْ إيّاهُ. فالمَعْنى: أنَّهم يَخافُونَ شَرَّ ذَلِكَ اليَوْمِ فَيَتَجَنَّبُونَ ما يُفْضِي بِهِمْ إلى شَرِّهِ مِنَ الأعْمالِ المُتَوَعَّدِ عَلَيْها بِالعِقابِ.
والشَّرُّ: العَذابُ والجَزاءُ السُّوءُ.
والمُسْتَطِيرُ: هو اسْمُ فاعِلٍ مِنِ اسْتِطارَ القاصِرِ، والسِّينُ والتّاءُ في اسْتِطارَ لِلْمُبالَغَةِ وأصْلُهُ طارَ مِثْلَ اسْتَكْبَرَ. والطَّيَرانُ مَجازِيٌّ مُسْتَعارٌ لِانْتِشارِ الشَّيْءِ وامْتِدادِهِ تَشْبِيهًا لَهُ بِانْتِشارِ الطَّيْرِ في الجَوِّ، ومِنهُ قَوْلُهم: الفَجْرُ المُسْتَطِيرُ وهو الفَجْرُ الصّادِقُ الَّذِي يَنْتَشِرُ ضَوْءُهُ في الأُفُقِ ويُقالُ: اسْتَطارَ الحَرِيقُ إذا انْتَشَرَ وتَلاحَقَ.
وذِكْرُ فِعْلِ كانَ لِلدَّلالَةِ عَلى تَمَكُّنِ الخَبَرِ مِنَ المُخْبَرِ عَنْهُ وإلّا فَإنَّ شَرَّ ذَلِكَ اليَوْمِ لَيْسَ واقِعًا في الماضِي وإنَّما يَقَعُ بَعْدَ مُسْتَقْبَلٍ بَعِيدٍ، ويَجُوزُ أنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ مِنَ التَّعْبِيرِ عَنِ المُسْتَقْبَلِ بِلَفْظِ الماضِي تَنْبِيهًا عَلى تَحَقُّقِ وُقُوعِهِ.
وصِيغَةُ يَخافُونَ دالَّةٌ عَلى تَجَدُّدِ خَوْفِهِمْ شَرَّ ذَلِكَ اليَوْمِ عَلى نَحْوِ قَوْلِهِ (﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾) .
{"ayah":"یُوفُونَ بِٱلنَّذۡرِ وَیَخَافُونَ یَوۡمࣰا كَانَ شَرُّهُۥ مُسۡتَطِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق