الباحث القرآني
(p-٣٢٩)﴿فَما لَهم عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ﴾ ﴿كَأنَّهم حُمُرٌ مُسْتَنْفَرَةٌ﴾ ﴿فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ﴾ ١ ) تَفْرِيعٌ لِلتَّعْجِيبِ مِن إصْرارِهِمْ عَلى الإعْراضِ عَنْ ما فِيهِ تَذْكِرَةٌ عَلى قَوْلِهِ (﴿وما هي إلّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ﴾ [المدثر: ٣١]) .
وجِيءَ بِاسْمِ التَّذْكِرَةِ الظّاهِرِ دُونَ أنْ يُؤْتى بِضَمِيرٍ نَحْوَ: أنْ يُقالَ: عَنْها مُعْرِضِينَ، لِئَلّا يَخْتَصَّ الإنْكارُ والتَّعْجِيبُ بِإعْراضِهِمْ عَنْ تَذْكِرَةِ الإنْذارِ بِسَقَرَ، بَلِ المَقْصُودُ التَّعْمِيمُ لِإعْراضِهِمْ عَنْ كُلِّ تَذْكِرَةٍ وأعْظَمُها تَذْكِرَةُ القُرْآنِ كَما هو المُناسِبُ لِلْإعْراضِ قالَ تَعالى (﴿إنْ هو إلّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ﴾ [يوسف: ١٠٤]) .
وما لَهُمُ اسْتِفْهامٌ مُسْتَعْمَلٌ في التَّعْجِيبِ مِن غَرابَةِ حالِهِمْ بِحَيْثُ تَجْدُرُ أنْ يَسْتَفْهِمَ عَنْها المُسْتَفْهِمُونَ وهو مَجازٌ مُرْسَلٌ بِعَلاقَةِ المُلازَمَةِ، و(لَهم) خَبَرٌ عَنْ (ما) الِاسْتِفْهامِيَّةِ. والتَّقْدِيرُ: ما ثَبَتَ لَهم، ومُعْرِضِينَ حالٌ مِن ضَمِيرِ (لَهم)، أيْ يَسْتَفْهِمُ عَنْهم في هَذِهِ الحالَةِ العَجِيبَةِ.
وتَرْكِيبُ: ما لَكَ ونَحْوَهُ، لا يَخْلُو مِن حالٍ تَلْحَقُ بِضَمِيرِهِ مُفْرَدَةٍ أوْ جُمْلَةٍ نَحْوَ ما لَكَ لا تَأْمَنّا عَلى يُوسُفَ في سُورَةِ يُوسُفَ. وقَوْلِهِ تَعالى (﴿فَما لَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ [الإنشقاق: ٢٠]) في سُورَةِ الِانْشِقاقِ. وقَوْلِهِ (﴿ما لَكم كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [القلم: ٣٦]) في سُورَةِ الصّافّاتِ وسُورَةِ القَلَمِ. و”عَنِ التَّذْكِرَةِ“ مُتَعَلِّقٌ بِـ ”مُعْرِضِينَ“ .
وشُبِّهَتْ حالَةُ إعْراضِهِمُ المُتَخَيَّلَةُ بِحالَةِ فِرارِ حُمُرٍ نافِرَةٍ مِمّا يُنَفِّرُها.
والحُمُرُ: جَمْعُ حِمارٍ، وهو الحِمارُ الوَحْشِيُّ، وهو شَدِيدُ النِّفارِ إذا أحَسَّ بِصَوْتِ القانِصِ وهَذا مِن تَشْبِيهِ المَعْقُولِ بِالمَحْسُوسِ.
وقَدْ كَثُرَ وصْفُ النَّفْرَةِ وسُرْعَةِ السَّيْرِ والهَرَبِ بِالوَحْشِ مِن حُمُرٍ أوْ بَقَرِ وحْشٍ إذا أحْسَسْنَ بِما يَرْهَبْنَهُ كَما قالَ لَبِيدٌ في تَشْبِيهِ راحِلَتِهِ في سُرْعَةِ سَيْرِها بِوَحْشِيَّةٍ لَحِقَها الصَّيّادُ:
؎فَتَوَجَّسَتْ رِزَّ الأنِيسِ فَراعَـهَـا عَنْ ظَهْرِ غَيْبٍ والأنِيسُ سَقامُها
وقَدْ كَثُرَ ذَلِكَ في شِعْرِ العَرَبِ في الجاهِلِيَّةِ والإسْلامِ كَما في مُعَلَّقَةِ طَرَفَةَ، ومُعَلَّقَةِ لَبِيدٍ، ومُعَلَّقَةِ الحارِثِ، وفي أراجِيزِ الحَجّاجِ ورُؤْبَةَ ابْنِهِ وفي شِعْرِ ذِي الرُّمَّةِ.
(p-٣٣٠)والسِّينُ والتّاءُ في (مُسْتَنْفِرَةٌ) لِلْمُبالَغَةِ في الوَصْفِ مِثْلُ: اسْتَكْمَلَ واسْتَجابَ واسْتَعْجَبَ واسْتَسْخَرَ واسْتَخْرَجَ واسْتَنْبَطَ، أيْ نافِرَةٌ نِفارًا قَوِيًّا فَهي تَعْدُو بِأقْصى سُرْعَةِ العَدْوِ.
وقَرَأ نافِعُ وابْنُ عامِرٍ وأبُو جَعْفَرٍ (مُسْتَنْفَرَةٌ) بِفَتْحِ الفاءِ، أيِ اسْتَنْفَرَها مُسْتَنْفِرٌ، أيْ أنْفَرَها، فَهو مِنِ اسْتَنْفَرَهُ المُتَعَدِّي بِمَعْنى أنْفَرَهُ. وبِناءُ الفِعْلِ لِلنّائِبِ يُفِيدُ الإجْمالَ ثُمَّ التَّفْصِيلَ بِقَوْلِهِ (﴿فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ﴾) .
وقَرَأها الجُمْهُورُ بِكَسْرِ الفاءِ، أيِ اسْتَنْفَرَتْ هي مِثْلَ: اسْتَجابَ فَيَكُونُ جُمْلَةُ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ بَيانًا لِسَبَبِ نُفُورِها.
وفِي تَفْسِيرِ الفَخْرِ عَنْ أبِي عَلِيٍّ الفارِسِيِّ قالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ: سَألْتُ أبا سَوّارٍ الغَنَوِيَّ وكانَ أعْرابِيًّا فَصِيحًا فَقُلْتُ: كَأنَّهم حُمُرُ ماذا ؟ فَقالَ: مُسْتَنْفَرَةٌ: بِفَتْحِ الفاءِ فَقُلْتُ لَهُ: إنَّما هو فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ. فَقالَ: أفَرَّتْ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قالَ: فَمُسْتَنْفِرَةٌ إذَنْ، فَكَسَرَ الفاءَ.
و”قَسْوَرَةٍ“ قِيلَ هو اسْمُ جَمْعِ قَسْوَرَ وهو الرّامِي، أوْ هو جَمْعٌ عَلى خِلافِ القِياسِ إذْ لَيْسَ قِياسُ فَعْلَلَ أنْ يُجْمَعَ عَلى فَعْلَلَةٍ. وهَذا تَأْوِيلُ جُمْهُورِ المُفَسِّرِينَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وعِكْرِمَةَ ومُجاهِدٍ وغَيْرِهِما فَيَكُونُ التَّشْبِيهُ جارِيًا عَلى مُراعاةِ الحالَةِ المَشْهُورَةِ في كَلامِ العَرَبِ.
وقِيلَ: القَسْوَرَةُ مُفْرَدٌ، وهو الأسَدُ، وهَذا مَرْوِيٌّ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ وزَيْدِ بْنِ أسْلَمِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إنَّهُ الأسَدُ بِالحَبَشِيَّةِ، فَيَكُونُ اخْتِلافُ قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ اخْتِلافًا لَفْظِيًّا، وعَنْهُ: أنَّهُ أنْكَرَ أنْ يَكُونَ قَسْوَرُ اسْمَ الأسَدِ، فَلَعَلَّهُ أرادَ أنَّهُ لَيْسَ في أصْلِ العَرَبِيَّةِ. وقَدْ عَدَّهُ ابْنُ السُّبْكِيِّ في الألْفاظِ الوارِدَةِ في القُرْآنِ بِغَيْرِ لُغَةِ العَرَبِ في أبْياتٍ ذَكَرَ فِيها ذَلِكَ، قالَ ابْنُ سِيدَهْ: القَسْوَرُ الأسَدُ والقَسْوَرَةُ كَذَلِكَ، أنَّثُوهُ كَما قالُوا: أُسامَةُ، وعَلى هَذا فَهو تَشْبِيهٌ مُبْتَكَرٌ لِحالَةِ إعْراضٍ مَخْلُوطٍ بِرُعْبٍ مِمّا تَضَمَّنَتْهُ قَوارِعُ القُرْآنِ فاجْتَمَعَ في هَذِهِ الجُمْلَةِ تَمْثِيلانِ.
وإيثارُ لَفْظِ ”قَسْوَرَةٌ“ هُنا لِصَلاحِيَتِهِ لِلتَّشْبِيهَيْنِ مَعَ الرِّعايَةِ عَلى الفاصِلَةِ.
{"ayahs_start":49,"ayahs":["فَمَا لَهُمۡ عَنِ ٱلتَّذۡكِرَةِ مُعۡرِضِینَ","كَأَنَّهُمۡ حُمُرࣱ مُّسۡتَنفِرَةࣱ","فَرَّتۡ مِن قَسۡوَرَةِۭ"],"ayah":"كَأَنَّهُمۡ حُمُرࣱ مُّسۡتَنفِرَةࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق