الباحث القرآني
﴿إنَّ لَكَ في النَّهارِ سَبْحًا طَوِيلًا﴾ فَصْلُ هَذِهِ الجُمْلَةِ دُونَ عَطْفٍ عَلى ما قَبْلِها يَقْتَضِي أنَّ مَضْمُونَها لَيْسَ مِن جِنْسِ حُكْمِ ما قَبْلَها، فَلَيْسَ المَقْصُودُ تَعْيِينَ صَلاةِ النَّهارِ إذْ لَمْ تَكُنِ الصَّلَواتُ الخَمْسُ قَدْ فُرِضَتْ يَوْمَئِذٍ عَلى المَشْهُورِ، ولَمْ يُفْرَضْ حِينَئِذٍ إلّا قِيامُ اللَّيْلِ.
(p-٢٦٤)فالَّذِي يَبْدُو أنَّ مَوْقِعَ هَذِهِ الجُمْلَةِ مَوْقِعُ العِلَّةِ لِشَيْءٍ مِمّا في جُمْلَةِ ﴿إنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هي أشَدُّ وطْئًا وأقْوَمُ قِيلًا﴾ [المزمل: ٦] وذَلِكَ دائِرٌ بَيْنَ أنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا لِاخْتِيارِ اللَّيْلِ لِفَرْضِ القِيامِ عَلَيْهِ فِيهِ، فَيُفِيدُ تَأْكِيدًا لِلْمُحافَظَةِ عَلى قِيامِ اللَّيْلِ؛ لِأنَّ النَّهارَ لا يُغْنِي غَناءَهُ فَيَتَحَصَّلُ مِنَ المَعْنى: قُمِ اللَّيْلَ؛ لِأنَّ قِيامَهُ أشَدُّ وقْعًا وأرْسَخُ قَوْلًا،؛ لِأنَّ النَّهارَ زَمَنٌ فِيهِ شُغْلٌ عَظِيمٌ لا يَتْرُكُ لَكَ خَلْوَةً بِنَفْسِكَ. وشُغْلُ النَّبِيءِ ﷺ في النَّهارِ بِالدَّعْوَةِ إلى اللَّهِ وإبْلاغِ القُرْآنِ وتَعْلِيمِ الدِّينِ ومُحاجَّةِ المُشْرِكِينَ وافْتِقادِ المُؤْمِنِينَ المُسْتَضْعَفِينَ، فَعَبَّرَ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ بِالسَّبْحِ الطَّوِيلِ، وبَيْنَ أنْ يَكُونَ تَلَطُّفًا واعْتِذارًا عَنْ تَكْلِيفِهِ بِقِيامِ اللَّيْلِ، وفِيهِ إرْشادٌ إلى أنَّ النَّهارَ ظَرْفٌ واسِعٌ لِإيقاعِ ما عَسى أنْ يُكَلِّفَهُ قِيامُ اللَّيْلِ مِن فُتُورٍ بِالنَّهارِ لِيَنامَ بَعْضَ النَّهارِ ولِيَقُومَ بِمَهامِّهِ فِيهِ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا لِما تَضَمَّنُهُ ﴿أوِ انْقُصْ مِنهُ قَلِيلًا﴾ [المزمل: ٣] أيْ: إنْ نَقَصْتَ مِن نِصْفِ اللَّيْلِ شَيْئًا لا يَفُتْكَ ثَوابُ عِلْمِهِ، فَإنَّ لَكَ في النَّهارِ مُتَّسَعًا لِلْقِيامِ والتِّلاوَةِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ والنَّهارَ خِلْفَةً لِمَن أرادَ أنْ يَذَّكَّرَ أوْ أرادَ شُكُورًا﴾ [الفرقان: ٦٢] .
وقَدْ ثَبَتَ أنَّ النَّبِيءَ ﷺ كانَ يُصَلِّي في النَّهارِ مِن أوَّلِ البَعْثَةِ قَبْلَ فَرْضِ الصَّلَواتِ الخَمْسِ كَما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿أرَأيْتَ الَّذِي يَنْهى﴾ [العلق: ٩] ﴿عَبْدًا إذا صَلّى﴾ [العلق: ١٠] . وقَدْ تَقَدَّمَ في سُورَةِ الجِنِّ أنَّ اسْتِماعَهُمُ القُرْآنَ كانَ في صَلاةِ النَّبِيءِ ﷺ بِأصْحابِهِ في نَخْلَةَ في طَرِيقِهِمْ إلى عُكاظٍ. ويَظْهَرُ أنْ يَكُونَ كُلُّ هَذا مَقْصُودًا؛ لِأنَّهُ مِمّا تَسْمَحُ بِهِ دَلالَةُ كَلِمَةِ ﴿سَبْحًا طَوِيلًا﴾ وهي مِن بَلِيغِ الإيجازِ.
والسَّبْحُ: أصْلُهُ العَوْمُ، أيْ: السُّلُوكُ بِالجِسْمِ في ماءٍ كَثِيرٍ، وهو مُسْتَعارٌ هُنا لِلتَّصَرُّفِ السَّهْلِ المُتَّسِعِ الَّذِي يُشْبِهُ حَرَكَةَ السّابِحِ في الماءِ فَإنَّهُ لا يَعْتَرِضُهُ ما يَعُوقُ جَوَلانَهُ عَلى وجْهِ الماءِ ولا إعْياءُ السَّيْرِ في الأرْضِ.
وقَرِيبٌ مِن هَذِهِ الِاسْتِعارَةِ اسْتِعارَةُ السَّبْحِ لِجَرْيِ الفَرَسِ دُونَ كُلْفَةٍ في وصْفِ امْرِئِ القَيْسِ الخَيْلُ السّابِحاتُ في قَوْلِهِ في مَدْحِ فَرَسِهِ:
؎مِسَحٍّ إذا ما السّابِحاتُ عَلى الوَنى أثَرْنَ الغُبارَ في الكَدِيدِ المُرَكَّلِ
فَعَبَّرَ عَنِ الجارِياتِ بِالسّابِحاتِ.
(p-٢٦٥)وفَسَّرَ ابْنُ عَبّاسٍ السَّبْحَ بِالفَراغِ، أيْ: لِيَنامَ في النَّهارِ، وقالَ ابْنُ وهْبٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ قالَ: فَراغًا طَوِيلًا لِحَوائِجِكَ فافْرَغْ لِدِينِكَ بِاللَّيْلِ.
والطَّوِيلُ: وصْفٌ مِنَ الطُّولِ، وهو ازْدِيادُ امْتِدادِ القامَةِ أوِ الطَّرِيقِ أوِ الثَّوْبِ عَلى مَقادِيرِ أكْثَرِ أمْثالِهِ. فالطُّولُ مِن صِفاتِ الذَّواتِ، وشاعَ وصْفُ الزَّمانِ بِهِ، يُقالُ: لَيْلٌ طَوِيلٌ، وفي الحَدِيثِ ”«الشِّتاءُ رَبِيعُ المُؤْمِنِ قَصُرَ نَهارُهُ فَصامَهُ وطالَ لَيْلُهُ فَقامَهُ» “ .
أمّا وصْفُ السَّبْحِ بِـ (طَوِيلٍ) في هَذِهِ الآيَةِ فَهو مَجازٌ عَقْلِيٌّ؛ لِأنَّ الطَّوِيلَ هو مَكانُ السَّبْحِ وهو الماءُ المَسْبُوحُ فِيهِ. وبَعْدَ هَذا فَفي قَوْلِهِ (طَوِيلًا) تَرْشِيحٌ لِاسْتِعارَةِ السَّبْحِ لِلْعَمَلِ في النَّهارِ.
{"ayah":"إِنَّ لَكَ فِی ٱلنَّهَارِ سَبۡحࣰا طَوِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق