الباحث القرآني
( ﴿قالَ رَبِّ إنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا ونَهارًا﴾ ﴿فَلَمْ يَزِدْهم دُعائِيَ إلّا فِرارًا﴾ .
جُرِّدَ فِعْلُ (قالَ) هُنا مِنَ العاطِفِ؛ لِأنَّهُ حِكايَةُ جَوابِ نُوحٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ لَهُ ﴿أنْذِرْ قَوْمَكَ﴾ [نوح: ١] عُومِلَ مُعامَلَةَ الجَوابِ الَّذِي يُتَلَقّى بِهِ الأمْرُ عَلى الفَوْرِ عَلى طَرِيقَةِ المُحاوَراتِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿قالُوا أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها﴾ [البقرة: ٣٠] في سُورَةِ البَقَرَةِ، تَنْبِيهًا عَلى مُبادَرَةِ نُوحٍ بِإبْلاغِ الرِّسالَةِ إلى قَوْمِهِ وتَمامِ حِرْصِهِ في ذَلِكَ كَما أفادَهُ قَوْلُهُ ﴿لَيْلًا ونَهارًا﴾ وحُصُولِ يَأْسِهِ مِنهم، فَجَعَلَ مُراجَعَتَهُ رَبَّهُ بَعْدَ مُهْلَةٍ مُسْتَفادَةٍ مِن قَوْلِهِ ﴿لَيْلًا ونَهارًا﴾ بِمَنزِلَةِ المُراجَعَةِ في المَقامِ الواحِدِ بَيْنَ المُتَحاوِرِينَ. ولَكَ أنْ تَجْعَلَ جُمْلَةَ قالَ رَبِّ إلَخْ مُسْتَأْنَفَةً اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا؛ لِأنَّ السّامِعَ يَتَرَقَّبُ مَعْرِفَةَ ماذا أجابَ قَوْمُ نُوحٍ دَعْوَتَهُ، فَكانَ في هَذِهِ الجُمْلَةِ بَيانُ ما يَتَرَقَّبُهُ السّامِعُ مَعَ زِيادَةِ مُراجَعَةِ نُوحٍ رَبَّهُ تَعالى.
وهَذا الخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ في لازِمِ مَعْناهُ وهو الشِّكايَةُ والتَّمْهِيدُ لِطَلَبِ النَّصْرِ عَلَيْهِمْ؛ لِأنَّ المُخاطَبَ بِهِ عالِمٌ بِمَدْلُولِ الخَبَرِ. وذَلِكَ ما سَيُفْضِي إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ﴿وقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلى الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارًا﴾ [نوح: ٢٦] الآياتِ.
وفائِدَةُ حِكايَةِ ما ناجى بِهِ نُوحٌ رَبَّهُ إظْهارُ تَوَكُّلِهِ عَلى اللَّهِ، وانْتِصارُ اللَّهِ لَهُ، والإتْيانُ عَلى مُهِمّاتٍ مِنَ العِبْرَةِ بِقِصَّتِهِ، بِتَلْوِينٍ لِحِكايَةِ أقْوالِهِ وأقْوالِ قَوْمِهِ وقَوْلِ اللَّهِ لَهُ. وتِلْكَ ثَمانِ مَقالاتٍ هي:
١ - ﴿أنْ أنْذِرْ قَوْمَكَ﴾ [نوح: ١] إلَخْ.
٢ - ﴿قالَ يا قَوْمِ إنِّي لَكم نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [نوح: ٢] إلَخْ.
٣ - ﴿قالَ رَبِّ إنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي﴾ إلَخْ.
٤ - ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ [نوح: ١٠] إلَخْ.
٥ - ﴿قالَ نُوحٌ رَبِّ إنَّهم عَصَوْنِي﴾ [نوح: ٢١] إلَخْ.
(p-١٩٤)٦ - ﴿ولا تَزِدِ الظّالِمِينَ إلّا ضَلالًا﴾ [نوح: ٢٤] إلَخْ.
٧ - ﴿وقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلى الأرْضِ﴾ [نوح: ٢٦] إلَخْ.
٨ - ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي﴾ [نوح: ٢٨] إلَخْ.
وجَعَلَ دَعْوَتَهُ مَظْرُوفَةً في زَمَنَيِ اللَّيْلِ والنَّهارِ لِلدَّلالَةِ عَلى عَدَمِ الهَوادَةِ في حِرْصِهِ عَلى إرْشادِهِمْ، وأنَّهُ يَتَرَصَّدُ الوَقْتَ الَّذِي يَتَوَسَّمُ أنَّهم فِيهِ أقْرَبُ إلى فَهْمِ دَعْوَتِهِ مِنهم في غَيْرِهِ، مِن أوْقاتِ النَّشاطِ وهي أوْقاتُ النَّهارِ، ومِن أوْقاتِ الهَدُوِّ وراحَةِ البالِ وهي أوْقاتُ اللَّيْلِ.
ومَعْنى (﴿فَلَمْ يَزِدْهم دُعائِي إلّا فِرارًا﴾) أنَّ دُعائِي لَهم بِأنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وبِطاعَتِهِمْ لِي لَمْ يَزِدْهم ما دَعَوْتُهم إلَيْهِ إلّا بُعْدًا مِنهُ، فالفِرارُ مُسْتَعارٌ لِقُوَّةِ الإعْراضِ، أيْ: فَلَمْ يَزِدْهم دُعائِي إيّاهم قُرْبًا مِمّا أدْعُوهم إلَيْهِ.
واسْتِثْناءُ الفِرارِ مِن عُمُومِ الزِّياداتِ اسْتِثْناءٌ مُنْقَطِعٌ. والتَّقْدِيرُ: فَلَمْ يَزِدْهم دُعائِي قُرْبًا مِنَ الهُدى لَكِنْ زادَهم فِرارًا كَما في قَوْلِهِ تَعالى حِكايَةً عَنْ صالِحٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - ﴿فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ﴾ [هود: ٦٣] .
وإسْنادُ زِيادَةِ الفِرارِ إلى الدُّعاءِ مَجازٌ؛ لِأنَّ دُعاءَهُ إيّاهم كانَ سَبَبًا في تَزايُدِ إعْراضِهِمْ وقُوَّةِ تَمَسُّكِهِمْ بِشِرْكِهِمْ.
وهَذا مِنَ الأُسْلُوبِ المُسَمّى في عِلْمِ البَدِيعِ تَأْكِيدُ المَدْحِ بِما يُشْبِهُ الذَّمَّ، أوْ تَأْكِيدُ الشَّيْءِ بِما يُشْبِهُ ضِدَّهُ، وهو هُنا تَأْكِيدُ إعْراضِهِمُ المُشَبَّهِ بِالِابْتِعادِ بِصُورَةٍ تُشْبِهُ ضِدَّ الإعْراضِ.
ولَمّا كانَ فِرارُهم مِنَ التَّوْحِيدِ ثابِتًا لَهم مِن قَبْلُ كانَ قَوْلُهُ ﴿فَلَمْ يَزِدْهم دُعائِي إلّا فِرارًا﴾ مِن تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِما يُشْبِهُ ضِدَّهُ.
وتَصْدِيرُ كَلامِ نُوحٍ بِالتَّأْكِيدِ لِإرادَةِ الِاهْتِمامِ بِالخَبَرِ.
{"ayahs_start":5,"ayahs":["قَالَ رَبِّ إِنِّی دَعَوۡتُ قَوۡمِی لَیۡلࣰا وَنَهَارࣰا","فَلَمۡ یَزِدۡهُمۡ دُعَاۤءِیۤ إِلَّا فِرَارࣰا"],"ayah":"فَلَمۡ یَزِدۡهُمۡ دُعَاۤءِیۤ إِلَّا فِرَارࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











