الباحث القرآني
(p-٢١٥)﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي ولِوالِدَيَّ ولِمَن دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا ولِلْمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ ولا تَزِدِ الظّالِمِينَ إلّا تَبارًا﴾
جَعَلَ الدُّعاءَ لِنَفْسِهِ ووالِدَيْهِ خاتِمَةَ مُناجاتِهِ فابْتَدَأ بِنَفْسِهِ ثُمَّ بِأقْرَبِ النّاسِ بِهِ وهُما والِداهُ، ثُمَّ عَمَّمَ أهْلَهَ وذَوِيهِ المُؤْمِنِينَ فَدَخَلَ أوْلادُهُ وبَنُوهم والمُؤْمِناتُ مِن أزْواجِهِمْ وعَبَّرَ عَنْهم بِمَن دَخَلَ بَيْتَهَ كِنايَةً عَنْ سُكْناهم مَعَهُ، فالمُرادُ بِقَوْلِهِ ﴿دَخَلَ بَيْتِيَ﴾ دُخُولٌ مَخْصُوصٌ وهو الدُّخُولُ المُتَكَرِّرُ المُلازِمُ. ومِنهُ سُمِّيَتْ بِطانَةُ المَرْءِ دَخِيلَتُهُ ودُخْلَتُهُ، ثُمَّ عَمَّمَ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ، ثُمَّ عادَ بِالدُّعاءِ عَلى الكَفَرَةِ بِأنْ يَحْرِمَهُمُ اللَّهُ النَّجاحَ وهو عَلى حَدِّ قَوْلِهِ المُتَقَدِّمِ ﴿ولا تَزِدِ الظّالِمِينَ إلّا ضَلالًا﴾ [نوح: ٢٤] .
والتَّبارُ: الهَلاكُ والخَسارُ، فَهو تَخْصِيصٌ لِلظّالِمِينَ مِن قَوْمِهِ بِسُؤالِ اسْتِئْصالِهِمْ بَعْدَ أنْ شَمَلَهم وغَيْرَهم بِعُمُومِ قَوْلِهِ ﴿لا تَذَرْ عَلى الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارًا﴾ [نوح: ٢٦] حِرْصًا عَلى سَلامَةِ المُجْتَمَعِ الإنْسانِيِّ مِن شَوائِبِ المَفاسِدِ وتَطْهِيرِهِ مِنَ العَناصِرِ الخَبِيثَةِ.
ووالِداهُ: أبُوهُ وأُمُّهُ، وقَدْ ورَدَ اسْمُ أبِيهِ في التَّوْراةِ ”لَمَكَ“ وأمّا أُمُّهُ فَقَدْ ذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ أنَّ اسْمَها شَمْخى بِنْتُ آنُوشَ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ (بَيْتِي) بِسُكُونِ ياءِ المُتَكَلِّمِ. وقَرَأهُ حَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ بِتَحْرِيكِها.
واسْتِثْناءُ ﴿إلّا تَبارًا﴾ مُنْقَطِعٌ؛ لِأنَّ التَّبارَ لَيْسَ مِنَ الزِّيادَةِ المَدْعُوُّ بِنَفْيِها فَإنَّهُ أرادَ لا تَزِدْهم مِنَ الأمْوالِ والأوْلادِ؛ لِأنَّ في زِيادَةِ ذَلِكَ لَهم قُوَّةً لَهم عَلى أذى المُؤْمِنِينَ. وهَذا كَقَوْلِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - ﴿رَبَّنا إنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ ومَلَأهُ زِينَةً وأمْوالًا في الحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ﴾ [يونس: ٨٨] الآيَةَ. وهَذا مِن تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِما يُشْبِهُ ضِدَّهُ كَقَوْلِهِ ﴿فَلَمْ يَزِدْهم دُعائِي إلّا فِرارًا﴾ [نوح: ٦] .
* * *
(p-٢١٦)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ الجِنِّ
سُمِّيَتْ في كُتُبِ التَّفْسِيرِ وفي المَصاحِفِ الَّتِي رَأيْناها ومِنها الكُوفِيُّ المَكْتُوبُ بِالقَيْرَوانَ في القَرْنِ الخامِسِ ”سُورَةُ الجِنِّ“ وكَذَلِكَ تَرْجَمَها التِّرْمِذِيُّ في كِتابِ التَّفْسِيرِ مِن جامِعِهِ، وتَرْجَمَها البُخارِيُّ في كِتابِ التَّفْسِيرِ ”سُورَةُ ﴿قُلْ أُوحِيَ إلَيَّ﴾ [الجن: ١]“ .
واشْتُهِرَتْ عَلى ألْسِنَةِ المُكَتِّبِينَ والمُتَعَلِّمِينَ في الكَتاتِيبِ القُرْآنِيَّةِ بِاسْمِ ”﴿قُلْ أُوحِيَ﴾ [الجن: ١]“ .
ولَمْ يَذْكُرْها في الإتْقانِ في عِدادِ السُّوَرِ الَّتِي لَها أكْثَرُ مِنِ اسْمٍ، ووَجْهُ التَّسْمِيَتَيْنِ ظاهِرٌ.
وهِيَ مَكِّيَّةٌ بِالِاتِّفاقِ.
ويَظْهَرُ أنَّها نَزَلَتْ في حُدُودِ سَنَةِ عَشْرٍ مِنَ البَعْثَةِ، فَفي الصَّحِيحَيْنِ وجامِعِ التِّرْمِذِيِّ مِن حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: «انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في طائِفَةٍ مِن (p-٢١٧)أصْحابِهِ عامِدِينَ إلى سُوقِ عُكاظٍ بِنَخْلَةَ وهو يُصَلِّي بِأصْحابِهِ صَلاةَ الفَجْرِ وأنَّهُ اسْتَمَعَ فَرِيقٌ مِنَ الجِنِّ إلى قِراءَتِهِ فَرَجَعُوا إلى طائِفَتِهِمْ فَقالُوا: إنّا سَمِعْنا قُرْآنًا عَجَبًا، وأنْزَلَ اللَّهُ عَلى نَبِيِّهِ ﴿قُلْ أُوحِيَ إلَيَّ أنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ﴾ [الجن»: ١] .
وذَكَرَ ابْنُ إسْحاقَ أنَّ نُزُولَ هَذِهِ السُّورَةِ كانَ بَعْدَ سَفَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلى الطّائِفِ يَطْلُبُ النُّصْرَةَ مِن ثَقِيفٍ، أيْ: وذَلِكَ يَكُونُ في سَنَةِ عَشْرٍ بَعْدَ البَعْثَةِ وسَنَةِ ثَلاثٍ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
وقَدْ عُدَّتِ السُّورَةُ الأرْبَعِينَ في نُزُولِ السُّوَرِ نَزَلَتْ بَعْدَ الأعْرافِ وقَبْلَ يس.
واتَّفَقَ أهْلُ العَدَدِ عَلى عَدِّ آيِها ثَمانٍ وعِشْرِينَ.
* * *
أغْراضُها
إثْباتُ كَرامَةٍ لِلنَّبِيءِ ﷺ بِأنَّ دَعْوَتَهُ بَلَغَتْ إلى جِنْسِ الجِنِّ وإفْهامِهِمْ فَهْمَ مَعانٍ مِنَ القُرْآنِ الَّذِي اسْتَمَعُوا لِلنَّبِيءِ ﷺ وفَهْمَ ما يَدْعُو إلَيْهِ مِنَ التَّوْحِيدِ والهُدى، وعِلْمِهِمْ بِعَظَمَةِ اللَّهِ وتَنْزِيهِهِ عَنِ الشَّرِيكِ والصّاحِبَةِ والوَلَدِ.
وإبْطالُ عِبادَةِ ما يُعْبَدُ مِنَ الجِنِّ.
وإبْطالُ الكِهانَةِ وبُلُوغِ عِلْمِ الغَيْبِ إلى غَيْرِ الرُّسُلِ الَّذِينَ يُطْلِعُهُمُ اللَّهُ عَلى ما يَشاءُ.
وإثْباتُ أنَّ لِلَّهِ خَلْقًا يُدْعَوْنَ الجِنَّ وأنَّهم أصْنافٌ مِنهُمُ الصّالِحُونَ ومِنهم دُونَ ذَلِكَ بِمَراتِبَ، وتَضْلِيلُ الَّذِينَ يَقُولُونَ عَلى اللَّهِ ما لَمْ يَقُلْهُ، والَّذِينَ يَعْبُدُونَ الجِنَّ، والَّذِينَ يُنْكِرُونَ البَعْثَ، وأنَّ الجِنَّ لا يُفْلِتُونَ مِن سُلْطانِ اللَّهِ تَعالى.
وتَعَجُّبُهم مِنَ الإصابَةِ بِرُجُومِ الشُّهُبِ المانِعَةِ مِنِ اسْتِراقِ السَّمْعِ، وفي المُرادِ مِن هَذا المَنعِ والتَّخَلُّصِ مِن ذَلِكَ إلى ما أوْحى اللَّهُ إلى رَسُولِهِ ﷺ مَن في شَأْنِ القَحْطِ الَّذِي أصابَ المُشْرِكِينَ لِشِرْكِهِمْ ولِمَنعِهِمْ مَساجِدَ اللَّهِ، وإنْذارِهِمْ بِأنَّهم سَيَنْدَمُونَ عَلى تَألُّبِهِمْ عَلى النَّبِيءِ ﷺ ومُحاوَلَتِهِمْ مِنهُ العُدُولَ عَنِ الطَّعْنِ في دِينِهِمْ.
{"ayah":"رَّبِّ ٱغۡفِرۡ لِی وَلِوَ ٰلِدَیَّ وَلِمَن دَخَلَ بَیۡتِیَ مُؤۡمِنࣰا وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِینَ إِلَّا تَبَارَۢا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











