الباحث القرآني
﴿وقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلى الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارًا﴾ ﴿إنَّكَ إنْ تَذَرْهم يُضِلُّوا عِبادَكَ ولا يَلِدُوا إلّا فاجِرًا كَفّارًا﴾ عَطْفٌ عَلى ﴿قالَ نُوحٌ رَبِّ إنَّهم عَصَوْنِي﴾ [نوح: ٢١] أعْقَبَهُ بِالدُّعاءِ عَلَيْهِمْ بِالإهْلاكِ والِاسْتِئْصالِ بِأنْ لا يُبْقِي مِنهم أحَدًا، أيْ: لا تُبْقِ مِنهم أحَدًا عَلى الأرْضِ.
وأُعِيدَ فِعْلُ (قالَ) لِوُقُوعِ الفَصْلِ بَيْنَ أقْوالِ نُوحٍ بِجُمْلَةِ ﴿مِمّا خَطِيئاتِهِمْ﴾ [نوح: ٢٥] إلَخْ، أوْ بِها وبِجُمْلَةِ ﴿ولا تَزِدِ الظّالِمِينَ إلّا ضَلالًا﴾ [نوح: ٢٤] .
وقُرِنَتْ بِواوِ العَطْفِ لِتَكُونَ مُسْتَقِلَّةً فَلا تَتْبَعُ جُمْلَةَ ﴿إنَّهم عَصَوْنِي﴾ [نوح: ٢١] لِلْإشارَةِ إلى أنَّ دَعْوَةَ نُوحٍ حَصَلَتْ بَعْدَ شِكايَتِهِ بِقَوْلِهِ ﴿إنَّهم عَصَوْنِي﴾ [نوح: ٢١] .
ودَيّارٌ: اسْمٌ مَخْصُوصٌ بِالوُقُوعِ في النَّفْيِ يَعُمُّ كُلَّ إنْسانٍ، وهو اسْمٌ بِوَزْنِ فَيْعالٍ مُشْتَقٌّ مِنِ اسْمِ الدّارِ فَعَيْنُهُ واوٌ؛ لِأنَّ عَيْنَ دارٍ مُقَدَّرَةٌ واوًا، فَأصْلُ دَيّارٍ: دَيْوارٍ، فَلَمّا اجْتَمَعَتِ الواوُ والياءُ واتَّصَلَتا وسَبَقَتْ إحْداهُما بِالسُّكُونِ قُلِبَتِ الواوُ ياءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ في الياءِ الزّائِدَةِ كَما فُعِلَ بِسَيِّدٍ ومَيِّتٍ. ومَعْنى دَيّارٍ: مَن يَحُلُّ بِدارِ القَوْمِ كِنايَةً عَنْ إنْسانٍ.
ونَظِيرُ (دَيّارٍ) في العُمُومِ والوُقُوعِ في النَّفْيِ أسْماءٌ كَثِيرَةٌ في كَلامِ العَرَبِ أبْلَغَها ابْنُ السِّكِّيتِ في إصْلاحِ المَنطِقِ إلى خَمْسَةٍ وعِشْرِينَ، وزادَ كُراعُ النَّمْلِ سَبْعَةً فَبَلَغَتِ اثْنَيْنِ وثَلاثِينَ اسْمًا، وزادَ ابْنُ مالِكٍ في التَّسْهِيلِ سِتَّةً فَصارَتْ ثَمانِيَةً وثَلاثِينَ.
ومِن أشْهَرِها: آحَدٌ، ودَيّارٌ، وعَرِّيبٌ وكُلُّها بِمَعْنى الإنْسانِ، ولَفْظُ (بُدَّ) بِضَمِّ المُوَحَّدَةِ وتَشْدِيدِ الدّالِ المُهْمَلَةِ وهو المُفارَقَةُ.
(p-٢١٤)وجُمْلَةُ ﴿إنَّكَ إنْ تَذَرْهم يُضِلُّوا عِبادَكَ﴾ تَعْلِيلٌ لِسُؤالِهِ أنْ لا يَتْرُكَ اللَّهُ عَلى الأرْضِ أحَدًا مِنَ الكافِرِينَ يُرِيدُ أنَّهُ خَشِيَ أنْ يُضِلُّوا بَعْضَ المُؤْمِنِينَ وأنْ يَلِدُوا أبْناءً يَنْشَأُونَ عَلى كُفْرِهِمْ.
والأرْضُ: يَجُوزُ أنْ يُرادَ بِها جَمِيعُ الكُرَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وأنْ يُرادَ أرْضٌ مَعْهُودَةٌ لِلْمُتَكَلِّمِ والمُخاطَبِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الأرْضِ﴾ [يوسف: ٥٥] يَعْنِي أرْضَ مِصْرَ في سُورَةِ يُوسُفَ.
ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ البَشَرُ يَوْمَئِذٍ مُنْحَصِرِينَ في قَوْمِ نُوحٍ، ويَجُوزُ خِلافُهُ، وعَلى هَذِهِ الِاحْتِمالاتِ يَنْشَأُ احْتِمالُ أنْ يَكُونَ الطُّوفانُ قَدْ غَمَرَ جَمِيعَ الكُرَةِ الأرْضِيَّةِ، واحْتِمالُ أنْ يَكُونَ طُوفانًا قاصِرًا عَلى ناحِيَةٍ كَبِيرَةٍ مِن عُمُومِ الأرْضِ، واللَّهُ أعْلَمُ. وقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَأنْجَيْناهُ والَّذِينَ مَعَهُ في الفُلْكِ﴾ [الأعراف: ٦٤] في سُورَةِ الأعْرافِ.
وخَبَرُ (إنَّكَ) مَجْمُوعُ الشَّرْطِ مَعَ جَوابِهِ الواقِعِ بَعْدَ (إنَّ)؛ لِأنَّهُ إذا اجْتَمَعَ مُبْتَدَأٌ وشَرْطٌ رَجَحَ الشَّرْطُ عَلى المُبْتَدَأِ فَأُعْطِيَ الشَّرْطُ الجَوابَ ولَمْ يُعْطَ المُبْتَدَأُ خَبَرًا لِدَلالَةِ جُمْلَةِ الشَّرْطِ وجَوابِهِ عَلَيْهِ.
وعَلِمَ نُوحٌ أنَّهم لا يَلِدُونَ إلّا فاجِرًا كَفّارًا بِأنَّ أوْلادَهم يَنْشَأُونَ فِيهِمْ فَيُلَقِّنُونَهم دِينَهم ويَصُدُّونَ نُوحًا عَنْ أنْ يُرْشِدَهم فَحَصَلَ لَهُ عِلْمٌ بِهَذِهِ القَضِيَّةِ بِدَلِيلِ التَّجْرِبَةِ.
والمَعْنى: ولا يَلِدُوا إلّا مَن يَصِيرُ فاجِرًا كَفّارًا عِنْدَ بُلُوغِهِ سِنَّ العَقْلِ.
والفاجِرُ: المُتَّصِفُ بِالفُجُورِ، وهو العَمَلُ الشَّدِيدُ الفَسادِ.
والكُفّارُ: مُبالَغَةٌ في المَوْصُوفِ بِالكُفْرِ، أيْ: إلّا مَن يَجْمَعُ بَيْنَ سُوءِ الفِعْلِ وسُوءِ الِاعْتِقادِ، قالَ تَعالى ﴿أُولَئِكَ هُمُ الكَفَرَةُ الفَجَرَةُ﴾ [عبس: ٤٢] .
وفِي كَلامِ نُوحٍ دَلالَةٌ عَلى أنَّ المُصْلِحِينَ يَهْتَمُّونَ بِإصْلاحِ جِيلِهِمُ الحاضِرِ ولا يُهْمِلُونَ تَأْسِيسَ أُسُسِ إصْلاحِ الأجْيالِ الآتِيَةِ إذِ الأجْيالُ كُلُّها سَواءٌ في نَظَرِهِمُ الإصْلاحِيِّ. وقَدِ انْتَزَعَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ مِن قَوْلِهِ تَعالى ﴿والَّذِينَ جاءُوا مِن بَعْدِهِمْ﴾ [الحشر: ١٠] دَلِيلًا عَلى إبْقاءِ أرْضِ سَوادِ العِراقِ غَيْرَ مَقْسُومَةٍ بَيْنَ الجَيْشِ الَّذِي فَتَحَ العِراقَ وجَعَلَها خَراجًا لِأهْلِها قَصْدًا لِدَوامِ الرِّزْقِ مِنها لِمَن سَيَجِيءُ مِنَ المُسْلِمِينَ.
{"ayahs_start":26,"ayahs":["وَقَالَ نُوحࣱ رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ دَیَّارًا","إِنَّكَ إِن تَذَرۡهُمۡ یُضِلُّوا۟ عِبَادَكَ وَلَا یَلِدُوۤا۟ إِلَّا فَاجِرࣰا كَفَّارࣰا"],"ayah":"إِنَّكَ إِن تَذَرۡهُمۡ یُضِلُّوا۟ عِبَادَكَ وَلَا یَلِدُوۤا۟ إِلَّا فَاجِرࣰا كَفَّارࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق