الباحث القرآني
﴿وقَدْ أضَلُّوا كَثِيرًا﴾ عَطْفٌ عَلى ﴿وقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ﴾ [نوح: ٢٣]، أيْ: أضَلُّوا بِقَوْلِهِمْ هَذا وبِغَيْرِهِ مِن تَقالِيدِ الشِّرْكِ كَثِيرًا مِنَ الأُمَّةِ بِحَيْثُ ما آمَنَ مَعَ نُوحٍ إلّا قَلِيلٌ.
* * *
﴿ولا تَزِدِ الظّالِمِينَ إلّا ضَلالًا﴾ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ هَذِهِ الجُمْلَةُ تَتِمَّةَ كَلامِ نُوحٍ مُتَّصِلَةً بِحِكايَةِ كَلامِهِ السّابِقِ، فَتَكُونُ الواوُ عاطِفَةَ جُزْءِ جُمْلَةٍ مَقُولَةٍ لِفِعْلِ (قالَ) عَلى جُزْئِها الَّذِي قَبْلَها عَطْفَ المَفاعِيلِ بَعْضِها عَلى بَعْضٍ كَما تَقُولُ قالَ امْرُؤُ القَيْسِ:
؎قِفا نَبْكِ
. خَتَمَ نُوحٌ شَكْواهُ إلى اللَّهِ بِالدُّعاءِ عَلى الضّالِّينَ - المُتَحَدَّثِ عَنْهم - بِأنْ يَزِيدَهُمُ اللَّهُ ضَلالًا.
ولا يُرِيبُكَ عَطْفُ الإنْشاءِ عَلى الخَبَرِ؛ لِأنَّ مَنعَ عَطْفِ الإنْشاءِ عَلى الخَبَرِ عَلى الإطْلاقِ غَيْرُ وجِيهٍ والقُرْآنُ طافِحٌ بِهِ.
ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ جُمْلَةُ ﴿ولا تَزِدِ الظّالِمِينَ إلّا ضَلالًا﴾ غَيْرَ مُتَّصِلَةٍ بِحِكايَةِ كَلامِهِ في قَوْلِهِ ﴿قالَ نُوحٌ رَبِّ إنَّهم عَصَوْنِي﴾ [نوح: ٢١] بَلْ هو حِكايَةُ كَلامٍ آخَرَ لَهُ صَدْرٌ في مَوْقِفٍ آخَرَ فَتَكُونُ الواوُ عاطِفَةً جُمْلَةَ مَقُولَةِ قَوْلٍ عَلى جُمْلَةِ مَقُولَةِ قَوْلٍ آخَرَ، أيْ: نائِبَةٍ عَنْ فِعْلِ (قالَ) كَما تَقُولُ: قالَ امْرُؤُ القَيْسِ:
؎قِفا نَبْكِ، و:
؎ألا عِمْ صَباحًا أيُّها الطَّلَلُ البالِي
وقَدْ نَحا هَذا المَعْنى مَن يَأْبَوْنَ عَطْفَ الإنْشاءِ عَلى الخَبَرِ.
والمُرادُ بِـ الظّالِمِينَ: قَوْمُهُ الَّذِينَ عَصَوْهُ فَكانَ مُقْتَضى الظّاهِرِ التَّعْبِيرَ عَنْهم بِالضَّمِيرِ عائِدًا عَلى ”قَوْمِي“ مِن قَوْلِهِ ﴿دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا ونَهارًا﴾ [نوح: ٥] فَعَدَلَ عَنْ (p-٢١١)الإضْمارِ إلى الإظْهارِ عَلى خِلافِ مُقْتَضى الظّاهِرِ لِما يُؤْذِنُ بِهِ وصْفُ الظّالِمِينَ مِنِ اسْتِحْقاقِهِمِ الحِرْمانَ مِن عِنايَةِ اللَّهِ بِهِمْ لِظُلْمِهِمْ، أيْ: إشْراكِهِمْ بِاللَّهِ، فالظُّلْمُ هُنا الشِّرْكُ ﴿إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣] .
والضَّلالُ، مُسْتَعارٌ لِعَدَمِ الِاهْتِداءِ إلى طَرائِقِ المَكْرِ الَّذِي خَشِيَ نُوحٌ غائِلَتَهُ في قَوْلِهِ ﴿ومَكَرُوا مَكْرًا كُبّارًا﴾ [نوح: ٢٢]، أيْ: حُلْ بَيْنَنا وبَيْنَ مَكْرِهِمْ ولا تَزِدْهم إمْهالًا في طُغْيانِهِمْ عَلَيْنا إلّا أنْ تُضَلِّلَهم عَنْ وسائِلِهِ، فَيَكُونُ الِاسْتِثْناءُ مِن تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِما يُشْبِهُ ضِدَّهُ، أوْ أرادَ إبْهامَ طُرُقِ النَّفْعِ عَلَيْهِمْ حَتّى تَنْكَسِرَ شَوْكَتُهم وتَلِينَ شَكِيمَتُهم نَظِيرَ قَوْلِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - ﴿رَبَّنا اطْمِسْ عَلى أمْوالِهِمْ واشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتّى يَرَوُا العَذابَ الألِيمَ﴾ [يونس: ٨٨] .
ولَيْسَ المُرادُ بِالضَّلالِ الضَّلالَ عَنْ طَرِيقِ الحَقِّ والتَّوْحِيدِ لِظُهُورِ أنَّهُ يُنافِي دَعْوَةَ نُوحٍ قَوْمَهُ إلى الِاسْتِغْفارِ والإيمانِ بِالبَعْثِ فَكَيْفَ يَسْألُ اللَّهُ أنْ يَزِيدَهم مِنهُ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الضَّلالُ أُطْلِقَ عَلى العَذابِ المُسَبَّبِ عَنِ الضَّلالِ، أيْ: في عَذابِ يَوْمِ القِيامَةِ وهو عَذابُ الإهانَةِ والآلامِ.
ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ جُمْلَةً مُعْتَرِضَةً وهي مِن كَلامِ اللَّهِ تَعالى لِنُوحٍ فَتَكُونُ الواوُ اعْتِراضِيَّةً ويُقَدَّرُ قَوْلٌ مَحْذُوفٌ: وقُلْنا لا تَزِدِ الظّالِمِينَ. والمَعْنى: ولا تَزِدْ في دُعائِهِمْ فَإنَّ ذَلِكَ لا يَزِيدُهم إلّا ضَلالًا، فالزِّيادَةُ مِنهُ تَزِيدُهم كُفْرًا وعِنادًا. وبِهَذا يَبْقى الضَّلالُ مُسْتَعْمَلًا في مَعْناهُ المَشْهُورِ في اصْطِلاحِ القُرْآنِ، فَصِيغَةُ النَّهْيِ مُسْتَعْمَلَةٌ في التَّأْيِيسِ مِن نَفْعِ دَعْوَتِهِ إيّاهم. وأعْلَمَ اللَّهُ نُوحًا أنَّهُ مُهْلِكُهم بِقَوْلِهِ ﴿أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نارًا﴾ [نوح: ٢٥] الآيَةَ وهَذا في مَعْنى قَوْلِهِ ﴿وأُوحِيَ إلى نُوحٍ أنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إلّا مَن قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [هود: ٣٦] ﴿واصْنَعِ الفُلْكَ بِأعْيُنِنا ووَحْيِنا ولا تُخاطِبْنِي في الَّذِينَ ظَلَمُوا إنَّهم مُغْرَقُونَ﴾ [هود: ٣٧] .
ألا تَرى أنَّ خِتامَ كِلْتا الآيَتَيْنِ مُتَّحِدُ المَعْنى مِن قَوْلِهِ هُنا أُغْرِقُوا وقَوْلِهِ في الآيَةِ الأُخْرى ﴿إنَّهم مُغْرَقُونَ﴾ [هود: ٣٧] .
{"ayah":"وَقَدۡ أَضَلُّوا۟ كَثِیرࣰاۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِینَ إِلَّا ضَلَـٰلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق