الباحث القرآني
﴿والوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ ﴿ومَن خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهم بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ﴾ عُطِفَتْ جُمْلَةُ: ﴿والوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ﴾ عَلى جُمْلَةِ ”فَلَنَقُصَّنَّ“، لِما تَضَمَّنَتْهُ المَعْطُوفُ عَلَيْها مِنَ العِلْمِ بِحَسَناتِ النّاسِ وسَيِّئاتِهِمْ، فَلا جَرَمَ أشْعَرَتْ بِأنَّ مَظْهَرَ ذَلِكَ العِلْمِ وأثَرَهُ هو الثَّوابُ والعِقابُ، وتَفاوُتُ دَرَجاتِ العامِلِينَ ودَرَكاتِهِمْ تَفاوُتًا لا يُظْلَمُ العامِلُ فِيهِ مِثْقالَ ذَرَّةٍ، ولا يَفُوتُ ما يَسْتَحِقُّهُ إلّا أنْ يَتَفَضَّلَ اللَّهُ عَلى أحَدٍ بِرَفْعِ دَرَجَةٍ أوْ مَغْفِرَةِ زَلَّةٍ لِأجْلِ سَلامَةِ قَلْبٍ أوْ شَفاعَةٍ أوْ نَحْوِ ذَلِكَ، مِمّا اللَّهُ أعْلَمُ بِهِ مِن عِبادِهِ، فَلِذَلِكَ عُقِّبَتْ جُمْلَةُ: ”فَلَنَقُصَّنَّ“ بِجُمْلَةِ: ﴿والوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ﴾ فَكَأنَّهُ قِيلَ: ﴿فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ﴾ [الأعراف: ٧] ولَنُجازِيَنَّهم عَلى أعْمالِهِمْ جَزاءً لا غَبْنَ فِيهِ عَلى أحَدٍ.
والتَّنْوِينُ في قَوْلِهِ: يَوْمَئِذٍ عِوَضٌ عَنْ مُضافٍ إلَيْهِ دَلَّ عَلَيْهِ: (p-٢٩)﴿فَلَنَسْألَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: ٦] وما عُطِفَ عَلَيْهِ بِالواوِ وبِالفاءِ، والتَّقْدِيرُ: يَوْمَ إذٍ نَسْألُهم ونَسْألُ رُسُلَهم ونَقُصُّ ذُنُوبَهم عَلَيْهِمْ.
والوَزْنُ حَقِيقَتُهُ مُعادَلَةُ جِسْمٍ بِآخَرَ لِمَعْرِفَةِ ثِقَلِ أحَدِ الجِسْمَيْنِ أوْ كِلَيْهِما في تَعادُلِهِما أوْ تَفاوُتِهِما في المِقْدارِ، وإذْ قَدْ كانَ تَساوِي الجِسْمَيْنِ المَوْزُونَيْنِ نادِرَ الحُصُولِ تَعَيَّنَ جُعِلَتْ أجْسامٌ أُخْرى يُعْرَفُ بِها مِقْدارُ التَّفاوُتِ، فَلا بُدَّ مِن آلَةٍ تُوضَعُ فِيها الأشْياءُ، وتُسَمّى المِيزانُ ولَها أشْكالٌ مُخْتَلِفَةٌ شَكْلًا واتِّساعًا.
والأجْسامُ الَّتِي تُجْعَلُ لِتَعْيِينِ المَقادِيرِ تُسَمّى مَوازِينُ، واحِدُها مِيزانُ أيْضًا وتُسَمّى أوْزانًا واحِدُها وزْنٌ، ويُطْلَقُ الوَزْنُ عَلى مَعْرِفَةِ مِقْدارِ حالٍ في فَضْلٍ ونَحْوِهِ قالَ تَعالى: ﴿فَلا نُقِيمُ لَهم يَوْمَ القِيامَةِ وزْنًا﴾ [الكهف: ١٠٥] وفي حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ، في الصَّحِيحَيْنِ: «إنَّهُ لَيُؤْتى بِالعَظِيمِ السَّمِينِ يَوْمَ القِيامَةِ لا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَناحَ بَعُوضَةٍ» . ويُسْتَعارُ اسْتِعارَةً تَمْثِيلِيَّةً لِلتَّدْبِيرِ في أحْوالٍ، كَقَوْلِ الرّاعِي:
؎وزَنَتْ أُمَيَّةُ أمْرَها فَدَعَتْ لَهُ مَن لَمْ يَكُنْ غُمِرًا ولا مَجْهُولًا
فالوَزْنُ في هَذِهِ الآيَةِ يُرادُ بِهِ تَعْيِينُ مَقادِيرِ ما تَسْتَحِقُّهُ الأعْمالُ مِنَ الثَّوابِ والعِقابِ تَعْيِينًا لا إجْحافَ فِيهِ، كَتَعْيِينِ المِيزانِ عَلى حَسَبِ ما عَيَّنَ اللَّهُ مِن ثَوابٍ أوْ عِقابٍ عَلى الأعْمالِ، وذَلِكَ مِمّا يَعْلَمُهُ اللَّهُ تَعالى: كَكَوْنِ العَمَلِ الصّالِحِ لِلَّهِ وكَوْنِهِ رِياءً، وكَكَوْنِ الجِهادِ لِإعْلاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ أوْ كَوْنِهِ لِمُجَرَّدِ الطَّمَعِ في الغَنِيمَةِ، فَيَكُونُ الجَزاءُ عَلى قَدْرِ العَمَلِ، فالوَزْنُ اسْتِعارَةٌ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِهِ الحَقِيقَةُ فَقَدْ قِيلَ: تُوضَعُ الصَّحائِفُ الَّتِي كَتَبَتْها المَلائِكَةُ لِلْأعْمالِ في شَيْءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ لِيَجْعَلَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيامَةِ، يَنْطِقُ أوْ يَتَكَيَّفُ بِكَيْفِيَّةٍ فَيَدُلُّ عَلى مَقادِيرِ الأعْمالِ لِأرْبابِها، وذَلِكَ مُمْكِنٌ، وقَدْ ورَدَتْ أخْبارٌ في صِفَةِ هَذا المِيزانِ لَمْ يَصِحَّ شَيْءٌ مِنها.
والعِباراتُ في مِثْلِ هَذا المَقامِ قاصِرَةٌ عَنْ وصْفِ الواقِعاتِ، لِأنَّها مِن خَوارِقِ المُتَعارَفِ، فَلا تَعْدُو العِباراتُ فِيها تَقْرِيبَ الحَقائِقِ وتَمْثِيلَها بِأقْصى (p-٣٠)ما تَعارَفَهُ أهْلُ اللُّغَةِ، فَما جاءَ مِنها بِصِيغَةِ المَصْدَرِ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِفِعْلٍ يَقْتَضِي آلَةً فَحَمْلُهُ عَلى المَجازِ المَشْهُورِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلا نُقِيمُ لَهم يَوْمَ القِيامَةِ وزْنًا﴾ [الكهف: ١٠٥] . وما جاءَ مِنها عَلى صِيغَةِ الأسْماءِ فَهو مُحْتَمَلٌ مِثْلَ ما هُنا لِقَوْلِهِ: فَمَن ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ. . . إلَخْ، ومِثْلَ قَوْلِ النَّبِيءِ ﷺ: «كَلِمَتانِ خَفِيفَتانِ عَلى اللِّسانِ ثَقِيلَتانِ في المِيزانِ» وما تَعَلَّقَ بِفِعْلٍ مُقْتَضٍ آلَةً فَحَمْلُهُ عَلى التَّمْثِيلِ أوْ عَلى مَخْلُوقٍ مِن أُمُورِ الآخِرَةِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ونَضَعُ المَوازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيامَةِ﴾ [الأنبياء: ٤٧] . وقَدْ ورَدَ في السُّنَّةِ ذِكْرُ المِيزانِ في حَدِيثِ البِطاقَةِ الَّتِي فِيها كَلِمَةُ شَهادَةِ الإسْلامِ، عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ، وحَدِيثِ قَوْلِ النَّبِيءِ ﷺ لِأنَسِ بْنِ مالِكٍ: فاطْلُبْنِي عِنْدَ المِيزانِ خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ في وُجُودِ مَخْلُوقٍ يُبَيِّنُ مِقْدارَ الجَزاءِ مِنَ العَمَلِ يُسَمّى بِالمِيزانِ تُوزَنُ فِيهِ الأعْمالُ حَقِيقَةً، فَأثْبَتَ ذَلِكَ الجُمْهُورُ ونَفاهُ جَماعَةٌ مِنهُمُ الضَّحّاكُ ومُجاهِدٌ والأعْمَشُ، وقالُوا: هو القَضاءُ السَّوِيُّ، وقَدْ تَبِعَ اخْتِلافَهم المُتَأخِّرُونَ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الأشاعِرَةِ وبَعْضُ المُعْتَزِلَةِ إلى تَفْسِيرِ الجُمْهُورِ، وذَهَبَ بَعْضُ الأشاعِرَةِ المُتَأخِّرِينَ وجُمْهُورُ المُعْتَزِلَةِ إلى ما ذَهَبَ إلَيْهِ مُجاهِدٌ والضَّحّاكُ والأعْمَشُ، والأمْرُ هَيِّنٌ، والِاسْتِدْلالُ لَيْسَ بِبَيِّنٍ والمَقْصُودُ المَعْنى ولَيْسَ المَقْصُودُ آلَتَهُ.
والإخْبارُ عَنِ الوَزْنِ بِقَوْلِهِ ”الحَقُّ“، إنْ كانَ الوَزْنُ مَجازًا عَنْ تَعْيِينِ مَقادِيرِ الجَزاءِ فالحَقُّ بِمَعْنى العَدْلِ، أيِ الجَزاءُ عادِلٌ غَيْرُ جائِرٍ؛ لِأنَّهُ مِن أنْواعِ القَضاءِ والحِكَمِ، وإنْ كانَ الوَزْنُ تَمْثِيلًا بِهَيْئَةِ المِيزانِ، فالعَدْلُ بِمَعْنى السَّوِيِّ، أيْ والوَزْنُ يَوْمَئِذٍ مُساوٍ لِلْأعْمالِ لا يُرَجَّحُ ولا يُجْحَفُ.
وعَلى الوَجْهَيْنِ فالإخْبارُ عَنْهُ بِالمَصْدَرِ مُبالَغَةٌ في كَوْنِهِ مُحِقًّا.
وتَفَرَّعَ عَلى كَوْنِهِ الحَقَّ قَوْلُهُ: ﴿فَمَن ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾، فَهو تَفْصِيلٌ لِلْوَزْنِ بِبَيانِ أثَرِهِ عَلى قَدْرِ المَوْزُونِ. ومَحَلُّ التَّفْرِيعِ هو قَوْلُهُ: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ وقَوْلُهُ: ﴿فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ﴾ إذْ ذَلِكَ (p-٣١)مُفَرَّعٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿فَمَن ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ﴾: ﴿ومَن خَفَّتْ مَوازِينُهُ﴾ وثِقَلُ المِيزانِ في المَعْنى الحَقِيقِيِّ رُجْحانُ المِيزانِ بِالشَّيْءِ المَوْزُونِ، وهو هُنا مُسْتَعارٌ لِاعْتِبارِ الأعْمالِ الصّالِحَةِ غالِبَةً ووافِرَةً، أيْ مَن ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ الصّالِحاتُ، وإنَّما لَمْ يَذْكُرْ ما ثَقُلَتْ بِهِ المَوازِينُ لِأنَّهُ مَعْلُومٌ مِنِ اعْتِبارِ الوَزْنِ، لِأنَّ مُتَعارَفَ النّاسِ أنَّهم يَزِنُونَ الأشْياءَ المَرْغُوبَ في شِرائِها المُتَنافَسَ في ضَبْطِ مَقادِيرِها والَّتِي يَتَغابَنُ النّاسُ فِيها.
والثِّقَلُ مَعَ تِلْكَ الِاسْتِعارَةِ هو أيْضًا تَرْشِيحٌ لِاسْتِعارَةِ الوَزْنِ لِلْجَزاءِ، ثُمَّ الخِفَّةُ مُسْتَعارَةٌ لِعَدَمِ الأعْمالِ الصّالِحَةِ أخْذًا بِغايَةِ الخِفَّةِ عَلى وِزانٍ عَكْسِ الثِّقَلِ، وهي أيْضًا تَرْشِيحٌ ثانٍ لِاسْتِعارَةِ المِيزانِ، والمُرادُ هُنا الخِفَّةُ الشَّدِيدَةُ وهي انْعِدامُ الأعْمالِ الصّالِحَةِ لِقَوْلِهِ: ﴿بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ﴾ .
والفَلاحُ حُصُولُ الخَيْرِ وإدْراكُ المَطْلُوبِ.
والتَّعْرِيفُ في المُفْلِحُونَ لِلْجِنْسِ أوِ العَهْدِ وقَدْ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ٥] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وماصَدَقَ ”مِن“ واحِدٌ لِقَوْلِهِ: مَوازِينُهُ، وإذْ قَدْ كانَ هَذا الواحِدُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، بَلْ هو كُلُّ مَن تَحَقَّقَ فِيهِ مَضْمُونُ جُمْلَةِ الشَّرْطِ، فَهو عامٌّ صَحَّ اعْتِبارُهُ جَماعَةً في الإشارَةِ والضَّمِيرَيْنِ مِن قَوْلِهِ: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ .
والإتْيانُ بِالإشارَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّهم إنَّما حَصَّلُوا الفَلاحَ لِأجْلِ ثِقَلِ مَوازِينِهِمْ، واخْتِيرَ اسْمُ إشارَةِ البُعْدِ تَنْبِيهًا عَلى البُعْدِ المَعْنَوِيِّ الِاعْتِبارِيِّ.
وضَمِيرُ الفَصْلِ لِقَصْدِ الِانْحِصارِ أيْ هُمُ الَّذِينَ انْحَصَرَ فِيهِمْ تَحَقُّقُ المُفْلِحِينَ، أيْ إنْ عَلِمْتَ جَماعَةً تُعْرَفُ بِالمُفْلِحِينَ فَهم هم.
والخُسْرانُ حَقِيقَتُهُ ضِدُّ الرِّبْحِ، وهو عَدَمُ تَحْصِيلِ التّاجِرِ عَلى ما يَسْتَفْضِلُهُ مِن بَيْعِهِ، ويُسْتَعارُ لِفُقْدانِ نَفْعِ ما يُرْجى مِنهُ النَّفْعُ، فَمَعْنى خَسِرُوا أنْفُسَهم (p-٣٢)فَقَدُوا فَوائِدَها، فَإنَّ كُلَّ أحَدٍ يَرْجُو مِن مَواهِبِهِ، وهي مَجْمُوعُ نَفْسِهِ، أنْ تَجْلِبَ لَهُ النَّفْعَ وتَدْفَعَ عَنْهُ الضُّرَّ: بِالرَّأْيِ السَّدِيدِ، وابْتِكارِ العَمَلِ المُفِيدِ، ونُفُوسُ المُشْرِكِينَ قَدْ سَوَّلَتْ لَهم أعْمالًا كانَتْ سَبَبَ خِفَّةِ مَوازِينِ أعْمالِهِمْ، أيْ سَبَبَ فَقْدِ الأعْمالِ الصّالِحَةِ مِنهم، فَكانَتْ نُفُوسُهم كَرَأْسِ مالِ التّاجِرِ الَّذِي رَجا مِنهُ زِيادَةَ الرِّزْقِ فَأضاعَهُ كُلَّهُ فَهو خاسِرٌ لَهُ، فَكَذَلِكَ هَؤُلاءِ خَسِرُوا أنْفُسَهم إذْ أوْقَعَتْهم في العَذابِ المُقِيمِ، وانْظُرْ ما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهم فَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٢] في سُورَةِ الأنْعامِ. وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ﴾ [البقرة: ١٦] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
والباءُ في قَوْلِهِ: ”بِما كانُوا“ باءُ السَّبَبِيَّةِ، وما مَصْدَرِيَّةٌ أيْ بِكَوْنِهِمْ ظَلَمُوا بِآياتِنا في الدُّنْيا، فَصِيغَةُ المُضارِعِ في قَوْلِهِ يَظْلِمُونَ لِحِكايَةِ حالِهِمْ في تَجَدُّدِ الظُّلْمِ فِيما مَضى كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿واللَّهُ الَّذِي أرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحابًا فَسُقْناهُ﴾ [فاطر: ٩] .
والظُّلْمُ هُنا ضِدُّ العَدْلِ: أيْ يَظْلِمُونَ الآياتِ فَلا يُنْصِفُونَها حَقَّها مِنَ الصِّدْقِ. وضُمِّنَ يَظْلِمُونَ مَعْنى يُكَذِّبُونَ، فَلِذَلِكَ عُدِّيَ بِالباءِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: بِما كانُوا يَظْلِمُونَ فَيُكَذِّبُونَ بِآياتِنا عَلى حَدِّ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهم ظُلْمًا وعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤] .
وإنَّما جُعِلَ تَكْذِيبُهم ظُلْمًا لِأنَّهُ تَكْذِيبُ ما قامَتِ الأدِلَّةُ عَلى صِدْقِهِ فَتَكْذِيبُهُ ظُلْمٌ لِلْأدِلَّةِ بِدَحْضِها وعَدَمِ إعْمالِها.
وتَقْدِيمُ المَجْرُورِ في قَوْلِهِ: بِآياتِنا عَلى عامِلِهِ، وهو يَظْلِمُونَ، لِلِاهْتِمامِ بِالآياتِ. وقَدْ ذَكَرَتِ الآيَةُ حالَ المُؤْمِنِينَ الصّالِحِينَ وحالَ المُكَذِّبِينَ المُشْرِكِينَ إذْ كانَ النّاسُ يَوْمَ نُزُولِ الآيَةِ فَرِيقَيْنِ: فَرِيقُ المُؤْمِنِينَ، وهم كُلُّهم عامِلُونَ بِالصّالِحاتِ، مُسْتَكْثِرُونَ مِنها، وفَرِيقُ المُشْرِكِينَ وهم أخْلِياءُ مِنَ الصّالِحاتِ، وبَقِيَ بَيْنَ ذَلِكَ فَرِيقٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَخْلِطُونَ (p-٣٣)عَمَلًا صالِحًا وآخَرَ سَيِّئًا، وذَلِكَ لَمْ تَتَعَرَّضْ لَهُ هَذِهِ الآيَةُ، إذْ لَيْسَ مِن غَرَضِ المَقامِ، وتَعَرَّضَتْ لَهُ آياتٌ أُخْرى.
{"ayahs_start":8,"ayahs":["وَٱلۡوَزۡنُ یَوۡمَىِٕذٍ ٱلۡحَقُّۚ فَمَن ثَقُلَتۡ مَوَ ٰزِینُهُۥ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ","وَمَنۡ خَفَّتۡ مَوَ ٰزِینُهُۥ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ خَسِرُوۤا۟ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا یَظۡلِمُونَ"],"ayah":"وَٱلۡوَزۡنُ یَوۡمَىِٕذٍ ٱلۡحَقُّۚ فَمَن ثَقُلَتۡ مَوَ ٰزِینُهُۥ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق