الباحث القرآني

﴿قالَ المَلَأُ مِن قَوْمِهِ إنّا لَنَراكَ في ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ فُصِلَتْ جُمْلَةُ قالَ عَلى طَرِيقَةِ الفَصْلِ في المُحاوَراتِ، واقْتَرَنَ جَوابُهم بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّهم حَقَّقُوا وأكَّدُوا اعْتِقادَهم أنَّ نُوحًا مُنْغَمِسٌ في الضَّلالَةِ. المَلَأُ مَهْمُوزٌ بِغَيْرِ مَدٍّ: الجَماعَةُ الَّذِينَ أمْرُهم واحِدٌ ورَأْيُهم واحِدٌ لِأنَّهم يُمالِئُ بَعْضُهم بَعْضًا، أيْ يُعاوِنُهُ ويُوافِقُهُ، ويُطْلَقُ المَلَأُ عَلى أشْرافِ القَوْمِ وقادَتِهِمْ لِأنَّ شَأْنَهم أنْ يَكُونَ رَأْيُهم واحِدًا عَنْ تَشاوُرٍ، وهَذا المَعْنى هو المُناسِبُ في هَذِهِ الآيَةِ بِقَرِينَةِ (مِن) الدّالَّةِ عَلى التَّبْعِيضِ أيْ أنَّ قادَةَ القَوْمِ هُمُ الَّذِينَ تَصَدَّوْا لِمُجادَلَةِ نُوحٍ والمُناضَلَةِ عَنْ دِينِهِمْ بِمَسْمَعٍ مِنَ القَوْمِ الَّذِينَ خاطَبَ جَمِيعَهم، والرُّؤْيَةُ قَلْبِيَّةٌ بِمَعْنى العِلْمِ، أيْ إنّا لَنُوقِنُ أنَّكَ في ضَلالٍ مُبِينٍ ولَمْ يُوصَفِ المَلَأُ هُنا بِالَّذِينَ كَفَرُوا، أوْ بِالَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا كَما وُصِفَ المَلَأُ في قِصَّةِ هُودٍ بِالَّذِينَ (p-١٩١)كَفَرُوا اسْتِغْناءً بِدَلالَةِ المَقامِ عَلى أنَّهم كَذَّبُوا وكَفَرُوا. وظَرْفِيَّةُ في ضَلالٍ مَجازِيَّةٌ تَعْبِيرًا عَنْ تَمَكُّنِ وصْفِ الضَّلالِ مِنهُ حَتّى كَأنَّهُ مُحِيطٌ بِهِ مِن جَوانِبِهِ إحاطَةَ الظَّرْفِ بِالمَظْرُوفِ. والضَّلالُ اسْمُ مَصْدَرِ ضَلَّ إذا أخْطَأ الطَّرِيقَ المُوصِلَ، والمُبِينُ اسْمُ فاعِلٍ مِن أبانَ المُرادِفِ بانَ، وذَلِكَ هو الضَّلالُ البالِغُ الغايَةَ في البُعْدِ عَنْ طَرِيقِ الحَقِّ، وهَذِهِ شُبْهَةٌ مِنهم، فَإنَّهم تَوَهَّمُوا أنَّ الحَقَّ هو ما هم عَلَيْهِ، فَلا عَجَبَ إذا جَعَلُوا ما بَعُدَ عَنْهُ بُعْدًا عَظِيمًا ضَلالًا بَيِّنًا لِأنَّهُ خالَفَهم، وجاءَ بِما يَعُدُّونَهُ مِنَ المُحالِ، إذْ نَفى الإلَهِيَّةَ عَنْ آلِهَتِهِمْ، فَهَذِهِ مُخالَفَةٌ، وأثْبَتَها لِلَّهِ وحْدَهُ، فَإنْ كانُوا وثَنِيِّينَ فَهَذِهِ مُخالَفَةٌ أُخْرى، وتَوَعَّدَهم بِعَذابٍ عَلى ذَلِكَ وهَذِهِ مُخالَفَةٌ أيْضًا، وإنْ كانَ العَذابُ الَّذِي تَوَعَّدَهم بِهِ عَذابُ الآخِرَةِ فَقَدْ أخْبَرَهم بِأمْرٍ مُحالٍ عِنْدَهم وهو البَعْثُ، فَهي مُخالِفَةٌ أُخْرى، فَضَلالُهُ عِنْدَهم مُبِينٌ، وقَدْ يَتَفاوَتُ ظُهُورُهُ، وادَّعى أنَّ اللَّهَ أرْسَلَهُ وهَذا في زَعْمِهِمْ تَعَمُّدُ كَذِبٍ وسَفاهَةُ عَقْلٍ وادِّعاءُ مُحالٍ كَما حُكِيَ عَنْهم في قَوْلِهِ تَعالى ﴿قالَ المَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إنّا لَنَراكَ في سَفاهَةٍ وإنّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذِبِينَ﴾ [الأعراف: ٦٦] - وقَوْلِهِ هُنا - ﴿أوَعَجِبْتُمْ أنْ جاءَكم ذِكْرٌ مِن رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ٦٢] الآيَةَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب