الباحث القرآني
﴿إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ في سِتَّةِ أيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا والشَّمْسَ والقَمَرَ والنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأمْرِهِ ألا لَهُ الخَلْقُ والأمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ العالَمِينَ﴾
جاءَتْ أغْراضُ هَذِهِ السُّورَةِ مُتَناسِبَةً مُتَماسِكَةً. فَإنَّها ابْتُدِئَتْ بِذِكْرِ القُرْآنِ والأمْرِ بِاتِّباعِهِ ونَبْذِ ما يَصُدُّ عَنْهُ وهو اتِّباعُ الشِّرْكِ، ثُمَّ التَّذْكِيرِ بِالأُمَمِ الَّتِي أعْرَضَتْ عَنْ طاعَةِ رُسُلِ اللَّهِ. ثُمَّ الِاسْتِدْلالِ عَلى وحْدانِيَّةِ اللَّهِ، والِامْتِنانِ بِخَلْقِ الأرْضِ والتَّمْكِينِ مِنها، وبِخَلْقِ أصْلِ البَشَرِ وخَلْقِهِمْ، وخَلَّلَ ذَلِكَ بِالتَّذْكِيرِ بِعَداوَةِ الشَّيْطانِ لِأصْلِ البَشَرِ ولِلْبَشَرِ في قَوْلِهِ لَأقْعُدَنَّ لَهم صِراطَكَ المُسْتَقِيمَ، وانْتَقَلَ مِن ذَلِكَ إلى التَّنْدِيدِ عَلى المُشْرِكِينَ فِيما اتَّبَعُوا فِيهِ تَسْوِيلَ الشَّيْطانِ مِن قَوْلِهِ وإذا فَعَلُوا فاحِشَةً، ثُمَّ بِتَذْكِيرِهِمْ بِالعَهْدِ الَّذِي أخَذَهُ اللَّهُ عَلى البَشَرِ في قَوْلِهِ ﴿يا بَنِي آدَمَ إمّا يَأْتِيَنَّكم رُسُلٌ مِنكُمْ﴾ [الأعراف: ٣٥] الآيَةَ. (p-١٥٩)وبِأنَّ المُشْرِكِينَ ظَلَمُوا بِنَكْثِ العَهْدِ بِقَوْلِهِ فَمَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ كَذِبًا أوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ وتَوَعَّدَهم وذَكَّرَهم أحْوالَ أهْلِ الآخِرَةِ، وعَقِبُ ذَلِكَ عادَ إلى ذِكْرِ القُرْآنِ بِقَوْلِهِ ولَقَدْ جِئْناهم بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ وأنْهاهُ بِالتَّذْيِيلِ بِقَوْلِهِ قَدْ خَسِرُوا أنْفُسَهم وضَلَّ عَنْهم ما كانُوا يَفْتَرُونَ.
فَلا جَرَمَ تَهَيَّأتِ الأسْماعُ والقُلُوبُ لِتَلَقِّي الحُجَّةِ عَلى أنَّ اللَّهَ إلَهٌ واحِدٌ، وأنَّ آلِهَةَ المُشْرِكِينَ ضَلالٌ وباطِلٌ، ثُمَّ لِبَيانِ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ ومَجْدِهِ فَلِذَلِكَ اسْتُؤْنِفَ بِجُمْلَةِ (إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ) الآيَةَ، اسْتِئْنافًا ابْتِدائِيًّا عادَ بِهِ التَّذْكِيرُ إلى صَدْرِ السُّورَةِ في قَوْلِهِ ولا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أوْلِياءَ، فَكانَ ما في صَدْرِ السُّورَةِ بِمَنزِلَةِ المَطْلُوبِ المَنطِقِيِّ، وكانَ ما بَعْدَهُ بِمَنزِلَةِ البُرْهانِ، وكانَ قَوْلُهُ إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ بِمَنزِلَةِ النَّتِيجَةِ لِلْبُرْهانِ، والنَّتِيجَةُ مُساوِيَةٌ لِلْمَطْلُوبِ إلّا أنَّها تُؤْخَذُ أوْضَحَ وأشَدَّ تَفْصِيلًا.
فالخِطابُ مُوَجَّهٌ إلى المُشْرِكِينَ ابْتِداءً، ولِذَلِكَ كانَ لِلتَّأْكِيدِ بِحَرْفِ إنَّ مَوْقِعُهُ لِرَدِّ إنْكارِ المُشْرِكِينَ انْفِرادَ اللَّهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وإذْ كانَ ما اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ يَزِيدُ المُسْلِمِينَ بَصِيرَةً بِعِظَمِ مَجْدِ اللَّهِ وسِعَةِ مُلْكِهِ، ويَزِيدُهم ذِكْرى بِدَلائِلِ قُدْرَتِهِ، كانَ الخِطابُ صالِحًا لِتَناوُلِ المُسْلِمِينَ، لِصَلاحِيَةِ ضَمِيرِ الخِطابِ لِذَلِكَ، ولا يَكُونُ حَرْفُ إنَّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ سُدًى، لِأنَّهُ يُفِيدُ الِاهْتِمامَ بِالخَبَرِ، لِأنَّ فِيهِ حَظًّا لِلْفَرِيقَيْنِ، ولِأنَّ بَعْضَ ما اشْتَمَلَ عَلَيْهِ ما هو بِالمُؤْمِنِينَ أعْلَقُ مِثْلُ ادْعُوا رَبَّكم تَضَرُّعًا وخُفْيَةً وقَوْلِهِ إنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ وبَعْضُهُ بِالكافِرِينَ أنْسَبُ مِثْلُ قَوْلِهِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ المَوْتى لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ.
وقَدْ جُعِلَ المُخْبَرُ عَنْهُ الرَّبَّ، والخَبَرُ اسْمَ الجَلالَةِ: لِأنَّ المَعْنى أنَّ الرَّبَّ لَكُمُ المَعْلُومُ عِنْدَكم هو الَّذِي اسْمُهُ الدّالُّ عَلى ذاتِهِ: اللَّهُ، لا غَيْرُهُ مِمَّنْ لَيْسَ (p-١٦٠)لَهُ هَذا الِاسْمُ، عَلى ما هو الشَّأْنُ، فَهي تَعْرِيفُ المُسْنَدِ في نَحْوِ: أنا أخُوكَ. يُقالُ لِمَن يَعْرِفُ المُتَكَلِّمُ ويَعْرِفُ أنَّ لَهُ أخًا ولا يَعْرِفُ أنَّ المُتَكَلِّمَ هو أخُوهُ، فالمَقْصُودُ مِن تَعْرِيفِ المُسْنَدِ إفادَةُ ما يُسَمّى في المَنطِقِ بِحَمْلِ المُواطَأةِ، وهو حَمْلُ (هو هو) ولِذَلِكَ يُخَيَّرُ المُتَكَلِّمُ في جَعْلِ أحَدِ الجُزْأيْنِ مُسْنَدًا إلَيْهِ، وجَعْلِ الآخَرِ مُسْنَدًا، لِأنَّ كِلَيْهِما مَعْرُوفٌ عِنْدَ المُخاطَبِ، وإنَّما الشَّأْنُ أنْ يَجْعَلَ أقْواهُما مَعْرِفَةً عِنْدَ المُخاطَبِ هو المُسْنَدُ إلَيْهِ، لِيَكُونَ الحَمْلُ أجْدى إفادَةً، ومِن هَذا القَبِيلِ قَوْلُ المَعَرِّيِّ يَصِفُ فارِسًا في غارَةٍ:
؎يَخُوضُ بَحْرًا نَقْعُهُ ماؤُهُ يَحْمِلُهُ السّابِحُ في لِبْدِهِ
إذْ قَدْ عَلِمَ السّامِعُ أنَّ لِلْفارِسِ عِنْدَ الغارَةِ نَقْعًا، وعَلِمَ أنَّ الشّاعِرَ أثْبَتَ لِلْفارِسِ بَحْرًا وأنَّ لِلْبَحْرِ ماءً، فَقَدْ صارَ النَّقْعُ والبَحْرُ مَعْلُومَيْنِ لِلسّامِعِ، فَأفادَهُ أنَّ نَقْعَ الفارِسِ هو ماءُ البَحْرِ المَزْعُومُ، لِأنَّهُ أجْدى لِمُناسَبَةِ اسْتِعارَةِ البَحْرِ لِلنَّقْعِ، وإلّا فَما كانَ يُعْوِزُ المُعَرِّيَّ أنْ يَقُولَ: ماؤُهُ نَقْعُهُ فَمَنِ انْتَقَدَ البَيْتَ فَإنَّهُ لَمْ يُنْصِفْهُ.
(p-١٦١)وأُكِّدَ هَذا الخَبَرُ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ، وإنْ كانَ المُشْرِكُونَ يَثْبُتُونَ الرُّبُوبِيَّةَ لِلَّهِ، والمُسْلِمُونَ لا يَمْتَرُونَ في ذَلِكَ، لِتَنْزِيلِ المُشْرِكِينَ مِنَ المُخاطَبِينَ مَنزِلَةَ مَن يَتَرَدَّدُ في كَوْنِ اللَّهِ رَبًّا لَهم لِكَثْرَةِ إعْراضِهِمْ عَنْهُ في عِباداتِهِمْ وتَوَجُّهاتِهِمْ.
وقَوْلُهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ صِفَةٌ لِاسْمِ الجَلالَةِ، والصِّلَةُ مُؤْذِنَةٌ بِالإيماءِ إلى وجْهِ بِناءِ الخَبَرِ المُتَقَدِّمِ، وهو إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ لِأنَّ خَلْقَ السَّماواتِ والأرْضِ يَكْفِيهِمْ دَلِيلًا عَلى انْفِرادِهِ بِالإلَهِيَّةِ، كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ وجَعَلَ الظُّلُماتِ والنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ بِسُورَةِ الأنْعامِ.
وقَوْلُهُ في سِتَّةِ أيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ تَعْلِيمٌ بِعَظِيمِ قُدْرَتِهِ، ويَحْصُلُ مِنهُ لِلْمُشْرِكِينَ زِيادَةُ شُعُورٍ بِضَلالِهِمْ في تَشْرِيكِ غَيْرِهِ في الإلَهِيَّةِ، فَلا يَدُلُّ قَوْلُهُ في سِتَّةِ أيّامٍ عَلى أنَّ أهْلَ مَكَّةَ كانُوا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ، وفِيهِ تَحَدٍّ لِأهْلِ الكِتابِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى أوَلَمَ يَكُنْ لَهم آيَةٌ أنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إسْرائِيلَ ولَيْسَ القَصْدُ مِن قَوْلِهِ في سِتَّةِ أيّامٍ الِاسْتِدْلالَ عَلى الوَحْدانِيَّةِ، إذْ لا دَلالَةَ فِيهِ عَلى ذَلِكَ.
وقَدِ اقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللَّهِ تَعالى أنْ يَكُونَ خَلْقُ السَّماواتِ والأرْضِ مُدَرَّجًا، وأنْ لا يَكُونَ دُفْعَةً، لِأنَّهُ جَعَلَ العَوالِمَ مُتَوَلِّدًا بَعْضُها مِن بَعْضٍ، لِتَكُونَ أتْقَنَ صُنْعًا مِمّا لَوْ خُلِقَتْ دُفْعَةً، ولِيَكُونَ هَذا الخَلْقُ مَظْهَرًا لِصِفَتَيْ عِلْمِ اللَّهِ تَعالى وقُدْرَتِهِ، فالقُدْرَةُ صالِحَةٌ لِخَلْقِها دُفْعَةً، لَكِنَّ العِلْمَ والحِكْمَةَ أقْتَضَيا هَذا التَّدَرُّجَ، وكانَتْ تِلْكَ المُدَّةُ أقَلَّ زَمَنٍ يَحْصُلُ فِيهِ المُرادُ مِنَ التَّوَلُّدِ بِعَظِيمِ القُدْرَةِ، ولَعَلَّ تَكَرُّرَ ذِكْرِ هَذِهِ الأيّامِ في آياتٍ كَثِيرَةٍ لِقَصْدِ التَّنْبِيهِ إلى هَذِهِ النُّكْتَةِ البَدِيعَةِ، مِن كَوْنِها مَظْهَرَ سِعَةِ العِلْمِ وسِعَةِ القُدْرَةِ.
(p-١٦٢)وظاهِرُ الآياتِ أنَّ الأيّامَ هي المَعْرُوفَةُ لِلنّاسِ، الَّتِي هي جَمْعُ اليَوْمِ الَّذِي هو مُدَّةٌ تُقَدَّرُ مِن مَبْدَإ ظُهُورِ الشَّمْسِ في المَشْرِقِ إلى ظُهُورِها في ذَلِكَ المَكانِ ثانِيَةً، وعَلى هَذا التَّفْسِيرِ فالتَّقْدِيرُ في ما يُماثِلُ تِلْكَ المُدَّةِ سِتَّ مَرّاتٍ، لِأنَّ حَقِيقَةَ اليَوْمِ بِهَذا المَعْنى لَمْ تَتَحَقَّقْ إلّا بَعْدَ تَمامِ خَلْقِ السَّماءِ والأرْضِ، لِيُمْكِنَ ظُهُورُ نُورِ الشَّمْسِ عَلى نِصْفِ الكُرَةِ الأرْضِيَّةِ وظُهُورُ الظُّلْمَةِ عَلى ذَلِكَ النِّصْفِ إلى ظُهُورِ الشَّمْسِ مَرَّةً ثانِيَةً، وقَدْ قِيلَ: إنَّ الأيّامَ هُنا جَمْعُ اليَوْمِ مِن أيّامِ اللَّهِ تَعالى الَّذِي هو مُدَّةُ ألْفِ سَنَةٍ، فَسِتَّةُ أيّامٍ عِبارَةٌ عَنْ سِتَّةِ آلافٍ مِنَ السِّنِينَ نَظَرًا لِقَوْلِهِ تَعالى وإنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَألْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ وقَوْلِهِ يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّماءِ إلى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إلَيْهِ في يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ ألْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ. ونُقِلَ ذَلِكَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أرْقَمَ واخْتارَهُ النَّقاشُ، وما هو بِبَعِيدٍ، وإنْ كانَ مُخالِفًا لِما في التَّوْراةِ. وقِيلَ المُرادُ: في سِتَّةِ أوْقاتٍ، فَإنَّ اليَوْمَ يُطْلَقُ عَلى الوَقْتِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ومَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ أيْ حِينَ إذْ يَلْقاهم زَحْفًا، ومَقْصُودُ هَذا القائِلِ أنَّ السَّماواتِ والأرْضَ خُلِقَتْ عالَمًا بَعْدَ عالَمٍ ولَمْ يَشْتَرِكْ جَمِيعُها في أوْقاتِ تَكْوِينِها، وأيًّا ما كانَ فالأيّامُ مُرادٌ بِها مَقادِيرٌ لا الأيّامُ الَّتِي واحِدُها يَوْمٌ الَّذِي هو مِن طُلُوعِ الشَّمْسِ إلى غُرُوبِها إذْ لَمْ تَكُنْ شَمْسٌ في بَعْضِ تِلْكَ المُدَّةِ، والتَّعَمُّقُ في البَحْثِ في هَذا خُرُوجٌ عَنْ غَرَضِ القُرْآنِ.
والِاسْتِواءُ حَقِيقَتُهُ الِاعْتِدالُ، والَّذِي يُؤْخَذُ مِن كَلامِ المُحَقِّقِينَ مِن عُلَماءِ اللُّغَةِ والمُفَسِّرِينَ أنَّهُ حَقِيقَةٌ في الِارْتِفاعِ والِاعْتِلاءِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى في صِفَةِ جِبْرِيلَ فاسْتَوى وهو بِالأُفُقِ الأعْلى ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى.
والِاسْتِواءُ لَهُ مَعانٍ مُتَفَرِّعَةٌ عَنْ حَقِيقَتِهِ، أشْهَرُها القَصْدُ والِاعْتِلاءُ، وقَدِ التُزِمَ هَذا اللَّفْظُ في القُرْآنِ مُسْنَدًا إلى ضَمِيرِ الجَلالَةِ عِنْدَ الإخْبارِ عَنْ أحْوالٍ سَماوِيَّةٍ، كَما في هَذِهِ الآيَةِ. ونَظائِرُها سَبْعُ آياتٍ مِنَ القُرْآنِ: هُنا، (p-١٦٣)وفِي يُونُسَ والرَّعْدِ وطه والفَرْقانِ وألْم السَّجْدَةِ والحَدِيدِ وفُصِّلَتْ. فَظَهَرَ لِي أنَّ لِهَذا الفِعْلِ خُصُوصِيَّةً في كَلامِ العَرَبِ كانَ بِسَبَبِها أجْدَرَ بِالدَّلالَةِ عَلى المَعْنى المُرادِ تَبْلِيغُهُ مُجْمَلًا مِمّا يَلِيقُ بِصِفاتِ اللَّهِ ويُقَرِّبُ إلى الإفْهامِ مَعْنى عَظَمَتِهِ، ولِذَلِكَ اخْتِيرَ في هَذِهِ الآياتِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الأفْعالِ الَّتِي فَسَّرَهُ بِها المُفَسِّرُونَ.
فالِاسْتِواءُ يُعَبِّرُ عَنْ شَأْنٍ عَظِيمٍ مِن شُئُونِ عَظَمَةِ الخالِقِ تَعالى، اخْتِيرَ التَّعْبِيرُ بِهِ عَلى طَرِيقِ الِاسْتِعارَةِ والتَّمْثِيلِ: لِأنَّ مَعْناهُ أقْرَبُ مَعانِي المَوادِّ العَرَبِيَّةِ إلى المَعْنى المُعَبِّرِ عَنْهُ مِن شُئُونِهِ تَعالى، فَإنَّ اللَّهَ لَمّا أرادَ تَعْلِيمَ مَعانٍ مِن عالَمِ الغَيْبِ لَمْ يَكُنْ يَتَأتّى ذَلِكَ في اللُّغَةِ إلّا بِأمْثِلَةٍ مَعْلُومَةٍ مِن عالَمِ الشَّهادَةِ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ التَّعْبِيرِ عَنِ المَعانِي المُغَيَّبَةِ بِعِباراتٍ تُقَرِّبُها مِمّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ عالَمِ الشَّهادَةِ، ولِذَلِكَ يَكْثُرُ في القُرْآنِ ذِكْرُ الِاسْتِعاراتِ التَّمْثِيلِيَّةِ والتَّخَيُّلِيَّةِ في مِثْلِ هَذا.
وقَدْ كانَ السَّلَفُ يَتَلَقَّوْنَ أمْثالَها بِلا بَحْثٍ ولا سُؤالٍ لِأنَّهم عَلِمُوا المَقْصُودَ الإجْمالِيَّ مِنها فاقْتَنَعُوا بِالمَعْنى مُجْمَلًا، ويُسَمُّونَ أمْثالَها بِالمُتَشابِهاتِ، ثُمَّ لَمّا ظَهَرَ عَصْرُ ابْتِداءِ البَحْثِ كانُوا إذا سُئِلُوا عَنْ هَذِهِ الآيَةِ يَقُولُونَ: اسْتَوى اللَّهُ عَلى العَرْشِ ولا نَعْرِفُ لِذَلِكَ كَيْفًا، وقَدْ بَيَّنْتُ أنَّ مِثْلَ هَذا مِنَ القِسْمِ الثّانِي مِنَ المُتَشابِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ، فَكانُوا يَأْبَوْنَ تَأْوِيلَها. وقَدْ حَكى عِياضٌ في المَدارِكِ عَنْ سُفْيانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أنَّهُ قالَ: سَألَ رَجُلٌ مالِكًا فَقالَ: الرَّحْمانُ عَلى العَرْشِ اسْتَوى. كَيْفَ اسْتَوى يا أبا عَبْدِ اللَّهِ؛ فَسَكَتَ مالِكٌ مَلِيًّا حَتّى عَلاهُ الرُّحَضاءُ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَقالَ: الِاسْتِواءُ مَعْلُومٌ والكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ والسُّؤالُ عَنْ هَذا بِدْعَةٌ والإيمانُ بِهِ واجِبٌ، وإنِّي لَأظُنَّكَ ضالًّا واشْتُهِرَ هَذا عَنْ مالِكٍ في رِواياتٍ كَثِيرَةٍ، وفي بَعْضِها أنَّهُ قالَ لِمَن سَألَهُ: وأظُنُّكَ رَجُلَ سُوءٍ أخْرِجُوهُ عَنِّي وأنَّهُ قالَ: (p-١٦٤)والسُّؤالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ. وعَنْ سُفْيانَ الثَّوْرِيِّ أنَّهُ سُئِلَ عَنْها: فَقالَ: فَعَلَ اللَّهُ فِعْلًا في العَرْشِ سَمّاهُ اسْتِواءً. قَدْ تَأوَّلَهُ المُتَأخِّرُونَ مِنَ الأشاعِرَةِ تَأْوِيلاتٍ، أحْسَنُها: ما جَنَحَ إلَيْهِ إمامُ الحَرَمَيْنِ أنَّ المُرادَ بِالِاسْتِواءِ الِاسْتِيلاءُ بِقَرِينَةِ تَعْدِيَتِهِ بِحَرْفِ عَلى، وأنْشَدُوا عَلى وجْهِ الِاسْتِئْناسِ لِذَلِكَ قَوْلَ الأخْطَلِ:
؎قَدِ اسْتَوى بِشْرٌ عَلى العِراقِ ∗∗∗ بِغَيْرِ سَيْفٍ ودَمٍ مُـهْـراقِ، وأراهُ بَعِيدًا، لِأنَّ العَرْشَ ما هو إلّا مِن مَخْلُوقاتِهِ فَلا وجْهَ لِلْإخْبارِ بِاسْتِيلائِهِ عَلَيْهِ، مَعَ احْتِمالِ أنْ يَكُونَ الأخْطَلُ قَدِ انْتَزَعَهُ مِن هَذِهِ الآيَةِ، وقَدْ قالَ أهْلُ اللُّغَةِ: إنَّ مَعانِيَهُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ تَعْدِيَتِهِ بِعَلى أوْ بِإلى، قالَ البُخارِيُّ، عَنْ مُجاهِدٍ: اسْتَوى عَلا عَلى العَرْشِ، وعَنْ أبِي العالِيَةِ: اسْتَوى إلى السَّماءِ ارْتَفَعَ فَسَوّى خَلْقَهُنَّ.
وأحْسَبُ أنَّ اسْتِعارَتَهُ تَخْتَلِفُ بِقَرِينَةِ الحَرْفِ الَّذِي يُعَدّى بِهِ فِعْلُهُ فَإنْ عُدِّيَ بِحَرْفِ ”عَلى“ كَما في هَذِهِ الآيَةِ ونَظائِرِها فَهو مُسْتَعارٌ مِن مَعْنى الِاعْتِلاءِ، مُسْتَعْمَلٌ في اعْتِلاءٍ مَجازِيٍّ يَدُلُّ عَلى مَعْنى التَّمَكُّنِ، فَيُحْتَمَلُ أنَّهُ أُرِيدَ مِنهُ التَّمْثِيلُ، وهو تَمْثِيلُ شَأْنِ تَصَرُّفِهِ تَعالى بِتَدْبِيرِ العَوالِمِ، ولِذَلِكَ نَجِدُهُ بِهَذا التَّرْكِيبِ في الآياتِ السَّبْعِ واقِعًا عَقِبَ ذِكْرِ خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ، فالمَعْنى حِينَئِذٍ: خَلَقَها ثُمَّ هو يُدَبِّرُ أُمُورَها تَدْبِيرَ المَلِكِ أُمُورَ مَمْلَكَتِهِ مُسْتَوِيًا عَلى عَرْشِهِ. ومِمّا يُقَرِّبُ هَذا المَعْنى قَوْلُ النَّبِيءِ ﷺ: «يَقْبِضُ اللَّهُ الأرْضَ ويَطْوِي السَّماواتِ يَوْمَ القِيامَةِ ثُمَّ يَقُولُ: أنا المَلِكُ أيْنَ مُلُوكُ الأرْضِ» . ولِذَلِكَ أيْضًا عَقَّبَ التَّرْكِيبَ في مَواقِعِهِ كُلِّها بِما فِيهِ مَعْنى التَّصَرُّفِ كَقَوْلِهِ هُنا يَغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إلَخْ، وقَوْلِهِ في سُورَةِ يُونُسَ: يُدَبِّرُ الأمْرَ ما مِن شَفِيعٍ إلّا مِن بَعْدِ إذْنِهِ، وقَوْلِهِ في سُورَةِ الرَّعْدِ: وسَخَّرَ الشَّمْسَ والقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأجَلٍ مُسَمّى يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآياتِ. وقَوْلِهِ في سُورَةِ ألم السَّجْدَةِ: ما لَكم مِن دُونِهِ مِن ولِيٍّ ولا شَفِيعٍ أفَلا تَتَذَكَّرُونَ يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّماءِ إلى الأرْضِ. وكَمالُ هَذا (p-١٦٥)التَّمْثِيلِ يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ كُلُّ جُزْءٍ مِن أجْزاءِ الهَيْئَةِ المُمَثَّلَةِ مُشَبَّهًا بِجُزْءٍ مِن أجْزاءِ الهَيْئَةِ المُمَثَّلِ بِها، فَيَقْتَضِي أنْ يَكُونَ ثَمَّةَ مَوْجُودٌ مِن أجْزاءِ الهَيْئَةِ المُمَثَّلَةِ مُشابِهًا لِعَرْشِ المَلِكِ في العَظَمَةِ، وكَوْنِهِ مَصْدَرَ التَّدْبِيرِ والتَّصَرُّفِ الإلَهِيِّ يَفِيضُ عَلى العَوالِمِ قُوى تَدْبِيرِها، وقَدْ دَلَّتِ الآثارُ الصَّحِيحَةُ مِن أقْوالِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - عَلى وُجُودِ هَذا المَخْلُوقِ العَظِيمِ المُسَمّى بِالعَرْشِ كَما سَنُبَيِّنُهُ.
فَأمّا إذا عُدِّيَ فِعْلُ الِاسْتِواءِ بِحَرْفِ اللّامِ فَهو مُسْتَعارٌ مِن مَعْنى القَصْدِ والتَّوَجُّهِ إلى مَعْنى تَعَلُّقِ الإرادَةِ، كَما في قَوْلِهِ ثُمَّ اسْتَوى إلى السَّماءِ، وقَدْ نَحا صاحِبُ الكَشّافِ نَحْوًا مِن هَذا المَعْنى، إلّا أنَّهُ سَلَكَ بِهِ طَرِيقَةَ الكِنايَةِ عَنِ المُلْكِ: يَقُولُونَ اسْتَوى فُلانٌ عَلى العَرْشِ يُرِيدُونَ مَلَكَ.
والعَرْشُ حَقِيقَتُهُ الكُرْسِيُّ المُرْتَفِعُ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَيْهِ المَلِكُ، قالَ تَعالى ولَها عَرْشٌ عَظِيمٌ وقالَ: ورَفَعَ أبَوَيْهِ عَلى العَرْشِ، وهو في هَذِهِ الآيَةِ ونَظائِرِها مُسْتَعْمَلٌ جُزْءًا مِنَ التَّشْبِيهِ المُرَكَّبِ، ومِن بَداعَةٍ هَذا التَّشْبِيهِ أنْ كانَ كُلُّ جُزْءٍ مِن أجْزاءِ الهَيْئَةِ المُشَبَّهَةِ مُماثِلًا لِجُزْءٍ مِن أجْزاءِ الهَيْئَةِ المُشَبَّهِ بِها، وذَلِكَ أكْمَلُ التَّمْثِيلِ في البَلاغَةِ العَرَبِيَّةِ، كَما قَدَّمْتُهُ آنِفًا. وإذْ قَدْ كانَ هَذا التَّمْثِيلُ مَقْصُودًا لِتَقْرِيبِ شَأْنٍ مِن شُئُونِ عَظَمَةِ مُلْكِ اللَّهِ بِحالِ هَيْئَةٍ مِنَ الهَيْئاتِ المُتَعارَفَةِ، ناسَبَ أنْ يَشْتَمِلَ عَلى ما هو شِعارُ أعْظَمِ المُدَبِّرِينَ لِلْأُمُورِ المُتَعارَفَةِ أعْنِي المُلُوكَ، وذَلِكَ شِعارُ العَرْشِ الَّذِي مِن حَوْلِهِ تَصْدُرُ تَصَرُّفاتُ المَلِكِ، فَإنَّ تَدْبِيرَ اللَّهِ لِمَخْلُوقاتِهِ بِأمْرِ التَّكْوِينِ يَكُونُ صُدُورُهُ بِواسِطَةِ المَلائِكَةِ، وقَدْ بَيَّنَ القُرْآنُ عَمَلَ بَعْضِهِمْ مِثْلِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ ومَلَكِ المَوْتِ، وبَيَّنَتِ السُّنَّةُ بَعْضَها: فَذَكَرَتْ مَلِكَ الجِبالِ، ومَلِكَ الرِّياحِ، والمَلِكَ الَّذِي يُباشِرُ تَكْوِينَ الجَنِينِ، ويَكْتُبُ رِزْقَهُ وأجَلَهُ وعاقِبَتَهُ، وكَذَلِكَ أشارَ القُرْآنُ إلى أنَّ مِنَ المَوْجُوداتِ العُلْوِيَّةِ مَوْجُودًا مُنَوَّهًا بِهِ سَمّاهُ العَرْشَ ذَكَرَهُ القُرْآنُ في آياتٍ كَثِيرَةٍ. ولَمّا ذَكَرَ خَلْقَ السَّماواتِ والأرْضِ وذَكَرَ العَرْشَ ذَكَرَهُ بِما يُشْعِرُ بِأنَّهُ مَوْجُودٌ قَبْلَ هَذا الخَلْقِ. وبَيَّنَتِ السُّنَّةُ أنَّ العَرْشَ أعْظَمُ (p-١٦٦)مِنَ السَّماواتِ وما فِيهِنَّ، مِن ذَلِكَ حَدِيثُ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ أنَّ النَّبِيءَ ﷺ قالَ: «كانَ اللَّهُ ولَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وكانَ عَرْشُهُ عَلى الماءِ ثُمَّ خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ» وحَدِيثُ أبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ قالَ في حَدِيثٍ طَوِيلٍ: «فَإذا سَألْتُمُ اللَّهَ فاسْألُوهُ الفِرْدَوْسَ فَإنَّهُ أوْسَطُ الجَنَّةِ، وأعْلى الجَنَّةِ وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحِمانِ ومِنهُ تُفَجَّرُ أنْهارُ الجَنَّةِ» وقَدْ قِيلَ إنَّ العَرْشَ هو الكُرْسِيُّ وأنَّهُ المُرادُ في قَوْلِهِ تَعالى وسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ والأرْضَ كَما تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلَيْهِ في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وقَدْ دَلَّتْ ثُمَّ في قَوْلِهِ ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ عَلى التَّراخِي الرُّتْبِيِّ أيْ وأعْظَمُ مِن خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ اسْتِواءُهُ عَلى العَرْشِ، تَنْبِيهًا عَلى أنَّ خَلْقَ السَّماواتِ والأرْضِ لَمْ يُحْدِثْ تَغْيِيرًا في تَصَرُّفاتِ اللَّهِ بِزِيادَةٍ ولا نُقْصانٍ، ولِذَلِكَ ذُكِرَ الِاسْتِواءُ عَلى العَرْشِ عَقِبَ ذِكْرِ خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ في آياتٍ كَثِيرَةٍ، ولَعَلَّ المَقْصِدَ مِن ذَلِكَ إبْطالُ ما يَقُولُهُ اليَهُودُ: إنَّ اللَّهَ اسْتَراحَ في اليَوْمِ السّابِعِ فَهو كالمَقْصِدِ مِن قَوْلِهِ تَعالى ولَقَدْ خَلَقْنا السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما في سِتَّةِ أيّامٍ وما مَسَّنا مِن لُغُوبٍ.
وجُمْلَةُ (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) في مَوْضِعِ الحالِ مِنِ اسْمِ الجَلالَةِ، ذُكِرَ بِهِ شَيْءٌ مِن عُمُومِ تَدْبِيرِهِ تَعالى وتَصَرُّفِهِ المُضَمَّنِ في الِاسْتِواءِ عَلى العَرْشِ، وتَنْبِيهٌ عَلى المَقْصُودِ مِنَ الِاسْتِواءِ، ولِذَلِكَ جاءَ بِهِ في صُورَةِ الحالِ لا في صُورَةِ الخَبَرِ، كَما ذُكِرَ بِوَجْهِ العُمُومِ في آيَةِ سُورَةِ يُونُسَ وسُورَةِ الرَّعْدِ بِقَوْلِهِ: يُدَبِّرُ الأمْرَ وخَصَّ هَذا التَّصَرُّفَ بِالذِّكْرِ لِما يَدُلُّ عَلَيْهِ مِن عَظِيمِ المَقْدِرَةِ، وما فِيهِ مِن عِبْرَةِ التَّغَيُّرِ ودَلِيلِ الحُدُوثِ، ولِكَوْنِهِ مُتَكَرِّرًا حُدُوثُهُ في مُشاهَدَةِ النّاسِ كُلِّهِمْ. والإغْشاءُ والتَّغْشِيَةُ: جَعْلُ الشَّيْءِ غاشِيًا، والغَشْيُ والغَشَيانُ حَقِيقَتُهُ التَّغْطِيَةُ والغَمُّ.
فَمَعْنى يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ أنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ أحَدَهُما غاشِيًا الآخَرَ.
(p-١٦٧)والغَشْيُ مُسْتَعارٌ لِلْخَفاَءِ، لِأنَّ النَّهارَ يُزِيلُ أثَرَ اللَّيْلِ واللَّيْلَ يُزِيلُ أثَرَ النَّهارِ، ومِن بَدِيعِ الإيجازِ ورَشاقَةِ التَّرْكِيبِ: جَعْلُ اللَّيْلِ والنَّهارِ مَفْعُولَيْنِ لِفِعْلِ فاعِلِ الإغْشاءِ، فَهُما مَفْعُولانِ كِلاهُما صالِحٌ لِأنْ يَكُونَ فاعِلَ الغَشْيِ، ولِهَذا اسْتَغْنى بِقَوْلِهِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ عَنْ ذِكْرِ عَكْسِهِ ولَمْ يَقُلْ: والنَّهارَ اللَّيْلَ، كَما في آيَةِ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلى النَّهارِ لَكِنَّ الأصْلَ في تَرْتِيبِ المَفاعِيلِ في هَذا البابِ أنْ يَكُونَ الأوَّلُ هو الفاعِلَ في المَعْنى، ويَجُوزُ العَكْسُ إذا أمِنَ اللَّبْسَ، وبِالأحْرى إذا اسْتَوى الِاحْتِمالانِ.
وقَرَأ نافِعٌ وابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو وابْنُ عامِرٍ، وعاصِمٌ في رِوايَةِ حَفْصٍ يُغْشِي بِضَمِّ الياءِ وسُكُونِ الغَيْنِ وتَخْفِيفِ الشِّينِ. وقَرَأهُ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وعاصِمٌ في رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ، ويَعْقُوبُ، وخَلَفٌ بِضَمِّ الياءِ وفَتْحِ الغَيْنِ وتَشْدِيدِ الشِّينِ وهُما بِمَعْنًى واحِدٍ في التَّعْدِيَةِ.
وجُمْلَةُ يَطْلُبُهُ إنْ جُعِلَتِ اسْتِئْنافًا أوْ بَدَلَ اشْتِمالٍ مِن جُمْلَةِ يُغْشِي فَأمْرُها واضِحٌ، واحْتَمَلَ الضَّمِيرُ المَنصُوبُ في يَطْلُبُهُ أنْ يَعُودَ إلى اللَّيْلِ وإلى النَّهارِ، وإنْ جُعِلَتْ حالًا تُعِينُ أنْ تُعْتَبَرَ حالًا مِن أحَدِ المَفْعُولَيْنِ عَلى السَّواءِ فَإنَّ كِلا اللَّيْلِ والنَّهارِ يُعْتَبَرُ طالِبًا ومَطْلُوبًا، تَبَعًا لِاعْتِبارِ أحَدِهِما مَفْعُولًا أوَّلَ أوْ ثانِيًا.
وشُبِّهَ ظُهُورُ ظَلامِ اللَّيْلِ في الأُفُقِ مُمْتَدًّا مِنَ المَشْرِقِ إلى المَغْرِبِ عِنْدَ الغُرُوبِ واخْتِفاءُ نُورِ النَّهارِ في الأُفُقِ ساقِطًا مِنَ المَشْرِقِ إلى المَغْرِبِ حَتّى يَعُمَّ الظَّلامُ الأُفُقَ بِطَلَبِ اللَّيْلِ النَّهارَ عَلى طَرِيقَةِ التَّمْثِيلِ، وكَذَلِكَ يُفْهَمُ تَشْبِيهُ امْتِدادِ ضَوْءِ الفَجْرِ في الأُفُقِ مِنَ المَشْرِقِ إلى المَغْرِبِ واخْتِفاءِ ظَلامِ اللَّيْلِ في الأُفُقِ ساقِطًا في المَغْرِبِ حَتّى يَعُمَّ الضِّياءُ الأُفُقَ: بِطَلَبِ النَّهارِ اللَّيْلَ عَلى وجْهِ التَّمْثِيلِ، ولا مانِعَ مِنَ اعْتِبارِ التَّنازُعِ لِلْمَفْعُولَيْنِ في جُمْلَةِ الحالِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى فَأتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ وقَوْلِهِ والشَّمْسَ والقَمَرَ والنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأمْرِهِ.
(p-١٦٨)والحَثِيثُ: المُسْرِعُ، وهو فَعِيلٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ، مِن حَثَّهُ إذا أعْجَلَهُ وكَرَّرَ إعْجالَهُ لِيُبادِرَ بِالعَجَلَةِ، وقَرِيبٌ مِن هَذا قَوْلُ سَلامَةَ بْنِ جَنْدَلٍ يَذْكُرُ انْتِهاءَ شَبابِهِ وابْتِداءَ عَصْرِ شَيْبِهِ: أوْدى الشَّبابُ الَّذِي مَجْدٌ عَواقِبُهُ فِيهِ نَلَذُّ ولا لَذّاتِ لِـلـشِّـيبِ ولّى حَثِيثًا وهَذا الشَّيْبُ يَتْبَعُـهُ لَوْ كانَ يُدْرِكُهُ رَكْضُ اليَعاقِيبِ فالمَعْنى يَطْلُبُهُ سَرِيعًا مُجِدًّا في السُّرْعَةِ لِأنَّهُ لا يَلْبَثُ أنْ يُعْفى أثَرُهُ.
والشَّمْسَ والقَمَرَ والنُّجُومَ بِالنَّصْبِ في قِراءَةِ الجُمْهُورِ مَعْطُوفاتٌ عَلى السَّماواتِ والأرْضِ، أيْ وخَلَقَ الشَّمْسَ والقَمَرَ والنُّجُومَ، وهي مِن أعْظَمِ المَخْلُوقاتِ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْها السَّماواتُ، و(مُسَخَّراتٍ) حالٌ مِنَ المَذْكُوراتِ.
وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ بِرَفْعِ (الشَّمْسِ) وما عُطِفَ عَلَيْهِ ورَفْعِ (مُسَخَّراتٍ)، فَتَكُونُ الجُمْلَةُ حالًا مِن ضَمِيرِ اسْمِ الجَلالَةِ كَقَوْلِهِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ.
وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى اللَّيْلِ والنَّهارِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى إنَّ في خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ في سُورَةِ البَقَرَةِ ويَأْتِي في سُورَةِ الشَّمْسِ.
والتَّسْخِيرُ حَقِيقَتُهُ تَذْلِيلُ ذِي عَمَلٍ شاقٍّ أوْ شاغِلٍ بِقَهْرٍ وتَخْوِيفٍ أوْ بِتَعْلِيمٍ وسِياسَةٍ بِدُونِ عِوَضٍ، فَمِنهُ تَسْخِيرُ العَبِيدِ والأسْرى، ومِنهُ تَسْخِيرُ الأفْراسِ والرَّواحِلِ، ومِنهُ تَسْخِيرُ البَقَرِ لِلْحَلْبِ، والغَنَمِ لِلْجَزِّ. ويُسْتَعْمَلُ مَجازًا في تَصْرِيفِ الشَّيْءِ غَيْرِ ذِي الإرادَةِ في عَمَلٍ عَجِيبٍ أوْ عَظِيمٍ مِن شَأْنِهِ أنْ يَصْعُبَ اسْتِعْمالُهُ فِيهِ، بِحِيلَةٍ أوْ إلْهامٍ تَصْرِيفًا يُصَيِّرُهُ مِن خَصائِصِهِ وشُئُونِهِ، كَتَسْخِيرِ الفُلْكِ لِلْمَخْرِ في البَحْرِ بِالرِّيحِ أوْ بِالجَذْفِ، وتَسْخِيرِ السَّحابِ لِلْأمْطارِ، وتَسْخِيرِ النَّهارِ لِلْعَمَلِ، واللَّيْلِ لِلسُّكُونِ، وتَسْخِيرِ اللَّيْلِ لِلسَّيْرِ في الصَّيْفِ، والشَّمْسِ لِلدِّفْءِ في الشِّتاءِ، والظِّلِّ لِلتَّبَرُّدِ في الصَّيْفِ، وتَسْخِيرِ الشَّجَرِ لِلْأكْلِ مِن ثِمارِهِ حَيْثُ خُلِقَ مُجَرَّدًا عَنْ مَوانِعَ تَمْنَعُ (p-١٦٩)مِنِ اجْتِنائِهِ مِثْلَ الشَّوْكِ الشَّدِيدِ، فالأسَدُ غَيْرُ مُسَخَّرٍ بِهَذا المَعْنى ولَكِنَّهُ بِحَيْثُ يُسَخَّرُ إذا شاءَ الإنْسانُ الِانْتِفاعَ بِلَحْمِهِ أوْ جِلْدِهِ بِحِيلَةٍ لِصَيْدِهِ بِزُبْيَةٍ أوْ نَحْوِها، ولِذَلِكَ قالَ اللَّهُ تَعالى وسَخَّرَ لَكم ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ جَمِيعًا مِنهُ بِاعْتِبارِ هَذا المَجازِ عَلى تَفاوُتٍ في قُوَّةِ العَلاقَةِ. فَقَوْلُهُ والشَّمْسَ والقَمَرَ والنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأمْرِهِ أُطْلِقَ التَّسْخِيرُ فِيهِ مَجازًا عَلى جَعْلِها خاضِعَةً لِلنِّظامِ الَّذِي خَلَقَها اللَّهُ عَلَيْهِ بِدُونِ تَغْيِيرٍ، مَعَ أنَّ شَأْنَ عِظَمِها أنْ لا يَسْتَطِيعَ غَيْرُهُ تَعالى وضْعَها عَلى نِظامٍ مَحْدُودٍ مُنْضَبِطٍ.
ولَفْظُ الأمْرِ في قَوْلِهِ: (بِأمْرِهِ) مُسْتَعْمَلٌ مَجازًا في التَّصْرِيفِ بِحَسْبِ القُدْرَةِ الجارِيَةِ عَلى وفْقِ الإرادَةِ، ومِنهُ أمْرُ التَّكْوِينِ المُعَبَّرُ عَنْهُ في القُرْآنِ بِقَوْلِهِ إنَّما أمْرُهُ إذا أرادَ شَيْئًا أنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ لِأنَّ كُنْ تَقْرِيبٌ لِنَفاذِ القُدْرَةِ المُسَمّى بِالتَّعَلُّقِ التَّسْخِيرِيِّ عِنْدَ تَعَلُّقِ الإرادَةِ التَّنْجِيزِيِّ أيْضًا فالأمْرُ هُنا مِن ذَلِكَ، وهو تَصْرِيفُ نِظامِ المَوْجُوداتِ كُلِّها.
وجُمْلَةُ ألا لَهُ الخَلْقُ والأمْرُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافَ التَّذْيِيلِ لِلْكَلامِ السّابِقِ مِن قَوْلِهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ لِإفادَةِ تَعْمِيمِ الخَلْقِ. والتَّقْدِيرُ: لِما ذُكِرَ آنِفًا ولِغَيْرِهِ. فالخَلْقُ: إيجادُ المَوْجُوداتِ، والأمْرُ تَسْخِيرُها لِلْعَمَلِ الَّذِي خُلِقَتْ لِأجْلِهِ.
وافْتُتِحَتِ الجُمْلَةُ بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ لِتَعِيَ نُفُوسُ السّامِعِينَ هَذا الكَلامَ الجامِعَ.
واللّامُ الجارَّةُ لِضَمِيرِ الجَلالَةِ لامُ المِلْكِ. وتَقْدِيمُ المُسْنَدِ هُنا لِتَخْصِيصِهِ بِالمُسْنِدِ إلَيْهِ.
والتَّعْرِيفُ في الخَلْقِ والأمْرِ تَعْرِيفُ الجِنْسِ، فَتُفِيدُ الجُمْلَةُ قَصْرَ جِنْسِ الخَلْقِ وجِنْسِ الأمْرِ عَلى الكَوْنِ في مُلْكِ اللَّهِ تَعالى، فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ شَيْءٌ مِن هَذا الجِنْسِ، وهو قَصْرٌ إضافِيٌّ مَعْناهُ: لَيْسَ لِآلِهَتِهِمْ شَيْءٌ مِنَ الخَلْقِ ولا مِنَ الأمْرِ، وأمّا قَصْرُ الجِنْسِ في الواقِعِ عَلى الكَوْنِ في مُلْكِ اللَّهِ تَعالى فَلِذَلِكَ يُرْجَعُ فِيهِ إلى القَرائِنِ، فالخَلْقُ مَقْصُورٌ حَقِيقَةً عَلى الكَوْنِ في مُلْكِهِ تَعالى، وأمّا الأمْرُ (p-١٧٠)فَهُوَ مَقْصُورٌ عَلى الكَوْنِ في مُلْكِ اللَّهِ قَصْرًا ادِّعائِيًّا لِأنَّ لِكَثِيرٍ مِنَ المَوْجُوداتِ تَدْبِيرَ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، ولَكِنْ لَمّا كانَ المُدَبِّرُ مَخْلُوقًا لِلَّهِ تَعالى كانَ تَدْبِيرُهُ راجِعًا إلى تَدْبِيرِ اللَّهِ كَما قِيلَ في قِصَرِ جِنْسِ الحَمْدِ في قَوْلِهِ الحَمْدُ لِلَّهِ.
وجُمْلَةُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ العالَمِينَ تَذْيِيلٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ وجُمْلَةِ ادْعُوا رَبَّكم تَضَرُّعًا وخُفْيَةً إذْ قَدْ تَهَيَّأ المَقامُ لِلتَّذْكِيرِ بِفَضْلِ اللَّهِ عَلى النّاسِ، وبِنافِعِ تَصَرُّفاتِهِ، عَقِبَ ما أجْرى مِن إخْبارٍ عَنْ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ وسِعَةِ عِلْمِهِ وإتْقانِ صُنْعِهِ.
وفِعْلُ (تَبارَكَ) في صُورَةِ اشْتِقاقِهِ يُؤْذِنُ بِإظْهارِ الوَصْفِ عَلى صاحِبِهِ المُتَّصِفِ بِهِ مِثْلُ: تَثاقَلَ، أظْهَرَ الثِّقَلَ في العَمَلِ، وتَعالَلَ، أيْ أظْهَرَ العِلَّةَ، وتَعاظَمَ: أظْهَرَ العَظَمَةَ، وقَدْ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنى ظُهُورِ الفِعْلِ عَلى المُتَّصِفِ بِهِ ظُهُورًا بَيِّنًا حَتّى كَأنَّ صاحِبَهُ يُظْهِرُهُ، ومِنهُ تَعالى اللَّهُ أيْ ظَهَرَ عُلُوُّهُ، أيْ شَرَفُهُ عَلى المَوْجُوداتِ كُلِّها، ومِنهُ تَبارَكَ، أيْ ظَهَرَتْ بَرَكَتُهُ.
والبَرَكَةُ: شِدَّةُ الخَيْرِ، وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلَيْها عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى إنَّ أوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لِلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكًا في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ، وقَوْلِهِ وهَذا كِتابٌ أنْزَلْناهُ مُبارَكٌ في سُورَةِ الأنْعامِ. فَبَرَكَةُ اللَّهِ المَوْصُوفُ بِها هي مَجْدُهُ ونَزاهَتُهُ وقُدْسُهُ، وذَلِكَ جامِعٌ صِفاتِ الكَمالِ، ومِن ذَلِكَ أنَّ لَهُ الخَلْقَ والأمْرَ.
واتْباعُ اسْمِ الجَلالَةِ بِالوَصْفِ وهو رَبُّ العالَمِينَ في مَعْنى البَيانِ لِاسْتِحْقاقِهِ البَرَكَةِ والمَجْدِ، لِأنَّهُ مُفِيضُ خَيْراتِ الإيجادِ والإمْدادِ، ومُدَبِّرُ أحْوالِ المَوْجُوداتِ، بِوَصْفِ كَوْنِهِ رَبَّ أنْواعِ المَخْلُوقاتِ، ومَضى الكَلامُ عَلى العالَمِينَ في سُورَةِ الفاتِحَةِ.
{"ayah":"إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامࣲ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ یُغۡشِی ٱلَّیۡلَ ٱلنَّهَارَ یَطۡلُبُهُۥ حَثِیثࣰا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَ ٰتِۭ بِأَمۡرِهِۦۤۗ أَلَا لَهُ ٱلۡخَلۡقُ وَٱلۡأَمۡرُۗ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق