الباحث القرآني
﴿فَمَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ كَذِبًا أوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولَئِكَ يَنالُهم نَصِيبُهم مِنَ الكِتابِ حَتّى إذا جاءَتْهم رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهم قالُوا أيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنّا وشَهِدُوا عَلى أنْفُسِهِمُ أنَّهم كانُوا كافِرِينَ﴾ ﴿قالَ ادْخُلُوا في أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكم مِنَ الجِنِّ والإنْسِ في النّارِ﴾ [الأعراف: ٣٨]
الفاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَلى جُمْلَةِ الكَلامِ السّابِقِ، وهَذِهِ كالفَذْلَكَةِ لِما تَقَدَّمَ لِتُبَيِّنَ أنَّ صِفاتِ الضَّلالِ، الَّتِي أُبْهِمَ أصْحابُها، هي حافَّةٌ بِالمُشْرِكِينَ المُكَذِّبِينَ (p-١١٢)بِرِسالَةِ مُحَمَّدٍ - - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - فَإنَّ اللَّهَ ذَكَرَ أوْلِياءَ الشَّياطِينِ وبَعْضَ صِفاتِهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿إنّا جَعَلْنا الشَّياطِينَ أوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ٢٧] وذَكَرَ أنَّ اللَّهَ عَهِدَ لِبَنِي آدَمَ مُنْذُ القِدَمِ بِأنْ يَتَّبِعُوا مَن يَجِيئُهم مِنَ الرُّسُلِ عَنِ اللَّهِ تَعالى بِآياتِهِ لِيَتَّقُوا ويُصْلِحُوا، ووَعَدَهم عَلى اتِّباعِ ما جاءَهم بِنَفْيِ الخَوْفِ والحُزْنِ وأوْعَدَهم عَلى التَّكْذِيبِ والِاسْتِكْبارِ بِأنْ يَكُونُوا أصْحابَ النّارِ، فَقَدْ أعْذَرَ إلَيْهِمْ وبَصَّرَهم بِالعَواقِبِ، فَتَفَرَّعَ عَلى ذَلِكَ: أنَّ مَن كَذَبَ عَلى اللَّهِ فَزَعَمَ أنَّ اللَّهَ أمَرَهُ بِالفَواحِشِ، أوْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ الَّتِي جاءَ بِها رَسُولُهُ، فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ظُلْمًا عَظِيمًا، حَتّى يُسْألَ عَمَّنْ هو أظْلَمُ مِنهُ.
ولَكَ أنْ تَجْعَلَ جُمْلَةَ: فَمَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى إلَخْ مُعْتَرِضَةً بَيْنَ جُمْلَةِ: (﴿أُولَئِكَ أصْحابُ النّارِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ [الأعراف: ٣٦]) وجُمْلَةِ: ﴿أُولَئِكَ يَنالُهم نَصِيبُهم مِنَ الكِتابِ﴾ كَما سَيَأْتِي في مَوْقِعِ هَذِهِ الأخِيرَةِ، وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى تَرْكِيبِ: ”مَن أظْلَمُ مِمَّنْ“ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ومَن أظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أنْ يُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ﴾ [البقرة: ١١٤] في سُورَةِ البَقَرَةِ، وأنَّ الاسْتِفْهامَ لِلْإنْكارِ، أيْ لا أحَدَ أظْلَمُ.
والِافْتِراءُ والكَذِبُ تَقَدَّمَ القَوْلُ فِيهِما عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلى اللَّهِ الكَذِبَ﴾ [المائدة: ١٠٣] في سُورَةِ العُقُودِ. ولِهَذِهِ الآيَةِ اتِّصالٌ بِآيَةِ: ﴿وكَمْ مِن قَرْيَةٍ أهْلَكْناها﴾ [الأعراف: ٤] مِن حَيْثُ ما فِيها مِنَ التَّهْدِيدِ بِوَعِيدِ عَذابِ الآخِرَةِ وتَفْظِيعِ أهْوالِهِ.
و(مَن) اسْتِفْهامٌ إنْكارِيٌّ مُسْتَعْمَلٌ في تَهْوِيلِ ظُلْمِ هَذا الفَرِيقِ، المُعَبَّرِ عَنْهُ بِـ (﴿مَنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ كَذِبًا﴾) . و(مَنِ) الثّانِيَةُ مَوْصُولَةٌ، وهي عامَّةٌ لِكُلِّ مَن تَتَحَقَّقَ فِيهِ الصِّلَةُ، وإنَّما كانُوا أظْلَمَ النّاسِ ولَمْ يَكُنْ أظْلَمُ مِنهم، لِأنَّ الظُّلْمَ اعْتِداءٌ عَلى حَقٍّ، وأعْظَمُ الحُقُوقِ هي حُقُوقُ اللَّهِ تَعالى، وأعْظَمُ الِاعْتِداءِ عَلى حَقِّ اللَّهِ الِاعْتِداءُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِخْفافِ بِصاحِبِهِ العَظِيمِ، وذَلِكَ بِأنْ يُكَذِّبَ بِما جاءَهُ مِن قِبَلِهِ، أوْ بِأنْ يَكْذِبَ عَلَيْهِ فَيُبَلِّغُ عَنْهُ ما لَمْ يَأْمُرْ بِهِ فَإنْ جَمَعَ بَيْنَ الأمْرَيْنِ فَقَدْ عَطَّلَ مُرادَ اللَّهِ تَعالى مِن جِهَتَيْنِ: جِهَةِ إبْطالِ ما يَدُلُّ عَلى مُرادِهِ، وجِهَةِ إيهامِ النّاسِ بِأنَّ اللَّهَ أرادَ مِنهم ما لا يُرِيدُهُ اللَّهُ.
(p-١١٣)والمُرادُ بِهَذا الفَرِيقِ: هُمُ المُشْرِكُونَ مِنَ العَرَبِ، فَإنَّهم كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ الَّتِي جاءَ بِها مُحَمَّدٌ ﷺ، وافْتَرَوْا عَلى اللَّهِ الكَذِبَ فِيما زَعَمُوا أنَّ اللَّهَ أمَرَهم بِهِ مِنَ الفَواحِشِ، كَما تَقَدَّمَ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: وإذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وجَدْنا عَلَيْها آباءَنا.
و(أوْ) ظاهِرُها التَّقْسِيمُ فَيَكُونُ الأظْلَمُ وهُمُ المُشْرِكُونَ فَرِيقَيْنِ: فَرِيقٌ افْتَرَوْا عَلى اللَّهِ الكَذِبَ، وهم سادَةُ أهْلِ الشِّرْكِ وكُبَراؤُهم، الَّذِينَ شَرَعُوا لَهم مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ، ونَسَبُوهُ إلى اللَّهِ وهم يَعْلَمُونَ، مِثْلُ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ، وأبِي كَبْشَةَ، ومَن جاءَ بَعْدَهُما، وأكْثَرُ هَذا الفَرِيقِ قَدِ انْقَرَضُوا في وقْتِ نُزُولِ الآيَةِ، وفَرِيقٌ كَذَّبُوا بِآياتٍ ولَمْ يَفْتَرُوا عَلى اللَّهِ وهم عامَّةُ المُشْرِكِينَ، مِن أهْلِ مَكَّةَ وما حَوْلَها، وعَلى هَذا فَكُلُّ واحِدٍ مِنَ الفَرِيقَيْنِ لا أظْلَمَ مِنهُ، لِأنَّ الفَرِيقَ الآخَرَ مُساوٍ لَهُ في الظُّلْمِ ولَيْسَ أظْلَمَ مِنهُ، فَأمّا مَن جَمَعَ بَيْنَ الأمْرَيْنِ مِمَّنْ لَعَلَّهم أنْ يَكُونُوا قَدْ شَرَعُوا لِلْمُشْرِكِينَ أُمُورًا مِنَ الضَّلالاتِ، وكَذَّبُوا مُحَمَّدًا ﷺ، فَهم أشَدُّ ظُلْمًا، ولَكِنَّهم لَمّا كانُوا لا يَخْلُونَ عَنِ الِانْتِسابِ إلى كِلا الفَرِيقَيْنِ وجامِعِينَ لِلْخَصْلَتَيْنِ لَمْ يَخْرُجُوا مِن كَوْنِهِمْ مِنَ الفَرِيقِ الَّذِينَ هم أظْلَمُ النّاسِ، وهَذا كَقَوْلِهِ: ﴿ومَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ كَذِبًا أوْ قالَ أُوحِيَ إلَيَّ ولَمْ يُوحَ إلَيْهِ شَيْءٌ ومَن قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أنْزَلَ الله﴾ [الأنعام: ٩٣] . فَلا شَكَّ أنَّ الجامِعَ بَيْنَ الخِصالِ الثَّلاثِ هو أظْلَمُ مِن كُلِّ مَنِ انْفَرَدَ بِخَصْلَةٍ مِنها، وذَلِكَ يُوجِبُ لَهُ زِيادَةً في الأظْلَمِيَّةِ، لِأنَّ كُلَّ شِدَّةِ وصْفٍ قابِلَةٌ لِلزِّيادَةِ.
ولَكَ أنْ تَجْعَلَ (أوْ) بِمَعْنى الواوِ، فَيَكُونُ المَوْصُوفُ بِأنَّهُ أظْلَمُ النّاسِ هو مَنِ اتَّصَفَ بِالأمْرَيْنِ الكَذِبِ والتَّكْذِيبِ، ويَكُونُ صادِقًا عَلى المُشْرِكِينَ لِأنَّ جَماعَتَهم لا تَخْلُو عَنْ ذَلِكَ.
جِيءَ بِاسْمِ الإشارَةِ في قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ يَنالُهم نَصِيبُهم مِنَ الكِتابِ﴾ لِيَدُلَّ عَلى أنَّ المُشارَ إلَيْهِمْ أحْرِياءُ بِأنْ يُصِيبَهُمُ العَذابُ بِناءً عَلى ما دَلَّ عَلَيْهِ التَّفْرِيعُ بِالفاءِ.
(p-١١٤)وجُمْلَةُ ﴿أُولَئِكَ يَنالُهم نَصِيبُهم مِنَ الكِتابِ﴾ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا ناشِئًا عَنْ الِاسْتِفْهامِ في قَوْلِهِ: ﴿فَمَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ كَذِبًا﴾ الآيَةَ، لِأنَّ التَّهْوِيلَ المُسْتَفادَ مِنَ الِاسْتِفْهامِ يَسْتَرْعِي السّامِعَ أنْ يَسْألَ عَمّا سَيُلاقُونَهُ مِنَ اللَّهِ الَّذِي افْتَرَوْا عَلَيْهِ وكَذَّبُوا بِآياتِهِ.
ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ جُمْلَةُ: (﴿أُولَئِكَ يَنالُهم نَصِيبُهُمْ﴾) عَطْفَ بَيانٍ لِجُمْلَةِ: (﴿أُولَئِكَ أصْحابُ النّارِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ [الأعراف: ٣٦]) أيْ خالِدُونَ الخُلُودَ الَّذِي هو نَصِيبُهم مِنَ الكِتابِ.
وتَكْمِلَةُ هَذِهِ الجُمْلَةِ هي جُمْلَةُ: ﴿حَتّى إذا جاءَتْهم رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ﴾ ”الآيَةَ كَما سَيَأْتِي.
ومادَّةُ النَّيْلِ والنَّوالِ ورَدَتْ واوِيَّةَ العَيْنِ ويائِيَّةَ العَيْنِ مُخْتَلِطَتَيْنِ في دَواوِينِ اللُّغَةِ، غَيْرَ مُفْصِحَةٍ عَنْ تَوْزِيعِ مَواقِعِ اسْتِعْمالِها بَيْنَ الواوِيِّ واليائِيِّ، ويَظْهَرُ أنَّ أكْثَرَ مَعانِي المادَّتَيْنِ مُتَرادِفَةٌ وأنَّ ذَلِكَ نَشَأ مِنَ القَلْبِ في بَعْضِ التَّصارِيفِ أوْ مِن تَداخُلِ اللُّغاتِ، وتَقُولُ نُلْتُ - بِضَمِّ النُّونِ - مِن نالَ يَنُولُ، وتَقُولُ نِلْتُ - بِكَسْرِ النُّونِ - مِن نالَ يُنِيلُ، وأصْلُ النَّيْلِ إصابَةُ الإنْسانِ شَيْئًا لِنَفْسِهِ بِيَدِهِ، ونَوَّلَهُ أعْطاهُ فَنالَ، فالأصْلُ أنْ تَقُولَ نالَ فُلانٌ كَسْبًا، وقَدْ جاءَ هُنا بِعَكْسِ ذَلِكَ لِأنَّ النَّصِيبَ مِنَ الكِتابِ هو أمْرٌ مَعْنَوِيٌّ، فَمُقْتَضى الظّاهِرِ أنْ يَكُونَ النَّصِيبُ مُنَوَّلًا لا نائِلًا، لِأنَّ النَّصِيبَ لا يُحَصِّلُ الَّذِينَ افْتَرَوْا عَلى اللَّهِ كَذِبًا، بَلْ بِالعَكْسِ: الَّذِينَ افْتَرَوْا يُحَصِّلُونَهُ، وقَدْ جاءَ ذَلِكَ في آياتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها ولا دِماؤُها﴾ [الحج: ٣٧] وقَوْلِهِ ﴿سَيَنالُهم غَضَبٌ مِن رَبِّهِمْ﴾ [الأعراف: ١٥٢]، فَتَعَيَّنَ أنْ يَكُونَ هَذا إمّا مَجازًا مُرْسَلًا في مَعْنى مُطْلَقِ الإصابَةِ، وإمّا أنْ يَكُونَ اسْتِعارَةً مَبْنِيَّةً عَلى عَكْسِ التَّشْبِيهِ بِأنْ شَبَّهَ النَّصِيبَ بِشَخْصٍ طالِبٍ طَلِبَةً فَنالَها، وإنَّما يُصارُ إلى هَذا لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ الَّذِي يَنالُهم شَيْءٌ يَكْرَهُونَهُ، وهو يَطْلُبُهم وهم يَفِرُّونَ مِنهُ، كَما يَطْلُبُ العَدُوُّ عَدُوَّهُ، فَقَدْ صارَ النَّصِيبُ مِنَ الكِتابِ كَأنَّهُ يَطْلُبُ أنْ يُحَصِّلَ الفَرِيقَ (p-١١٥)الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمْ ويُصادِفَهم، وهو قَرِيبٌ مِنَ القَلْبِ المَبْنِيِّ عَلى عَكْسِ التَّشْبِيهِ في قَوْلِ رُؤْبَةَ:
؎ومَهْمَهٍ مُغْبَرَّةٍ أرْجَـاؤُهُ كَأنَّ لَوْنَ أرْضِهِ سَماؤُهُ
وقَوْلِهِمْ: عَرَضْتُ النّاقَةَ عَلى الحَوْضِ.
والنَّصِيبُ: الحَظُّ الصّائِرُ لِأحَدِ المُتَقاسِمِينَ مِنَ الشَّيْءِ المَقْسُومِ. وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ لَهم نَصِيبٌ مِمّا كَسَبُوا﴾ [البقرة: ٢٠٢] في سُورَةِ البَقَرَةِ، وقَوْلِهِ: ﴿لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ﴾ [النساء: ٧] في سُورَةِ النِّساءِ.
والمُرادُ بِالكِتابِ ما تَضَمَّنَهُ الكِتابُ، فَإنْ كانَ الكِتابُ مُسْتَعْمَلًا حَقِيقَةً فَهو القُرْآنُ، ونَصِيبُهم مِنهُ هو نَصِيبُهم مِن وعِيدِهِ، مِثْلُ قَوْلِهِ تَعالى آنِفًا: ﴿والَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا واسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولَئِكَ أصْحابُ النّارِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ [الأعراف: ٣٦]، وإنْ كانَ الكِتابُ مَجازًا في الأمْرِ الَّذِي قَضاهُ اللَّهُ وقَدَّرَهُ، عَلى حَدِّ قَوْلِهِ: ﴿لِكُلِّ أجَلٍ كِتابٌ﴾ [الرعد: ٣٨] أيِ الكِتابُ الثّابِتُ في عِلْمِ اللَّهِ مِن إحْقاقِ كَلِمَةِ العَذابِ عَلَيْهِمْ، فَنَصِيبُهم مِنهُ هو ما أخْبَرَ اللَّهُ بِأنَّهُ قَدَّرَهُ لَهم مِنَ الخُلُودِ في العَذابِ عَلَيْهِمْ، وأنَّهُ لا يَغْفِرُ لَهم، ويَشْمَلُ ذَلِكَ ما سَبَقَ تَقْدِيرُهُ لَهم مِنَ الإمْهالِ وذَلِكَ هو تَأْجِيلُهم إلى أجَلٍ أرادَهُ ثُمَّ اسْتِئْصالُهم بَعْدَهُ كَما أخْبَرَ عَنْ ذَلِكَ آنِفًا بِقَوْلِهِ: ﴿ولِكُلِّ أُمَّةٍ أجَلٌ فَإذا جاءَ أجَلُهم لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً ولا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٤] . وحَمَلَ كَثِيرٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ النَّصِيبَ عَلى ما يَنالُهم مِنَ الرِّزْقِ والإمْهالِ في الدُّنْيا قَبْلَ نُزُولِ العَذابِ بِهِمْ وهو بَعِيدٌ مِن مَعْنى الفاءِ في قَوْلِهِ: (﴿فَمَن أظْلَمُ﴾) ولا أحْسَبُ الحادِيَ لَهم عَلى ذَلِكَ إلّا لِيَكُونَ نَوالُ النَّصِيبِ حاصِلًا في مُدَّةٍ مُمْتَدَّةٍ لِيَكُونَ مَجِيءُ المَلائِكَةِ لِتَوَفِّيهِمْ غايَةً لِانْتِهاءِ ذَلِكَ النَّصِيبِ، اسْتِبْقاءً لِمَعْنى الغايَةِ الحَقِيقِيَّةِ في حَتّى. وذَلِكَ غَيْرُ مُلْتَزَمٍ، فَإنَّ حَتّى الِابْتِدائِيَّةَ لا تُفِيدُ مِنَ الغايَةِ ما تُفِيدُهُ العاطِفَةُ كَما سَنَذْكُرُهُ.
والمَعْنى: إمّا أنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنَ المُشْرِكِينَ سَيُصِيبُهُ ما تَوَعَّدَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الوَعِيدِ عَلى قَدْرِ عُتُوِّهِ في تَكْذِيبِهِ وإعْراضِهِ، فَنَصِيبُهُ هو ما يُناسِبُ حالَهُ (p-١١٦)عِنْدَ اللَّهِ مِن مِقْدارِ عَذابِهِ، وإمّا أنَّ مَجْمُوعَ المُشْرِكِينَ سَيُصِيبُهم ما قُدِّرَ لِأمْثالِهِمْ مِنَ الأُمَمِ المُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ المُعْرِضِينَ عَنِ الآياتِ مِن عَذابِ الدُّنْيا، فَلا يَغُرَنَّهم تَأْخِيرُ ذَلِكَ لِأنَّهُ مُصِيبُهم لا مَحالَةَ عِنْدَ حُلُولِ أجَلِهِ، فَنَصِيبُهم هو صِفَةُ عَذابِهِمْ مِن بَيْنِ صِفاتِ العَذابِ الَّتِي عُذِّبَتْ بِها الأُمَمُ.
وجُمْلَةُ: ﴿حَتّى إذا جاءَتْهم رُسُلُنا﴾ تَفْصِيلٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ يَنالُهم نَصِيبُهم مِنَ الكِتابِ. فالوَقْتُ الَّذِي أفادَهُ قَوْلُهُ: ﴿إذا جاءَتْهم رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ﴾ هو مَبْدَأُ وصْفِ نَصِيبِهِمْ مِنَ الكِتابِ حِينَ يَنْقَطِعُ عَنْهُمُ الإمْهالُ الَّذِي لَقُوهُ في الدُّنْيا.
و(حَتّى) ابْتِدائِيَّةٌ لِأنَّ الواقِعَ بَعْدَها جُمْلَةٌ فَتُفِيدُ السَّبَبِيَّةَ، فالمَعْنى: فَـ إذا جاءَتْهم رُسُلُنا إلَخْ، وحَتّى الِابْتِدائِيَّةُ لَها صَدْرُ الكَلامِ فالغايَةُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَيْها هي غايَةُ ما يُخْبِرُ بِهِ المُخْبِرُ، ولَيْسَتْ غايَةَ ما يَبْلُغُ إلَيْهِ المَعْطُوفُ عَلَيْهِ بِحَتّى، لِأنَّ ذَلِكَ إنَّما يُلْتَزَمُ إذا كانَتْ حَتّى عاطِفَةً، ولا تُفِيدُ إلّا السَّبَبِيَّةَ كَما قالَ ابْنُ الحاجِبِ فَهي لا تُفِيدُ أكْثَرَ مِن تَسَبُّبِ ما قَبْلَها فِيما بَعْدَها، قالَ الرَّضِيُّ؛ قالَ المُصَنِّفُ: وإنَّما وجَبَ مَعَ الرَّفْعِ السَّبَبِيَّةُ لِأنَّ الِاتِّصالَ اللَّفْظِيَّ لَمّا زالَ بِسَبَبِ الِاسْتِئْنافِ شُرِطَ السَّبَبِيَّةُ الَّتِي هي مُوجِبَةٌ لِلِاتِّصالِ المَعْنَوِيِّ، جَبْرًا لِما فاتَ مِنَ الِاتِّصالِ اللَّفْظِيِّ، قالَ عَمْرُو بْنُ شَأْسٍ:
؎نَذُودُ المُلُوكَ عَنْـكُـمُ وتَـذُودُنَـا ∗∗∗ ولا صُلْحَ حَتّى تَضْبَعُونَ ونَضْبَعا
وقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ هَذا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتّى إذا جاءَتْهُمُ السّاعَةُ﴾ [الأنعام: ٣١] في سُورَةِ الأنْعامِ وحَتّى الِابْتِدائِيَّةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ مَضْمُونَ الكَلامِ الَّذِي بَعْدَها أهَمُّ بِالِاعْتِناءِ لِلْإلْقاءِ عِنْدَ المُتَكَلِّمِ لِأنَّهُ أجْدى في الغَرَضِ المَسُوقِ لَهُ الكَلامُ، وهَذا الكَلامُ الواقِعُ هُنا بَعْدَ حَتّى فِيهِ تَهْوِيلُ ما يُصِيبُهم عِنْدَ قَبْضِ أرْواحِهِمْ، وهو أدْخَلُ في تَهْدِيدِهِمْ وتَرْوِيعِهِمْ ومَوْعِظَتِهِمْ، مِنَ الوَعِيدِ المُتَعارَفِ، وقَدْ هَدَّدَ القُرْآنُ المُشْرِكِينَ (p-١١٧)بِشَدائِدِ المَوْتِ عَلَيْهِمْ في آياتٍ كَثِيرَةٍ لِأنَّهم كانُوا يَرْهَبُونَهُ، والرُّسُلُ: هُمُ المَلائِكَةُ قالَ تَعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفّاكم مَلَكُ المَوْتِ﴾ [السجدة: ١١] وقالَ ﴿ولَوْ تَرى إذْ يَتَوَفّى الَّذِينَ كَفَرُوا المَلائِكَةُ﴾ [الأنفال: ٥٠] .
وجُمْلَةُ: (يَتَوَفَّوْنَهم) في مَوْضِعِ الحالِ مِن رُسُلِنا وهي حالٌ مُعَلِّلَةٌ لِعامِلِها، كَقَوْلِهِ: ﴿ولَكِنِّي رَسُولٌ مِن رَبِّ العالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٦١] ﴿أُبَلِّغُكم رِسالاتِ رَبِّي وأنْصَحُ لَكُمْ﴾ [الأعراف: ٦٢] أيْ رَسُولٌ لِأُبَلِّغَكم ولِأنْصَحَ لَكم.
والتَّوَفِّي نَزْعُ الرُّوحِ مِنَ الجَسَدِ، وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ [آل عمران: ٥٥] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ وهو المُرادُ هُنا، ولا جَدْوى في حَمْلِهِ عَلى غَيْرِ هَذا المَعْنى، مِمّا تَرَدَّدَ فِيهِ المُفَسِّرُونَ، إلّا أنَّ المُحافَظَةَ عَلى مَعْنى الغايَةِ لِحَرْفِ (حَتّى) فَتَوَفِّي الرُّسُلِ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنهُ وقْتَ أنْ يَتَوَفَّوْهم جَمِيعًا، إنْ كانَ المُرادُ بِالنَّصِيبِ مِنَ الكِتابِ الِاسْتِئْصالَ، أيْ حِينَ تُبْعَثُ طَوائِفُ المَلائِكَةِ لِإهْلاكِ جَمِيعِ أُمَّةِ الشِّرْكِ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ حِينَ يَتَوَفَّوْنَ آحادَهم في أوْقاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ إنْ كانَ المُرادُ بِالنَّصِيبِ مِنَ الكِتابِ وعِيدَ العَذابِ، وعَلى الوَجْهَيْنِ فالقَوْلُ مَحْكِيٌّ عَلى وجْهِ الجَمْعِ والمُرادُ مِنهُ التَّوْزِيعُ أيْ قالَ كُلُّ مَلَكٍ لِمَن وُكِّلَ بِتَوَفِّيهِ، عَلى طَرِيقَةِ: رَكِبَ القَوْمُ دَوابَّهم. وقَدْ حُكِيَ كَلامُ الرُّسُلِ مَعَهم وجَوابُهم إيّاهم بِصِيغَةِ الماضِي عَلى طَرِيقَةِ المُحاوَرَةِ، لِأنَّ وُجُودَ ظَرْفِ المُسْتَقْبَلِ قَرِينَةٌ عَلى المُرادِ.
والِاسْتِفْهامُ في قَوْلِهِ: ﴿أيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ مُسْتَعْمَلٌ في التَّهَكُّمِ والتَّأْيِيسِ.
و(ما) الواقِعَةُ بَعْدَ أيْنَ مَوْصُولَةٌ، يَعْنِي: أيْنَ آلِهَتُكُمُ الَّتِي كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أنَّهم يَنْفَعُونَكم عِنْدَ الشَّدائِدِ ويَرُدُّونَ عَنْكُمُ العَذابَ فَإنَّهم لَمْ يَحْضُرُوكم، وذَلِكَ حِينَ يَشْهَدُونَ العَذابَ عِنْدَ قَبْضِ أرْواحِهِمْ، فَقَدْ جاءَ (p-١١٨)فِي حَدِيثِ المُوَطَّأِ: «أنَّ المَيِّتَ يَرى مَقْعَدَهُ بِالغَداةِ والعَشِيِّ إنْ كانَ مِن أهْلِ الجَنَّةِ فَمِن أهْلِ الجَنَّةِ، وإنْ كانَ مِن أهْلِ النّارِ يُقالُ لَهُ هَذا مَقْعَدُكَ حَتّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ» .
وهَذا خِطابٌ لِلْأرْواحِ الَّتِي بِها الإدْراكُ وهو قَبْلَ فِتْنَةِ القَبْرِ.
وقَوْلُهم: ضَلُّوا عَنّا أيْ أتْلَفُوا مَواقِعَنا وأضاعُونا فَلَمْ يَحْضُرُوا، وهَذا يَقْتَضِي أنَّهم لَمّا يَعْلَمُوا أنَّهم لا يُغْنُونَ عَنْهم شَيْئًا مِنَ النَّفْعِ، فَظَنُّوا أنَّهم أذْهَبَهَمْ ما أذْهَبَهم وأبْعَدَهم عَنْهم ما أبْعَدَهم، ولَمْ يَعْلَمُوا سَبَبَهُ، لِأنَّ ذَلِكَ إنَّما يَتَبَيَّنُ لَهم يَوْمَ الحَشْرِ حِينَ يَرَوْنَ إهانَةَ أصْنامِهِمْ وتَعْذِيبَ كُبَرائِهِمْ، ولِذَلِكَ لَمْ يُنْكِرُوا في جَوابِهِمْ أنَّهم كانُوا يَدْعُونَهم مِن دُونِ اللَّهِ بِخِلافِ ما حُكِيَ عَنْهم في يَوْمِ الحَشْرِ مِن قَوْلِهِمْ: ﴿واللَّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٢٣] . ولِذَلِكَ قالَ هُنا: ﴿وشَهِدُوا عَلى أنْفُسِهِمُ أنَّهم كانُوا كافِرِينَ﴾، وقالَ في الأُخْرى: ﴿انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أنْفُسِهِمْ﴾ [الأنعام: ٢٤] .
والشَّهادَةُ هُنا شَهادَةٌ ضِمْنِيَّةٌ لِأنَّهم لَمّا لَمْ يَنْفُوا أنْ يَكُونُوا يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وأجابُوا بِأنَّهم ضَلُّوا عَنْهم قَدِ اعْتَرَفُوا بِأنَّهم عَبَدُوهم.
فَأمّا قَوْلُهُ: ﴿قالَ ادْخُلُوا في أُمَمٍ﴾ [الأعراف: ٣٨]“ فَهَذا قَوْلٌ آخَرُ، لَيْسَ هو مِنَ المُحاوَرَةِ السّابِقَةِ، لِأنَّهُ جاءَ بِصِيغَةِ الإفْرادِ، والأقْوالُ قَبْلَهُ مُسْنَدَةٌ إلى ضَمائِرِ الجَمْعِ، فَتَعَيَّنَ أنَّ ضَمِيرَ (قالَ) عائِدٌ إلى اللَّهِ تَعالى بِقَرِينَةِ المَقامِ، لِأنَّ مِثْلَ هَذا القَوْلِ لا يَصْدُرُ مِن أحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ تَعالى، فَهو اسْتِئْنافُ كَلامٍ نَشَأ بِمُناسَبَةِ حِكايَةِ حالِ المُشْرِكِينَ حِينَ أوَّلِ قُدُومِهِمْ عَلى الحَياةِ الآخِرَةِ، وهي حالَةُ وفاةِ الواحِدِ مِنهم فَيَكُونُ خِطابًا صَدَرَ مِنَ اللَّهِ إلَيْهِمْ بِواسِطَةِ أحَدِ مَلائِكَتِهِ، أوْ بِكَلامٍ سَمِعُوهُ وعَلِمُوا أنَّهُ مِن قِبَلِ اللَّهِ تَعالى بِحَيْثُ يُوقِنُونَ مِنهُ أنَّهم داخِلُونَ إلى النّارِ، فَيَكُونُ هَذا مِن أشَدِّ ما يَرَوْنَ فِيهِ مَقْعَدَهم مِنَ النّارِ عُقُوبَةً خاصَّةً بِهِمْ.
والأمْرُ مُسْتَعْمَلٌ لِلْوَعِيدِ فَيَتَأخَّرُ تَنْجِيزُهُ إلى يَوْمِ القِيامَةِ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَحْكِيُّ بِهِ ما يَصْدُرُ مِنَ اللَّهِ تَعالى يَوْمَ القِيامَةِ مِن حُكْمٍ عَلَيْهِمْ بِدُخُولِ النّارِ مَعَ الأُمَمِ السّابِقَةِ، فَذَكَرَ عَقِبَ حِكايَةِ حالِ قَبْضِ (p-١١٩)أرْواحِهِمْ إكْمالًا لِذِكْرِ حالِ مَصِيرِهِمْ، وتَخَلُّصًا إلى وصْفِ ما يَنْتَظِرُهم مِنَ العَذابِ ولِذِكْرِ أحْوالِ غَيْرِهِمْ، وأيًّا ما كانَ فالإتْيانُ بِفِعْلِ القَوْلِ، بِصِيغَةِ الماضِي: لِلتَّنْبِيهِ عَلى تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ عَلى خِلافِ مُقْتَضى الظّاهِرِ.
ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ جُمْلَةُ: ﴿قالَ ادْخُلُوا في أُمَمٍ﴾ [الأعراف: ٣٨] في مَوْضِعِ عَطْفِ البَيانِ لِجُمْلَةِ ﴿يَنالُهم نَصِيبُهم مِنَ الكِتابِ﴾ أيْ: قالَ اللَّهُ فِيما كَتَبَهُ لَهُمُ ﴿ادْخُلُوا في أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ﴾ [الأعراف: ٣٨] أيْ أمْثالِكم، والتَّعْبِيرُ بِفِعْلِ المُضِيِّ جَرى عَلى مُقْتَضى الظّاهِرِ.
والأُمَمُ جَمْعُ الأُمَّةِ بِالمَعْنى الَّذِي تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: ﴿ولِكُلِّ أُمَّةٍ أجَلٌ﴾ [الأعراف: ٣٤] .
و(في) مِن قَوْلِهِ: ”في أُمَمٍ“ لِلظَّرْفِيَّةِ المَجازِيَّةِ، وهي كَوْنُهم في حالَةٍ واحِدَةٍ وحُكْمٍ واحِدٍ، سَواءٌ دَخَلُوا النّارَ في وسَطِهِمْ أمْ دَخَلُوا قَبْلَهم أوْ بَعْدَهم، وهي بِمَعْنى مَعَ في تَفْسِيرِ المَعْنى، ونُقِلَ عَنْ صاحِبِ الكَشّافِ أنَّهُ نَظَّرَ ”في“ الَّتِي في هَذِهِ الآيَةِ بِفي الَّتِي في قَوْلِ عُرْوَةَ بْنِ أُذَيْنَةَ:
؎إنْ تَكُنْ عَنْ حُسْنِ الصَّنِيعَةِ مَأْفُو ∗∗∗ كًا فَفي آخَرِينَ قَدْ أُفِـكُـوا
ومَعْنى (قَدْ خَلَتْ) قَدْ مَضَتْ وانْقَرَضَتْ قَبْلَكم، كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ﴾ [البقرة: ١٣٤] في سُورَةِ البَقَرَةِ، يَعْنِي: أنَّ حالَهم كَحالِ الأُمَمِ المُكَذِّبِينَ قَبْلَهم، وهَذا تَذْكِيرٌ لَهم بِما حاقَ بِأُولَئِكَ الأُمَمِ مِن عَذابِ الدُّنْيا كَقَوْلِهِ: ﴿وتَبَيَّنَ لَكم كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ﴾ [إبراهيم: ٤٥] وتَعْرِيضٌ بِالوَعِيدِ بِأنْ يَحِلَّ بِهِمْ مِثْلُ ذَلِكَ، وتَصْرِيحٌ بِأنَّهم في عَذابِ النّارِ سَواءٌ.
{"ayah":"فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِـَٔایَـٰتِهِۦۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یَنَالُهُمۡ نَصِیبُهُم مِّنَ ٱلۡكِتَـٰبِۖ حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُنَا یَتَوَفَّوۡنَهُمۡ قَالُوۤا۟ أَیۡنَ مَا كُنتُمۡ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالُوا۟ ضَلُّوا۟ عَنَّا وَشَهِدُوا۟ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ أَنَّهُمۡ كَانُوا۟ كَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق