الباحث القرآني
﴿قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وفِيها تَمُوتُونَ ومِنها تُخْرَجُونَ﴾
أُعِيدَ فِعْلُ القَوْلِ في هَذِهِ الجُمْلَةِ مُسْتَأْنَفًا غَيْرَ مُقْتَرِنٍ بِعاطِفٍ، ولا مُسْتَغْنًى عَنْ فِعْلِ القَوْلِ بِواوِ عَطْفٍ، مَعَ كَوْنِ القائِلِ واحِدًا، والغَرَضِ مُتَّحِدًا، خُرُوجًا عَنْ مُقْتَضى الظّاهِرِ لِأنَّ مُقْتَضى الظّاهِرِ في مِثْلِهِ هو العَطْفُ، وقَدْ أهْمَلَ تَوْجِيهَ تَرْكِ العَطْفِ جُمْهُورُ الحُذّاقِ مِنَ المُفَسِّرِينَ: الزَّمَخْشَرِيُّ وغَيْرُهُ، ولَعَلَّهُ رَأى ذَلِكَ أُسْلُوبًا مِن أسالِيبِ الحِكايَةِ، وأوَّلُ مَن رَأيْتُهُ حاوَلَ تَوْجِيهَ تَرْكِ العَطْفِ هو الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَرَفَةَ التُّونُسِيُّ في إمْلاءاتِ التَّفْسِيرِ المَرْوِيَّةِ (p-٧٠)عَنْهُ، فَإنَّهُ قالَ في قَوْلِهِ تَعالى الآتِي في هَذِهِ السُّورَةِ: ﴿قالَ أغَيْرَ اللَّهِ أبْغِيكم إلَهًا﴾ [الأعراف: ١٤٠] بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿قالَ إنَّكم قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٨] إذْ جَعَلَ وجْهَ إعادَةِ لَفْظِ قالَ هو ما بَيْنَ المَقالَيْنِ مِنَ البَوْنِ، فالأوَّلُ راجِعٌ إلى مُجَرَّدِ الإخْبارِ بِبُطْلانِ عِبادَةِ الأصْنامِ في ذاتِهِ، والثّانِي إلى الِاسْتِدْلالِ عَلى بُطْلانِهِ، وقَدْ ذَكَرَ مَعْناهُ الخَفاجِيُّ عِنْدَ الكَلامِ عَلى الآيَةِ الآتِيَةِ بَعْدَ هَذِهِ، ولَمْ يَنْسُبْهُ إلى ابْنِ عَرَفَةَ فَلَعَلَّهُ مِن تَوارُدِ الخَواطِرِ؛ وقالَ أبُو السُّعُودِ: إعادَةُ القَوْلِ إمّا لِإظْهارِ الِاعْتِناءِ بِمَضْمُونِ ما بَعْدَهُ، وهو قَوْلُهُ: ﴿فِيها تَحْيَوْنَ﴾ وإمّا لِلْإيذانِ بِكَلامٍ مَحْذُوفٍ بَيْنَ القَوْلَيْنِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قالَ فَما خَطْبُكُمْ﴾ [الحجر: ٥٧] إثْرَ قَوْلِهِ ﴿قالَ ومَن يَقْنَطُ مِن رَحْمَةِ رَبِّهِ﴾ [الحجر: ٥٦] فَإنَّ الخَلِيلَ خاطَبَ المَلائِكَةَ أوَّلًا بِغَيْرِ عُنْوانِ كَوْنِهِمْ مُرْسَلِينَ، ثُمَّ خاطَبَهم بِعُنْوانِ كَوْنِهِمْ مُرْسَلِينَ عِنْدَ تَبَيُّنِ أنَّ مَجِيئَهم لَيْسَ لِمُجَرَّدِ البِشارَةِ، فَلِذَلِكَ قالَ: ”﴿فَما خَطْبُكُمْ﴾ [الحجر: ٥٧]“، وكَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أرَأيْتَكَ هَذا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ﴾ [الإسراء: ٦٢] بَعْدَ قَوْلِهِ ﴿قالَ أأسْجُدُ لِمَن خَلَقْتَ طِينًا﴾ [الإسراء: ٦١] فَإنَّهُ قالَ قَوْلَهُ الثّانِيَ بَعْدَ الإنْظارِ المُتَرَتَّبِ عَلى اسْتِنْظارِهِ الَّذِي لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ اكْتِفاءً بِما ذَكَرَ في مَواضِعَ أُخْرى، هَذا حاصِلُ كَلامِهِ في مَواضِعَ، والتَّوْجِيهُ الثّانِي مَرْدُودٌ إذْ لا يَلْزَمُ في حِكايَةِ الأقْوالِ الإحاطَةُ ولا الِاتِّصالُ.
والَّذِي أراهُ أنَّ هَذا لَيْسَ أُسْلُوبًا في حِكايَةِ القَوْلِ يَتَخَيَّرُ فِيهِ البَلِيغُ، وأنَّهُ مُساوٍ لِلْعَطْفِ بِثُمَّ، ولِلْجَمْعِ بَيْنَ حَرْفِ العَطْفِ وإعادَةِ فِعْلِ القَوْلِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وقالَتْ أُولاهم لِأُخْراهم فَما كانَ لَكم عَلَيْنا مِن فَضْلٍ﴾ [الأعراف: ٣٩] بَعْدَ قَوْلِهِ ﴿قالَتْ أُخْراهم لِأُولاهم رَبَّنا هَؤُلاءِ أضَلُّونا﴾ [الأعراف: ٣٨]، فَإذا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كانَ تَوْجِيهُ إعادَةِ فِعْلِ القَوْلِ، وكَوْنِهِ مُسْتَأْنَفًا: إنَّهُ اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ لِلِاهْتِمامِ بِالخَبَرِ، إيذانًا بِتَغَيُّرِ الخِطابِ بَأنْ يَكُونَ بَيْنَ الخِطابَيْنِ تَخالُفٌ ما فالمُخاطَبُ بِالأوَّلِ آدَمُ وزَوْجُهُ والشَّيْطانُ، والمُخاطَبُ الثّانِي آدَمُ وزَوْجُهُ وأبْناؤُهُما، فَإنْ كانَ هَذا الخِطابُ قَبْلَ حُدُوثِ الذُّرِّيَّةِ لَهُما كَما هو ظاهِرُ السِّياقِ فَهو خِطابٌ لَهُما بِإشْعارِهِما أنَّهُما أبَوا خَلْقٍ كَثِيرٍ: (p-٧١)كُلُّهم هَذا حالُهم، وهو مِن تَغْلِيبِ المَوْجُودِ عَلى مَن لَمْ يُوجَدْ، وإنْ كانَ قَدْ وقَعَ بَعْدَ وُجُودِ الذُّرِّيَّةِ لَهُما فَوَجْهُ الفَصْلِ أظْهَرُ وأجْدَرُ، والقَرِينَةُ عَلى أنَّ إبْلِيسَ غَيْرُ داخِلٍ في الخِطابِ هو قَوْلُهُ: ﴿ومِنها تُخْرَجُونَ﴾ لِأنَّ الإخْراجَ مِنَ الأرْضِ يَقْتَضِي سَبْقَ الدُّخُولِ في باطِنِها، وذَلِكَ هو الدَّفْنُ بَعْدَ المَوْتِ، والشَّياطِينُ لا يُدْفَنُونَ. وقَدْ أمْهَلَ اللَّهُ إبْلِيسَ بِالحَياةِ إلى يَوْمِ البَعْثِ فَهو يُحْشَرُ حِينَئِذٍ أوْ يَمُوتُ ويُبْعَثُ، ولا يَعْلَمُ ذَلِكَ إلّا اللَّهُ تَعالى.
وقَدْ جُعِلَ تَغْيِيرُ الأُسْلُوبِ وسِيلَةً لِلتَّخَلُّصِ إلى تَوْجِيهِ الخِطابِ إلى بَنِي آدَمَ عَقِبَ هَذا. وقَدْ دَلَّ جَمْعُ الضَّمِيرِ عَلى كَلامٍ مَطْوِيٍّ بِطَرِيقَةِ الإيجازِ: وهو أنَّ آدَمَ وزَوْجَهُ اسْتَقَرّا في الأرْضِ، وتَظْهَرَ لَهُما ذُرِّيَّةٌ، وأنَّ اللَّهَ أعْلَمَهم بِطَرِيقٍ مِن طُرُقِ الإعْلامِ الإلَهِيِّ بِأنَّ الأرْضَ قَرارُهم، ومِنها مَبْعَثُهم، يَشْمَلُ هَذا الحُكْمُ المَوْجُودِينَ مِنهم يَوْمَ الخِطابِ والَّذِينَ سَيُوجَدُونَ مِن بَعْدُ.
وقَدْ يُجْعَلُ سَبَبُ تَغْيِيرِ الأُسْلُوبِ القَوْلَيْنِ بِأنَّ القَوْلَ السّابِقَ قَوْلُ مُخاطَبَةٍ، والقَوْلَ الَّذِي بَعْدَهُ قَوْلُ تَقْدِيرٍ وقَضاءٍ أيْ قَدَّرَ اللَّهُ تَحْيَوْنَ فِيها وتَمُوتُونَ فِيها وتُخْرَجُونَ مِنها.
وتَقْدِيمُ المَجْرُوراتِ الثَّلاثَةِ عَلى مُتَعَلِّقاتِها لِلِاهْتِمامِ بِالأرْضِ الَّتِي جُعِلَ فِيها قَرارُهم ومَتاعُهم، إذْ كانَتْ هي مَقَرُّ جَمِيعِ أحْوالِهِمْ.
وقَدْ جُعِلَ هَذا التَّقْدِيمُ وسِيلَةً إلى مُراعاةِ النَّظِيرِ، إذْ جُعِلَتِ الأرْضُ جامِعَةً لِهاتِهِ الأحْوالِ. فالأرْضُ واحِدَةٌ وقَدْ تُداوَلَتْ فِيها أحْوالُ سُكّانِها المُتَخالِفَةُ تَخالُفًا بَعِيدًا.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: تُخْرَجُونَ بِضَمِّ الفَوْقِيَّةِ وفَتْحِ الرّاءِ عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ، وقَرَأهُ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وابْنُ ذَكْوانَ عَنِ ابْنِ عامِرٍ، ويَعْقُوبَ، وخَلَفٍ: بِالبِناءِ لِلْفاعِلِ.
{"ayah":"قَالَ فِیهَا تَحۡیَوۡنَ وَفِیهَا تَمُوتُونَ وَمِنۡهَا تُخۡرَجُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق