الباحث القرآني
﴿مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهْوَ المُهْتَدِي ومَن يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ﴾
هَذِهِ الجُمْلَةُ تَذْيِيلٌ لِلْقِصَّةِ والمَثَلِ وما أُعْقِبا بِهِ مِن وصْفِ حالِ المُشْرِكِينَ، فَإنَّ هَذِهِ الجُمْلَةَ تُحَصِّلُ ذَلِكَ كُلَّهُ وتَجْرِي مَجْرى المَثَلِ، وذَلِكَ أعْلى أنْواعِ التَّذْيِيلِ، وفِيها تَنْوِيهٌ بِشَأْنِ المُهْتَدِينَ وتَلْقِينٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِلتَّوَجُّهِ إلى اللَّهِ - تَعالى - بِطَلَبِ الهِدايَةِ مِنهُ والعِصْمَةِ مِن مَزالِقِ الضَّلالِ، أيْ فالَّذِينَ لَمْ يَهْتَدُوا إلى الحَقِّ بَعْدَ أنْ جاءَهم دَلَّتْ حالُهم عَلى أنَّ اللَّهَ غَضِبَ عَلَيْهِمْ فَحَرَمَهُمُ التَّوْفِيقَ.
والهِدايَةُ حَقِيقَتُها إبانَةُ الطَّرِيقِ، وتُطْلَقُ عَلى مُطْلَقِ الإرْشادِ لِما فِيهِ النَّفْعُ سَواءٌ اهْتَدى المَهْدِيُّ إلى ما هُدِيَ إلَيْهِ أمْ لَمْ يَهْتَدِ، قالَ - تَعالى - ﴿إنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إمّا شاكِرًا وإمّا كَفُورًا﴾ [الإنسان: ٣] وقالَ ﴿وأمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهم فاسْتَحَبُّوا العَمى عَلى الهُدى﴾ [فصلت: ١٧] .
ثُمَّ قَدْ عُلِمَ أنَّ الفِعْلَ الَّذِي يُسْنَدُ إلى اللَّهِ - تَعالى - إنَّما يُرادُ بِهِ أتْقَنُ أنْواعِ تِلْكَ الماهِيَّةِ وأدْوَمُها، ما لَمْ تَقُمِ القَرِينَةُ عَلى خِلافِ ذَلِكَ، فَقَوْلُهُ ﴿مَن يَهْدِ اللَّهُ﴾ يَعْنِي بِهِ مَن يُقَدِّرُ اللَّهُ اهْتِداءَهُ، ولَيْسَ المَعْنى مَن يُرْشِدُهُ اللَّهُ بِالأدِلَّةِ أوْ بِواسِطَةِ الرُّسُلِ، (p-١٨١)وقَدِ اسْتُفِيدَ ذَلِكَ مِنَ القِصَّةِ المُذَيَّلَةِ فَإنَّهُ قالَ فِيها ﴿الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا﴾ [الأعراف: ١٧٥] فَإيتاءُ الآياتِ ضَرْبٌ مِنَ الهِدايَةِ بِالمَعْنى الأصْلِيِّ، ثُمَّ قالَ فِيها ﴿فانْسَلَخَ مِنها﴾ [الأعراف: ١٧٥] وقالَ ﴿ولَكِنَّهُ أخْلَدَ إلى الأرْضِ واتَّبَعَ هَواهُ﴾ [الأعراف: ١٧٦] وقالَ ﴿ولَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها﴾ [الأعراف: ١٧٦] فَعَلِمْنا أنَّ اللَّهَ أرْشَدَهُ، ولَمْ يُقَدِّرْ لَهُ الِاهْتِداءَ، فالحالَةُ الَّتِي كانَ عَلَيْها قَبْلَ أنْ يَخْلُدَ إلى الأرْضِ لَيْسَتْ حالَةَ هُدًى، ولَكِنَّها حالَةُ تَرَدُّدٍ وتَجْرِبَةٍ، كَما تَكُونُ حالَةُ المُنافِقِ عِنْدَ حُضُورِهِ مَعَ المُسْلِمِينَ إذْ يَكُونُ مُتَلَبِّسًا بِمَحاسِنِ الإسْلامِ في الظّاهِرِ، ولَكِنَّهُ غَيْرُ مُبْطِنٍ لَها كَما قَدَّمْناهُ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿مَثَلُهم كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نارًا فَلَمّا أضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ [البقرة: ١٧] في سُورَةِ البَقَرَةِ، فَتَعَيَّنَ أنْ يَكُونَ المَعْنى هُنا: مَن يُقَدِّرِ اللَّهُ لَهُ أنْ يَكُونَ مُهْتَدِيًا فَهو المُهْتَدِي.
والقَصْرُ المُسْتَفادُ مِن تَعْرِيفِ جُزْأيِ الجُمْلَةِ ﴿فَهُوَ المُهْتَدِي﴾ قَصْرٌ حَقِيقِيٌّ ادِّعائِيٌّ بِاعْتِبارِ الكَمالِ واسْتِمْرارِ الِاهْتِداءِ إلى وفاةِ صاحِبِهِ، وهي مَسْألَةُ المُوافاةِ عِنْدَ الأشاعِرَةِ، أيْ وأمّا غَيْرُهُ فَهو وإنْ بانَ مُهْتَدِيًا فَلَيْسَ بِالمُهْتَدِي لِيَنْطَبِقَ هَذا عَلى حالِ الَّذِي أُوتِيَ الآياتِ فانْسَلَخَ مِنها وكانَ الشَّأْنُ أنْ يُرْفَعَ بِها.
وبِهَذا تَعْلَمُ أنَّ قَوْلَهُ ﴿مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهو المُهْتَدِي﴾ لَيْسَ مِن بابِ قَوْلِ أبِي النَّجْمِ ”وشِعْرِي شِعْرِي“ وقَوْلِ النَّبِيءِ ﷺ «مَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسُولِهِ» لِأنَّ ذَلِكَ فِيما لَيْسَ في مَفادِ الثّانِي مِنهُ شَيْءٌ زائِدٌ عَلى مَفادِ ما قَبْلَهُ بِخِلافِ ما في الآيَةِ فَإنَّ فِيها القَصْرَ.
وكَذَلِكَ القَوْلُ في ﴿ومَن يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ﴾ وزِيدَ في جانِبِ الخاسِرِينَ الفَصْلُ بِاسْمِ الإشارَةِ لِزِيادَةِ الِاهْتِمامِ بِتَمْيِيزِهِمْ بِعُنْوانِ الخُسْرانِ تَحْذِيرًا مِنهُ، فالقَصْرُ فِيهِ مُؤَكِّدٌ.
وجُمِعَ الوَصْفُ في الثّانِي مُراعاةً لِمَعْنى مَنِ الشَّرْطِيَّةِ، وإنَّما رُوعِيَ مَعْنى مَنِ الثّانِيَةِ دُونَ الأُولى لِرِعايَةِ الفاصِلَةِ ولِتَبَيُّنِ أنْ لَيْسَ المُرادُ بِ مَنِ الأُولى مُفْرَدًا.
وقَدْ عُلِمَ مِن مُقابَلَةِ الهِدايَةِ بِالإضْلالِ، ومُقابَلَةِ المُهْتَدِي بِالخاسِرِ أنَّ المُهْتَدِيَ فائِزٌ رابِحٌ فَحُذِفَ ذِكْرُ رِبْحِهِ إيجازًا.
والخُسْرانُ اسْتُعِيرَ لِتَحْصِيلِ ضِدِّ المَقْصُودِ مِنَ العَمَلِ كَما يُسْتَعارُ الرِّبْحُ لِحُصُولِ (p-١٨٢)الخَيْرِ مِنَ العَمَلِ كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿ومَن خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ﴾ [الأعراف: ٩] في هَذِهِ السُّورَةِ، وفي قَوْلِهِ ﴿فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ﴾ [البقرة: ١٦] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
{"ayah":"مَن یَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِیۖ وَمَن یُضۡلِلۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق