الباحث القرآني
﴿وإذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ القَرْيَةَ وكُلُوا مِنها حَيْثُ شِئْتُمْ وقُولُوا حِطَّةٌ وادْخُلُوا البابَ سُجَّدًا تُغْفَرُ لَكم خَطِيئاتُكم سَنَزِيدُ المُحْسِنِينَ﴾ ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنهم قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهم فَأرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ﴾ هَذِهِ الآيَةُ أيْضًا نَظِيرُ ما في سُورَةِ البَقَرَةِ إلّا أنَّهُ عَبَّرَ في هَذِهِ الآيَةِ بِقَوْلِهِ اسْكُنُوا وفي سُورَةِ البَقَرَةِ بِقَوْلِهِ ادْخُلُوا لِأنَّ القَوْلَيْنِ قِيلا لَهم، أيْ قِيلَ لَهُمُ: ادْخُلُوا واسْكُنُوها، فَفُرِّقَ ذَلِكَ عَلى القِصَّتَيْنِ عَلى عادَةِ القُرْآنِ في تَغْيِيرِ أُسْلُوبِ القَصَصِ اسْتِجْدادًا لِنَشاطِ السّامِعِ.
(p-١٤٥)وكَذَلِكَ اخْتِلافُ التَّعْبِيرِ في قَوْلِهِ هُنا وكُلُوا وقَوْلِهِ في سُورَةِ البَقَرَةِ فَكُلُوا فَإنَّهُ قَدْ قِيلَ لَهم بِما يُرادِفُ فاءَ التَّعْقِيبِ، كَما جاءَ في سُورَةِ البَقَرَةِ؛ لِأنَّ التَّعْقِيبَ مَعْنًى زائِدٌ عَلى مُطْلَقِ الجَمْعِ الَّذِي تُفِيدُهُ واوُ العَطْفِ، واقْتُصِرَ هُنا عَلى حِكايَةِ أنَّهُ قِيلَ لَهم، وكانَتْ آيَةُ البَقَرَةِ أوْلى بِحِكايَةِ ما دَلَّتْ عَلَيْهِ فاءُ التَّعْقِيبِ؛ لِأنَّ آيَةَ البَقَرَةِ سِيقَتْ مَساقَ التَّوْبِيخِ فَناسَبَها ما هو أدَلُّ عَلى المِنَّةِ، وهو تَعْجِيلُ الِانْتِفاعِ بِخَيْراتِ القَرْيَةِ. وآياتُ الأعْرافِ سِيقَتْ لِمُجَرَّدِ العِبْرَةِ بِقِصَّةِ بَنِي إسْرائِيلَ.
ولِأجْلِ هَذا الِاخْتِلافِ مُيِّزَتْ آيَةُ البَقَرَةِ بِإعادَةِ المَوْصُولِ وصِلَتِهِ في قَوْلِهِ ﴿فَأنْزَلْنا عَلى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا﴾ [البقرة: ٥٩] وعُوِّضَ عَنْهُ هُنا بِضَمِيرِ الَّذِينَ ظَلَمُوا لِأنَّ القَصْدَ في آيَةِ البَقَرَةِ بَيانُ سَبَبِ إنْزالِ العَذابِ عَلَيْهِمْ مَرَّتَيْنِ أُشِيرَ إلى أُولاهُما بِما يُومِئُ إلَيْهِ المَوْصُولُ مِن عِلَّةِ الحُكْمِ، وإلى الثّانِيَةِ بِحَرْفِ السَّبَبِيَّةِ، واقْتُصِرَ هُنا عَلى الثّانِي.
وقَدْ وقَعَ في سُورَةِ البَقَرَةِ لَفْظُ فَأنْزَلْنا ووَقَعَ هُنا لَفْظُ فَأرْسَلْنا ولَمّا قُيِّدَ كِلاهُما بِقَوْلِهِ مِنَ السَّماءِ كانَ مُفادُهُما واحِدًا، فالِاخْتِلافُ لِمُجَرَّدِ التَّفَنُّنِ بَيْنَ القِصَّتَيْنِ.
وعُبِّرَ هُنا ﴿بِما كانُوا يَظْلِمُونَ﴾ وفي البَقَرَةِ ﴿بِما كانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٣] لِأنَّهُ لَمّا اقْتَضى الحالُ في القِصَّتَيْنِ تَأْكِيدَ وصْفِهِمْ بِالظُّلْمِ وأُدِّيَ ذَلِكَ في البَقَرَةِ بُقُولِهِ ﴿فَأنْزَلْنا عَلى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [البقرة: ٥٩]، اسْتُثْقِلَتْ إعادَةُ لَفْظِ الظُّلْمِ هُنالِكَ ثالِثَةً، فَعُدِلَ عَنْهُ إلى ما يُفِيدُ مُفادَهُ، وهو الفِسْقُ، وهو أيْضًا أعَمُّ، فَهو أنْسَبُ بِتَذْيِيلِ التَّوْبِيخِ، وجِيءَ هُنا بِلَفْظِ (يَظْلِمُونَ) لِئَلّا يَفُوتَ تَسْجِيلُ الظُّلْمِ عَلَيْهِمْ مَرَّةً ثالِثَةً، فَكانَ تَذْيِيلُ آيَةِ البَقَرَةِ أنْسَبَ بِالتَّغْلِيطِ في ذَمِّهِمْ لِأنَّ مَقامَ التَّوْبِيخِ يَقْتَضِيهِ.
ووَقَعَ في هَذِهِ الآيَةِ ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنهُمْ﴾ ولَمْ يَقَعْ لَفْظُ (مِنهم) في سُورَةِ البَقَرَةِ، ووَجْهُ زِيادَتِها هُنا التَّصْرِيحُ بِأنَّ تَبْدِيلَ القَوْلِ لَمْ يَصْدُرْ مِن جَمِيعِهِمْ، وأُجْمِلَ ذَلِكَ في سُورَةِ البَقَرَةِ لِأنَّ آيَةَ البَقَرَةِ لَمّا سِيقَتْ مَساقَ التَّوْبِيخِ ناسَبَ إرْهابُهم بِما يُوهِمُ أنَّ الَّذِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ هم جَمِيعُ القَوْمِ لِأنَّ تَبِعاتِ بَعْضِ القَبِيلَةِ تُحْمَلُ عَلى جَماعَتِها.
وقُدِّمَ في سُورَةِ البَقَرَةِ قَوْلُهُ (﴿وادْخُلُوا البابَ سُجَّدًا﴾) عَلى قَوْلِهِ (﴿وقُولُوا حِطَّةٌ﴾) وعُكِسَ هُنا وهو اخْتِلافٌ في الإخْبارِ لِمُجَرَّدِ التَّفَنُّنِ، فَإنَّ كِلا القَوْلَيْنِ واقِعٌ قُدِّمَ أوْ أُخِّرَ.
(p-١٤٦)وذُكِرَ في البَقَرَةِ ﴿وكُلُوا مِنها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا﴾ [البقرة: ٥٨] ولَمْ يُذْكَرْ وصْفُ (رَغَدًا) هُنا وإنَّما حُكِيَ في سُورَةِ البَقَرَةِ لِأنَّ زِيادَةَ المِنَّةِ أدْخَلُ في تَقْوِيَةِ التَّوْبِيخِ.
وجُمْلَةُ (﴿سَنَزِيدُ المُحْسِنِينَ﴾) مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا لِأنَّ قَوْلَهُ ”تُغْفَرُ لَكم“ في مَقامِ الِامْتِنانِ بِإعْطاءِ نِعَمٍ كَثِيرَةٍ مِمّا يُثِيرُ سُؤالَ سائِلٍ يَقُولُ: وهَلِ الغُفْرانُ هو قُصارى جَزائِهِمْ ؟ فَأُجِيبُ بِأنَّ بَعْدَهُ زِيادَةَ الأجْرِ عَلى الإحْسانِ، أيْ عَلى الِامْتِثالِ.
وفِي نَظِيرِ هَذِهِ الآيَةِ مِن سُورَةِ البَقَرَةِ ذُكِرَتْ جُمْلَةُ (﴿وسَنَزِيدُ المُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ٥٨]) مَعْطُوفَةً بِالواوِ عَلى تَقْدِيرِ: قُلْنا لَهم ذَلِكَ وقُلْنا لَهم سَنَزِيدُ المُحْسِنِينَ، فالواوُ هُنالِكَ لِحِكايَةِ الأقْوالِ، فَهي مِنَ الحِكايَةِ لا مِنَ المَحْكِيِّ أيْ قُلْنا وقُلْنا سَنَزِيدُ.
وتَقَدَّمَ أنَّ المُرادَ بِالقَرْيَةِ (أرِيحَياءُ) .
وقَرَأ نافِعٌ، وأبُو جَعْفَرٍ، ويَعْقُوبُ ”تُغْفَرُ“ بِمُثَنّاةٍ فَوْقِيَّةٍ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ، و(خَطِيئاتُكم) بِصِيغَةِ جَمْعِ السَّلامَةِ لِلْمُؤَنَّثِ وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وعاصِمٌ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وخَلَفٌ: (نَغْفِرْ) بِالنُّونِ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ و(خَطِيئاتِكم) بِصِيغَةِ جَمْعِ المُؤَنَّثِ السّالِمِ أيْضًا وقَرَأهُ أبُو عَمْرٍو (نَغْفِرْ) بِالنُّونِ و”خَطاياكم“ بِصِيغَةِ جَمْعِ التَّكْسِيرِ، مِثْلَ آيَةِ البَقَرَةِ، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ: ”تُغْفَرْ“ بِالفَوْقِيَّةِ ”وخَطِيئَتُكم“ بِالإفْرادِ.
والِاخْتِلافُ بَيْنَها وبَيْنَ آيَةِ البَقَرَةِ في قِراءَةِ نافِعٍ ومَن وافَقَهُ: تَفَنُّنٌ في حِكايَةِ القِصَّةِ.
{"ayahs_start":161,"ayahs":["وَإِذۡ قِیلَ لَهُمُ ٱسۡكُنُوا۟ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةَ وَكُلُوا۟ مِنۡهَا حَیۡثُ شِئۡتُمۡ وَقُولُوا۟ حِطَّةࣱ وَٱدۡخُلُوا۟ ٱلۡبَابَ سُجَّدࣰا نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطِیۤـَٔـٰتِكُمۡۚ سَنَزِیدُ ٱلۡمُحۡسِنِینَ","فَبَدَّلَ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ مِنۡهُمۡ قَوۡلًا غَیۡرَ ٱلَّذِی قِیلَ لَهُمۡ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ رِجۡزࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ بِمَا كَانُوا۟ یَظۡلِمُونَ"],"ayah":"فَبَدَّلَ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ مِنۡهُمۡ قَوۡلًا غَیۡرَ ٱلَّذِی قِیلَ لَهُمۡ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ رِجۡزࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ بِمَا كَانُوا۟ یَظۡلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق