الباحث القرآني
﴿ولَقَدْ زَيَّنّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وجَعَلْناها رُجُومًا لِلشَّياطِينِ وأعْتَدْنا لَهم عَذابَ السَّعِيرِ﴾
(p-٢١)انْتَقَلَ مِن دَلائِلَ انْتِفاءِ الخَلَلِ عَنْ خِلْقَةِ السَّماواتِ، إلى بَيانِ ما في إحْدى السَّماواتِ مِن إتْقانِ الصُّنْعِ، فَهو مِمّا شَمِلَهُ عُمُومُ الإتْقانِ في خَلْقِ السَّماواتِ السَّبْعِ، وذِكْرُهُ مِن ذِكْرِ بَعْضِ أفْرادِ العامِّ كَذِكْرِ المِثالِ بَعْدَ القاعِدَةِ الكُلِّيَّةِ، فَدَقائِقُ السَّماءِ الدُّنْيا أوْضَحُ دَلالَةً عَلى إتْقانِ الصُّنْعِ؛ لِكَوْنِها نُصْبَ أعْيُنِ المُخاطَبِينَ؛ ولِأنَّ مِن بَعْضِها يَحْصُلُ تَخَلُّصٌ إلى التَّحْذِيرِ مِن حِيَلِ الشَّياطِينِ وسُوءِ عَواقِبِ أتْباعِهِمْ. وتَأْكِيدُ الخَبَرِ بِ (قَدْ) لِأنَّهُ إلى أنَّهُ نَتِيجَةُ الاسْتِفْهامِ التَّقْرِيرِيِّ المُؤَكَّدِ بِ (هَلْ) أُخْتُ (قَدْ) في الاسْتِفْهامِ.
والكَلامُ عَلى السَّماءِ الدُّنْيا، ولِماذا وُصِفَتْ بِالدُّنْيا، وعَنِ الكَواكِبِ تَقَدَّمَ في أوَّلِ سُورَةِ الصّافّاتِ.
وسُمِّيَتِ النُّجُومُ هُنا مَصابِيحَ عَلى التَّشْبِيهِ في حُسْنِ المَنظَرِ فَهو تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ.
وذِكْرُ التَّزْيِينِ إدْماجٌ لِلْامْتِنانِ في أثْناءِ الاسْتِدْلالِ، أيْ زَيَّنّاها لَكم مِثْلُ الامْتِنانِ في قَوْلِهِ ﴿ولَكم فِيها جَمالٌ﴾ [النحل: ٦] في سُورَةِ النَّحْلِ.
والمَقْصِدُ: التَّخَلُّصُ إلى ذِكْرِ رَجْمِ الشَّياطِينَ لِيَتَخَلَّصَ مِنهُ إلى وعِيدِهِمْ ووَعِيدِ مُتَّبِعِيهِمْ.
وعَدَلَ عَنْ تَعْرِيفِ (مَصابِيحَ) بِاللّامِ إلى تَنْكِيرِهِ لِما يُفِيدُهُ التَّنْكِيرُ مِنَ التَّعْظِيمِ.
والرُّجُومُ: جَمْعُ رَجْمٍ وهو اسْمٌ لِما يُرْجَمُ بِهِ، أيْ ما يَرْمِي بِهِ الرّامِي مِن حَجَرٍ ونَحْوِهِ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالمَصْدَرِ مِثْلُ الخَلْقِ بِمَعْنى المَخْلُوقِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿هَذا خَلْقُ اللَّهِ﴾ [لقمان: ١١] .
والَّذِي جُعِلَ رُجُومًا لِلشَّياطِينِ هو بَعْضُ النُّجُومِ الَّتِي تَبْدُو مُضِيئَةً ثُمَّ تَلُوحُ مُنْقَضَّةً، وتُسَمّى الشُّهُبُ ومَضى القَوْلُ عَلَيْها في سُورَةِ الصّافّاتِ.
وضَمِيرُ الغائِبَةِ في (جَعَلْناها) المُتَبادَرُ أنَّهُ عائِدٌ إلى المَصابِيحِ، أيْ أنَّ المَصابِيحَ رُجُومٌ لِلشَّياطِينِ.
ومَعْنى جَعْلِ المَصابِيحِ رُجُومًا جارٍ عَلى طَرِيقَةِ إسْنادِ عَمَلِ بَعْضِ الشَّيْءِ إلى جَمِيعِهِ مِثْلُ إسْنادِ الأعْمالِ إلى القَبائِلِ؛ لِأنَّ العامِلِينَ مِن أفْرادِ القَبِيلَةِ كَقَوْلِهِ تَعالى (p-٢٢)﴿ثُمَّ أنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ٨٥] وقَوْلِ العَرَبِ: قَتَلَتْ هُذَيْلٌ رَضِيعَ بَنِي لَيْثٍ تَمّامَ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ الحارِثِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ.
وجَعَلَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ الضَّمِيرَ المَنصُوبَ في (جَعَلْناها) عائِدًا إلى ﴿السَّماءَ الدُّنْيا﴾ عَلى تَقْدِيرِ: وجَعَلْنا مِنها رُجُومًا إمّا عَلى حَذْفِ حَرْفِ الجَرِّ. وإمّا عَلى تَنْزِيلِ المَكانِ الَّذِي صَدَرَ مِنهُ الرُّجُومُ مَنزِلَةَ نَفْسِ الرُّجُومِ فَهو مَجازٌ عَقْلِيٌّ ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وما خَلْفَها﴾ [البقرة: ٦٦] في سُورَةِ البَقَرَةِ، ولَكِنَّها عَلى جَعْلِ الضَّمِيرِ المَنصُوبِ راجِعًا إلى القَرْيَةِ وإنْ لَمْ تُذْكَرْ في تِلْكَ الآيَةِ ولَكِنَّها ذُكِرَتْ في آيَةِ سُورَةِ الأعْرافِ ﴿واسْألْهم عَنِ القَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ البَحْرِ﴾ [الأعراف: ١٦٣] وقِصَّتُها هي المُشارُ إلَيْها بِقَوْلِهِ ﴿ولَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكم في السَّبْتِ﴾ [البقرة: ٦٥] فالتَّقْدِيرُ: فَجَعَلْنا مِنها، أيْ مِنَ القَرْيَةِ نَكالًا، وهُمُ القَوْمُ الَّذِينَ قِيلَ لَهم ﴿كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ﴾ [البقرة: ٦٥] .
والشَّياطِينُ هي الَّتِي تَسْتَرِقُ السَّمْعَ فَتَطْرُدُها الشُّهُبُ كَما تَقَدَّمَ في سُورَةِ الصّافّاتِ.
وأصْلُ (أعْتَدْنا) أعْدَدْنا أيْ هَيَّأْنا، قُلِبَتِ الدّالُ الأُولى تاءً لِتَقارُبِ مَخْرَجَيْهِما لِيَتَأْتَّيَ الإدْغامُ طَلَبًا لِلْخِفَّةِ.
والسَّعِيرُ: اسْمٌ صِيغَ عَلى مِثالِ فَعِيلٍ بِمَعْنى مَفْعُولٍ مِن: سَعَّرَ النّارَ، إذا أوْقَدَها وهو لَهَبُ النّارِ، أيْ أعْدَدْنا لِلشَّياطِينِ عَذابَ طَبَقَةٍ أشَدُّ طَبَقاتِ النّارِ حَرارَةً وتَوَقُّدًا فَإنَّ جَهَنَّمَ طَبَقاتٍ.
وكانَ السَّعِيرُ عَذابًا لِشَياطِينِ الجِنِّ مَعَ كَوْنِهِمْ مِن عُنْصُرِ النّارِ؛ لِأنَّ نارَ جَهَنَّمَ أشَدُّ مِن نارِ طَبْعِهِمْ، فَإذا أصابَتْهم صارَتْ لَهم عَذابًا.
وتَسْمِيَةُ عَذابِهِمُ السَّعِيرَ دُونَ النّارِ، أوْ جَهَنَّمَ مُرادٌ لِهَذا المَعْنى ومِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعالى في عَذابِ الجِنِّ ﴿ومَن يَزِغْ مِنهم عَنْ أمْرِنا نُذِقْهُ مِن عَذابِ السَّعِيرِ﴾ [سبإ: ١٢] وقالَ ﴿إنَّما يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِن أصْحابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر: ٦] يَعْنِي الشَّيْطانَ.
ومَعْنى الإعْدادِ يُحْتَمَلُ أنَّهُ إعْدادُ تَقْدِيرٍ وإيجادٍ فَلا يَقْتَضِي أنْ تَكُونَ جَهَنَّمُ مَخْلُوقَةً قَبْلَ يَوْمِ القِيامَةِ ويُحْتَمَلُ أنَّهُ إعْدادُ اسْتِعْمالٍ، فَتَكُونُ جَهَنَّمُ مَخْلُوقَةً حِينَ نُزُولِ (p-٢٣)الآيَةِ. وقَدِ اخْتَلَفَ عُلَماؤُنا في أنَّ النّارَ مَوْجُودَةٌ أوْ تُوجَدُ يَوْمَ الجَزاءِ؛ إذْ لا دَلِيلَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ عَلى أحَدِ الِاحْتِمالَيْنِ، وإنَّما دَعاهم إلى فَرْضِ هَذِهِ المَسْألَةِ تَأْوِيلُ بَعْضِ الآياتِ والأحادِيثِ.
{"ayah":"وَلَقَدۡ زَیَّنَّا ٱلسَّمَاۤءَ ٱلدُّنۡیَا بِمَصَـٰبِیحَ وَجَعَلۡنَـٰهَا رُجُومࣰا لِّلشَّیَـٰطِینِۖ وَأَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابَ ٱلسَّعِیرِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق