الباحث القرآني
﴿فَلَمّا رَأوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ وقِيلَ هَذا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ﴾ (لَمّا) حَرْفُ تَوْقِيتٍ، أيْ سِيئَتْ وُجُوهُهم في وقْتِ رُؤْيَتِهِمُ الوَعْدَ.
والفاءُ فَصِيحَةٌ؛ لِأنَّها اقْتَضَتْ جُمْلَةً مَحْذُوفَةً تَقْدِيرُها: فَحَلَّ بِهِمُ الوَعْدُ فَلَمّا رَأوْهُ إلَخْ، أيْ رَأوُا المَوْعِدَ بِهِ.
وفُعِلَ (رَأوْهُ) مُسْتَعْمَلٌ في المُسْتَقْبَلِ، وجِيءَ بِهِ بِصِيغَةِ الماضِي لِشَبَهِهِ بِالماضِي في تَحَقُّقِ الوُقُوعِ مِثْلُ ﴿أتى أمْرُ اللَّهِ﴾ [النحل: ١] لِأنَّهُ صادِرٌ عَمَّنْ لا إخْلافَ في أخْبارِهِ فَإنَّ (p-٥٠)هَذا الوَعْدَ لَمْ يَكُنْ قَدْ حَصَلَ حِينَ نُزُولِ الآيَةِ بِمَكَّةَ سَواءٌ أُرِيدَ بِالوَعْدِ الوَعْدُ بِالبَعْثِ كَما هو مُقْتَضى السِّياقِ أمْ أُرِيدَ بِهِ وعْدُ النَّصْرِ، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ ﴿ويَقُولُونَ مَتى هَذا الوَعْدُ﴾ [الملك: ٢٥] فَإنَّهُ يَقْتَضِي أنَّهم يَقُولُونَهُ في الحالِ وأنَّ الوَعْدَ غَيْرُ حاصِلٍ حِينَ قَوْلِهِمْ لِأنَّهم يَسْألُونَ عَنْهُ بِ (مَتى) .
ونَظِيرُ هَذا الاسْتِعْمالِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿فَكَيْفَ إذا جِئْنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وجِئْنا بِكَ عَلى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٤١] في سُورَةِ النِّساءِ وقَوْلُهُ تَعالى ﴿ويَوْمَ نَبْعَثُ في كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِن أنْفُسِهِمْ وجِئْنا بِكَ شَهِيدًا عَلى هَؤُلاءِ﴾ [النحل: ٨٩] في سُورَةِ النَّحْلِ إذْ جَمَعَ في الآيَتَيْنِ بَيْنَ فِعْلِ (نَبْعَثُ) مُضارِعًا وفِعْلِ (جِئْنا) ماضِيًا.
وأصْلُ المَعْنى: فَإذا يَرَوْنَهُ تُساءُ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا إلَخْ، فَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ إلى صَوْغِ الوَعِيدِ في صُورَةِ الإخْبارِ عَنْ أمْرٍ وقَعَ فَجِيءَ بِالأفْعالِ الماضِيَةِ.
وضَمِيرُ (رَأوْهُ) عائِدٌ إلى الوَعْدِ بِمَعْنى: رَأوُا المَوْعُودَ بِهِ.
والزُّلْفَةُ بِضَمِّ الزّايِ: اسْمُ مَصْدَرِ زَلَفَ إذا قَرُبَ وهو مِن بابِ تَعِبَ. وهَذا إخْبارٌ بِالمَصْدَرِ لِلْمُبالَغَةِ، أيْ رَأوْهُ شَدِيدَ القُرْبِ مِنهم، أيْ أخَذَ يَنالُهم.
و(سِيئَتْ) بُنِيَ لِلنّائِبِ، أيْ ساءَ وُجُوهَهم ذَلِكَ الوَعْدُ بِمَعْنى المَوْعُودِ. وأُسْنِدَ حُصُولُ السُّوءِ إلى الوُجُوهِ لِتَضْمِينِهِ مَعْنى كَلَحَتْ، أيْ سُوءٍ شَدِيدٍ تَظْهَرُ آثارُ الانْفِعالِ مِنهُ عَلى الوُجُوهِ، كَما أُسْنِدَ الخَوْفُ إلى الأعْيُنِ في قَوْلِ الأعْشى: وأقْدِمُ إذا ما أعْيُنُ النّاسِ تَفْرَقُ و(قِيلَ) أيْ لَهم.
و(تَدَّعُونَ) بِتَشْدِيدِ الدّالِ مُضارِعُ ادَّعى. وقَدْ حُذِفَ مَفْعُولُهُ لِظُهُورِهِ مِن قَوْلِهِ ﴿ويَقُولُونَ مَتى هَذا الوَعْدُ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ [الملك: ٢٥]، أيْ تَدَّعُونَ أنَّهُ لا يَكُونُ.
و(بِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِ (تَدَّعُونَ) لِأنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنى (تُكَذِّبُونَ) فَإنَّهُ إذا ضُمِّنَ عامِلٌ مَعْنى عامِلٍ آخَرَ يُحْذَفُ مَعْمُولُ العامِلِ المَذْكُورِ ويُذْكَرُ مَعْمُولُ ضِمْنِهِ لِيَدُلَّ المَذْكُورُ عَلى المَحْذُوفِ. وذَلِكَ ضَرْبٌ مِنَ الإيجازِ.
وتَقْدِيمُ المَجْرُورِ عَلى العامِلِ لِلْاهْتِمامِ بِإخْطارِهِ ولِلرِّعايَةِ عَلى الفاصِلَةِ. والقائِلُ لَهم (p-٥١)﴿هَذا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ﴾ مَلائِكَةُ المَحْشَرِ أوْ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ، فَعَدَلَ عَنْ تَعْيِينِ القائِلِ، إذِ المَقْصُودُ المَقُولُ دُونَ القائِلِ فَحَذْفُ القائِلِ مِنَ الإيجازِ.
والقَصْرُ المُسْتَفادُ مِن تَعْرِيفِ جُزْأيِ الإسْنادِ تَعْرِيضٌ بِهِمْ بِأنَّهم مِن شِدَّةِ جُحُودِهِمْ بِمَنزِلَةِ مَن إذا رَأوُا الوَعْدَ حَسِبُوهُ شَيْئًا آخَرَ عَلى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَلَمّا رَأوْهُ عارِضًا مُسْتَقْبِلَ أوْدِيَتِهِمْ قالُوا هَذا عارِضٌ مُمْطِرُنا﴾ [الأحقاف: ٢٤] .
وقَرَأ الجُمْهُورُ سِيئَتْ بِكَسْرَةِ السِّينِ خالِصَةً. وقَرَأهُ ابْنُ عامِرٍ والكِسائِيُّ ونافِعٌ بِإشْمامِ الكَسْرَةِ ضَمَّةً، وهُما لُغَتانِ في فاءِ كُلِّ ثُلاثِيٍّ مُعْتَلِ العَيْنِ إذا بُنِيَ لِلْمَجْهُولِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ (تَدَّعُونَ) بِفَتْحِ الدّالِ المُشَدَّدَةِ. وقَرَأهُ يَعْقُوبُ بِسُكُونِ الدّالِ مِنَ الدُّعاءِ، أيِ الَّذِي كُنْتُمْ تَدْعُونَ اللَّهَ أنْ يُصِيبَكم بِهِ تَهَكُّمًا وعِنادًا كَما قالُوا ﴿فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢] .
{"ayah":"فَلَمَّا رَأَوۡهُ زُلۡفَةࣰ سِیۤـَٔتۡ وُجُوهُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَقِیلَ هَـٰذَا ٱلَّذِی كُنتُم بِهِۦ تَدَّعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق