الباحث القرآني
﴿هو الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولًا فامْشُواْ في مَناكِبِها وكُلُوا مِن رِزْقِهِ وإلَيْهِ النُّشُورُ﴾ اسْتِئْنافٌ فِيهِ عَوْدٌ إلى الاسْتِدْلالِ، وإدْماجٌ لِلْامْتِنانِ، فَإنَّ خَلْقَ الأرْضِ الَّتِي تَحْوِي النّاسَ عَلى وجْهِها أدَلُّ عَلى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى وعَلِمِهِ مِن خَلْقِ الإنْسانِ إذْ ما الإنْسانُ إلّا جُزْءٌ مِنَ الأرْضِ أوْ كَجُزْءٍ مِنها قالَ تَعالى ﴿مِنها خَلَقْناكُمْ﴾ [طه: ٥٥]، فَلَمّا ضَرَبَ لَهم بِخَلْقِ أنْفُسِهِمْ دَلِيلًا عَلى عِلْمِهِ الدّالِّ عَلى وحْدانِيَّتِهِ شَفَعَهُ بِدَلِيلِ خَلْقِ الأرْضِ الَّتِي هم عَلَيْها، مَعَ المِنَّةِ بِأنَّهُ خَلَقَها هَيِّنَةً لَهم صالِحَةً لِلسَّيْرِ فِيها مُخْرِجَةً لِأرْزاقِهِمْ، وذَيَّلَ ذَلِكَ بِأنَّ النُّشُورَ مِنها وأنَّ النُّشُورَ إلَيْهِ لا إلى غَيْرِهِ.
والذَّلُولُ مِنَ الدَّوابِّ المُنْقادَةُ المُطاوِعَةُ، مُشْتَقٌّ مِنَ الذُّلِّ وهو الهَوانُ والانْقِيادُ، (p-٣٢)فَعُولٌ بِمَعْنى فاعِلٍ يَسْتَوِي فِيهِ المُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ، وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ﴾ [البقرة: ٧١] الآيَةَ، في سُورَةِ البَقَرَةِ، فاسْتُعِيرَ الذَّلُولُ لِلْأرْضِ في تَذْلِيلِ الانْتِفاعِ بِها مَعَ صَلابَةِ خَلْقِها تَشْبِيهًا بِالدّابَّةِ المَسُوسَةِ المُرْتاضَةِ بَعْدَ الصُّعُوبَةِ عَلى طَرِيقَةِ المُصَرَّحَةِ.
والمَناكِبُ: تَخْيِيلٌ لِلْاسْتِعارَةِ لِزِيادَةِ بَيانِ تَسْخِيرِ الأرْضِ لِلنّاسِ فَإنَّ المَنكَبَ هو مُلْتَقى الكَتِفِ مَعَ العَضُدِ، جَعَلَ المَناكِبَ اسْتِعارَةً لِأطْرافِ الأرْضِ أوْ لِسَعَتِها.
وفُرِّعَ عَلى هَذِهِ الاسْتِعارَةِ الأمْرُ في ﴿فامْشُوا في مَناكِبِها﴾ فَصِيغَةُ الأمْرِ مُسْتَعْمَلَةٌ في مَعْنى الإدامَةِ تَذْكِيرًا بِما سَخَّرَ اللَّهُ لَهم في المَشْيِ في الأرْضِ امْتِنانًا بِذَلِكَ.
ومُناسَبَةُ ﴿وكُلُوا مِن رِزْقِهِ﴾ أنَّ الرِّزْقَ مِنَ الأرْضِ. والأمْرُ مُسْتَعْمَلٌ في الإدامَةِ أيْضًا لِلْامْتِنانِ، وبِذَلِكَ تَمَّتِ اسْتِعارَةُ الذَّلُولَ لِلْأرْضِ؛ لِأنَّ فائِدَةَ تَذْلِيلِ الذَّلُولِ رُكُوبُها والأكْلُ مِنها. فالمَشْيُ عَلى الأرْضِ شَبِيهٌ بِرُكُوبِ الذَّلُولِ، والأكْلُ مِمّا تُنْبِتُهُ الأرْضُ شَبِيهٌ بِأكْلِ الألْبانِ والسَّمْنِ وأكْلِ العُجُولِ والخِرْفانِ ونَحْوِ ذَلِكَ. وجَمْعُ المَناكِبِ تَجْرِيدٌ لِلْاسْتِعارَةِ؛ لِأنَّ الذَّلُولَ لَها مِنكِبانِ والأرْضُ ذاتُ مُتَّسَعاتٍ كَثِيرَةٍ.
وكُلُّ هَذا تَذْكِيرٌ بِشَواهِدِ الرُّبُوبِيَّةِ والإنْعامِ لِيَتَدَبَّرُوا فَيَتْرُكُوا العِنادَ، قالَ تَعالى ﴿كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكم لَعَلَّكم تُسْلِمُونَ﴾ [النحل: ٨١] .
وأمّا عَطْفُ ﴿وإلَيْهِ النُّشُورُ﴾ فَهو تَتْمِيمٌ وزِيادَةٌ عَبَّرَ استطرون لِمُناسَبَةِ ذِكْرِ الأرْضِ فَإنَّها مَثْوى النّاسِ بَعْدَ المَوْتِ.
والمَعْنى: إلَيْهِ النُّشُورُ مِنها، وذَلِكَ يَقْتَضِي حَذْفًا، أيْ وفِيها تَعُودُونَ.
وتَعْرِيفُ النُّشُورِ تَعْرِيفُ الجِنْسِ فَيَعُمُّ أيْ كُلُّ نُشُورٍ، ومِنهُ نُشُورُ المُخاطَبِينَ فَكانَ قَوْلُهُ ﴿وإلَيْهِ النُّشُورُ﴾ بِمَنزِلَةِ التَّذْيِيلِ.
والقَصْرُ المُسْتَفادُ مِن تَعْرِيفِ جُزْأيْ ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ﴾ قَصْرُ قَلْبٍ بِتَنْزِيلِ المُخاطَبِينَ مَنزِلَةِ مَن يَعْتَقِدُ أنَّ الأصْنامَ خَلَقَتِ الأرْضَ؛ لِأنَّ اعْتِقادَهم إلَهِيَّتِها يَقْتَضِي إلْزامَهم بِهَذا الظَّنِّ الفاسِدِ وإنْ لَمْ يَقُولُوهُ.
وتَقْدِيمُ المَجْرُورِ في جُمْلَةِ (﴿وإلَيْهِ النُّشُورُ﴾) لِلْاهْتِمامِ.
ومُناسَبَةُ ذِكْرِ النُّشُورِ هو ذِكْرُ خَلْقِ الأرْضِ فَإنَّ البَعْثَ يَكُونُ مِنَ الأرْضِ.
{"ayah":"هُوَ ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولࣰا فَٱمۡشُوا۟ فِی مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا۟ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَیۡهِ ٱلنُّشُورُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











