الباحث القرآني
﴿إذا جاءَكَ المُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ واللَّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ واللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ المُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ﴾ .
(p-٢٣٤)لمّا كانَ نُزُولُ هَذِهِ السُّورَةِ عَقِبَ خُصُومَةِ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ ومَقالَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ في شَأْنِ المُهاجِرِينَ. تَعَيَّنَ أنَّ الغَرَضَ مِن هَذِهِ الآيَةِ التَّعْرِيضُ بِكَذِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وبِنِفاقِهِ فَصِيَغَ الكَلامُ بِصِيغَةٍ تَعُمُّ المُنافِقِينَ لِتَجَنُّبِ التَّصْرِيحِ بِالمَقْصُودِ عَلى طَرِيقَةِ قَوْلِ النَّبِيءِ ﷺ «ما بالُ أقْوامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ في كِتابِ اللَّهِ» ومُرادُهُ مَوْلى بَرِيرَةَ لَمّا أرادَ أنْ يَبِيعَها لِعائِشَةِ أُمِّ المُؤْمِنِينَ واشْتَرَطَ أنْ يَكُونَ الوَلاءُ لَهُ، وابْتُدِئَ بِتَكْذِيبِ مَن أُرِيدَ تَكْذِيبُهُ في ادِّعائِهِ الإيمانَ بِصِدْقِ الرَّسُولِ ﷺ وإنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ هو المَقْصُودُ إشْعارًا بِأنَّ اللَّهَ أطْلَعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلى دَخائِلِهِمْ، وهو تَمْهِيدٌ لِما بَعْدَهُ مِن قَوْلِهِ ﴿واللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ المُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ﴾، لِأنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَعْلَمُ أنَّ المُنافِقِينَ قالُوا: نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ.
فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهم ﴿نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ مَحْكِيًّا بِالمَعْنى لِأنَّهم يَقُولُونَ عِباراتٍ كَثِيرَةً تُفِيدُ مَعْنى أنَّهم يَشْهَدُونَ بِأنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ مِثْلَ نُطْقِهِمْ بِكَلِمَةِ الشَّهادَةِ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونُوا تَوَطَّئُوا عَلى هَذِهِ الكَلِمَةِ كُلَّما أعْلَنَ أحَدُهُمُ الإسْلامَ. وهَذا ألْيَقُ بِحِكايَةِ كَلامِهِمْ بِكَلِمَةِ قالُوا دُونَ نَحْوِ: زَعَمُوا.
وإذا ظَرْفٌ لِلزَّمانِ الماضِي بِقَرِينَةٍ جَعَلَ جُمْلَتَيْها ماضِيَتَيْنِ، والظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِفَعْلِ (قالُوا) وهو جَوابُ إذا.
فالمَعْنى: إنَّكَ تَعْلَمُ أنَّهم يَقُولُونَ نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ.
و﴿نَشْهَدُ﴾ خَبَرٌ مُؤَكَّدٌ لِأنَّ الشَّهادَةَ الإخْبارُ عَنْ أمْرٍ مَقْطُوعٍ بِهِ إذْ هي مُشْتَقَّةٌ مِنَ المُشاهَدَةِ أيِ المُعايَنَةِ. والمُعايَنَةُ أقْوى طُرُقِ العِلْمِ، ولِذَلِكَ كَثُرَ اسْتِعْمالُ: أشْهَدُ ونَحْوِهِ مِن أفْعالِ اليَقِينِ في مَعْنى القَسَمِ. وكَثُرَ أنْ يُجابَ بِمِثْلِ ما يُجابُ بِهِ القَسَمُ قالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. ومَعْنى ذَلِكَ: أنَّ قَوْلَهُ ﴿نَشْهَدُ﴾ لَيْسَ إنْشاءً. وبَعْضُ المُفَسِّرِينَ جَعَلَهُ صِيغَةَ يَمِينٍ. ورُوِيَ عَنْ أبِي حَنِيفَةَ.
والمَقْصُودُ مِن قَوْلِهِ ﴿واللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ المُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ﴾ إعْلامُ النَّبِيءِ ﷺ وإعْلامُ المُسْلِمِينَ بِطائِفَةٍ مُبْهَمَةٍ شَأْنُهُمُ النِّفاقُ لِيَتَوَسَّمُوهم ويَخْتَبِرُوا أحْوالَهم وقَدْ يَتَلَقّى النَّبِيءُ ﷺ بِطَرِيقِ الوَحْيِ تَعْيِينَهم أوْ تَعْيِينَ بَعْضِهِمْ.
(p-٢٣٥)والمُنافِقُونَ جَمْعُ مُنافِقٍ وهو الَّذِي يُظْهِرُ الإيمانَ ويُسِرُّ الكُفْرَ وقَدْ مَضى القَوْلُ فِيهِ مُفَصَّلًا في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ.
وجُمْلَةُ ﴿إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ بَيانٌ لِجُمْلَةِ ﴿نَشْهَدُ﴾ .
وجُمْلَةُ ﴿واللَّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ﴾ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الجُمْلَتَيْنِ المُتَعاطِفَتَيْنِ وهَذا الِاعْتِراضُ لِدَفْعِ إيهامِ مَن يَسْمَعُ جُمْلَةَ ﴿واللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ المُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ﴾ أنَّهُ تَكْذِيبٌ لِجُمْلَةِ ﴿إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ فَإنَّ المُسْلِمِينَ كانُوا يَوْمَئِذٍ مَحْفُوفِينَ بِفِئامٍ مِنَ المُنافِقِينَ مَبْثُوثِينَ بَيْنَهم هِجِّيراهم فِتْنَةَ المُسْلِمِينَ فَكانَ المَقامُ مُقْتَضِيًا دَفَعَ الإيهامِ وهَذا مِنَ الِاحْتِراسِ.
وعُلِّقَ فِعْلُ (يَعْلَمُ) عَنِ العَمَلِ لِوُجُودِ (إنَّ) في أوَّلِ الجُمْلَةِ وقَدْ عَدُّوا (إنَّ) الَّتِي في خَبَرِها لامُ ابْتِداءِ مِنَ المُعَلَّقاتِ لِأفْعالِ القَلْبِ عَنِ العَمَلِ بِناءً عَلى أنَّ لامَ الِابْتِداءِ هي في الحَقِيقَةِ لامُ جَوابِ القَسَمِ وأنَّ حَقَّها أنْ تَقَعَ قَبْلَ (إنَّ) ولَكِنَّها زُحْلِقَتْ في الكَلامِ كَراهِيَةَ اجْتِماعِ مُؤَكِّدَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ، وأُخِذَ ذَلِكَ مِن كَلامِ سِيبَوَيْهَ.
وجُمْلَةُ ﴿واللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ المُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ﴾ عَطَفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿قالُوا نَشْهَدُ﴾ .
وتَقْدِيمُ المُسْنَدِ إلَيْهِ عَلى الخَبَرِ الفِعْلِيِّ لِتُقَوِّيَ الحُكْمَ.
وجِيءَ بِفِعْلِ (﴿يَشْهَدُ﴾) في الإخْبارِ عَنْ تَكْذِيبِ اللَّهِ تَعالى إيّاهم لِلْمُشاكَلَةِ حَتّى يَكُونَ إبْطالُ خَبَرِهِمْ مُساوِيًا لِإخْبارِهِمْ.
والكَذِبُ: مُخالَفَةُ ما يُفِيدُهُ الخَبَرُ لِلْواقِعِ في الخارِجِ، أيِ الوُجُودِ فَمَعْنى كَوْنِ المُنافِقِينَ كاذِبُونَ هُنا أنَّهم كاذِبُونَ في إخْبارِهِمْ عَنْ أنْفُسِهِمْ بِأنَّهم يَشْهَدُونَ بِأنَّ مُحَمَّدًا ﷺ رَسُولُ اللَّهِ لِأنَّ خَبَرَهم ذَلِكَ مُخالِفٌ لِما في أنْفُسِهِمْ فَهم لا يَشْهَدُونَ بِهِ ولا يُوافِقُ قَوْلُهم ما في نُفُوسِهِمْ. وبِهَذا بَطَلَ احْتِجاجُ النَّظّامِ بِظاهِرِ هَذِهِ الآيَةِ عَلى رَأْيِهِ أنَّ الكَذِبَ مُخالَفَةُ الخَبَرِ لِاعْتِقادِ المُخْبِرِ لِأنَّهُ غَفَلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعالى ﴿قالُوا نَشْهَدُ﴾ . وقَدْ أشارَ إلى هَذا الرَّدِّ القَزْوِينِيُّ في تَلْخِيصِ المِفْتاحِ وفي الإيضاحِ.
وجُمْلَةُ ﴿إنَّ المُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ﴾ مُبِيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ ﴿يَشْهَدُ﴾ مِثْلَ سابِقَتِها.
{"ayah":"إِذَا جَاۤءَكَ ٱلۡمُنَـٰفِقُونَ قَالُوا۟ نَشۡهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُۥ وَٱللَّهُ یَشۡهَدُ إِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ لَكَـٰذِبُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق