الباحث القرآني
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ﴾ ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ﴾ .
ناداهم بِوَصْفِ الإيمانِ تَعْرِيضًا بِأنَّ الإيمانَ مِن شَأْنِهِ أنْ يَزَعَ المُؤْمِنُ عَنْ أنْ يُخالِفَ فِعْلُهُ قَوْلَهُ في الوَعْدِ بِالخَيْرِ.
واللّامُ لِتَعْلِيلِ المُسْتَفْهَمِ عَنْهُ وهو الشَّيْءُ المُبْهَمُ الَّذِي هو مَدْلُولُ ما الِاسْتِفْهامِيَّةِ لِأنَّها تَدُلُّ عَلى أمْرٍ مُبْهَمٍ يُطْلَبُ تَعْيِينُهُ.
والتَّقْدِيرُ: تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ لِأيِّ سَبَبٍ أوْ لِأيَّةِ عِلَّةٍ.
وتَتَعَلَّقُ اللّامُ بِفِعْلِ (تَقُولُونَ) المَجْرُورِ مَعَ حَرْفِ الجَرِّ لِصَدارَةِ الِاسْتِفْهامِ.
والِاسْتِفْهامُ عَنِ العِلَّةِ مُسْتَعْمَلٌ هُنا في إنْكارِ أنْ يَكُونَ سَبَبُ ذَلِكَ مُرْضِيًا لِلَّهِ تَعالى، أيْ أنَّ ما يَدْعُوهم إلى ذَلِكَ هو أمْرٌ مُنْكَرٌ وذَلِكَ كِنايَةٌ عَنِ اللَّوْمِ والتَّحْذِيرِ مِن ذَلِكَ كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أنْبِياءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ﴾ [البقرة: ٩١] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
(p-١٧٥)فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ القَوْلُ الَّذِي قالُوهُ وعْدًا وعَدُوهُ ولَمْ يَفُوا بِهِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ خَبَرًا أخْبَرُوا بِهِ عَنْ أنْفُسِهِمْ لَمْ يُطابِقِ الواقِعَ. وقَدْ مَضى اسْتِيفاءُ ذَلِكَ في الكَلامِ عَلى صَدْرِ السُّورَةِ.
وهَذا كِنايَةٌ عَنْ تَحْذِيرِهِمْ مِنَ الوُقُوعِ في مِثْلِ ما فَعَلُوهُ يَوْمَ أُحُدٍ بِطَرِيقِ الرَّمْزِ، وكِنايَةٌ عَنِ اللَّوْمِ عَلى ما فَعَلُوهُ يَوْمَ أُحُدٍ بِطَرِيقِ التَّلْوِيحِ.
وتَعْقِيبُ الآيَةِ بِقَوْلِهِ ﴿إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ في سَبِيلِهِ صَفًّا﴾ [الصف: ٤] إلَخْ. يُؤْذِنُ بِأنَّ اللَّوْمَ عَلى وعْدٍ يَتَعَلَّقُ بِالجِهادِ في سَبِيلِ اللَّهِ. وبِذَلِكَ يَلْتَئِمُ مَعْنى الآيَةِ مَعَ حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ في سَبَبِ النُّزُولِ وتَنْدَحِضُ رِواياتٌ أُخْرى رُوِيَتْ في سَبَبِ نُزُولِها ذَكَرَها في الكَشّافِ.
وفِيهِ تَعْرِيضٌ بِالمُنافِقِينَ إذْ يُظْهِرُونَ الإيمانَ بِأقْوالِهِمْ وهم لا يَعْمَلُونَ أعْمالَ أهْلِ الإيمانِ بِالقَلْبِ ولا بِالجَسَدِ. قالَ ابْنُ زَيْدٍ: هو قَوْلُ المُنافِقِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ نَحْنُ مِنكم ومَعَكم ثُمَّ يَظْهَرُ مِن أفْعالِهِمْ خِلافُ ذَلِكَ.
وجُمْلَةُ ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ﴾ بَيانٌ لِجُمْلَةِ ﴿لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ﴾ تَصْرِيحًا بِالمَعْنى المُكَنّى عَنْهُ بِها.
وهُوَ خَبَرٌ عَنْ كَوْنِ قَوْلِهِمْ ﴿ما لا تَفْعَلُونَ﴾ أمْرًا كَبِيرًا في جِنْسِ المَقْتِ.
والكِبَرُ: مُسْتَعارٌ لِلشِّدَةِ لِأنَّ الكَبِيرَ فِيهِ كَثْرَةٌ وشِدَّةٌ في نَوْعِهِ.
و(أنْ تَقُولُوا) فاعِلُ (كَبُرَ) .
والمَقْتُ: البُغْضُ الشَّدِيدُ. وهو هُنا بِمَعْنى اسْمِ المَفْعُولِ.
وانْتَصَبَ مَقْتًا عَلى التَّمْيِيزِ لِجِهَةِ الكِبَرِ. وهو تَمْيِيزُ نِسْبَةٍ.
والتَّقْدِيرُ: كَبُرَ مَمْقُوتًا قَوْلُكم ما لا تَفْعَلُونَهُ.
ونُظِمَ هَذا الكَلامُ بِطَرِيقَةِ الإجْمالِ ثُمَّ التَّفْصِيلِ بِالتَّمْيِيزِ لِتَهْوِيلِ هَذا الأمْرِ في قُلُوبِ السّامِعِينَ لِكَوْنِ الكَثِيرِ مِنهم بِمِظَنَّةِ التَّهاوُنِ في الحَيْطَةِ مِنهُ حَتّى وقَعُوا فِيما وقَعُوا يَوْمَ أُحُدٍ. فَفِيهِ وعِيدٌ عَلى تَجَدُّدِ مِثْلِهِ، وزِيدَ المَقْصُودُ اهْتِمامًا بِأنْ وُصِفَ المَقْتُ بِأنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ، أيْ مَقْتٌ لا تَسامُحَ فِيهِ.
(p-١٧٦)وعَدَلَ عَنْ جَعْلِ فاعِلِ (كَبُرَ) ضَمِيرَ القَوْلِ بِأنْ يَقْتَصِرَ عَلى ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ﴾ أوْ يُقالُ: كَبُرَ ذَلِكَ مَقْتًا، لِقَصْدِ زِيادَةِ التَّهْوِيلِ بِإعادِةِ لَفْظِهِ، ولِإفادَةِ التَّأْكِيدِ.
و(ما) في قَوْلِهِ (ما لا تَفْعَلُونَ) في المَوْضِعَيْنِ مَوْصُولَةٌ، وهي بِمَعْنى لامِ العَهْدِ، أيِ الفِعْلُ الَّذِي وعَدْتُمْ أنْ تَفْعَلُوهُ وهو أحَبُّ الأعْمالِ إلى اللَّهِ أوِ الجِهادُ. فاقْتَضَتِ الآيَةُ أنَّ الوَعْدَ في مِثْلِ هَذا يَجِبُ الوَفاءُ بِهِ لِأنَّ المَوْعُودَ بِهَ طاعَةٌ فالوَعْدُ بِهِ مِن قَبِيلِ النَّذْرِ المَقْصُودِ مِنهُ القِرْبَةُ فَيَجِبُ الوَفاءُ بِهِ.
{"ayahs_start":2,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ","كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُوا۟ مَا لَا تَفۡعَلُونَ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق