الباحث القرآني
﴿لَنْ تَنْفَعَكم أرْحامُكم ولا أوْلادُكم يَوْمَ القِيامَةِ يُفْصَلُ بَيْنَكم واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ .
تَخَلَّصَ مِن تَبْيِينِ سُوءِ عاقِبَةِ مُوالاةِ أعْداءِ الدِّينِ في الحَياةِ الدُّنْيا، إلى بَيانِ سُوءِ (p-١٤١)عاقِبَةِ تِلْكَ المُوالاةِ في الآخِرَةِ، ومُناسَبَةُ حُسْنِ التَّخَلُّصِ قَوْلُهُ ﴿ووَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ﴾ [الممتحنة: ٢] الدّالُّ عَلى مَعْنى: أنَّ وِدادَتَهم كُفْرَكم مِن قَبْلِ أنْ يَثْقَفُوكم تَنْقَلِبُ إلى أنْ يُكْرِهُوكم عَلى الكُفْرِ حِينَ يَثْقَفُوكم، فَلا تَنْفَعُكم ذَوُو أرْحامِكم مِثْلُ الأُمَّهاتِ والإخْوَةِ الأشِقّاءِ ولَلْأُمِّ، ولا أوْلادُكم، ولا تَدْفَعُ عَنْكم عَذابَ الآخِرَةِ إنْ كانُوا قَدْ نَفَعُوكم في الدُّنْيا بِصِلَةِ ذَوِي الأرْحامِ ونُصْرَةِ الأوْلادِ.
فَجُمْلَةُ ﴿لَنْ تَنْفَعَكم أرْحامُكم ولا أوْلادُكُمْ﴾ إلى آخِرِها مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا ناشِئًا عَنْ سُؤالٍ مَفْرُوضٍ مِمَّنْ يَسْمَعُ جُمْلَةَ ﴿ووَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ﴾ [الممتحنة: ٢]، أيْ مِن حَقِّ ذَلِكَ أنْ يُسْألَ عَنْ آثارِهِ لِخَطَرِ أمْرِها.
وإذا كانَ ناشِئًا عَنْ كَلامٍ جَرى مَجْرى التَّعْلِيلِ لِجُمْلَةِ ﴿فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ﴾ [الممتحنة: ١]، فَهو أيْضًا مُفِيدٌ تَعْلِيلًا ثانِيًا بِحَسَبِ المَعْنى، ولَوْلا إرادَةُ الِاسْتِئْنافِ البَيانِيِّ لَجاءَتْ هَذِهِ الجُمْلَةُ مَعْطُوفَةً بِالواوِ عَلى الَّتِي قَبْلَها، وزادَ ذَلِكَ حُسْنًا أنَّ ما صَدَرَ مِن حاطِبِ بْنِ أبِي بَلْتَعَةَ مِمّا عُدَّ عَلَيْهِ هو مُوالاةٌ لِلْعَدُوِّ، وأنَّهُ اعْتَذَرَ بِأنَّهُ أرادَ أنْ يَتَّخِذَ عِنْدَ المُشْرِكِينَ يَدًا يَحْمُونَ بِها قَرابَتَهُ (أيْ أُمَّهُ وإخْوَتَهُ) . ولِذَلِكَ ابْتُدِئَ في نَفْيِ النَّفْعِ بِذِكْرِ الأرْحامِ لِمُوافَقَةِ قِصَّةِ حاطِبٍ لِأنَّ الأُمَّ ذاتُ رَحِمٍ والإخْوَةُ أبْناؤُها هم إخْوَتُهُ مِن رَحِمَهِ.
وأمّا عَطْفُ ﴿ولا أوْلادُكُمْ﴾ فَتَتْمِيمٌ لِشِمُولِ النَّهْيِ قَوْمًا لَهم أبْناءٌ في مَكَّةَ.
والمُرادُ بِالأرْحامِ: ذَوُو الأرْحامِ عَلى حَذْفِ مُضافٍ لِظُهُورِ القَرِينَةِ.
و(يَوْمَ القِيامَةِ) ظَرْفٌ يَتَنازَعُهُ كُلٌّ مِن فِعْلِ (لَنْ تَنْفَعَكم)، وفِعْلِ (يَفْصِلُ بَيْنَكم) . إذْ لا يَلْزَمُ تَقَدُّمُ العامِلَيْنِ عَلى المَعْمُولِ المُتَنازَعِ فِيهِ إذا كانَ ظَرْفًا لِأنَّ الظُّرُوفَ تَتَقَدَّمُ عَلى عَوامِلِها وأنْ أبَيْتَ هَذا التَّنازُعَ فَقُلْ هو ظَرْفُ (تَنْفَعَكم) واجْعَلْ لِ ﴿يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ﴾ ظَرْفًا مَحْذُوفًا دَلَّ عَلَيْهِ المَذْكُورُ.
والفَصْلُ هُنا: التَّفْرِيقُ، ولَيْسَ المُرادُ بِهِ القَضاءَ. والمَعْنى: يَوْمَ القِيامَةِ يُفَرَّقُ بَيْنَكم وبَيْنَ ذَوِي أرْحامِكم وأوْلادِكم فَرِيقٌ في الجَنَّةِ وفَرِيقٌ في السَّعِيرِ، قالَ تَعالى ﴿يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِن أخِيهِ وأُمِّهِ وأبِيهِ وصاحِبَتِهِ وبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنهم يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [عبس: ٣٤] .
(p-١٤٢)والمَعْنى: أنَّهم لا يَنْفَعُونَكم يَوْمَ القِيامَةِ فَما لَكم تَرْفُضُونَ حَقَّ اللَّهِ مُراعاةً لَهم وهم يَفِرُّونَ مِنكم يَوْمَ اشْتِدادِ الهَوْلِ، خَطَّأ رَأْيَهم في مُوالاةِ الكُفّارِ أوَّلًا بِما يَرْجِعُ إلى حالِ مَن والَوْهُ. ثُمَّ خَطَّأهُ ثانِيًا بِما يَرْجِعُ إلى حالِ مَنِ اسْتَعْمَلُوا المُوالاةَ لِأجْلِهِمْ، وهو تَقْسِيمٌ حاصِرٌ إشارَةً إلى أنَّ ما أقْدَمَ عَلَيْهِ حاطِبٌ مِن أيِّ جِهَةِ نَظَرٍ إلَيْهِ يَكُونُ خَطَأً وباطِلًا.
وقَرَأ الجُمْهُورُ (يُفْصَلُ بَيْنَكم) بِبِناءِ (يُفْصَلُ) لِلْمَجْهُولِ مُخَفَّفًا. وقَرَأهُ عاصِمٌ ويَعْقُوبُ (يَفْصِلُ) بِالبِناءِ لِلْفاعِلِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ عائِدٌ إلى اللَّهِ لِعِلْمِهِ مِنَ المَقامِ، وقَرَأهُ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وخَلَفٌ (يُفَصِّلُ) مُشَدَّدَ الصّادِ مَكْسُورَةً مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ مُبالَغَةً في الفَصْلِ، والفاعِلُ ضَمِيرٌ يَعُودُ إلى اللَّهِ المَعْلُومِ مِنَ المَقامِ.
وقَرَأهُ ابْنُ عامِرٍ (يُفَصَّلُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وتَشْدِيدِ الصّادِ مَفْتُوحَةً مَبْنِيًّا لِلنّائِبِ مِن فَصَّلَ المُشَدِّدِ.
وجُمْلَةُ ﴿واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ وعِيدٌ ووَعْدٌ.
{"ayah":"لَن تَنفَعَكُمۡ أَرۡحَامُكُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَـٰدُكُمۡۚ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ یَفۡصِلُ بَیۡنَكُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق