الباحث القرآني
﴿وكَذَلِكَ نُرِي إبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ ولِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ﴾ .
عُطِفَ عَلى جُمْلَةِ ﴿قالَ إبْراهِيمُ لِأبِيهِ آزَرَ أتَتَّخِذُ أصْنامًا آلِهَةً﴾ [الأنعام: ٧٤] . فالمَعْنى وإذْ نُرِي إبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ إرادَةً لا إرادَةَ أوْضَحَ مِنها في جِنْسِها والإشارَةُ بِقَوْلِهِ وكَذَلِكَ إلى الإراءِ المَأْخُوذِ مِن قَوْلِهِ ﴿نُرِي إبْراهِيمَ﴾ أيْ مِثْلَ ذَلِكَ الإراءِ العَجِيبِ نُرِي إبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ. وهَذا عَلى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْناكم أُمَّةً وسَطًا﴾ [البقرة: ١٤٣] . وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُهُ في سُورَةِ البَقَرَةِ، فاسْمُ الإشارَةِ في مِثْلِ هَذا الِاسْتِعْمالِ يُلازِمُ الإفْرادَ والتَّذْكِيرَ لِأنَّهُ جَرى مَجْرى المَثَلِ.
وقَوْلُهُ ﴿وكَذَلِكَ نُرِي إبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ إشارَةٌ إلى حُجَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ مِن دَلالَةِ أحْوالِ المَوْجُوداتِ عَلى وُجُودِ صانِعِها.
والرُّؤْيَةُ هُنا مُسْتَعْمَلَةٌ لِلِانْكِشافِ والمَعْرِفَةِ، فالإراءَةُ بِمَعْنى الكَشْفِ والتَّعْرِيفِ، فَتَشْمَلُ المُبْصَراتِ والمَعْقُولاتِ المُسْتَدَلَّ بِجَمِيعِها عَلى الحَقِّ وهي إراءَةُ إلْهامٍ وتَوْفِيقٍ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿أوَلَمْ يَنْظُرُوا في مَلَكُوتِ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ [الأعراف: ١٨٥]، فَإبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ ابْتُدِئَ في أوَّلِ أمْرِهِ بِالإلْهامِ إلى الحَقِّ كَما ابْتُدِئَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالرُّؤْيا الصّادِقَةِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِالإراءَةِ العِلْمُ بِطَرِيقِ الوَحْيِ. وقَدْ حَصَلَتْ هَذِهِ الإراءَةُ في الماضِي فَحَكاها القُرْآنُ بِصِيغَةِ المُضارِعِ لِاسْتِحْضارِ تِلْكَ الإراءَةِ العَجِيبَةِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿اللَّهُ الَّذِي أرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحابًا﴾ [فاطر: ٩] .
والمَلَكُوتُ اتَّفَقَ أئِمَّةُ اللُّغَةِ عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ كالرَّغَبُوتِ والرَّحَمُوتِ والرَّهَبُوتِ والجَبَرُوتِ. وقالُوا: إنَّ الواوَ والتّاءَ فِيهِ لِلْمُبالَغَةِ. وظاهِرُهُ أنَّ مَعْناهُ المِلْكُ بِكَسْرِ المِيمِ لِأنَّ مَصْدَرَ مَلَكَ المِلْكُ بِكَسْرِ المِيمِ ولَمّا كانَ فِيهِ زِيادَةٌ تُفِيدُ المُبالَغَةَ كانَ مَعْناهُ المِلْكَ القَوِيَّ الشَّدِيدَ. ولِذَلِكَ فَسَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بِالرُّبُوبِيَّةِ والإلَهِيَّةِ.
(p-٣١٦)وفِي اللِّسانِ: مُلْكُ اللَّهِ ومَلَكُوتُهُ سُلْطانُهُ ولِفُلانٍ مَلَكُوتُ العِراقِ، أيْ سُلْطانُهُ ومِلْكُهُ. وهَذا يَقْتَضِي أنَّهُ مُرادِفٌ لِلْمُلْكِ بِضَمِّ المِيمِ وفي طَبْعَةِ اللِّسانِ في بُولاقَ رُقِّمَتْ عَلى مِيمِ مُلْكِهِ ضَمَّةٌ.
وفِي الإتْقانِ عَنْ عِكْرِمَةَ وابْنِ عَبّاسٍ: أنَّ المَلَكُوتَ كَلِمَةٌ نَبَطِيَّةٌ. فَيَظْهَرُ أنَّ صِيغَةَ فَعَلَوْتٍ في جَمِيعِ المَوارِدِ الَّتِي ورَدَتْ فِيها أنَّها مِنَ الصِّيَغِ الدَّخِيلَةِ في اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، وأنَّها في النَّبَطِيَّةِ دالَّةٌ عَلى المُبالَغَةِ، فَنَقَلَها العَرَبُ إلى لُغَتِهِمْ لِما فِيها مِن خُصُوصِيَّةِ القُوَّةِ. ويُسْتَخْلَصُ مِن هَذا أنَّ المَلَكُوتَ يُطْلَقُ مَصْدَرًا لِلْمُبالَغَةِ في المُلْكِ، وأنَّ المُلْكَ (بِالضَّمِّ) لَمّا كانَ مِلْكًا (بِالكَسْرِ) عَظِيمًا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أيْضًا المَلَكُوتُ.
فَأمّا في هَذِهِ الآيَةِ فَهو مُجازٌ عَلى كِلا الإطْلاقَيْنِ لِأنَّهُ مِن إطْلاقِ المَصْدَرِ وإرادَةِ اسْمِ المَفْعُولِ، وهو المَمْلُوكُ، كالخَلْقِ عَلى المَخْلُوقِ، إمّا مِنَ المِلْكِ بِكَسْرِ المِيمِ أوْ مِنَ المُلْكِ بِضَمِّها.
وإضافَةُ مَلَكُوتِ السَّماواتِ والأرْضِ عَلى مَعْنى (في) . والمَعْنى ما يَشْمَلُهُ المُلْكُ أوِ المِلْكُ، والمُرادُ مُلْكُ اللَّهِ. والمَعْنى نَكْشِفُ لِإبْراهِيمَ دَلائِلَ مَخْلُوقاتِنا أوْ عَظَمَةَ سُلْطانِنا كَشْفًا يُطْلِعُهُ عَلى حَقائِقِها ومَعْرِفَةِ أنْ لا خالِقَ ولا مُتَصَرِّفَ فِيما كَشَفْنا لَهُ سِوانا.
وعَطْفُ قَوْلِهِ ﴿ولِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ﴾ عَلى قَوْلِهِ وكَذَلِكَ لِأنَّ وكَذَلِكَ أفادَ كَوْنَ المُشَبَّهِ بِهِ تَعْلِيمًا فائِقًا. فَفُهِمَ مِنهُ أنَّ المُشَبَّهَ بِهِ عِلَّةٌ لِأمْرٍ مُهِمٍّ هو مِن جِنْسِ المُشَبَّهِ بِهِ. فالتَّقْدِيرُ: وكَذَلِكَ نُرِي إبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ إراءَ تَبْصِيرٍ وفَهْمٍ لِيَعْلَمَ عِلْمًا عَلى وفْقٍ لِذَلِكَ التَّفْهِيمِ، وهو العِلْمُ الكامِلُ ولِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ. وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ هَذا عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ ولِتَسْتَبِينَ سَبِيلَ المُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام: ٥٥] في هَذِهِ السُّورَةِ.
والمُوقِنُ هو العالِمُ عِلْمًا لا يَقْبَلُ الشَّكَّ، وهو الإيقانُ. والمُرادُ الإيقانُ في مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعالى وصِفاتِهِ. وقَوْلُهُ ﴿ولِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ﴾ أبْلَغُ مِن أنْ يُقالَ: ولِيَكُونَ مُوقِنًا كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿قَدْ ضَلَلْتُ إذًا وما أنا مِنَ المُهْتَدِينَ﴾ [الأنعام: ٥٦] في هَذِهِ السُّورَةِ.
{"ayah":"وَكَذَ ٰلِكَ نُرِیۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلِیَكُونَ مِنَ ٱلۡمُوقِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق