الباحث القرآني
﴿ولَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتابًا في قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ هَذا إلّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ .
يَجُوزُ أنْ تَكُونَ الواوُ عاطِفَةً، والمَعْطُوفُ عَلَيْهِ جُمْلَةَ ﴿وما تَأْتِيهِمْ مِن آيَةٍ مِن آياتِ رَبِّهِمْ﴾ [الأنعام: ٤] إلَخْ، وما بَيْنَهُما جُمَلًا تَعَلَّقَتْ بِالجُمْلَةِ الأُولى عَلى طَرِيقَةِ الِاعْتِراضِ، فَلَمّا ذَكَرَ الآياتِ (p-١٤١)فِي الجُمْلَةِ الأُولى عَلى وجْهِ العُمُومِ ذَكَرَ هُنا فَرْضَ آيَةٍ تَكُونُ أوْضَحَ الآياتِ دَلالَةً عَلى صِدْقِ مُحَمَّدٍ ﷺ وهي أنْ يُنْزِلَ اللَّهُ عَلَيْهِ كِتابًا مِنَ السَّماءِ عَلى صُورَةِ الكُتُبِ المُتَعارَفَةِ، فَرَأوْهُ بِأبْصارِهِمْ ولَمَسُوهُ بِأيْدِيهِمْ - لَما آمَنُوا ولادَّعَوْا أنَّ ذَلِكَ الكِتابَ سِحْرٌ.
ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الواوُ لِلْحالِ مِن ضَمِيرِ كَذَّبُوا في قَوْلِهِ: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا بِالحَقِّ لَمّا جاءَهُمْ﴾ [الأنعام: ٥] أيْ أنْكَرُوا كَوْنَ القُرْآنِ مِن عِنْدِ اللَّهِ، وكَوْنَهُ آيَةً عَلى صِدْقِ الرَّسُولِ، وزَعَمُوا أنَّهُ لَوْ كانَ مِن عِنْدِ اللَّهِ لَنَزَلَ في صُورَةِ كِتابٍ مِنَ السَّماءِ، فَإنَّهم قالُوا: ﴿لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً﴾ [الفرقان: ٣٢] وقالُوا: ﴿حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتابًا نَقْرَؤُهُ﴾ [الإسراء: ٩٣] فَكانَ قَوْلُهُ: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا بِالحَقِّ لَمّا جاءَهُمْ﴾ [الأنعام: ٥] مُشْتَمِلًا بِالإجْمالِ عَلى أقْوالِهِمْ فَصَحَّ مَجِيءُ الحالِ مِنهُ، وما بَيْنَهُما اعْتِراضٌ أيْضًا.
وعَلى الوَجْهِ الأوَّلِ فالكِتابُ الشَّيْءُ المَكْتُوبُ سَواءً كانَ سِفْرًا أمْ رِسالَةً، وعَلى الثّانِي فالمُرادُ بِكِتابٍ سِفْرٌ أيْ مِثْلَ التَّوْراةِ.
والخِطابُ لِلنَّبِيءِ ﷺ لا مَحالَةَ لِأنَّ كُلَّ كَلامٍ يَنْزِلُ مِنَ القُرْآنِ مُوَجَّهٌ إلَيْهِ لِأنَّهُ المُبَلِّغُ، فانْتِقالُ الخِطابِ إلَيْهِ بَعْدَ الحَدِيثِ عَنْ ذَوِي ضَمائِرَ أُخْرى لا يَحْتاجُ إلى مُناسَبَةٍ في الِانْتِقالِ. ولَيْسَ يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ المُرادُ كِتابًا فِيهِ تَصْدِيقُهُ بَلْ أعَمَّ مِن ذَلِكَ.
وقَوْلُهُ في: قِرْطاسٍ صِفَةٌ لِـ كِتابٍ، والظَّرْفِيَّةُ مَجازِيَّةٌ مِن ظَرْفِيَّةِ اسْمِ الشَّيْءِ في اسْمِ جُزْئِهِ. والقِرْطاسُ بِكَسْرِ القافِ عَلى الفَصِيحِ، ونُقِلَ ضَمُّ القافِ وهو ضَعِيفٌ. وهو اسْمٌ لِلصَّحِيفَةِ الَّتِي يُكْتَبُ فِيها ويَكُونُ مِن رِقٍّ ومِن بَرْدِيٍّ ومِن كاغِدٍ، ولا يَخْتَصُّ بِما كانَ مِن كاغِدٍ بَلْ يُسَمّى قِرْطاسًا ما كانَ مِن رِقٍّ. ومِنَ النّاسِ مَن زَعَمَ أنَّهُ لا يُقالُ قِرْطاسٌ إلّا لِما كانَ مَكْتُوبًا وإلّا سُمِّيَ طِرْسًا، ولَمْ يَصِحَّ. وسَمّى العَرَبُ الأدِيمَ الَّذِي يُجْعَلُ غَرَضًا لِمُتَعَلِّمِ الرَّمْيِ قِرْطاسًا فَقالُوا: سَدَّدَ القِرْطاسَ، أيْ سَدَّدَ رَمْيَهُ. قالَ الجَوالِيقِيُّ: القِرْطاسُ تَكَلَّمُوا بِهِ قَدِيمًا ويُقالُ: إنَّ أصْلَهُ غَيْرُ عَرَبِيٍّ. ولَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ الرّاغِبُ ولا لِسانُ العَرَبِ ولا القامُوسُ، وأثْبَتَهُ الخَفاجِيُّ في شِفاءِ الغَلِيلِ. وقالَ: هو الفَرَسُ الأبْيَضُ. وقالَ الآلُوسِيُّ: أصْلُهُ كُرّاسَةٌ. ولَمْ يَذْكُرُوا أنَّهُ مُعَرَّبٌ عَنْ أيِّ لُغَةٍ، فَإنْ كانَ مُعَرَّبًا فَلَعَلَّهُ مُعَرَّبٌ عَنِ الرُّومِيَّةِ، ولِذَلِكَ كانَ اسْمُ الوَرَقَةِ في لُغَةِ بَعْضِهِمُ اليَوْمَ (كارْتا) .
(p-١٤٢)وقَوْلُهُ فَلَمَسُوهُ عَطْفٌ عَلى نَزَّلْنا. واللَّمْسُ وضْعُ اليَدِ عَلى الشَّيْءِ لِمَعْرِفَةِ وُجُودِهِ، أوْ لِمَعْرِفَةِ وصْفِ ظاهِرِهِ مِن لِينٍ أوْ خُشُونَةٍ، ومِن بُرُودَةٍ أوْ حَرارَةٍ، أوْ نَحْوِ ذَلِكَ. فَقَوْلُهُ بِأيْدِيهِمْ تَأْكِيدٌ لِمَعْنى اللَّمْسِ لِرَفْعِ احْتِمالِ أنْ يَكُونَ مَجازًا في التَّأمُّلِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأنّا لَمَسْنا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وشُهُبًا﴾ [الجن: ٨]، ولِلْإفْصاحِ عَنْ مُنْتَهى ما اعْتِيدَ مِن مُكابَرَتِهِمْ ووَقاحَتِهِمْ في الإنْكارِ والتَّكْذِيبِ، ولِلتَّمْهِيدِ لِقَوْلِهِ: ﴿لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ هَذا إلّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾، لِأنَّ المَظاهِرَ السِّحْرِيَّةَ تَخَيُّلاتٌ لا تُلْمَسُ.
وجاءَ قَوْلُهُ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ دُونَ أنْ يَقُولَ: لَقالُوا، كَما قالَ: فَلَمَسُوهُ إظْهارًا في مَقامِ الإضْمارِ لِقَصْدِ تَسْجِيلِ أنَّ دافِعَهم إلى هَذا التَّعَنُّتِ هو الكُفْرُ، لِأنَّ المَوْصُولَ يُؤْذِنُ بِالتَّعْلِيلِ.
ومَعْنى ﴿إنْ هَذا إلّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ أنَّهم يُغالِطُونَ أنْفُسَهم ويُغالِطُونَ قَوْمَهم لِسَتْرِ مُكابَرَتِهِمْ ولِدَفْعِ ما ظَهَرَ مِنَ الغَلَبَةِ عَلَيْهِمْ. وهَذا شَأْنُ المَغْلُوبِ المَحْجُوجِ أنْ يَتَعَلَّقَ بِالمَعاذِيرِ الكاذِبَةِ.
والمُبِينُ: البَيِّنُ الواضِحُ، مُشْتَقٌّ مِن (أبانَ) مُرادِفُ (بانَ) . وتَقَدَّمَ مَعْنى السِّحْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يُعَلِّمُونَ النّاسَ السِّحْرَ﴾ [البقرة: ١٠٢] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
{"ayah":"وَلَوۡ نَزَّلۡنَا عَلَیۡكَ كِتَـٰبࣰا فِی قِرۡطَاسࣲ فَلَمَسُوهُ بِأَیۡدِیهِمۡ لَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا سِحۡرࣱ مُّبِینࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق