الباحث القرآني
﴿وإذا رَأيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ في آياتِنا فَأعْرِضْ عَنْهم حَتّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ وإمّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ .
عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿وكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ﴾ [الأنعام: ٦٦] .
والعُدُولُ عَنِ الإتْيانِ بِالضَّمِيرِ إلى الإتْيانِ بِالِاسْمِ الظّاهِرِ وهو اسْمُ المَوْصُولِ، فَلَمْ يَقُلْ: وإذا رَأيْتَهم فَأعْرِضْ عَنْهم، يَدُلُّ عَلى أنَّ الَّذِينَ يَخُوضُونَ في الآياتِ فَرِيقٌ خاصٌّ مِنَ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالقُرْآنِ أوْ بِالعَذابِ. فَعُمُومُ القَوْمِ أنْكَرُوا وكَذَّبُوا دُونَ خَوْضٍ في آياتِ القُرْآنِ، فَأُولَئِكَ قِسْمٌ، والَّذِينَ يَخُوضُونَ في الآياتِ قِسْمٌ كانَ أبْذى وأقْذَعَ، وأشَدَّ كُفْرًا وأشْنَعَ، وهُمُ المُتَصَدُّونَ لِلطَّعْنِ في القُرْآنِ. وهَؤُلاءِ أُمِرَ الرَّسُولُ ﷺ بِالإعْراضِ عَنْ مُجادَلَتِهِمْ وتَرْكِ مُجالِسِهِمْ حَتّى يَرْعَوُوا عَنْ ذَلِكَ. ولَوْ أُمِرَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِالإعْراضِ عَنْ جَمِيعِ المُكَذِّبِينَ لَتَعَطَّلَتِ الدَّعْوَةُ والتَّبْلِيغُ.
ومَعْنى ﴿إذا رَأيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ﴾ إذا رَأيْتَهم في حالِ خَوْضِهِمْ.
وجاءَ تَعْرِيفُ هَؤُلاءِ بِالمَوْصُولِيَّةِ دُونَ أنْ يُقالَ الخائِضِينَ أوْ قَوْمًا خائِضِينَ لِأنَّ المَوْصُولَ فِيهِ إيماءٌ إلى وجْهِ الأمْرِ بِالإعْراضِ لِأنَّهُ أمْرٌ غَرِيبٌ، إذْ شَأْنُ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنْ يُمارِسَ النّاسَ لِعَرْضِ دَعْوَةِ الدِّينِ، فَأمْرُ اللَّهِ إيّاهُ بِالإعْراضِ عَنْ فَرِيقٍ مِنهم يَحْتاجُ إلى تَوْجِيهٍ واسْتِئْناسٍ. وذَلِكَ بِالتَّعْلِيلِ الَّذِي أفادَهُ المَوْصُولُ وصِلَتُهُ، أيْ فَأعْرِضْ عَنْهم لِأنَّهم يَخُوضُونَ في آياتِنا.
(p-٢٨٩)وهَذِهِ الآيَةُ أحْسَنُ ما يُمَثَّلُ بِهِ، لِمَجِيءِ المَوْصُولِ لِلْإيماءِ إلى إفادَةِ تَعْلِيلِ ما بُنِيَ عَلَيْهِ مِن خَبَرٍ أوْ إنْشاءٍ، ألا تَرى أنَّ الأمْرَ بِالإعْراضِ حُدِّدَ بِغايَةِ حُصُولِ ضِدِّ الصِّلَةِ. وهي أيْضًا أعْدَلُ شاهِدٍ لِصِحَّةِ ما فَسَّرَ بِهِ القُطْبُ الشِّيرازِيُّ في شَرْحِ المِفْتاحِ قَوْلَ السَّكّاكِيِّ: أوْ أنْ تُومِئَ بِذَلِكَ إلى وجْهِ بِناءِ الخَبَرِ بِأنَّ وجْهَ بِناءِ الخَبَرِ هو عِلَّتُهُ وسَبَبُهُ، وإنْ أبى التَّفْتَزانِيُّ ذَلِكَ التَّفْسِيرَ.
والخَوْضُ حَقِيقَتُهُ الدُّخُولُ في الماءِ مَشْيًا بِالرِّجْلَيْنِ دُونَ سِباحَةٍ ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِلتَّصَرُّفِ الَّذِي فِيهِ كُلْفَةٌ أوْ عَنَتٌ، كَما اسْتُعِيرَ التَّعَسُّفُ وهو المَشْيُ في الرَّمْلِ لِذَلِكَ. واسْتُعِيرَ الخَوْضُ أيْضًا لِلْكَلامِ الَّذِي فِيهِ تُكَلُّفُ الكَذِبِ والباطِلِ لِأنَّهُ يَتَكَلَّفُ لَهُ قائِلُهُ، قالَ الرّاغِبُ: وأكْثَرُ ما ورَدَ في القُرْآنِ ورَدَ فِيما يُذَمُّ الشُّرُوعُ فِيهِ، قالَ تَعالى ﴿يَخُوضُونَ في آياتِنا﴾ و﴿نَخُوضُ ونَلْعَبُ﴾ [التوبة: ٦٥] و﴿خُضْتُمْ كالَّذِي خاضُوا﴾ [التوبة: ٦٩] و﴿ذَرْهم في خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾ [الأنعام: ٩١] . فَمَعْنى ﴿يَخُوضُونَ في آياتِنا﴾ يَتَكَلَّمُونَ فِيها بِالباطِلِ والِاسْتِهْزاءِ.
والخِطابُ لِلرَّسُولِ ﷺ مُباشَرَةً وحُكْمُ بَقِيَّةِ المُسْلِمِينَ كَحُكْمِهِ، كَما قالَ في ذِكْرِ المُنافِقِينَ في سُورَةِ النِّساءِ ﴿فَلا تَقْعُدُوا مَعَهم حَتّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ [النساء: ١٤٠] .
والإعْراضُ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَأعْرِضْ عَنْهم وعِظْهُمْ﴾ [النساء: ٦٣] في سُورَةِ النِّساءِ.
والإعْراضُ عَنْهم هُنا هو تَرْكُ الجُلُوسِ إلى مَجالِسِهِمْ، وهو مَجازٌ قَرِيبٌ مِنَ الحَقِيقَةِ لِأنَّهُ يَلْزَمُهُ الإعْراضُ الحَقِيقِيُّ غالِبًا، فَإنْ هم غَشَوْا مَجْلِسَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فالإعْراضُ عَنْهم أنْ يَقُومَ عَنْهم وعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: فَجَعَلَ إذا اسْتَهْزَأُوا قامَ فَحُذِّرُوا وقالُوا لا تَسْتَهْزِئُوا فَيَقُومَ. وفائِدَةُ هَذا الإعْراضِ زَجْرُهم وقَطْعُ الجِدالِ مَعَهم لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ عَنْ عِنادِهِمْ.
وحَتّى غايَةٌ لِلْإعْراضِ لِأنَّهُ إعْراضُ فِيهِ تَوْقِيفُ دَعْوَتِهِمْ زَمانًا أوْجَبَهُ رَعْيُ مَصْلَحَةٍ أُخْرى هي مِن قَبِيلِ الدَّعْوَةِ فَلا يَضُرُّ تَوْقِيفُ الدَّعْوَةِ زَمانًا، فَإذا زالَ مُوجِبُ ذَلِكَ عادَتْ مُحاوَلَةُ هَدْيِهِمْ إلى أصْلِها لِأنَّها تَمَحَّضَتْ لِلْمَصْلَحَةِ.
(p-٢٩٠)وإنَّما عَبَّرَ عَنِ انْتِقالِهِمْ إلى حَدِيثٍ آخَرَ بِالخَوْضِ لِأنَّهم لا يَتَحَدَّثُونَ إلّا فِيما لا جَدْوى لَهُ مِن أحْوالِ الشِّرْكِ وأُمُورِ الجاهِلِيَّةِ.
و”غَيْرِهِ“ صِفَةٌ لِـ ”حَدِيثٍ“ . والضَّمِيرُ المُضافُ إلَيْهِ عائِدٌ إلى الخَوْضِ بِاعْتِبارِ كَوْنِهِ حَدِيثًا حَسْبَما اقْتَضاهُ وصْفُ ”حَدِيثٍ“ بِأنَّهُ غَيْرُهُ.
وقَوْلُهُ ﴿وإمّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ عَطْفُ حالَةِ النِّسْيانِ زِيادَةٌ في تَأْكِيدِ الأمْرِ بِالإعْراضِ. وأسْنَدَ الإنْساءَ إلى الشَّيْطانِ فَدَلَّنا عَلى أنَّ النِّسْيانَ مِن آثارِ الخِلْقَةِ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ فِيها حَظًّا لِعَمَلِ الشَّيْطانِ. كَما ورَدَ أنَّ «التَّثاؤُبَ مِنَ الشَّيْطانِ»، ولَيْسَ هَذا مِن وسْوَسَةِ الشَّيْطانِ في أعْمالِ الإنْسانِ لِأنَّ الرَّسُولَ ﷺ مَعْصُومٌ مِن وسْوَسَةِ الشَّيْطانِ في ذَلِكَ، فالنِّسْيانُ مِنَ الأعْراضِ البَشَرِيَّةِ الجائِزَةِ عَلى الأنْبِياءِ في غَيْرِ تَبْلِيغِ ما أُمِرُوا بِتَبْلِيغِهِ، عِنْدَ جُمْهُورِ عُلَماءِ السُّنَّةِ مِنَ الأشاعِرَةِ وغَيْرِهِمْ. قالَ ابْنُ العَرَبِيِّ في الأحْكامِ: إنَّ كِبارَ الرّافِضَةِ هُمُ الَّذِينَ ذَهَبُوا إلى تَنْزِيهِ النَّبِيءِ ﷺ مِنَ النِّسْيانِ اهـ. وهو قَوْلٌ لِبَعْضِ الأشْعَرِيَّةِ وعُزِيَ إلى الأُسْتاذِ أبِي إسْحاقَ الإسْفَرائِينِيِّ فِيما حَكاهُ نُورُ الدِّينِ الشِّيرازِيُّ في شَرْحٍ لِلْقَصِيدَةِ النُّونِيَّةِ لِشَيْخِهِ تاجِ الدِّينِ السُّبْكِيِّ. ويَتَعَيَّنُ أنَّ مُرادَهُ بِذَلِكَ فِيما طَرِيقُهُ البَلاغُ كَما يَظْهَرُ مِمّا حَكاهُ عَنْهُ القُرْطُبِيُّ: «وقَدْ نَسِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَسَلَّمَ مِن رَكْعَتَيْنِ في الصَّلاةِ الرُّباعِيَّةِ، ونَسِيَ آياتٍ مِن بَعْضِ السُّوَرِ تَذَكَّرَها لَمّا سَمِعَ قِراءَةَ رَجُلٍ في صَلاةِ اللَّيْلِ»، كَما في الصَّحِيحِ. وفي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ «إنَّما أنا بَشَرٌ أنْسى كَما تَنْسَوْنَ فَإذا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي» فَذَلِكَ نِسْيانُ اسْتِحْضارِها بَعْدَ أنْ بُلِّغَها. ولَيْسَ نَظَرُنا في جَوازِ ذَلِكَ وإنَّما نَظَرُنا في إسْنادِ ذَلِكَ إلى الشَّيْطانِ فَإنَّهُ يَقْتَضِي أنَّ لِلشَّيْطانِ حَظًّا لَهُ أثَرٌ في نَفْسِ الرَّسُولِ، فَيَجُوزُ أنْ تَكُونَ بَعْضُ الأعْراضِ البَشَرِيَّةِ الَّتِي يَجُوزُ طُرُوُّها عَلى الأنْبِياءِ قَدْ جَعَلَها اللَّهُ في أصْلِ الخِلْقَةِ مِن عَمَلِ الشَّياطِينِ، كَما جَعَلَ بَعْضَ الأعْراضِ مَوْكُولَةً لِلْمَلائِكَةِ، ويَكُونُ النِّسْيانُ مِن جُمْلَةِ الأعْراضِ المَوْكُولَةِ إلى الشَّياطِينِ كَما تَكَرَّرَ إسْنادُهُ إلى الشَّيْطانِ في آياتٍ كَثِيرَةٍ مِنها. وهَذا مِثْلُ كَوْنِ التَّثاؤُبِ مِنَ الشَّيْطانِ، وكَوْنِ ذاتِ الجَنْبِ مِنَ الشَّيْطانِ. وقَدْ قالَ أيُّوبُ ﴿أنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وعَذابٍ﴾ [ص: ٤١]، وحِينَئِذٍ فالوَجْهُ أنَّ الأعْراضَ البَشَرِيَّةَ الجائِزَةَ عَلى الأنْبِياءِ الَّتِي لا تُخِلُّ بِتَبْلِيغٍ ولا تُوقِعُ في المَعْصِيَةِ قَدْ يَكُونُ بَعْضُها مِن أثَرِ عَمَلِ الشَّيْطانِ وأنَّ اللَّهَ عَصَمَهم مِنَ الشَّيْطانِ فِيما عَدا ذَلِكَ.
(p-٢٩١)ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ ﷺ قَدْ خُصَّ مِن بَيْنِ الأنْبِياءِ بِأنْ لا سُلْطَةَ لِعَمَلٍ شَيْطانِيٍّ عَلَيْهِ ولَوْ كانَ ذَلِكَ مِنَ الأعْراضِ الجائِزَةِ عَلى مَقامِ الرِّسالَةِ، فَإنَّما يَتَعَلَّقُ بِهِ مِن تِلْكَ الأعْراضِ ما لا أثَرَ لِلشَّيْطانِ فِيهِ. وقَدْ يَدُلُّ لِهَذا ما ورَدَ في حَدِيثِ شَقِّ الصَّدْرِ: «أنَّ جِبْرِيلَ لَمّا اسْتَخْرَجَ العَلَقَةَ قالَ: هَذا حَظُّ الشَّيْطانِ مِنكَ»، يَعْنِيَ مَرْكَزُ تَصَرُّفاتِهِ، فَيَكُونُ الشَّيْطانُ لا يَتَوَصَّلُ إلى شَيْءٍ يَقَعُ في نَفْسِ نَبِيِّنا ﷺ إلّا بِواسِطَةِ تَدْبِيرِ شَيْءٍ يَشْغَلُ النَّبِيءَ حَتّى يَنْسى مِثْلَ ما ورَدَ في حَدِيثِ المُوَطَّأِ حِينَ «نامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ووَكَّلَ بِلالًا بِأنْ يَكْلَأ لَهُمُ الفَجْرَ، فَنامَ بِلالٌ حَتّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَإنَّ النَّبِيءَ قالَ: إنَّ الشَّيْطانَ أتى بِلالًا فَلَمْ يَزَلْ يُهَدِّئُهُ كَما يُهَدَّأُ الصَّبِيُّ حَتّى نامَ» . فَأمّا نَوْمُ النَّبِيءِ والمُسْلِمِينَ عَدا بِلالًا فَكانَ نَوْمًا مُعْتادًا لَيْسَ مِن عَمَلِ الشَّيْطانِ. وإلى هَذا الوَجْهِ أشارَ عِياضٌ في الشِّفاءِ. وقَرِيبٌ مِنهُ ما ورَدَ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَأى لَيْلَةَ القَدْرِ، فَخَرَجَ لِيَعْلَمَ النّاسُ فَتَلاحى رَجُلانِ فَرُفِعَتْ» . فَإنَّ التَّلاحِيَ مِن عَمَلِ الشَّيْطانِ، ولَمْ يَكُنْ يَسْتَطِيعُ رَفْعَ لَيْلَةِ القَدْرِ بِنَفْسِهِ فَوَسْوَسَ بِالتَّلاحِي.
والحاصِلُ أنَّ الرَّسُولَ ﷺ مَعْصُومٌ مِنَ الوَسْوَسَةِ، وأمّا ما دُونَها مِثْلَ الإنْساءِ والنَّزْغِ فَلا يَلْزَمُ أنْ يُعْصَمَ مِنهُ. وقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الأمْرَيْنِ: أنَّ الوَسْوَسَةَ آثارُها وُجُودِيَّةٌ والإنْساءَ والنَّزْغَ آثارُهُما عَدَمِيَّةٌ، وهي الذُّهُولُ والشَّغْلُ ونَحْوُ ذَلِكَ.
فالمَعْنى إنْ أنْساكَ الشَّيْطانُ الإعْراضَ عَنْهم فَإنْ تَذَكَّرْتَ فَلا تَقْعُدْ مَعَهم، فَهَذا النِّسْيانُ يَنْتَقِلُ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ مِن عِبادَةٍ إلى عِبادَةٍ، ومِن أُسْلُوبٍ في الدَّعْوَةِ إلى أُسْلُوبٍ آخَرَ، فَلَيْسَ إنْساءُ الشَّيْطانِ إيّاهُ إيقاعًا في مَعْصِيَةٍ إذْ لا مَفْسَدَةَ في ارْتِكابِ ذَلِكَ ولا يَحْصُلُ بِهِ غَرَضٌ مِن كَيْدِ الشَّيْطانِ في الضَّلالِ، وقَدْ رَفَعَ اللَّهُ المُؤاخَذَةَ بِالنِّسْيانِ، ولِذَلِكَ قالَ ﴿فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾، أيْ بَعْدَ أنْ تَتَذَكَّرَ الأمْرَ بِالإعْراضِ. فالذِّكْرى اسْمٌ لِلتَّذَكُّرِ وهو ضِدُّ النِّسْيانِ، فَهي اسْمُ مَصْدَرٍ، أيْ إذا أغْفَلْتَ بَعْدَ هَذا فَقَعَدْتَ إلَيْهِمْ فَإذا تَذَكَّرْتَ فَلا تَقْعُدْ، وهو ضِدُّ فَأعْرِضْ، وذَلِكَ أنَّ الأمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ يُنْسِيَنَّكَ بِسُكُونِ النُّونِ وتَخْفِيفِ السِّينِ. وقَرَأهُ ابْنُ عامِرٍ بِفَتْحِ النُّونِ وتَشْدِيدِ السِّينِ مِنَ التَّنْسِيَةِ، وهي مُبالَغَةٌ في أنْساهُ. ومِنَ العُلَماءِ مَن تَأوَّلَ (p-٢٩٢)هَذِهِ الآيَةَ بِأنَّها مِمّا خُوطِبَ بِهِ النَّبِيءُ ﷺ والمُرادُ أُمَّتُهُ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥] قالَ أبُو بَكْرِ بْنُ العَرَبِيِّ إذا عَذَرْنا أصْحابَنا في قَوْلِهِمْ ذَلِكَ في ﴿لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥] لِاسْتِحالَةِ الشِّرْكِ عَلَيْهِ فَلا عُذْرَ لَهم في هَذِهِ الآيَةِ لِجَوازِ النِّسْيانِ عَلَيْهِ.
والقَوْمُ الظّالِمُونَ هُمُ الَّذِينَ يَخُوضُونَ في آياتِ اللَّهِ، فَهَذا مِنَ الإظْهارِ في مَقامِ الإضْمارِ لِزِيادَةِ فائِدَةِ وصْفِهِمْ بِالظُّلْمِ، فَيُعْلَمُ أنَّ خَوْضَهم في آياتِ اللَّهِ ظُلْمٌ، فَيُعْلَمُ أنَّهُ خَوْضُ إنْكارٍ لِلْحَقِّ ومُكابَرَةٍ لِلْمُشاهَدَةِ.
{"ayah":"وَإِذَا رَأَیۡتَ ٱلَّذِینَ یَخُوضُونَ فِیۤ ءَایَـٰتِنَا فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ حَتَّىٰ یَخُوضُوا۟ فِی حَدِیثٍ غَیۡرِهِۦۚ وَإِمَّا یُنسِیَنَّكَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ فَلَا تَقۡعُدۡ بَعۡدَ ٱلذِّكۡرَىٰ مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق