الباحث القرآني
﴿وهو القاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وهْوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ﴾ .
هَذِهِ الجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿وإنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ﴾ [الأنعام: ١٧] الآيَةَ، والمُناسَبَةُ بَيْنَهُما أنَّ مَضْمُونَ كِلْتَيْهِما يُبْطِلُ اسْتِحْقاقَ الأصْنامِ العِبادَةَ. فالآيَةُ الأُولى أبْطَلَتْ ذَلِكَ بِنَفْيِ أنْ يَكُونَ لِلْأصْنامِ تَصَرُّفٌ في أحْوالِ المَخْلُوقاتِ، وهَذِهِ الآيَةُ أبْطَلَتْ أنْ يَكُونَ غَيْرُ اللَّهِ قاهِرًا عَلى أحَدٍ أوْ خَبِيرًا أوْ عالِمًا بِإعْطاءِ كُلِّ مَخْلُوقٍ ما يُناسِبُهُ، ولا جَرَمَ أنَّ الإلَهَ تَجِبُ لَهُ القُدْرَةُ والعِلْمُ، وهُما جِماعُ صِفاتِ الكَمالِ، كَما تَجِبُ لَهُ صِفاتُ الأفْعالِ مِن نَفْعٍ وضُرٍّ وإحْياءٍ وإماتَةٍ، وهي تَعَلُّقاتٌ لِلْقُدْرَةِ أُطْلِقَ عَلَيْها اسْمُ الصِّفاتِ عِنْدَ غَيْرِ الأشْعَرِيِّ نَظَرًا لِلْعُرْفِ، وأدْخَلَها الأشْعَرِيُّ في صِفَةِ القُدْرَةِ لِأنَّها تَعَلُّقاتٌ لَها، وهو التَّحْقِيقُ.
ولِذَلِكَ تَتَنَزَّلُ هَذِهِ الآيَةُ مِنَ الَّتِي قَبْلَها مَنزِلَةَ التَّعْمِيمِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ لِأنَّ الَّتِي قَبْلَها ذَكَرَتْ كَمالَ تَصَرُّفِهِ في المَخْلُوقاتِ وجاءَتْ بِهِ في قالَبِ تَثْبِيتِ الرَّسُولِ ﷺ كَما قَدَّمْنا، وهَذِهِ الآيَةُ أوْعَتْ قُدْرَتَهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وعِلْمَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، وذَلِكَ أصْلُ جَمِيعِ الفِعْلِ والصُّنْعِ.
والقاهِرُ الغالِبُ المُكْرِهُ الَّذِي لا يَنْفَلِتُ مِن قُدْرَتِهِ مِن عُدِّيَ إلَيْهِ فِعْلُ القَهْرِ.
وقَدْ أفادَ تَعْرِيفُ الجُزْءَيْنِ القَصْرَ، أيْ لا قاهِرَ إلّا هو، لِأنَّ قَهْرَ اللَّهِ تَعالى هو القَهْرُ الحَقِيقِيُّ الَّذِي لا يَجِدُ المَقْهُورُ مِنهُ مَلاذًا، لِأنَّهُ قَهْرٌ بِأسْبابٍ لا يَسْتَطِيعُ أحَدٌ خَلْقَ ما يُدافِعُها. ومِمّا يُشاهَدُ مِنها دَوْمًا النَّوْمُ وكَذَلِكَ المَوْتُ. سُبْحانَ مَن قَهَرَ العِبادَ بِالمَوْتِ.
(p-١٦٥)و(فَوْقَ) ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِـ (القاهِرُ) وهو اسْتِعارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ لِحالَةِ القاهِرِ بِأنَّهُ كالَّذِي يَأْخُذُ المَغْلُوبَ مِن أعْلاهُ فَلا يَجِدُ مُعالَجَةً ولا حَراكًا. وهو تَمْثِيلٌ بَدِيعٌ ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى حِكايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ: ﴿وإنّا فَوْقَهم قاهِرُونَ﴾ [الأعراف: ١٢٧] .
ولا يُفْهَمُ مِن ذَلِكَ جِهَةٌ هي في عُلُوٍّ كَما قَدْ يُتَوَهَّمُ، فَلا تُعَدُّ هَذِهِ الآيَةُ مِنَ المُتَشابِهاتِ.
و(العِبادُ): هُمُ المَخْلُوقُونَ مِنَ العُقَلاءِ، فَلا يُقالُ لِلدَّوابِّ عِبادُ اللَّهِ، وهو في الأصْلِ جَمْعُ عَبْدٍ لَكِنَّ الِاسْتِعْمالَ خَصَّهُ بِالمَخْلُوقاتِ، وخَصَّ العَبِيدَ بِجَمْعِ عَبْدٍ بِمَعْنى المَمْلُوكِ.
ومَعْنى القَهْرِ فَوْقَ العِبادِ أنَّهُ خالِقُ ما لا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدَرِهِمْ؛ بِحَيْثُ يُوجِدُ ما لا يُرِيدُونَ وُجُودَهُ كالمَوْتِ، ويَمْنَعُ ما يُرِيدُونَ تَحْصِيلَهُ كالوَلَدِ لِلْعَقِيمِ والجَهْلِ بِكَثِيرٍ مِنَ الأشْياءِ، بِحَيْثُ إنَّ كُلَّ أحَدٍ يَجِدُ في نَفْسِهِ أُمُورًا يَسْتَطِيعُ فِعْلَها وأُمُورًا لا يَسْتَطِيعُ فِعْلَها وأُمُورًا يَفْعَلُها تارَةً ولا يَسْتَطِيعُ فِعْلَها تارَةً، كالمَشْيِ لِمَن خَدِرَتْ رِجْلُهُ؛ فَيَعْلَمُ كُلُّ أحَدٍ أنَّ اللَّهَ هو خالِقُ القُدَرِ والِاسْتِطاعاتِ لِأنَّهُ قَدْ يَمْنَعُها، ولِأنَّهُ يَخْلُقُ ما يَخْرُجُ عَنْ مَقْدُورِ البَشَرِ، ثُمَّ يَقِيسُ العَقْلُ عَوالِمَ الغَيْبِ عَلى عالَمِ الشَّهادَةِ. وقَدْ خَلَقَ اللَّهُ العَناصِرَ والقُوى وسَلَّطَ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فَلا تَسْتَطِيعُ المُدافَعَةَ إلّا ما خَوَّلَها اللَّهُ.
و(الحَكِيمُ): المُحْكِمُ المُتْقِنُ لِلْمَصْنُوعاتِ، فَعِيلٌ بِمَعْنى مُفْعِلٌ، وقَدْ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: ﴿فاعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٠٩] في سُورَةِ البَقَرَةِ وفي مَواضِعَ كَثِيرَةٍ.
والخَبِيرُ: مُبالَغَةٌ في اسْمِ الفاعِلِ مِن (خَبَرَ) المُتَعَدِّي، بِمَعْنى (عَلِمَ)، يُقالُ: خَبَرَ الأمْرَ، إذا عَلِمَهُ وجَرَّبَهُ. وقَدْ قِيلَ: إنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الخَبَرِ لِأنَّ الشَّيْءَ إذا عُلِمَ أمْكَنَ الإخْبارُ بِهِ.
{"ayah":"وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِیمُ ٱلۡخَبِیرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق