الباحث القرآني
﴿قُلْ فَلِلَّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكم أجْمَعِينَ﴾
جَوابٌ عَنْ قَوْلِهِمْ: ﴿لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أشْرَكْنا ولا آباؤُنا﴾ [الأنعام: ١٤٨] تَكْمِلَةٌ لِلْجَوابِ السّابِقِ؛ لِأنَّهُ زِيادَةٌ في إبْطالِ قَوْلِهِمْ، وهو يُشْبِهُ المُعارَضَةَ في اصْطِلاحِ أهْلِ الجَدَلِ.
وأُعِيدَ فِعْلُ الأمْرِ بِالقَوْلِ لِاسْتِرْعاءِ الأسْماعِ لِما سَيَرِدُ بَعْدَ فِعْلِ (قُلْ) وقَدْ كُرِّرَ ثَلاثَ مَرّاتٍ مُتَعاقِبَةً بِدُونِ عَطْفٍ، والنُّكْتَةُ ما تَقَدَّمَ مِن كَوْنِ القَوْلِ جارِيًا عَلى طَرِيقَةِ المُقاوَلَةِ.
والفاءُ فَصِيحَةٌ تُؤْذِنُ بِكَلامٍ مُقَدَّرٍ هو شَرْطٌ، والتَّقْدِيرُ: فَإنْ كانَ قَوْلُكم لِمُجَرَّدِ اتِّباعِ الظَّنِّ والخَرْصِ وسُوءِ التَّأْوِيلِ فَلِلَّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ.
وتَقْدِيمُ المَجْرُورِ عَلى المُبْتَدَأِ لِإفادَةِ الِاخْتِصاصِ؛ أيْ: لِلَّهِ لا لَكم، فَفُهِمَ مِنهُ أنَّ حُجَّتَهم داحِضَةٌ.
والحُجَّةُ: الأمْرُ الَّذِي يَدُلُّ عَلى صِدْقِ أحَدٍ في دَعْواهُ وعَلى مُصادَفَةِ المُسْتَدِلِّ وجْهَ الحَقِّ، وتَقَدَّمَ القَوْلُ فِيها عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِئَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكم حُجَّةٌ﴾ [البقرة: ١٥٠] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
والبالِغَةُ هي الواصِلَةُ؛ أيْ: الواصِلَةُ إلى ما قُصِدَتْ لِأجْلِهِ، وهو غَلَبُ الخَصْمِ، وإبْطالُ حُجَّتِهِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿حِكْمَةٌ بالِغَةٌ﴾ [القمر: ٥] فالبُلُوغُ اسْتِعارَةٌ مَشْهُورَةٌ لِحُصُولِ المَقْصُودِ مِنَ الشَّيْءِ فَلا حاجَةَ إلى إجْراءِ اسْتِعارَةٍ (p-١٥٢)مَكْنِيَّةٍ في الحُجَّةِ بِأنْ تُشَبَّهَ بِسائِرٍ إلى غايَةٍ، وقَرِينَتُها إثْباتُ البُلُوغِ، ولا حاجَةَ أيْضًا إلى جَعْلِ إسْنادِ البُلُوغِ إلى الحُجَّةِ مَجازًا عَقْلِيًّا؛ أيْ: بالِغًا صاحِبُها قَصْدَهُ؛ لِأنَّهُ لا مَحِيصَ مِنِ اعْتِبارِ الِاسْتِعارَةِ في مَعْنى البُلُوغِ، فالتَّفْسِيرُ بِهِ مِن أوَّلِ وهْلَةٍ أوْلى، والمَعْنى: لِلَّهِ الحُجَّةُ الغالِبَةُ لَكم؛ أيْ: ولَيْسَ اسْتِدْلالُكم بِحُجَّةٍ.
والفاءُ في قَوْلِهِ: ﴿فَلَوْ شاءَ﴾ فاءُ التَّفْرِيعِ عَلى ظُهُورِ حُجَّةِ اللَّهِ تَعالى عَلَيْهِمْ؛ تَفَرَّعَ عَلى بُطْلانِ اسْتِدْلالِهِمْ أنَّ اللَّهَ لَوْ شاءَ لَهَداهم؛ أيْ: لَوْ شاءَ هِدايَتَهم بِأكْثَرَ مِن إرْسالِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِأنْ يُغَيِّرَ عُقُولَهم فَتَأْتِي عَلى خِلافِ ما هُيِّئَتْ لَهُ لَكانَ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بِوَجْهِ عِنايَةٍ خاصَّةٍ بِهِمْ أوْ خارِقِ عادَةٍ لِأجْلِهِمْ، إذْ لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، ولَكِنَّ حِكْمَتَهُ قَضَتْ أنْ لا يُعَمِّمَ عِنايَتَهُ بَلْ يَخْتَصَّ بِها بَعْضَ خاصَّتِهِ، وأنْ لا يَعْدِلَ عَنْ سُنَّتِهِ في الهِدايَةِ؛ بِوَضْعِ العُقُولِ وتَنْبِيهِها إلى الحَقِّ بِإرْسالِ الرُّسُلِ ونَصْبِ الأدِلَّةِ والدُّعاءِ إلى سَبِيلِهِ بِالحِكْمَةِ والمَوْعِظَةِ، فالمَشِيئَةُ المَقْصُودَةُ في قَوْلِهِ: ﴿فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ﴾ غَيْرُ المَشِيئَةِ المَقْصُودَةِ فِيما حَكى اللَّهُ عَنْهم مِن قَوْلِهِمْ: ﴿لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أشْرَكْنا﴾ [الأنعام: ١٤٨] وإلّا لَكانَ ما أنْكَرَ عَلَيْهِمْ قَدْ أثْبَتَ نَظِيرَهُ عَقِبَ الإنْكارِ فَتَتَناقَضَ المُحاجَّةُ؛ لِأنَّ الهِدايَةَ تُساوِي عَدَمَ الإشْراكِ وعَدَمَ التَّحْرِيمِ، فَلا يَصْدُقُ جَعْلُ كِلَيْهِما جَوابًا لِـ (لَوِ) الِامْتِناعِيَّةِ، فالمَشِيئَةُ المَقْصُودَةُ في الرَّدِّ عَلَيْهِمْ هي المَشِيئَةُ الخَفِيَّةُ المَحْجُوبَةُ، وهي مَشِيئَةُ التَّكْوِينِ، والمَشِيئَةُ المُنْكَرَةُ عَلَيْهِمْ هي ما أرادُوهُ مِنَ الِاسْتِدْلالِ بِالواقِعِ عَلى الرِّضى والمَحَبَّةِ.
هَذا وجْهُ تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ الَّتِي كَلَّلَها مِنَ الإيجازِ ما شَتَّتَ أفْهامًا كَثِيرَةً في وجْهِ تَفْسِيرِها لا يَخْفى بُعْدُها عَنْ مُطالِعِ التَّفاسِيرِ، والمُوازَنَةُ بَيْنَها وبَيْنَ ما هُنا.
{"ayah":"قُلۡ فَلِلَّهِ ٱلۡحُجَّةُ ٱلۡبَـٰلِغَةُۖ فَلَوۡ شَاۤءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











