الباحث القرآني
﴿وإذا جاءَتْهم آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ﴾
عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿جَعَلْنا في كُلِّ قَرْيَةٍ أكابِرَ مُجْرِمِيها﴾ [الأنعام: ١٢٣] لِأنَّ هَذا حَدِيثٌ عَنْ شَيْءٍ مِن أحْوالِ أكابِرَ مُجْرِمِي مَكَّةَ، وهُمُ المَقْصُودُ مِنَ التَّشْبِيهِ في قَوْلِهِ: ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْنا في كُلِّ قَرْيَةٍ أكابِرَ مُجْرِمِيها﴾ [الأنعام: ١٢٣] . ومَكَّةُ هي المَقْصُودُ مِن عُمُومِ كُلِّ قَرْيَةٍ كَما تَقَدَّمَ، فالضَّمِيرُ المَنصُوبُ في قَوْلِهِ: (جاءَتْهم) عائِدٌ إلى ﴿أكابِرَ مُجْرِمِيها﴾ [الأنعام: ١٢٣] بِاعْتِبارِ الخاصِّ المَقْصُودِ مِن (p-٥٢)العُمُومِ؛ إذْ لَيْسَ قَوْلُ ﴿لَنْ نُؤْمِنَ حَتّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ﴾ بِمَنسُوبٍ إلى جَمِيعِ أكابِرِ المُجْرِمِينَ مِن جَمِيعِ القُرى.
والمَعْنى: إذا جاءَتْهم آيَةٌ مِن آياتِ القُرْآنِ؛ أيْ: تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَةٌ فِيها دَعَوْتُهم إلى الإيمانِ، فَعَبَّرَ بِالمَجِيءِ عَنِ الإعْلامِ بِالآيَةِ أوْ تِلاوَتِها تَشْبِيهًا لِلْإعْلامِ بِمَجِيءِ الدّاعِي أوِ المُرْسَلِ، والمُرادُ أنَّهم غَيْرُ مُقْتَنِعِينَ بِمُعْجِزَةِ القُرْآنِ، وأنَّهم يَطْلُبُونَ مُعْجِزاتٍ عَيْنِيَّةٍ مِثْلَ مُعْجِزَةِ مُوسى ومُعْجِزَةِ عِيسى، وهَذا في مَعْنى قَوْلِهِمْ: ﴿فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الأوَّلُونَ﴾ [الأنبياء: ٥] لِجَهْلِهِمْ بِالحِكْمَةِ الإلَهِيَّةِ في تَصْرِيفِ المُعْجِزاتِ بِما يُناسِبُ حالِ المُرْسَلِ إلَيْهِمْ، كَما حَكى اللَّهُ تَعالى: ﴿وقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِن رَبِّهِ﴾ [العنكبوت: ٥٠] ﴿قُلْ إنَّما الآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وإنَّما أنا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [العنكبوت: ٥٠] أوْلَمَ ﴿يَكْفِهِمُ أنّا أنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إنَّ في ذَلِكَ لَرَحْمَةً وذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [العنكبوت: ٥١]، وقالَ النَّبِيءُ ﷺ: «ما مِنَ الأنْبِياءِ نَبِيءٌ إلّا أُعْطِيَ مِنَ الآياتِ ما مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ البَشَرُ وإنَّما كانَ الَّذِي أُوتِيتُ وحْيًا أوْحى اللَّهُ إلَيَّ» الحَدِيثَ.
وأُطْلِقَ عَلى إظْهارِ المُعْجِزَةِ لَدَيْهِمْ بِالإيتاءِ في حِكايَةِ كَلامِهِمْ إذْ قِيلَ: ﴿حَتّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ﴾ لِأنَّ المُعْجِزَةَ لَمّا كانَتْ لِإقْناعِهِمْ بِصِدْقِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أشْبَهَتِ الشَّيْءَ المُعْطى لَهم.
ومَعْنى: ﴿مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ﴾ مِثْلَ ما آتى اللَّهُ الرُّسُلَ مِنَ المُعْجِزاتِ الَّتِي أظْهَرُوها لِأقْوامِهِمْ، فَمُرادُهُمُ الرُّسُلُ الَّذِينَ بَلَغَتْهم أخْبارُهم.
وقِيلَ: قائِلُ ذَلِكَ فَرِيقٌ مِن كُبَراءِ المُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنهم أنْ يُؤْتى صُحُفًا مُنَشَّرَةً﴾ [المدثر: ٥٢] رُوِيَ أنَّ الوَلِيدَ بْنَ المُغِيرَةِ، قالَ لِلنَّبِيءِ ﷺ: لَوْ كانَتِ النُّبُوءَةُ لَكَنْتُ أوْلى بِها مِنكَ لِأنِّي أكْبَرُ مِنكَ سِنًّا وأكْثَرُ مالًا ووَلَدًا؛ وأنَّ أبا جَهْلٍ (p-٥٣)قالَ: زاحَمَنا - يَعْنِي بَنِي مَخْزُومٍ - بَنُو عَبْدِ مَنافٍ في الشَّرَفِ، حَتّى إذا صِرْنا كَفَرَسَيْ رِهانٍ قالُوا: مِنّا نَبِيءٌ يُوحى إلَيْهِ، واللَّهِ لا نَرْضى بِهِ ولا نَتَّبِعُهُ أبَدًا إلّا أنْ يَأْتِيَنا وحْيٌ كَما يَأْتِيَهُ.
فَكانَتْ هَذِهِ الآيَةُ مُشِيرَةً إلى ما صَدَرَ مِن هَذَيْنِ، وعَلى هَذا يَكُونُ المُرادُ حَتّى يَأْتِيَنا وحْيٌ كَما يَأْتِي الرُّسُلَ، أوْ يَكُونُ المُرادُ بِرُسُلِ اللَّهِ جَمِيعَ الرُّسُلِ، فَعَدَلُوا عَنْ أنْ يَقُولُوا مِثْلَ ما أُوتِيَ مُحَمَّدٌ ﷺ؛ لِأنَّهم لا يُؤْمِنُونَ بِأنَّهُ يَأْتِيهِ وحْيٌ.
ومَعْنى (نُؤْتى) عَلى هَذا الوَجْهِ نُعْطى مِثْلَ ما أُعْطِيَ الرُّسُلُ، وهو الوَحْيُ، أوْ أرادُوا بِرُسُلِ اللَّهِ مُحَمَّدًا ﷺ فَعَبَّرُوا عَنْهُ بِصِيغَةِ الجَمْعِ تَعْرِيضًا، كَما يُقالُ: إنَّ ناسًا يَقُولُونَ كَذا، والمُرادُ شَخْصٌ مُعَيَّنٌ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء: ١٠٥] ونَحْوُهُ، ويَكُونُ إطْلاقُهم عَلَيْهِ: ﴿رُسُلُ اللَّهِ﴾ تَهَكُّمًا بِهِ ﷺ كَما حَكاهُ اللَّهُ عَنْهم في قَوْلِهِ: ﴿وقالُوا يا أيُّها الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ [الحجر: ٦]، وقَوْلِهِ: ﴿إنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إلَيْكم لَمَجْنُونٌ﴾ [الشعراء: ٢٧] .
* * *
﴿اللَّهُ أعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالاتِهِ﴾
اعْتِراضٌ لِلرَّدِّ عَلى قَوْلِهِمْ: ﴿حَتّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ﴾ عَلى كِلا الِاحْتِمالَيْنِ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِمْ ذَلِكَ.
فَعَلى الوَجْهِ الأوَّلِ في مَعْنى قَوْلِهِمْ: ﴿حَتّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ﴾ يَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ أعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالاتِهِ﴾ رَدًّا بِأنَّ اللَّهَ أعْلَمُ بِالمُعْجِزاتِ اللّائِقَةِ بِالقَوْمِ المُرْسَلِ إلَيْهِمْ؛ فَتَكُونُ (حَيْثُ) مَجازًا في المَكانِ الِاعْتِبارِيِّ لِلْمُعْجِزَةِ، وهُمُ القَوْمُ الَّذِينَ يُظْهِرُها أحَدٌ مِنهم، جُعِلُوا كَأنَّهم مَكانٌ لِظُهُورِ المُعْجِزَةِ. والرِّسالاتُ مُطْلَقَةٌ عَلى المُعْجِزاتِ؛ لِأنَّها شَبِيهَةٌ بِرِسالَةٍ يُرْسِلُها اللَّهُ إلى النّاسِ، وقَرِيبٌ مِن هَذا قَوْلُ عُلَماءِ الكَلامِ: وجْهُ (p-٥٤)دَلالَةِ المُعْجِزَةِ عَلى صِدْقِ الرَّسُولِ ﷺ أنَّ المُعْجِزَةَ قائِمَةٌ مَقامَ قَوْلِ اللَّهِ (صَدَقَ هَذا الرَّسُولُ فِيما أخْبَرَ بِهِ عَنِّي) بِأمارَةٍ أنِّي أخْرِقُ العادَةَ دَلِيلًا عَلى تَصْدِيقِهِ؛ وعَلى الوَجْهِ الثّانِي، في مَعْنى قَوْلِهِمْ: ﴿حَتّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ﴾ يَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ أعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالاتِهِ﴾ رَدًّا عَلَيْهِمْ بِأنَّ الرِّسالَةَ لا تُعْطى بِسُؤالِ سائِلِها، مَعَ التَّعْرِيضِ بِأنَّ أمْثالَهم لَيْسُوا بِأهْلٍ لَها، فَماصَدَقُ (حَيْثُ) الشَّخْصُ الَّذِي اصْطَفاهُ اللَّهُ لِرِسالَتِهِ.
و(حَيْثُ) هُنا اسْمٌ دالٌّ عَلى المَكانِ مُسْتَعارَةٌ لِلْمَبْعُوثِ بِالرِّسالَةِ، بِناءً عَلى تَشْبِيهِ الرِّسالَةِ بِالوَدِيعَةِ المَوْضُوعَةِ بِمَكانِ أمانَةٍ، عَلى طَرِيقَةِ الِاسْتِعارَةِ المَكْنِيَّةِ، وإثْباتُ المَكانِ تَخْيِيلٌ، وهو اسْتِعارَةٌ أُخْرى مُصَرِّحَةٌ بِتَشْبِيهِ الرُّسُلِ بِمَكانِ إقامَةِ الرِّسالَةِ.
ولَيْسَتْ (حَيْثُ) هُنا ظَرْفًا بَلْ هي اسْمٌ لِلْمَكانِ مُجَرَّدٌ عَنِ الظَّرْفِيَّةِ؛ لِأنَّ حَيْثُ ظَرْفٌ مُتَصَرِّفٌ، عَلى رَأْيِ المُحَقِّقِينَ مِنَ النُّحاةِ، فَهي هُنا في مَحَلِّ نَصْبٍ بِنَزْعِ الخافِضِ وهو الباءُ؛ لِأنَّ أعْلَمَ اسْمُ تَفْضِيلٍ لا يَنْصِبُ المَفْعُولَ، وذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ رَبَّكَ هو أعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: ١١٧] كَما تَقَدَّمَ آنِفًا.
وجُمْلَةُ ﴿يَجْعَلُ رِسالاتِهِ﴾ صِفَةٌ لِـ (حَيْثُ) إذا كانَتْ (حَيْثُ) مُجَرَّدَةً عَنِ الظَّرْفِيَّةِ، ويَتَعَيَّنُ أنْ يَكُونَ رابِطُ جُمْلَةِ الصِّفَةِ بِالمَوْصُوفِ مَحْذُوفًا، والتَّقْدِيرُ: حَيْثُ يَجْعَلُ فِيهِ رِسالاتِهِ.
وقَدْ أفادَتِ الآيَةُ أنَّ الرِّسالَةَ لَيْسَتْ مِمّا يُنالُ بِالأمانِي ولا بِالتَّشَهِّي، ولَكِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَن يَصْلُحُ لَها ومَن لا يَصْلُحُ، ولَوْ عَلِمَ مَن يَصْلُحُ لَها وأرادَ إرْسالَهُ لَأرْسَلَهُ، فَإنَّ النُّفُوسَ مُتَفاوِتَةٌ في قَبُولِ الفَيْضِ الإلَهِيِّ والِاسْتِعْدادِ لَهُ والطّاقَةِ عَلى الِاضْطِلاعِ بِحَمْلِهِ، فَلا تَصْلُحُ لِلرِّسالَةِ إلّا نَفْسٌ خُلِقَتْ قَرِيبَةً مِنَ النُّفُوسِ المَلَكِيَّةِ، بَعِيدَةً عَنْ رَذائِلِ الحَيَوانِيَّةِ، سَلِيمَةً مِنَ الأدْواءِ القَلْبِيَّةِ.
(p-٥٥)فالآيَةُ دالَّةٌ عَلى أنَّ الرَّسُولَ يُخْلَقُ خِلْقَةً مُناسِبَةً لِمُرادِ اللَّهِ مِن إرْسالِهِ، واللَّهُ حِينَ خَلَقَهُ عالِمٌ بِأنَّهُ سَيُرْسِلُهُ، وقَدْ يَخْلُقُ اللَّهُ نُفُوسًا صالِحَةً لِلرِّسالَةِ ولا تَكُونُ حِكْمَةٌ في إرْسالِ أرْبابِها، فالِاسْتِعْدادُ مُهَيِّئٌ لِاصْطِفاءِ اللَّهِ تَعالى، ولَيْسَ مُوجِبًا لَهُ، وذَلِكَ مَعْنى قَوْلِ بَعْضِ المُتَكَلِّمِينَ: إنَّ الِاسْتِعْدادَ الذّاتِيَّ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلرِّسالَةِ خِلافًا لِلْفَلاسِفَةِ، ولَعَلَّ مُرادَ الفَلاسِفَةِ لا يَبْعُدُ عَنْ مُرادِ المُتَكَلِّمِينَ، وقَدْ أشارَ ابْنُ سِينا في الإشاراتِ إلى شَيْءٍ مِن هَذا في النَّمَطِ التّاسِعِ.
وفِي قَوْلِهِ: ﴿اللَّهُ أعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالاتِهِ﴾ بَيانٌ لِعَظِيمِ مِقْدارِ النَّبِيءِ ﷺ، وتَنْبِيهٌ لِانْحِطاطِ نُفُوسِ سادَةِ المُشْرِكِينَ عَنْ نَوالِ مَرْتَبَةِ النُّبُوءَةِ وانْعِدامِ اسْتِعْدادِهِمْ، كَما قِيلَ في المَثَلِ: لَيْسَ بِعُشِّكِ فادْرُجِي.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: (رِسالاتِهِ) بِالجَمْعِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ بِالإفْرادِ، ولَمّا كانَ المُرادُ الجِنْسَ اسْتَوى الجَمْعُ والمُفْرَدُ.
* * *
﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ وعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ﴾
اسْتِئْنافٌ ناشِئٌ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿لِيَمْكُرُوا فِيها﴾ [الأنعام: ١٢٣] وهو وعِيدٌ لَهم عَلى مَكْرِهِمْ وقَوْلِهِمْ: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ حَتّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ﴾ .
فالمُرادُ بِالَّذِينَ أجْرَمُوا أكابِرُ المُجْرِمِينَ مِنَ المُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: ﴿بِما كانُوا يَمْكُرُونَ﴾ فَإنَّ صِفَةَ المَكْرِ أُثْبِتَتْ لِأكابِرِ المُجْرِمِينَ في الآيَةِ السّابِقَةِ، وذِكْرُهم بِـ ﴿الَّذِينَ أجْرَمُوا﴾ إظْهارٌ في مَقامِ الإضْمارِ؛ لِأنَّ مُقْتَضى الظّاهِرِ أنْ يُقالَ: سَيُصِيبُهم صَغارٌ، وإنَّما خُولِفَ مُقْتَضى الظّاهِرِ (p-٥٦)لِلْإتْيانِ بِالمَوْصُولِ حَتّى يُومِئَ إلى عِلَّةِ بِناءِ الخَبَرِ عَلى الصِّلَةِ؛ أيْ: إنَّما أصابَهم صَغارٌ وعَذابٌ لِإجْرامِهِمْ.
والصَّغارُ - بِفَتْحِ الصّادِ - الذُّلُّ، وهو مُشْتَقٌّ مِنَ الصِّغَرِ، وهو القَماءَةُ ونُقْصانُ الشَّيْءِ عَنْ مِقْدارِ أمْثالِهِ.
وقَدْ جَعَلَ اللَّهُ عِقابَهم ذُلًّا وعَذابًا؛ لِيُناسِبَ كِبْرَهم وعُتُوَّهم وعِصْيانَهُمُ اللَّهَ تَعالى. والصَّغارُ والعَذابُ يَحْصُلانِ لَهم في الدُّنْيا بِالهَزِيمَةِ وزَوالِ السِّيادَةِ وعَذابِ القَتْلِ والأسْرِ والخَوْفِ، قالَ تَعالى: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إلّا إحْدى الحُسْنَيَيْنِ ونَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكم أنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِن عِنْدِهِ أوْ بِأيْدِينا﴾ [التوبة: ٥٢] وقَدْ حَصَلَ الأمْرانِ يَوْمَ بَدْرٍ ويَوْمَ أُحُدٍ، فَهَلَكَتْ سادَةُ المُشْرِكِينَ؛ وفي الآخِرَةِ بِإهانَتِهِمْ بَيْنَ أهْلِ المَحْشَرِ، وعَذابِهِمْ في جَهَنَّمَ.
ومَعْنى ”عِنْدَ اللَّهِ“ أنَّهُ صَغارٌ مُقَدَّرٌ عِنْدَ اللَّهِ، فَهو صَغارٌ ثابِتٌ مُحَقَّقٌ؛ لِأنَّ الشَّيْءَ الَّذِي يَجْعَلُهُ اللَّهُ تَعالى يَحْصُلُ أثَرُهُ عِنْدَ النّاسِ كُلِّهِمْ؛ لِأنَّهُ تَكْوِينٌ لا يُفارِقُ صاحِبَهُ، كَما ورَدَ في الحَدِيثِ: «إنَّ اللَّهَ إذا أحَبَّ عَبْدًا أمَرَ جِبْرِيلَ فَأحَبَّهُ ثُمَّ أمَرَ المَلائِكَةَ فَأحَبُّوهُ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ عِنْدَ أهْلِ الأرْضِ»، فَلا حاجَةَ إلى تَقْدِيرِ ”مِن“ في قَوْلِهِ: ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾، ولا إلى جَعْلِ العِنْدِيَّةِ بِمَعْنى الحُصُولِ في الآخِرَةِ كَما دَرَجَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ.
والباءُ في: ﴿بِما كانُوا يَمْكُرُونَ﴾ سَبَبِيَّةٌ، و(ما) مَصْدَرِيَّةٌ؛ أيْ: بِسَبَبِ مَكْرِهِمْ؛ أيْ: فِعْلِهِمُ المَكْرَ، أوْ مَوْصُولَةٌ؛ أيْ: بِسَبَبِ الَّذِي كانُوا يَمْكُرُونَهُ، عَلى أنَّ المُرادَ بِالمَكْرِ الِاسْمُ، فَيُقَدَّرُ عائِدٌ مَنصُوبٌ هو مَفْعُولٌ بِهِ مَحْذُوفٌ.
{"ayah":"وَإِذَا جَاۤءَتۡهُمۡ ءَایَةࣱ قَالُوا۟ لَن نُّؤۡمِنَ حَتَّىٰ نُؤۡتَىٰ مِثۡلَ مَاۤ أُوتِیَ رُسُلُ ٱللَّهِۘ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ حَیۡثُ یَجۡعَلُ رِسَالَتَهُۥۗ سَیُصِیبُ ٱلَّذِینَ أَجۡرَمُوا۟ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابࣱ شَدِیدُۢ بِمَا كَانُوا۟ یَمۡكُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق