الباحث القرآني
﴿وكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآياتِ ولِيَقُولُوا دَرَسْتَ ولِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ .
جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ تَذْيِيلًا لِما قَبْلَها. والواوُ اعْتِراضِيَّةٌ فَهو مُتَّصِلٌ بِجُمْلَةِ ﴿قَدْ جاءَكم بَصائِرُ مِن رَبِّكُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٤] الَّتِي هي مِن خِطابِ اللَّهِ تَعالى رَسُولَهُ ﷺ بِتَقْدِيرِ (قُلْ) كَما تَقَدَّمَ، والإشارَةُ بِقَوْلِهِ وكَذَلِكَ إلى التَّصْرِيفِ المَأْخُوذِ مِن قَوْلِهِ نُصَرِّفُ الآياتِ. أيْ ومِثْلُ ذَلِكَ التَّصْرِيفِ نُصَرِّفُ الآياتِ. وتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وأوَّلُها قَوْلُهُ ”﴿وكَذَلِكَ جَعَلْناكم أُمَّةً وسَطًا﴾ [البقرة: ١٤٣]“ في سُورَةِ البَقَرَةِ.
والقَوْلُ في تَصْرِيفِ الآياتِ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ﴾ [الأنعام: ٤٦] في هَذِهِ السُّورَةِ.
وقَوْلُهُ ﴿ولِيَقُولُوا دَرَسْتَ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى وكَذَلِكَ ﴿نُصَرِّفُ الآياتِ﴾ . وقَدْ (p-٤٢٢)تَقَدَّمَ بَيانُ مَعْنى هَذا العَطْفِ في نَظِيرِهِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ ولِتَسْتَبِينَ سَبِيلَ المُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام: ٥٥] مِن هَذِهِ السُّورَةِ. ولَكِنْ ما هُنا يُخالِفُ ما تَقَدَّمَ مُخالَفَةً ما؛ فَإنَّ قَوْلَ المُشْرِكِينَ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ دَرَسْتَ لا يُناسِبُ أنْ يَكُونَ عِلَّةً لِتَصْرِيفِ الآياتِ، فَتَعَيَّنَ أنْ تَكُونَ اللّامُ مُسْتَعارَةً لِمَعْنى العاقِبَةِ والصَّيْرُورَةِ كالَّتِي في قَوْلِهِ تَعالى ﴿فالتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهم عَدُوًّا وحَزَنًا﴾ [القصص: ٨] . المَعْنى فَكانَ لَهم عَدُوًّا. وكَذَلِكَ هُنا، أيْ نُصَرِّفُ الآياتِ مِثْلَ هَذا التَّصْرِيفِ السّاطِعِ فَيَحْسَبُونَكَ اقْتَبَسْتَهُ بِالدِّراسَةِ والتَّعْلِيمِ فَيَقُولُوا: دَرَسْتَ. والمَعْنى: أنا نُصَرِّفُ الآياتِ ونُبَيِّنُها تَبْيِينًا مِن شَأْنِهِ أنْ يَصْدُرَ مِنَ العالِمِ الَّذِي دَرَسَ العِلْمَ فَيَقُولُ المُشْرِكُونَ دَرَسْتَ هَذا وتَلَقَّيْتَهُ مِنَ العُلَماءِ والكُتُبِ، لِإعْراضِهِمْ عَنِ النَّظَرِ الصَّحِيحِ المُوصِلِ إلى أنَّ صُدُورَ مِثْلِ هَذا التَّبْيِينِ مِن رَجُلٍ يَعْلَمُونَهُ أُمِّيًّا لا يَكُونُ إلّا مِن قِبَلِ وحْيٍ مِنَ اللَّهِ إلَيْهِ، وهَذا كَقَوْلِهِ ”ولَقَدْ نَعْلَمُ أنَّهم يَقُولُونَ إنَّما يُعْلِمُهُ بَشَرٌ“ وهم قَدْ قالُوا ذَلِكَ مِن قَبْلُ، ويَقُولُونَهُ ويَزِيدُونَ بِمِقْدارِ زِيادَةِ تَصْرِيفِ الآياتِ، فَشَبَّهَ تَرَتُّبَ قَوْلِهِمْ عَلى التَّصْرِيفِ بِتَرَتُّبِ العِلَّةِ الغائِيَّةِ، واسْتُعِيرَ لِهَذا المَعْنى الحَرْفُ المَوْضُوعُ لِلْعِلَّةِ عَلى وجْهِ الِاسْتِعارَةِ التَّبَعِيَّةِ، ولِذَلِكَ سَمّى بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ مِثْلَ هَذِهِ اللّامِ لامَ الصَّيْرُورَةِ، ولَيْسَ مُرادُهم أنَّ الصَّيْرُورَةَ مَعْنًى مِن مَعانِي اللّامِ ولَكِنَّهُ إفْصاحٌ عَنْ حاصِلِ المَعْنى.
والدِّراسَةُ: القِراءَةُ بِتَمَهُّلٍ لِلْحِفْظِ أوْ لِلْفَهْمِ، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ [آل عمران: ٧٩] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ. وفِعْلُهُ مِن بابِ ”نَصَرَ“ . يُقالُ: دَرَسَ الكِتابَ، أيْ تَعَلَّمَ. وقَدْ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الكِتابَ وبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ [آل عمران: ٧٩]، وقالَ ﴿ودَرَسُوا ما فِيهِ﴾ [الأعراف: ١٦٩] . وسُمِّيَ بَيْتُ تَعَلُّمِ اليَهُودِ المِدْراسَ، وسُمِّيَ البَيْتُ الَّذِي يُسْكِنُهُ التَّلامِذَةُ ويَتَعَلَّمُونَ فِيهِ المَدْرَسَةَ. والمَعْنى يَقُولُونَ: تَعَلَّمْتَ، طَعْنًا في أُمَيَّةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِئَلّا يَلْزَمَهم أنَّ ما جاءَ بِهِ مِنَ الِعِلْمِ وحْيٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى.
وقَرَأ الجُمْهُورُ ”دَرَسْتَ“ بِدُونِ ألْفٍ وبِفَتْحِ التّاءِ. وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو (دارَسْتَ) عَلى صِيغَةِ المُفاعَلَةِ وبِفَتْحِ التّاءِ أيْ يَقُولُونَ: قَرَأْتَ وقُرِئَ (p-٤٢٣)عَلَيْكَ، أيْ دارَسْتَ أهْلَ الكِتابِ وذاكَرْتَهم في عَمَلِهِمْ. وقَرَأهُ ابْنُ عامِرٍ ويَعْقُوبُ ”دَرَسْتَ“ بِصِيغَةِ الماضِي وتاءِ التَّأْنِيثِ أيِ الآياتِ، أيْ تَكَرَّرْتَ.
وأمّا اللّامُ في قَوْلِهِ ﴿ولِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ فَهي لامُ التَّعْلِيلِ الحَقِيقِيَّةُ.
وضَمِيرُ نُبَيِّنُهُ عائِدٌ إلى القُرْآنِ لِأنَّهُ ماصَدَقُ الآياتِ، ولِأنَّهُ مَعْلُومٌ مِنَ السِّياقِ.
والقَوْمُ هُمُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا وآمَنُوا كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ ﴿قَدْ فَصَّلْنا الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ٩٧]، والكَلامُ تَعْرِيضٌ كَما تَقَدَّمَ.
والمَعْنى أنَّ هَذا التَّصْرِيفَ حَصَلَ مِنهُ هُدًى لِلْمُوَفَّقِينَ ومُكابَرَةٌ لِلْمَخاذِيلِ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا ويَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وما يُضِلُّ بِهِ إلّا الفاسِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٦] .
{"ayah":"وَكَذَ ٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ وَلِیَقُولُوا۟ دَرَسۡتَ وَلِنُبَیِّنَهُۥ لِقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق