الباحث القرآني
﴿لِلْفُقَراءِ المُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وأمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ ورِضْوانًا ويَنْصُرُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ﴾ .
بَدَلٌ مِمّا يَصْلُحُ أنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنهُ مِن أسْماءِ الأصْنافِ المُتَقَدِّمَةِ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَيْها اللّامُ مُباشَرَةً وعَطْفًا قَوْلُهُ ﴿ولِذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ﴾ [الحشر: ٧] بَدَلُ بَعْضٍ مِن كُلٍّ.
وأوَّلُ فائِدَةٍ في هَذا البَدَلِ التَّنْبِيهِ عَلى أنَّ ما أفاءَ اللَّهُ عَلى المُسْلِمِينَ مِن أهْلِ القُرى المَعْنِيَّةِ في الآيَةِ لا يَجْرِي قَسْمُهُ عَلى ما جَرى عَلَيْهِ قَسْمُ أمْوالِ بَنِي النَّضِيرِ الَّتِي اقْتَصَرَ في قَسْمِها عَلى المُهاجِرِينَ وثَلاثَةٍ مِن الأنْصارِ ورابِعٍ مِنهم، فَكَأنَّهُ قِيلَ: ولِذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ لِلْفُقَراءِ مِنهم لا مُطْلَقًا يَدْخُلُ في ذَلِكَ المُهاجِرُونَ والأنْصارُ والَّذِينَ آمَنُوا بَعْدَهم.
(p-٨٨)وأُعِيدَ اللّامُ مَعَ البَدَلِ لِرَبْطِهِ بِالمُبْدَلِ مِنهُ لِانْفِصالِ ما بَيْنَهُما بِطُولِ الكَلامِ مِن تَعْلِيلٍ وتَذْيِيلٍ وتَحْذِيرٍ. ولِإفادَةِ التَّأْكِيدِ.
وكَثِيرٌ ما يَقْتَرِنُ البَدَلُ العامِلُ في المُبْدَلِ مِنهُ عَلى وجْهِ التَّأْكِيدِ اللَّفْظِيِّ، وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿تَكُونُ لَنا عِيدًا لِأوَّلِنا وآخِرِنا﴾ [المائدة: ١١٤] في سُورَةِ العُقُودِ. فَبَقى احْتِمالُ أنْ يَكُونَ قَيْدًا ﴿لِذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ﴾ [الحشر: ٧]، فَيَتَعَيَّنُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ (لِلْفُقَراءِ) إلى آخِرِهِ مَسُوقًا لِتَقْيِيدِ اسْتِحْقاقِ هَؤُلاءِ الأصْنافِ وشَأْنُ القُيُودِ الوارِدَةِ بَعْدَ مُفْرَداتٍ أنْ تَرْجِعَ إلى جَمِيعِ ما قَبْلَها، فَيَقْتَضِي هَذا أنْ يُشْتَرَطَ الفَقْرُ في كُلِّ صِنْفٍ مِن هَذِهِ الأصْنافِ الأرْبَعَةِ، لِأنَّ مُطْلَقَها قَدْ قُيِّدَ بِقَيْدٍ عَقِبَ إطْلاقٍ، والكَلامُ بِأواخِرِهِ فَلَيْسَ يَجْرِي الِاخْتِلافُ في حَمْلِ المُطَلَقِ عَلى المُقَيَّدِ، ولا تَجْرِي الصُّوَرُ الأرْبَعَةُ في حَمْلِ المُطَلَقِ عَلى المُقَيَّدِ مِنَ اتِّحادِ حُكْمِهِما وجِنْسِهِما. ولِذَلِكَ قالَ مالِكٌ وأبُو حَنِيفَةَ: لا يُعْطى ذَوُو القُرْبى إلّا إذا كانُوا فَقُراءَ لِأنَّهُ عِوَضٌ لَهم عَمّا حُرِمُوهُ مِنَ الزَّكاةِ. وقالَ الشّافِعِيُّ وكَثِيرٌ مِنَ الفُقَهاءِ: يُشْتَرَطُ الفَقْرُ فِيما عَدا ذَوِي القُرْبى لِأنَّهُ حَقٌّ لَهم لِأجْلِ القَرابَةِ لِلنَّبِيءِ ﷺ . قالَ إمامُ الحَرَمَيْنِ: أغْلَظَ الشّافِعِيُّ الرَّدَّ عَلى مَذْهَبِ أبِي حَنِيفَةَ بِأنَّ اللَّهَ عَلَّقَ الِاسْتِحْقاقَ بِالقَرابَةِ ولَمْ يَشْتَرِطِ الحاجَةَ، فاشْتِراطُها وعَدَمُ اعْتِبارِ القَرابَةِ يُضارُّهُ ويُحادُّهُ.
قُلْتُ: هَذا مَحَلُّ النِّزاعِ فَإنَّ اللَّهَ ذَكَرَ وصْفَ اليَتامى ووَصْفَ ابْنِ السَّبِيلِ ولَمْ يَشْتَرَطِ الحاجَةَ.
واعْتَذَرَ إمامُ الحَرَمَيْنِ لِلْحَنَفِيَّةِ بِأنَّ الصَّدَقاتِ لَمّا حُرِّمَتْ عَلى ذَوِي القُرْبى كانَتْ فائِدَةُ ذَكْرِهِمْ في خُمْسِ الفَيْءِ والمَغانِمِ أنَّهُ لا يَمْتَنِعُ صَرْفُهُ إلَيْهِمِ امْتِناعَ صَرْفِ الصَّدَقاتِ، ثُمَّ قالَ: لا تَغْتَرَّ بِالِاعْتِذارِ فَإنَّ الآيَةَ نَصٌّ عَلى ثُبُوتِ الِاسْتِحْقاقِ تَشْرِيفًا لَهم فَمَن عَلَّلَهُ بِالحاجَةِ فَوَّتَ هَذا المَعْنى اهـ.
وعِنْدَ التَّأمُّلِ تَجِدُ أنَّ هَذا الرَّدَّ مَدْخُولٌ، والبَحْثَ فِيهِ يَطُولُ. ومَحَلُّهُ مَسائِلُ الفِقْهِ والأُصُولِ.
ومِنَ العُلَماءِ والمُفَسِّرِينَ مَن جَعَلَ جُمْلَةَ لِلْفُقَراءِ والمُهاجِرِينَ ابْتِدائِيَّةً عَلى حَذْفِ (p-٨٩)المُبْتَدَأِ. والتَّقْدِيرُ ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ لِلْمُهاجِرِينَ الفُقَراءِ إلى آخَرِ ما عُطِفَ عَلَيْهِ فَتَكُونُ هَذِهِ مَصارِفُ أُخْرى لِلْفَيْءِ، ومِنهم مَن جَعَلَها مَعْطُوفَةً بِحَذْفِ حَرْفِ العَطْفِ عَلى طَرِيقَةِ التِّعْدادِ كَأنَّهُ قِيلَ: فَلِلَّهِ ولِلرَّسُولِ، إلى آخِرِهِ، ثُمَّ قِيلَ لِلْفُقَراءِ المُهاجِرِينَ. فَعَلى هَذَيْنِ القَوْلَيْنِ يَنْتَفِي كَوْنُها قَيْدًا لِلْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَها، وتَنْفَتِحُ طَرائِفُ أُخْرى في حَمْلِ المُطَلَقِ عَلى المُقَيَّدِ، والِاخْتِلافِ في شُرُوطِ الحَمْلِ، وهي طَرائِفُ واضِحَةٌ لِلْمُتَأمِّلِ، وعَلى الوَجْهِ الأوَّلِ يَكُونُ المُعَوَّلُ.
ووُصِفَ المُهاجِرُونَ بِالَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وأمْوالِهِمْ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ إعْطاءَهم مُراعًى جَبْرَ ما نُكِبُوا بِهِ مِن ضَياعِ الأمْوالِ والدِّيارِ، ومُراعًى فِيهِ إخْلاصُهُمُ الإيمانَ وأنَّهم مُكَرِّرُونَ نَصْرَ دِينِ اللَّهِ ورَسُولِهِ ﷺ فَذَيَّلَ بِقَوْلِهِ (أُولَئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ) واسْمُ الإشارَةِ لِتَعْظِيمِ شَأْنِهِمْ ولِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ اسْتِحْقاقَهم وصْفَ الصّادِقِينَ لِأجْلِ ما سَبَقَ اسْمَ الإشارَةِ مِنَ الصِّفاتِ وهي أنَّهم أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وأمْوالِهِمْ، وابْتِغاؤُهم فَضْلًا مِنَ اللَّهِ ورِضْوانًا ونَصْرُهُمُ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَإنَّ الأعْمالَ الخالِصَةَ فِيما عُمِلَتْ لِأجْلِهِ يَشْهَدُ لِلْإخْلاصِ فِيها ما يَلْحَقُ عامِلَها مِن مَشاقٍّ وأذًى وإضْرارٍ، فَيَسْتَطِيعُ أنْ يَخْلُصَ مِنها لَوْ تَرَكَ ما عَمِلَهُ لِأجْلِها أوْ قَصَّرَ فِيهِ.
وجُمْلَةُ هُمُ الصّادِقُونَ مُفِيدَةٌ القَصْرَ لِأجْلِ ضَمِيرِ الفَصْلِ وهو قَصْرٌ ادِّعائِيٌّ لِلْمُبالَغَةِ في وصْفِهِمْ بِالصِّدْقِ الكامِلِ كَأنَّ صِدْقَ غَيْرِهِمْ لَيْسَ صِدْقًا في جانِبِ صِدْقِهِمْ.
ومَوْقِعُ قَوْلِهِ ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ﴾ كَمَوْقِعِ قَوْلِهِ ﴿وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ٥] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
{"ayah":"لِلۡفُقَرَاۤءِ ٱلۡمُهَـٰجِرِینَ ٱلَّذِینَ أُخۡرِجُوا۟ مِن دِیَـٰرِهِمۡ وَأَمۡوَ ٰلِهِمۡ یَبۡتَغُونَ فَضۡلࣰا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَ ٰنࣰا وَیَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق