الباحث القرآني
﴿هو اللَّهُ الَّذِي لا إلَهَ إلّا هو عالِمُ الغَيْبِ والشَّهادَةِ هو الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ .
لَمّا تَكَرَّرَ في هَذِهِ السُّورَةِ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ وضَمائِرِهِ وصِفاتِهِ أرْبَعِينَ مَرَّةً مِنها أرْبَعٌ وعِشْرُونَ بِذِكْرِ اسْمِ الجَلالَةِ وسِتَّ عَشْرَةَ مَرَّةً بِذِكْرِ ضَمِيرِهِ الظّاهِرِ، أوْ صِفاتِهِ العَلِيَّةِ. وكانَ ما تَضَمَّنَتْهُ السُّورَةُ دَلائِلُ عَلى عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ وبَدِيعِ تَصَرُّفِهِ وحِكْمَتِهِ.وكانَ ما حَوَتْهُ السُّورَةُ الِاعْتِبارُ بِعَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ إذْ أيَّدَ النَّبِيءَ ﷺ والمُسْلِمِينَ ونَصَرَهم عَلى بَنِي النَّضِيرِ ذَلِكَ النَّصْرَ الخارِقَ لِلْعادَةِ، وذَكَرَ ما حَلَّ بِالمُنافِقِينَ أنْصارِهِمْ وأنَّ ذَلِكَ لِأنَّهم شاقُّوا اللَّهَ ورَسُولَهُ وقُوبِلَ ذَلِكَ بِالثَّناءِ عَلى المُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ ورَسُولِهِ ﷺ الَّذِينَ نَصَرُوا الدِّينَ، ثُمَّ الأمْرُ بِطاعَةِ اللَّهِ والِاسْتِعْدادِ لِيَوْمِ الجَزاءِ، والتَّحْذِيرُ مِنَ الَّذِينَ أعْرَضُوا عَنْ كِتابِ اللَّهِ ومِن سُوءِ عاقِبَتِهِمْ، وخَتْمُ ذَلِكَ (p-١١٨)بِالتَّذْكِيرِ بِالقُرْآنِ الدّالِّ عَلى الخَيْرِ، والمُعَرَّفِ بِعَظَمَةِ اللَّهِ المُقْتَضِيَةِ شِدَّةَ خَشْيَتِهِ عَقَّبَ ذَلِكَ بِذِكْرِ طائِفَةٍ مِن عَظِيمِ صِفاتِ اللَّهِ ذاتِ الآثارِ العَدِيدَةِ في تَصَرُّفاتِهِ المُناسِبَةِ لِغَرَضِ السُّورَةِ زِيادَةً في تَعْرِيفِ المُؤْمِنِينَ بِعَظَمَتِهِ المُقْتَضِيَةِ لِلْمَزِيدِ مِن خَشْيَتِهِ. وبِالصِّفاتِ الحُسْنى المُوجِبَةِ لِمَحَبَّتِهِ، وزِيادَةً في إرْهابِ المُعانِدِينَ المَعْرَضِينَ مِن صِفاتِ بَطْشِهِ وجَبَرُوتِهِ، ولِذَلِكَ ذَكَرَ في هَذِهِ الآياتِ الخَواتِمِ لِلسُّورَةِ مِن صِفاتِهِ تَعالى ما هو مُخْتَلِفُ التَّعَلُّقِ والآثارِ لِلْفَرِيقَيْنِ حَظُّ ما يَلِيقُ بِهِ مِنها.
وفِي غُضُونِ ذَلِكَ كُلِّهِ دَلائِلُ عَلى بُطْلانِ إشْراكِهِمْ بِهِ أصْنامَهم. وسَنَذْكُرُ مَراجِعَ هَذِهِ الأسْماءِ إلى ما اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ السُّورَةُ فِيما يَأْتِي.
فَضَمِيرُ الغَيْبَةِ الواقِعُ في أوَّلِ الجُمْلَةِ عائِدٌ إلى اسْمِ الجَلالَةِ في قَوْلِهِ تَعالى (يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ)، و(هو) مُبْتَدَأٌ واسْمُ الجَلالَةِ خَبَرٌ عَنْهُ و(الَّذِي) صِفَةٌ لِاسْمِ الجَلالَةِ.
وكانَ مُقْتَضى الظّاهِرِ الِاقْتِصارَ عَلى الضَّمِيرِ دُونَ ذِكْرِ اسْمِ الجَلالَةِ لِأنَّ المَقْصُودَ الإخْبارُ عَنِ الضَّمِيرِ بِـ (الَّذِي لا إلَهَ إلّا هو) وبِما بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الصِّفاتِ العُلْيا، فالجَمْعُ بَيْنَ الضَّمِيرِ وما يُساوِي مُعادَةَ اعْتِبارٍ بِأنَّ اسْمَ الجَلالَةِ يَجْمَعُ صِفاتَ الكَمالِ لِأنَّ أصْلُهُ الإلَهَ ومَدْلُولُ الإلَهِ يَقْتَضِي جَمْعَ صِفاتِ الكَمالِ.
ويَجُوزُ أنْ يُجْعَلَ الضَّمِيرُ ضَمِيرَ الشَّأْنِ ويَكُونُ الكَلامُ اسْتِئْنافًا قُصِدَ مِنهُ تَعْلِيمُ المُسْلِمِينَ هَذِهِ الصِّفاتِ لِيَتَبَصَّرُوا فِيها ولِلرَّدِّ عَلى المُشْرِكِينَ إشْراكِهِمْ بِصاحِبِ هَذِهِ الصِّفاتِ مَعَهُ أصْنافًا لَيْسَ لِواحِدٍ مِنها شَيْءٌ مِن مِثْلِ هَذِهِ الصِّفاتِ، ولِذَلِكَ خُتِمَتْ طائِفَةٌ مِنها بِجُمْلَةِ ﴿سُبْحانَ اللَّهِ عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ [الحشر: ٢٣]، لِتَكُونَ خاتَمًا لِهَذِهِ السُّورَةِ الجَلِيلَةِ الَّتِي تَضَمَّنَتْ مِنَّةً عَظِيمَةً، وهي مِنَّةُ الفَتْحِ الواقِعِ والفَتْحِ المُيَسَّرِ في المُسْتَقْبَلِ، لا جَرَمَ أنَّهُ حَقِيقٌ بِأنْ يَعْرِفُوا جَلائِلَ صِفاتِهِ الَّتِي لِتَعَلُّقاتِها آثارٌ في الأحْوالِ الحاصِلَةِ والَّتِي سَتَحْصُلُ مِن هَذِهِ الفُتُوحِ ولِيَعْلَمَ المُشْرِكُونَ والكافِرُونَ مِنَ اليَهُودِ أنَّهم ما تَعاقَبَتْ هَزائِمُهم إلّا مِن جَرّاءَ كُفْرِهِمْ. ولَمّا كانَ شَأْنُ هَذِهِ الصِّفاتِ عَظِيمًا ناسَبَ أنْ تُفْتَتَحَ الجُمْلَةُ بِضَمِيرِ الشَّأْنِ، فَيَكُونُ اسْمُ الجَلالَةِ مُبْتَدَأً و”الَّذِي لا إلَهَ إلّا هو“ خَبَرًا. والجُمْلَةُ خَبَرًا عَنْ ضَمِيرِ الشَّأْنِ.
(p-١١٩)وابْتُدِئَ في هَذِهِ الصِّفاتِ العَلِيَّةِ بِصِفَةِ الوَحْدانِيَّةِ وهي مَدْلُولُ الَّذِي لا إلَهَ إلّا هو وهي الأصْلُ فِيما يَتْبَعُها مِنَ الصِّفاتِ. ولِذَلِكَ كَثُرَ في القُرْآنِ ذِكْرُها عَقِبَ اسْمِ الجَلالَةِ كَما في آيَةِ الكُرْسِيِّ. وفاتِحَةِ آلِ عِمْرانَ.
وثُنِّيَ بِصِفَةِ عالَمِ الغَيْبِ لِأنَّها الَّتِي تَقْتَضِيها صِفَةُ الإلَهِيَّةِ إذْ عِلْمُ اللَّهِ هو العِلْمُ الواجِبُ وهي تَقْتَضِي جَمِيعَ الصِّفاتِ إذْ لا تَتَقَوَّمُ حَقِيقَةُ العِلْمِ الواجِبِ إلّا بِالصِّفاتِ السَّلْبِيَّةِ، وإذْ هو يَقْتَضِي الصِّفاتِ المَعْنَوِيَّةَ، وإنَّما مِن مُتَعَلِّقاتِ عِلْمِهِ أُمُورُ الغَيْبِ لِأنَّهُ الَّذِي فارَقَ بِهِ عِلْمُ اللَّهِ تَعالى عِلْمَ غَيْرِهِ، وذَكَرَ مَعَهُ عِلْمَ الشَّهادَةِ لِلِاحْتِراسِ تَوَهُّمَ أنَّهُ يَعْلَمُ الحَقائِقَ العالِيَةَ الكُلِّيَّةَ فَقَطْ كَما ذَهَبَ إلَيْهِ فَرِيقٌ مِنَ الفَلاسِفَةِ الأقْدَمِينَ ولِأنَّ التَّعْرِيفَ في الغَيْبِ والشَّهادَةِ لِلِاسْتِغْراقِ. أيْ كُلُّ غَيْبٍ وشَهادَةٍ، وذَلِكَ مِمّا لا يُشارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ. وهو عِلْمُ الغَيْبِ والشَّهادَةِ، أيِ الغائِبِ عَنْ إحْساسِ النّاسِ والمُشاهَدِ لَهم. فالمَقْصُودُ فِيها بِمَعْنى اسْمِ الفاعِلِ، أيْ عالِمٍ ما ظَهَرَ وما غابَ عَنْهم مِن كُلِّ غائِبٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ العِلْمُ عَلى ما هو عَلَيْهِ.
والتَّعْرِيفُ في الغَيْبِ والشَّهادَةِ لِلِاسْتِغْراِقِ الحَقِيقِيِّ.
وفِي ذِكْرِ الغَيْبِ إيماءٌ إلى ضَلالِ الَّذِينَ قَصَرُوا أنْفُسَهم عَلى المُشاهَداتِ وكَفَرُوا بِالمُغَيَّباتِ مِنَ البَعْثِ والجَزاءِ وإرْسالِ الرُّسُلِ، أمّا ذِكْرُ عِلْمِ الشَّهادَةِ فَتَتْمِيمٌ عَلى أنَّ المُشْرِكِينَ يَتَوَهَّمُونَ اللَّهَ لا يَطَّلِعُ عَلى ما يُخْفُونَهُ. قالَ تَعالى ﴿وما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أنْ يَشْهَدَ عَلَيْكم سَمْعُكم ولا أبْصارُكُمْ﴾ [فصلت: ٢٢] إلى قَوْلِهِ ”مِنَ الخاسِرِينَ“ .
وضَمِيرُ هو الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ضَمِيرُ فَصْلٍ يُفِيدُ قَصْرَ الرَّحْمَةِ عَلَيْهِ تَعالى لِعَدَمِ الِاعْتِدادِ بِرَحْمَةِ غَيْرِهِ لِقُصُورِها قالَ تَعالى ﴿ورَحْمَتِي وسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٥٦] . وقالَ النَّبِيءُ ﷺ «جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ في مِائَةِ جُزْءٍ فَأمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وتِسْعِينَ جُزْءًا وأنْزَلَ في الأرْضِ جُزْءًا واحِدًا. فَمِن ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَراحَمُ الخَلْقُ حَتّى تَرْفَعَ الفَرَسُ حافِرَها عَنْ ولَدِها خَشْيَةَ أنْ تُصِيبَهُ» . وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى الرَّحْمَنِ والرَّحِيمِ في سُورَةِ الفاتِحَةِ.
ووَجْهُ تَعْقِيبِ صِفَةِ عُمُومِ العِلْمِ بِصِفَةِ الرَّحْمَةِ أنَّ عُمُومَ العِلْمِ يَقْتَضِي أنْ لا يَغِيبَ عَنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ مِن أحْوالِ خَلْقِهِ وحاجَتِهِمْ إلَيْهِ، فَهو يَرْحَمُ المُحْتاجِينَ إلى (p-١٢٠)رَحْمَتِهِ ويُمْهِلُ المُعانِدِينَ إلى عِقابِ الآخِرَةِ، فَهو رَحْمانٌ بِهِمْ في الدُّنْيا، وقَدْ كَثُرَ إتْباعُ اسْمِ الجَلالَةِ بِصِفَتَيِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في القُرْآنِ كَما في الفاتِحَةِ.
{"ayah":"هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِی لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَـٰلِمُ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِۖ هُوَ ٱلرَّحۡمَـٰنُ ٱلرَّحِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق