الباحث القرآني
﴿ولا تَكُونُوا كالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأنْساهم أنْفُسَهم أُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ﴾ .
بَعْدَ أنْ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بِتَقْوى اللَّهِ وإعْدادِ العُدَّةِ لِلْآخِرَةِ أعْقَبَهُ بِهَذا النَّهْيِ تَحْذِيرًا عَنِ الإعْراضِ عَنِ الدِّينِ والتَّغافُلِ عَنِ التَّقْوى، وذَلِكَ يُفْضِي إلى الفُسُوقِ. وجِيءَ (p-١١٣)فِي النَّهْيِ بِنَهْيِهِمْ عَنْ حالَةِ قَوْمٍ تَحَقَّقَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الصِّلَةُ لَيَكُونَ النَّهْيُ عَنْ إضاعَةِ التَّقْوى مُصَوَّرًا في صُورَةٍ مَحْسُوسَةٍ هي صُورَةُ قَوْمٍ تَحَقَّقَتْ فِيهِمْ تِلْكَ الصِّلَةُ وهُمُ الَّذِينَ أعْرَضُوا عَنِ التَّقْوى.
وهَذا الإعْراضُ مَراتِبُ قَدْ تَنْتَهِي إلى الكُفْرِ الَّذِي تَلَبَّسَ بِهِ اليَهُودُ وإلى النِّفاقِ الَّذِي تَلَبَّسَ بِهِ فَرِيقٌ مِمَّنْ أظْهَرُوا الإسْلامَ في أوَّلِ سِنِيِّ الهِجْرَةِ، وظاهَرُ المَوْصُولِ أنَّهُ لِطائِفَةٍ مَعْهُودَةٍ فَيُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِـ (الَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ) المُنافِقِينَ لِأنَّهم كانُوا مُشْرِكِينَ ولَمْ يَهْتَدُوا لِلتَّوْحِيدِ بِهَدْىِ الإسْلامِ فَعَبَّرَ عَنِ النِّفاقِ بِنِسْيانِ اللَّهِ لِأنَّهُ جَهْلٌ بِصِفاتِ اللَّهِ مِنَ التَّوْحِيدِ والكَمالِ. وعَبَّرَ عَنْهم بِالفاسِقِينَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهم إنَّ المُنافِقِينَ هُمُ الفاسِقُونَ﴾ [التوبة: ٦٧] في سُورَةِ بَراءَةٍ، فَتَكُونُ هَذِهِ الآيَةُ ناظِرَةً إلى تِلْكَ.
ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِهِمُ اليَهُودُ لِأنَّهم أضاعُوا دِينَهم ولَمْ يَقْبَلُوا رِسالَةَ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ وكَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ ﷺ .
فالمَعْنى: نَسُوا دِينَ اللَّهِ ومِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَهم بِهِ، قالَ تَعالى ﴿وأوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكم وإيّايَ فارْهَبُونِ وآمِنُوا بِما أنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِما مَعَكُمْ﴾ [البقرة: ٤٠] .
وقَدْ أطْلَقَ نِسْيانَهم عَلى التَّرْكِ والإعْراضِ عَنْ عَمْدٍ أيْ فَنَسُوا دَلائِلَ تَوْحِيدِ اللَّهِ ودَلائِلَ صِفاتِهِ ودَلائِلَ صِدْقِ رَسُولِهِ ﷺ وفَهْمِ كِتابِهِ فالكَلامُ بِتَقْدِيرِ حَذْفِ مُضافٍ أوْ مُضافَيْنِ.
ومَعْنى أنْساهم أنْفُسَهم أنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ في مَدارِكِهِمُ التَّفَطُّنَ لِفَهْمِ الهَدْيِ الإسْلامِيِّ فَيَعْمَلُوا بِما يُنْجِيهِمْ مِن عَذابِ الآخِرَةِ ولِما فِيهِ صَلاحُهم في الدُّنْيا، إذْ خَذَلَهم بِذَبْذَبَةِ آرائِهِمْ فَأصْبَحَ اليَهُودُ في قَبْضَةِ المُسْلِمِينَ يُخْرِجُونَهم مِن دِيارِهِمْ، وأصْبَحَ المُنافِقُونَ مَلْمُوزِينَ بَيْنَ اليَهُودِ بِالغَدْرِ ونَقْضِ العَهْدِ وبَيْنَ المُسْلِمِينَ بِالِاحْتِقارِ واللَّعْنِ.
وأشْعَرَ فاءُ التَّسَبُّبِ بِأنَّ إنْساءَ اللَّهِ إيّاهم أنْفُسَهم مُسَبَّبٌ عَلى نِسْيانِهِمْ دِينَ اللَّهِ، أيْ لَمّا أعْرَضُوا عَنِ الهُدى بِكَسْبِهِمْ وإرادَتِهِمْ عاقَبَهُمُ اللَّهُ بِأنْ خَلَقَ فِيهِمْ نِسْيانَ أنْفُسِهِمْ.
(p-١١٤)وإظْهارُ اسْمِ الجَلالَةِ في قَوْلِهِ تَعالى كالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ دُونَ أنْ يُقالَ: نَسُوهُ لِاسْتِفْظاعِ هَذا النِّسْيانِ فَعَلَّقَ بِاسْمِ اللَّهِ الَّذِينَ خَلَقَهم وأرْشَدَهم.
والقَصْرُ المُسْتَفادُ مِن ضَمِيرِ الفَصْلِ في قَوْلِهِ ﴿أُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ﴾ قَصْرٌ ادِّعائِيٌ لِلْمُبالَغَةِ في وصْفِهِمْ بِشِدَّةِ الفِسْقِ حَتّى كَأنَّ فِسْقَ غَيْرِهِمْ لَيْسَ بِفِسْقٍ في جانِبِ فِسْقِهِمْ.
واسْمُ الإشارَةِ لِلتَّشْهِيرِ بِهِمْ بِهَذا الوَصْفِ.
والفِسْقُ: الخُرُوجُ مِنَ المَكانِ المَوْضُوعِ لِلشَّيْءِ فَهو صِفَةُ ذَمٍّ غالِبًا لِأنَّهُ مُفارَقَةٌ لِلْمَكانِ اللّائِقِ بِالشَّيْءِ، ومِنهُ قِيلَ: فَسَقَتِ الرُّطَبَةُ إذا خَرَجَتْ مِن قِشْرِها، فالفاسِقُونَ هُمُ الآتُونَ بِفَواحِشِ السَّيِّئاتِ ومُساوِيِ الأعْمالِ وأعْظَمُها الإشْراكُ.
وجُمْلَةُ ﴿أُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا لِبَيانِ الإبْهامِ الَّذِي أفادَهُ قَوْلُهُ فَأنْساهم أنْفُسَهم كَأنَّ السّامِعَ سَألَ: ماذا كانَ إثْرَ إنْساءِ اللَّهِ إيّاهم أنْفُسَهم ؟ فَأُجِيبُ بِأنَّهم بَلَغُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ مُنْتَهى الفِسْقِ في الأعْمالِ السَّيِّئَةِ حَتّى حَقَّ عَلَيْهِمْ أنْ يُقالَ: إنَّهُ لا فِسْقَ بَعْدَ فِسْقِهِمْ.
{"ayah":"وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِینَ نَسُوا۟ ٱللَّهَ فَأَنسَىٰهُمۡ أَنفُسَهُمۡۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق