الباحث القرآني
﴿كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إذْ قالَ لِلْإنْسانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قالَ إنِّي بَرِيءٌ مِنكَ إنِّيَ أخافُ اللَّهَ رَبَّ العالَمِينَ﴾ ﴿فَكانَ عاقِبَتَهُما أنَّهُما في النّارِ خالِدَيْنِ فِيها وذَلِكَ جَزاءُ الظّالِمِينَ﴾ .
هَذا مَثَلٌ آخَرُ لِمُمَثَّلٍ آخَرَ، ولَيْسَ مَثَلًا مُنْضَمًّا إلى المَثَلِ الَّذِي قَبْلَهُ لِأنَّهُ لَوْ كانَ ذَلِكَ لَكانَ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ بِالواوِ، أوْ بِـ (أوْ) كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿أوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ﴾ [البقرة: ١٩] .
والوَجْهُ: أنَّ هَذا المَثَلَ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ (ولَهم عَذابٌ ألِيمٌ) كَما يُفْصِحُ عَنْهُ قَوْلُهُ في آخِرِهِ ﴿فَكانَ عاقِبَتَهُما أنَّهُما في النّارِ﴾ الآيَةَ، أيْ مَثَلُهم في تَسَبُّبِهِمْ لِأنْفُسِهِمْ (p-١٠٩)عَذابَ الآخِرَةِ كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إذْ يُوَسْوِسُ لِلْإنْسانِ بِأنْ يَكْفُرَ ثُمَّ يَتْرُكَهُ ويَتَبَرَّأ مِنهُ فَلا يَنْتَفِعُ أحَدُهُما بِصاحِبِهِ ويَقَعانِ مَعًا في النّارِ.
فَجُمْلَةُ كَمَثَلِ الشَّيْطانِ حالٌ مِن ضَمِيرِ (ولَهم عَذابٌ ألِيمٌ) أيْ في الآخِرَةِ.
والتَّعْرِيفُ في (الشَّيْطانِ) تَعْرِيفُ الجِنْسِ وكَذَلِكَ تَعْرِيفُ (الإنْسانِ) . والمُرادُ بِهِ الإنْسانُ الكافِرُ.
ولَمْ تُرَدْ في الآخِرَةِ حادِثَةٌ مُعَيَّنَةٌ مِن وسْوَسَةِ الشَّيْطانِ لِإنْسانٍ مُعَيَّنٍ في الدُّنْيا، وكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ واللَّهُ تَعالى يَقُولُ: ﴿فَلَمّا كَفَرَ قالَ إنِّي بَرِيءٌ مِنكَ إنِّي أخافُ اللَّهَ رَبَّ العالَمِينَ﴾، وهَلْ يَتَكَلَّمُ الشَّيْطانُ مَعَ النّاسِ في الدُّنْيا فَإنَّ ظاهِرَةَ قَوْلِهِ ﴿قالَ إنِّي بَرِيءٌ مِنكَ﴾ أنَّهُ يَقُولُهُ لِلْإنْسانِ، وأمّا احْتِمالُ أنْ يَقُولَهُ في نَفْسِهِ فَهو احْتِمالٌ بَعِيدٌ. فالحَقُّ: أنَّ قَوْلَ الشَّيْطانِ هَذا هو ما في آيَةِ ﴿وقالَ الشَّيْطانُ لَمّا قُضِيَ الأمْرُ إنَّ اللَّهَ وعَدَكم وعْدَ الحَقِّ ووَعَدْتُكم فَأخْلَفْتُكم وما كانَ لِي عَلَيْكم مِن سُلْطانٍ إلّا أنْ دَعَوْتُكم فاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي ولُومُوا أنْفُسَكم ما أنا بِمُصْرِخِكم وما أنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إنِّي كَفَرْتُ بِما أشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ﴾ [إبراهيم: ٢٢] في سُورَةِ إبْراهِيمَ.
وقَدْ حَكى ابْنُ عَبّاسٍ وغَيْرُهُما مِنَ السَّلَفِ في هَذِهِ الآيَةِ قِصَّةَ راهِبٍ بِحِكايَةٍ مُخْتَلِفَةٍ جُعِلَتْ كَأنَّها المُرادُ مِنَ الإنْسانِ في هَذِهِ الآيَةِ. ذَكَرَها ابْنُ جَرِيرٍ والقُرْطُبِيُّ وضَعَّفَ ابْنُ عَطِيَّةَ أسانِيدَها فَلَئِنْ كانُوا ذَكَرُوا القِصَّةَ فَإنَّما أرادُوا أنَّها تَصْلُحُ مِثالًا لِما يَقَعُ مِنَ الشَّيْطانِ لِلْإنْسانِ كَما مالَ إلَيْهِ ابْنُ كَثِيرٍ.
فالمَعْنى: إذْ قالَ لِلْإنْسانِ في الدُّنْيا اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ ووافى القِيامَةَ عَلى الكُفْرِ قالَ الشَّيْطانُ يَوْمَ القِيامَةِ: إنِّي بَرِيءٌ مِنكَ، أيْ قالَ كُلُّ شَيْطانٍ لِقَرِينِهِ مِنَ الإنْسِ إنِّي بَرِيءٌ مِنكَ طَمَعًا في أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُنْجِيهِ مِنَ العَذابِ.
فَفِي الآيَةِ إيجازُ حَذْفٍ حُذِفَ فِيها مَعْطُوفاتٌ مُقَدَّرَةٌ بَعْدَ شَرْطِ (لَمّا) هي داخِلَةٌ في الشَّرْطِ إذِ التَّقْدِيرُ: فَلَمّا كَفَرَ واسْتَمَرَّ عَلى الكُفْرِ وجاءَ يَوْمَ الحَشْرِ واعْتَذَرَ بِأنَّ الشَّيْطانَ أضَلَّهُ قالَ الشَّيْطانُ: إنِّي بَرِيءٌ مِنكَ إلَخْ. وهَذِهِ المُقَدَّراتُ مَأْخُوذَةٌ مِن آياتٍ أُخْرى مِثْلِ آيَةِ سُورَةِ إبْراهِيمَ وآيَةِ سُورَةِ ق. ﴿قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أطْغَيْتُهُ﴾ [ق: ٢٧] (p-١١٠)الآيَةَ. وظاهِرٌ أنَّ هَذِهِ المُحاجَّةَ لا تَقَعُ إلّا في يَوْمِ الجَزاءِ وبَعْدَ مَوْتِ الكافِرِ عَلى الكُفْرِ دُونَ مَن أسْلَمُوا.
وقَوْلُ ﴿فَكانَ عاقِبَتَهُما أنَّهُما في النّارِ خالِدَيْنِ فِيها﴾ مِن تَمامِ المَثَلِ. أيْ كانَ عاقِبَةُ المَثَلِ بِهِما خُسْرانَهُما مَعًا. وكَذَلِكَ تَكُونُ عاقِبَةُ الفَرِيقَيْنِ المُمَثَّلَيْنِ أنَّهُما خائِبانِ فِيما دَبَّرا وكادا لِلْمُسْلِمِينَ.
وجُمْلَةُ ﴿وذَلِكَ جَزاءُ الظّالِمِينَ﴾ تَذْيِيلٌ، والإشارَةُ إلى ما يَدُلُّ عَلَيْهِ ﴿فَكانَ عاقِبَتَهُما أنَّهُما في النّارِ﴾ مِن مَعْنى، فَكانَتْ عاقِبَتُهُما سُوأى والعاقِبَةُ السُّوأى جَزاءُ جَمِيعِ الظّالِمِينَ المُعْتَدِينَ عَلى اللَّهِ والمُسْلِمِينَ، فَكَما كانَتْ عاقِبَةُ الكافِرِ وشَيْطانِهِ عاقِبَةَ سُوءٍ كَذَلِكَ لِكَوْنِ عاقِبَةِ المُمَثِّلَيْنِ بِهِما وقَدِ اشْتَرَكا في ظُلْمِ أهْلِ الخَيْرِ والهُدى.
{"ayahs_start":16,"ayahs":["كَمَثَلِ ٱلشَّیۡطَـٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَـٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّی بَرِیۤءࣱ مِّنكَ إِنِّیۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","فَكَانَ عَـٰقِبَتَهُمَاۤ أَنَّهُمَا فِی ٱلنَّارِ خَـٰلِدَیۡنِ فِیهَاۚ وَذَ ٰلِكَ جَزَ ٰۤؤُا۟ ٱلظَّـٰلِمِینَ"],"ayah":"كَمَثَلِ ٱلشَّیۡطَـٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَـٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّی بَرِیۤءࣱ مِّنكَ إِنِّیۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق