الباحث القرآني
﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأنْساهم ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ ألا إنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الخاسِرُونَ﴾ .
(p-٥٤)اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ لِأنَّ ما سِيقَ مِن وصْفِهِمْ بِانْحِصارِ صِفَةِ الكَذِبِ فِيهِمْ يُثِيرُ سُؤالَ السّامِعِ أنْ يَطْلُبَ السَّبَبَ الَّذِي بَلَغَ بِهِمْ إلى هَذِهِ الحالِ الفَظِيعِ فَيُجابُ بِأنَّهُ اسْتِحْواذُ الشَّيْطانِ عَلَيْهِمْ وامْتِلاكُهُ زِمامَ أنْفُسِهِمْ يُصَرِّفُها كَيْفَ يُرِيدُ وهَلْ يَرْضى الشَّيْطانُ إلّا بِأشَدِّ الفَسادِ والغِوايَةِ.
والِاسْتِحْواذُ: الِاسْتِيلاءُ والغَلَبُ، وهو اسْتِفْعالٌ مِن حاذَ حَوْذًا، إذا حاطَ شَيْئًا وصَرَّفَهُ كَيْفَ يُرِيدُ يُقالُ: حاذَ العِيرَ إذا جَمَعَها وساقَها غالِبًا لَها. فاشْتَقُّوا مِنهُ اسْتَفْعَلَ لَلَّذِي يَسْتَوْلِي بِتَدْبِيرٍ ومُعالَجَةٍ، ولِذَلِكَ لا يُقالُ اسْتِحْواذٌ إلّا في اسْتِيلاءِ العاقِلِ لِأنَّهُ يَتَطَلَّبُ وسائِلَ اسْتِيلاءٍ. ومِثْلُهُ اسْتَوْلى. والسِّينُ والتّاءُ لِلْمُبالَغَةِ في الغَلَبِ مِثْلُها في: ”اسْتَجابَ“ .
والأحْوَذِيُّ: القاهِرُ لِلْأُمُورِ الصَّعْبَةِ. وقالَتْ عائِشَةُ كانَ عُمَرُ أحْوَذِيًّا نَسِيجَ وحْدِهِ.
وكانَ حَقُّ اسْتَحْوَذَ أنْ يُقْلَبَ عَيْنُهُ ألِفًا لِأنَّ أصْلَها واوٌ مُتَحَرِّكَةٌ إثْرَ ساكِنٍ صَحِيحٍ وهو غَيْرُ اسْمِ تَعَجُّبٍ ولا مُضاعَفِ اللّامِ ولا مُعْتَلِّ اللّامِ فَحَقُّها أنْ تُنْقَلَ حَرَكَتُها إلى السّاكِنِ الصَّحِيحِ قَبْلَها فِرارًا مِن ثِقَلِ الحَرَكَةِ عَلى حَرْفِ العِلَّةِ مَعَ إمْكانِ الِاحْتِفاظِ بِتِلْكَ الحَرَكَةِ بِنَقْلِها إلى الحَرْفِ قَبْلَها الخالِي مِنَ الحَرَكَةِ فَيَبْقى حَرْفُ العِلَّةِ ساكِنًا سُكُونًا مَيِّتًا إثْرَ حَرَكَةٍ فَيُقْلَبُ مَدَّةً مُجانِسَةً لِلْحَرَكَةِ الَّتِي قَبْلَها مِثْلُ يَقُومُ ويَبِينُ وأقامَ، فَحَقُّ اسْتَحْوَذَ أنْ يُقالَ فِيهِ: اسْتَحاذَ ولَكِنَّ الفَصِيحَ فِيهِ تَصْحِيحُهُ عَلى خِلافِ غالِبِ بابِهِ وهو تَصْحِيحٌ سَماعِيٌّ، ولَهُ نَظائِرُ قَلِيلَةٌ مِنها اسْتَنْوَقَ الجَمَلُ، وأعْوَلَ، إذا رَفَعَ صَوْتَهُ. وأغْيَمَتِ السَّماءُ واسْتَغْيَلَ الصَّبِيُّ، إذا شَرِبَ الغَيْلَ وهو لَبَنُ الحامِلِ. وقالَ أبُو زَيْدٍ التَّصْحِيحُ هو لُغَةٌ لِبَعْضِ العَرَبِ مُطَّرِدَةٌ في هَذا البابِ كُلِّهِ. وحَكى المُفَسِّرُونَ أنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ قَرَأ (اسْتَحاذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) . وقالَ الجَوْهَرِيُّ: تَصْحِيحُ هَذا البابِ كُلُّهُ مُطَّرِدٌ. وقالَ في التَّسْهِيلِ: يَطَّرِدُ تَصْحِيحُ هَذا البابِ في كُلِّ فِعْلٍ أُهْمِلَ ثُلاثِيُّهُ مِثْلِ اسْتَنْوَقَ الجَمَلُ واسْتَتْيَسَتِ الشّاةُ إذا صارَتْ كالتَّيْسِ.
وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى الِاسْتِحْواذِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿قالُوا ألَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكم ونَمْنَعْكم مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ [النساء: ١٤١] في سُورَةِ النِّساءِ، فَضُمَّ هَذا إلى ذاكَ.
(p-٥٥)والنِّسْيانُ مُرادٌ مِنهُ لازِمُهُ وهو الإضاعَةُ وتَرْكُ المَنسِيِّ، لِقَوْلِهِ تَعالى ﴿كَذَلِكَ أتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنْسى﴾ [طه: ١٢٦] .
والذِّكْرُ يُطْلَقُ عَلى نُطْقِ اللِّسانِ بِاسْمٍ أوْ كَلامٍ ويُطْلَقُ عَلى التَّذَكُّرِ بِالعَقْلِ. وقَدْ يُخَصُّ هَذا الثّانِي بِضَمِّ الذّالِ وهو هُنا مُسْتَعْمَلٌ في صَرِيحِهِ وكِنايَتِهِ، أيْ مُسْتَعْمَلٌ في لازِمِهِ وهو العِبادَةُ والطّاعَةُ لِأنَّ المَعْنى أنَّهُ أنْساهم تَوْحِيدَ اللَّهِ بِكَلِمَةِ الشَّهادَةِ والتَّوَجُّهِ إلَيْهِ بِالعِبادَةِ. والَّذِي لا يَتَذَكَّرُ شَيْئًا لا يَتَوَجَّهُ إلى واجِباتِهِ.
وجُمْلَةُ ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ﴾ نَتِيجَةٌ وفَذْلَكَةٌ لِقَوْلِ ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ﴾ فَإنَّ الِاسْتِحْواذَ يَقْتَضِي أنَّهُ صَيَّرَهم مِن أتْباعِهِ.
واسْمُ الإشارَةِ لِزِيادَةِ تَمْيِيزِهِمْ لِئَلا يَتَرَدَّدَ في أنَّهم حِزْبُ الشَّيْطانِ.
وجُمْلَةُ ﴿ألا إنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الخاسِرُونَ﴾ واقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّفَرُّعِ والتَّسَبُّبِ عَلى جُمْلَةِ ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ﴾، فَكانَ مُقْتَضى الظّاهِرِ أنْ يُقالَ: فَإنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الخاسِرُونَ، فَلِذَلِكَ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ إلى حَرْفِ الِاسْتِفْتاحِ تَنْبِيهًا عَلى أهَمِّيَّةِ مَضْمُونِها وأنَّهُ مِمّا يَحِقُّ العِنايَةُ بِاسْتِحْضارِهِ في الأذْهانِ مُبالَغَةً في التَّحْذِيرِ مِنَ الِانْدِماجِ فِيهِمْ، والتَّلَبُّسِ بِمِثْلِ أحْوالِهِمُ المَذْكُورَةِ آنِفًا. وزِيدَ هَذا التَّحْذِيرُ اهْتِمامًا بِتَأْكِيدِ الخَبَرِ بِحَرْفِ (إنْ) وبِصِيغَةِ القَصْرِ، إذْ لا يَتَرَدَّدُ أحَدٌ في أنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ خاسِرُونَ فَإنَّ ذَلِكَ مِنَ القَضايا المُسَلَّمَةِ بَيْنَ البَشَرِ، فَلِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ المُؤَكِّداتُ لِرَدِّ الإنْكارِ لِتَحْذِيرِ المُسْلِمِينَ أنْ تَغُرَّهم حَبائِلُ الشَّيْطانِ وتَرُوقَ في أنْظارِهِمْ بَزَّةُ المُنافِقِينَ وتَخْدَعَهم أيْمانُهُمُ الكاذِبَةُ.
وإظْهارُ كَلِمَةِ ﴿حِزْبُ الشَّيْطانِ﴾ دُونَ ضَمِيرِهِمْ لِزِيادَةِ التَّصْرِيحِ ولِتَكُونَ الجُمْلَةُ صالِحَةً لِلتَّمَثُّلِ بِها مُسْتَقِلَّةً بِدِلالَتِها.
وضَمِيرُ الفَصْلِ أفادَ القَصْرَ، وهو قَصْرٌ ادِّعائِيٌّ لَلْمُبالَغَةِ في مِقْدارِ خُسْرانِهِمْ وأنَّهم لا خُسْرانَ أشَدُّ مِنهُ فَكَأنَّ كُلَّ خُسْرانٍ غَيْرِهِ عَدَمٌ فَيُدَّعى أنَّ وصْفَ الخاسِرِ مَقْصُورٌ عَلَيْهِمْ.
وحِزْبُ المَرْءِ: أنْصارُهُ وجُنْدُهُ ومَن يُوالِيهِ.
{"ayah":"ٱسۡتَحۡوَذَ عَلَیۡهِمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ فَأَنسَىٰهُمۡ ذِكۡرَ ٱللَّهِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ حِزۡبُ ٱلشَّیۡطَـٰنِۚ أَلَاۤ إِنَّ حِزۡبَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











