الباحث القرآني
﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكم ويَحْسَبُونَ أنَّهم عَلى شَيْءٍ ألا إنَّهم هُمُ الكاذِبُونَ﴾ .
هَذا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ ﴿ويَحْلِفُونَ عَلى الكَذِبِ﴾ [المجادلة: ١٤] إلى قَوْلِهِ ﴿اتَّخَذُوا أيْمانَهم جُنَّةً﴾ [المجادلة: ١٦] وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى نَظِيرِ قَوْلِهِ ”يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهم بِما عَمِلُوا“ . كَما سَبَقَ آنِفًا في هَذِهِ السُّورَةِ، أيِ اذْكُرْ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ.
وحَلِفُهم لِلَّهِ في الآخِرَةِ إشارَةٌ إلى ما حَكاهُ اللَّهُ عَنْهم في قَوْلِهِ ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهم إلّا أنْ قالُوا واللَّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٢٣] .
والتَّشْبِيهُ في قَوْلِهِ ﴿كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾ كَما في صِفَةِ الحَلِفِ، وهي قَوْلُهم: إنَّهم غَيْرُ مُشْرِكِينَ، وفي كَوْنِهِ حَلِفًا عَلى الكَذِبِ، وهم يَعْلَمُونَ، ولِذَلِكَ سَمّاهُ تَعالى فِتْنَةً في آيَةِ الأنْعامِ. قَوْلُهُ تَعالى ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهم إلّا أنْ قالُوا واللَّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٢٣] .
ومَعْنى ﴿ويَحْسَبُونَ أنَّهم عَلى شَيْءٍ﴾ يَظُنُّونَ يَوْمَئِذٍ أنَّ حَلِفَهم يُفِيدُهم تَصْدِيقَهم عِنْدَ اللَّهِ فَيَحْسَبُونَ أنَّهم حَصَّلُوا شَيْئًا عَظِيمًا، أيْ نافِعًا.
وعَلى لِلِاسْتِعْلاءِ المَجازِيِّ وهو شِدَّةُ التَّلَبُّسِ بِالوَصْفِ ونَحْوِهِ كَقَوْلِهِ ﴿أُولَئِكَ عَلى هُدًى مِن رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٥] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وحُذِفَتْ صِفَةُ شَيْءٍ لِظُهُورِ مَعْناها مِنَ المَقامِ، أيْ عَلى شَيْءٍ نافِعٍ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ والإنْجِيلَ﴾ [المائدة: ٦٨] «. وقَوْلِ النَّبِيءِ ﷺ لَمّا سُئِلَ عَنِ الكُهّانِ (لَيْسُوا بِشَيْءٍ» ) .
وهَذا يَقْتَضِي تَوَغُّلَهم في النِّفاقِ ومُرُونَتَهم عَلَيْهِ وأنَّهُ باقٍ في أرْواحِهِمْ بَعْدَ بَعْثِهِمْ لِأنَّ نُفُوسَهم خَرَجَتْ مِن عالَمِ الدُّنْيا مُتَخَلِّقَةً بِهِ، فَإنَّ النُّفُوسَ إنَّما تَكْتَسِبُ تَزْكِيَةً أوْ خُبْثًا في عالَمِ التَّكْلِيفِ. وحِكْمَةُ إيجادِ النُّفُوسِ في الدُّنْيا هي تَزْكِيَتُها وتَصْفِيَةُ (p-٥٣)أكْدارِها لِتَخْلُصَ إلى عالَمِ الخُلُودِ طاهِرَةً، فَإنْ هي سَلَكَتْ مَسْلَكَ التَّزْكِيَةِ تَخَلَّصَتْ إلى عالَمِ الخُلُودِ زَكِيَّةً ويَزِيدُها اللَّهُ زَكاءً وارْتِياضًا يَوْمَ البَعْثِ. وإنِ انْغَمَسَتْ مُدَّةَ الحَياةِ في حَمْأةِ النَّقائِصِ وصَلْصالِ الرَّذائِلِ جاءَتْ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى ما كانَتْ عَلَيْهِ تَشْوِيهًا لِحالِها. لِتَكُونَ مَهْزَلَةً لِأهْلِ المَحْشَرِ. وقَدْ تَبْقى في النُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ خَلائِقُ لا تُنافِي الفَضِيلَةَ ولا تُناقِضُ عالَمَ الحَقِيقَةِ مِثْلُ الشَّهَواتِ المُباحَةِ ولِقاءِ الأحِبَّةِ قالَ تَعالى ﴿الأخِلّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهم لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلّا المُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: ٦٧] ﴿يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ ولا أنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ [الزخرف: ٦٨] ﴿الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وكانُوا مُسْلِمِينَ﴾ [الزخرف: ٦٩] ﴿ادْخُلُوا الجَنَّةَ أنْتُمْ وأزْواجُكم تُحْبَرُونَ﴾ [الزخرف: ٧٠] . وفي الحَدِيثِ: أنَّ النَّبِيءَ ﷺ قالَ: «إنَّ رَجُلًا مِن أهْلِ الجَنَّةِ يَسْتَأْذِنُ رَبَّهُ أنْ يَزْرَعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: أوَلَسْتَ فِيما شِئْتَ قالَ: بَلى، ولَكِنْ أُحِبُّ أنْ أزْرَعَ، فَأسْرَعَ وبَذَرَ فَيُبادِرُ الطَّرْفَ نَباتُهُ واسْتِواؤُهُ واسْتِحْصادُهُ وتَكْوِيرُهُ أمْثالَ الجِبالِ. وكانَ رَجُلٌ مِن أهْلِ البادِيَةِ عِنْدَ النَّبِيءِ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، لا نَجْدُ هَذا إلّا قُرَشِيًّا أوْ أنْصارِيًّا فَإنَّهم أصْحابُ زَرْعٍ فَأمّا نَحْنُ فَلَسْنا بِأصْحابِ زَرْعٍ، فَضْحِكَ النَّبِيءُ» ﷺ - إقْرارًا لِما فَهِمَهُ الأعْرابِيُّ.
وفِي حَدِيثِ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُسْلِمٍ أنَّ النَّبِيءَ ﷺ قالَ «يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلى ما ماتَ عَلَيْهِ» . قالَ عِياضٌ في الإكْمالِ هو عامٌّ في كُلِّ حالَةٍ ماتَ عَلَيْها المَرْءُ. قالَ السُّيُوطِيُّ: يُبْعَثُ الزَّمّارُ بِمِزْمارِهِ. وشارِبُ الخَمْرِ بِقَدَحِهِ اهـ. قُلْتُ: ثُمَّ تَتَجَلّى لَهُمُ الحَقائِقُ عَلى ما هي عَلَيْهِ إذْ تَصِيرُ العُلُومُ عَلى الحَقِيقَةِ.
وخَتَمَ هَذا الكَلامَ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿ألا إنَّهم هُمُ الكاذِبُونَ﴾ وهو تَذْيِيلٌ جامِعٌ لِحالِ كَذِبِهِمُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ ﴿ويَحْلِفُونَ عَلى الكَذِبِ﴾ [المجادلة: ١٤] . فالمُرادُ أنَّ كَذِبَهم عَلَيْكم لا يُماثِلُهُ كَذِبٌ، حَتّى قُصِرَتْ صِفَةُ الكاذِبِ عَلَيْهِمْ بِضَمِيرِ الفَصْلِ في قَوْلِهِ ﴿ألا إنَّهم هُمُ الكاذِبُونَ﴾ وهو قَصْرٌ ادِّعائِيٌّ لِلْمُبالَغَةِ لِعَدَمِ الِاعْتِدادِ بِكَذِبِ غَيْرِهِمْ. وأكَّدَ ذَلِكَ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ تَوْكِيدًا لِمُفادِ الحَصْرِ الِادِّعائِيِّ وهو أنَّ كَذِبَ غَيْرِهِمْ كَلا كَذِبٍ في جانِبِ كَذِبِهِمْ، وبِأداةِ الِاسْتِفْتاحِ المُقْتَضِيَةِ اسْتِمالَةَ السَّمْعِ لِخَبَرِهِمْ لِتَحْقِيقِ تَمَكُّنِ صِفَةِ الكَذِبِ مِنهم حَتّى أنَّهُ يُلازِمُهم يَوْمَ البَعْثِ.
{"ayah":"یَوۡمَ یَبۡعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِیعࣰا فَیَحۡلِفُونَ لَهُۥ كَمَا یَحۡلِفُونَ لَكُمۡ وَیَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ عَلَىٰ شَیۡءٍۚ أَلَاۤ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡكَـٰذِبُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











