الباحث القرآني
﴿إنَّما النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيُحْزِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ولَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئًا إلّا بِإذْنِ اللَّهِ وعَلى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ﴾ .
تَسْلِيَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وتَأْنِيسٌ لِنُفُوسِهِمْ يُزالُ بِهِ ما يَلْحَقُهم مِنَ الحُزْنِ لِمُشاهَدَةِ نَجْوى المُنافِقِينَ لِاخْتِلافِ مَذاهِبِ نُفُوسِهِمْ إذا رَأوُا المُتَناجِينَ في عَدِيدِ الظُّنُونِ والتَّخَوُّفاتِ كَما تَقَدَّمَ. فالجُمْلَةُ اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ اقْتَضَتْهُ مُناسِبَةُ النَّهْيِ عَنِ النَّجْوى، عَلى أنَّها قَدْ تَكُونُ تَعْلِيلًا لِتَأْكِيدِ النَّهْيِ عَنِ النَّجْوى.
والتَّعْرِيفُ في النَّجْوى تَعْرِيفُ العَهْدِ لا مَحالَةَ. أيْ نَجْوى المُنافِقِينَ الَّذِينَ يَتَناجَوْنَ بِالإثْمِ والعُدْوانِ ومَعْصِيَةِ الرَّسُولِ ﷺ .
والحَصْرُ المُسْتَفادُ مِن إنَّما قَصْرٌ مَوْصُوفٌ عَلى صِفَةٍ، ومِنِ ابْتِدائِيَّةٌ، أيْ قَصَرَ النَّجْوى عَلى الكَوْنِ مِنَ الشَّيْطانِ، أيْ جائِيَةٌ لِأنَّ الأغْراضَ الَّتِي يَتَناجَوْنَ فِيها مِن أكْبَرِ ما يُوَسْوِسُ الشَّيْطانُ لِأهْلِ الضَّلالَةِ بِأنْ يَفْعَلُوهُ لِيُحْزِنَ الَّذِينَ آمَنُوا بِما يَتَطَرَّقُهم مِن خَواطِرِ الشَّرِّ بِالنَّجْوى، وهَذِهِ العِلَّةُ لَيْسَتْ قَيْدًا في الحَصْرِ، فَإنَّ لِلشَّيْطانِ عِلَلًا أُخْرى مِثْلَ إلْقاءِ المُتَناجِينَ في الضَّلالَةِ، والِاسْتِعانَةِ بِهِمْ عَلى إلْقاءِ الفِتْنَةِ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأغْراضِ الشَّيْطانِيَّةِ.
وقَدْ خُصَّتْ هَذِهِ العِلَّةُ بِالذِّكْرِ لِأنَّ المَقْصُودَ تَسْلِيَةُ المُؤْمِنِينَ وتَصَبُّرُهم عَلى أذى المُنافِقِينَ ولِذَلِكَ عَقَّبَ بِقَوْلِهِ ﴿ولَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئًا﴾ لِيَطْمَئِنَّ المُؤْمِنُونَ بِحِفْظِ اللَّهِ إيّاهم مِن ضُرِّ الشَّيْطانِ. وهَذا نَحْوُ قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ﴾ [الحجر: ٤٢] .
(p-٣٥)وقَرَأ نافِعٌ وحْدَهُ ”لِيُحْزِنَ“ بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ الزّايِ فَيَكُونُ ”الَّذِينَ آمَنُوا“ مَفْعُولًا. وقَرَأهُ الباقُونَ بِفَتْحِ الياءِ وضَمَّ الزّايِ مُضارِعُ حَزِنَ فَيَكُونُ ”الَّذِينَ آمَنُوا“ فاعِلًا وهُما لُغَتانِ.
وجُمْلَةُ ﴿ولَيْسَ بِضارِّهِمْ﴾ إلَخْ مُعْتَرِضَةٌ.
وضَمِيرُ الرَّفْعِ المُسْتَتِرُ في قَوْلِهِ ”بِضارِّهِمْ“ عائِدٌ إلى الشَّيْطانِ.
والمَعْنى: أنَّ الشَّيْطانَ لا يَضُرُّ المُؤْمِنِينَ بِالنَّجْوى أكْثَرَ مِن أنَّهُ يُحْزِنُهم. فَهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿لَنْ يَضُرُّوكم إلّا أذًى﴾ [آل عمران: ١١١] أوْ عائِدٌ إلى النَّجْوى بِتَأْوِيلِهِ بِالتَّناجِي، أيْ لَيْسَ التَّناجِي بِضارِّ المُؤْمِنِينَ لِأنَّ أكْثَرَهُ ناشِئٌ عَنْ إيهامِ حُصُولِ ما يَتَّقُونَهُ في الغَزَواتِ.
وعَلى كِلا التَّقْدِيرَيْنِ فالِاسْتِثْناءُ بِقَوْلِهِ إلّا بِإذْنِ اللَّهِ اسْتِثْناءٌ مِن أحْوالٍ. والباءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، أيْ إلّا في حالِ أنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدَّرَ شَيْئًا مِنَ المَضَرَّةِ مِن هَزِيمَةٍ أوْ قَتْلٍ. والمُرادُ بِالإذْنِ أمْرُ التَّكْوِينِ.
وانْتَصَبَ شَيْئًا عَلى المَفْعُولِ المُطْلَقِ، أيْ شَيْئًا مِنَ الضُّرِّ.
ووُقُوعُ شَيْئًا وهو ذِكْرُهُ في سِياقِ النَّفْيِ يُفِيدُ عُمُومَ نَفْيِ كُلِّ ضُرٍّ مِنَ الشَّيْطانِ، أيِ انْتَفى كُلُّ شَيْءٍ مِن ضُرِّ الشَّيْطانِ عَنِ المُؤْمِنِينَ، فَيَشْمَلُ ضُرَّ النَّجْوى وضُرَّ غَيْرِها، والِاسْتِثْناءُ في قَوْلِهِ تَعالى إلّا بِإذْنِ اللَّهِ مِن عُمُومِ ”شَيْئًا“ الواقِعُ في سِياقِ النَّفْيِ، أيْ لا ضُرًّا مُلابِسًا لِإذْنِ اللَّهِ في أنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ ضُرَّهُ فِيهِ، أيْ ضُرَّ وسْوَسَتِهِ.
واسْتُعِيرَ الإذْنُ لِما جَعَلَهُ اللَّهُ في أصْلِ الخِلْقَةِ مِن تَأثُّرِ النُّفُوسِ بِما يُسَوِّلُ إلَيْها. وهو مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إلّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغاوِينَ﴾ [الحجر: ٤٢] فَإذا خَلّى اللَّهُ بَيْنَ الوَسْوَسَةِ وبَيْنَ العَبْدِ يَكُونُ اقْتِرابُ العَبْدِ مِنَ المَعاصِي الظّاهِرَةِ والباطِنَةِ في كُلِّ حالَةٍ يَبْتَعِدُ فِيها المُؤْمِنُ عَنْ مُراقَبَةِ الأمْرِ والنَّهْيِ الشَّرْعِيَّيْنِ. وهَذا الضُّرُّ هو المُعَبَّرُ عَنْهُ بِالسُّلْطانِ في قَوْلِهِ تَعالى في شَأْنِ الشَّيْطانِ ﴿إنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إلّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغاوِينَ﴾ [الحجر: ٤٢] أيْ فَلَكَ عَلَيْهِ سُلْطانٌ. وهَذِهِ التَّصارِيفُ الإلَهِيَّةُ جارِيَةٌ عَلى وفْقِ حِكْمَةِ اللَّهِ تَعالى وما يَعْلَمُهُ مِن أقْوالِ عِبادِهِ وسَرائِرِهِمْ وهو يَعْلَمُ السِّرَّ وأخْفى.
(p-٣٦)ولِهَذا ذُيِّلَ بِقَوْلِهِ ﴿وعَلى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ﴾ لِأنَّهم إذا تَوَكَّلُوا عَلى اللَّهِ تَوَكُّلًا حَقًّا بِأنِ اسْتَفْرَغُوا وُسْعَهم في التَّحَرُّزِ مِن كَيْدِ الشَّيْطانِ واسْتَعانُوا بِاللَّهِ عَلى تَيْسِيرِ ذَلِكَ لَهم فَإنَّ اللَّهَ يَحْفَظُهم مِن كَيْدِ الشَّيْطانِ قالَ تَعالى ﴿ومَن يَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ فَهو حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: ٣] .
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ عُمُومُ ”شَيْئًا“ مُرادًا بِهِ الخُصُوصُ، أيْ لَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئًا مِمّا يُوهِمُهُ تَناجِي المُنافِقِينَ مِن هَزِيمَةٍ أوْ قَتْلٍ إلّا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ حُصُولَ هَزِيمَةٍ أوْ قَتْلٍ.
والمَعْنى: أنَّ التَّناجِيَ يُوهِمُ الَّذِينَ آمَنُوا ما لَيْسَ واقِعًا فَأعْلَمَهُمُ اللَّهُ أنْ لا يَحْزَنُوا بِالنَّجْوى لِأنَّ الأُمُورَ تَجْرِي عَلى ما قَدَّرَهُ اللَّهُ بِنَفْسِ الآمِرِ حَتّى تَأْتِيَهُمُ الأخْبارُ الصّادِقَةُ.
وتَقْدِيمُ الجارِّ والمَجْرُورِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وعَلى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ﴾ لِلِاهْتِمامِ بِمَدْلُولِ هَذا المُتَعَلِّقِ.
{"ayah":"إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ لِیَحۡزُنَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَلَیۡسَ بِضَاۤرِّهِمۡ شَیۡـًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق